ايوب وابراهيم مثالان على الصبر الجميل
قال تعالى : { وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين } [الأنبياء : 83 ، 84 ]
وقال تعالى: { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب * و خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب } [ ص : 41 ـ 44 ]
وعن أنس بن مالك ـ t ـ أن رسول الله ـ r ـ قال: " إن أيوب نبي الله لَبِثَ في بلائِهِ ثَمَانِ عَشرة سنة ، فَرَفَضَه القَريب والبَعيد إلا رَجُلَين مِن إخوانه ، كانا مِن أَخَصِّ إخوانه ، كانا يَغْدُوَان إليه وَيَرُوحَان ، فقال أَحَدُهما لِصَاحِبهِ : تَعْلَمُ والله لقد أَذْنَبَ أيوبَ ذَنْبَاً ما أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِن العَالمين ؛ قال له صَاحِبُه : وما ذاكَ ؟ قال : منذُ ثَمانِ عَشرةَ سنةً لم يَرْحَمْهُ اللهُ ، فيكشفَ ما به ، فلما رَاحَا إليه لم يَصْبِر الرَجُلُ حتى ذَكرَ ذلك له ، فقال أيوب ـ u ـ : لا أَدْري ما تَقولُ غير أنَّ اللهَ يَعْلَمُ أنَّي كنت أَمُرُّ على الرَّجُلين يتنازَعان فيذْكُران اللهَ فَأَرْجِعُ إلى بيْتي ، فأُكفِّر عنهما كَرَاهِيةَ أنْ يُذْكَرَ اللهُ إلا في حَقٍ ؛ قال : وكان يَخْرُجُ إلى حاجَتِه ، فإذا قَضى حاجَتَه أَمْسَكت امرأَتُه بيدِهِ ، فلما كان ذاتَ يَوم أَبْطَأَ عليها ، فَأَوْحى اللهُ إلى أيوب في مَكَانِه : { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } فَاسْتَبْطَأَتْهُ ، فَبَلَغَتْهُ ، فأَقْبَلَ عليها قد أَذْهَبَ اللهُ ما به مِن البلاء ، فهو أَحْسن ما كان فلما رأتْهُ ؛ قالت : أَيْ ـ بارَكَ اللهُ فِيْكَ ـ هل رأيت نبي الله هذا المُبْتَلى ؟ ـ والله على ذلك ما رأَيْتُ أحداً أَشْبَهَ به مِنكَ إذ كان صَحيحاً ! ـ قال : فَإِنِّي أَنا هُو ؛ وكان له أَنْدُرَان ( والأندر هـو :الموضع الذي يطحن فيه الطعام ) أَنْدُر القمح وأندر الشَّعير ، فَبَعَثَ الله سَحَابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فَاضَت ، وأفْرَغَت الأُخرى على الشَّعير الوَرِق ( أي : الفضة ) حتى فاضت "صححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وإسناده على شرط مسلم
تلك هي النصوص الواردة في كتاب الله ـ U ـ وسنة نبينا ـ r ـ وإليك بعضاً من فوائدها .
التي في قصة أيوب ـ u ـ ما يلي :
أولاً : أن عاقبة الصبر عاقبة حسنة حتى صار أيوب ـ u ـ أسوة حسنة لمن ابتلى بأنواع البلاء .
ثانيًا : أن من امتحن في الدنيا بمحنة ، فتلقاها بجميل الصبر ، وجزيل الحمد رجي له كشفها في الدنيا مع حسن الجزاء في الآخرة .
ثالثاً : الرضا بقدر الله ـ U ـ والتسليم الكامل بذلك ، وهذا من شأنه أن يَعْمُر الأمن ، والإيمان قلب المؤمن ، فيعيش في غاية السعادة ؛ وإن تضجر بقدر الله ، فإنه يعيش حياة البؤس ، والشقاء ، وأن اليأس ، والبكاء لا يرد شيئاً مما فات ، وإنما التوجه إلى الله بالضراعة كما فعل أيوب ـ u ـ والصبر على المكاره يزيل من النفوس الهم ، والغم .
قال الشاعر :
فَدَعْ مَا مَضى واصْبِرْ على حِكِمْةِ الْقَضَا
فَلَيْسَ يَنَالُ الْمَرْءُ مَا فَـاتَ بِالْجُهْـدِ
رابعاً : أن في دعاء أيوب ـu ـ ومُنَاجاته ربه آداب ينبغي أن نراعيها، ونتعلمها منها : أنه عرض حاله فقط على الله ـ U ـ وكأنه يقول : هذه هي حالي فإن كان يرضيك هذه الآلام ، والأمراض التي تسري في أْوْصَالي ، وهذه الآلام التي تؤرقني ، وإن كان يرضيك فقري ، وزوال أموالي وأولادي إن كان يرضيك هذا ، فلا شك أنه يرضيني ، وإن كان عفوك وكرمك ورحمتك تقتضي أن ترحمني ، وتزيل ما بي من بؤس ، وألم ، فالأمر كله إليك ، ولا حول ، ولا قوة إلا بك .
خامساً : حسن التوجه بالدعاء إلى الله ـ U ـ والثقة بالاستجابة .
يقول الأستاذ/ سيد قطب ـ رحمه الله ـ : وقصة ابتلاء أيوب ـ u ـ من أروع القصص في الابتلاء ، والنصوص القرآنية تشير إلى مجملها دون تفصيل ، وأيوب ـ u ـ هنا في دعائه لا يزيد على وصف حاله { أني مسني الضر } ووصف ربه بصفته { وأنت أرحم الراحمين } ثم لا يدعوا بتغيير حاله ، صبراً على بلائه ، ولا يقترح شيئاً على ربه تأدباً معه ، وتوقيراً ، فهو أنموذج للعبد الصابر الذي لا يضيق صدره بالبلاء ، ولا يتململ من الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع الأعصار ، بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه ، فيدع الأمر كله إليه اطمئناناً إلى علمه بالحال ، وغناه عن السؤال وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب ـ u ـ إلى ربه بهذه الثقة ، وبذلك الأدب كانت الاستجابة ، وكانت الرحمة ، وكانت نهاية الابتلاء . قال تعالى :{فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم } رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح ، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم { رحمة من عندنا } فكل نعمة فهي من عند الله ومنة {وذكرى للعابدين } تذكرهم بالله وبلائـه ورحمته في البلاء وبعـد البلاء ، وإن في بلاء أيوب ـ u ـ لمثلاً للبشرية كلها .
والحاصل أن قصة ابتلاء أيوب ـ u ـ وصبره ذائعة مشهورة وهي تضرب مثلاً للابتلاء ، والصبر ، وقد ابتلاه الله ـ U ـ فصبر صبرًا جميلاً ، ويبدو أن ابتلاءه ـ u ـ كان بذهاب المال ، والأهل ، والصحة جميعًا ولكنه ظل على صلته بربه ، وثقته به ، ورضاه بما قسم له ، وكان الشيطان يُوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له ومنهم زوجته بأن الله ـ U ـ لو كان يحب أيوب ـ u ـ ما ابتلاه ، وكانوا يحدثونه بهذا فيؤذيه في نفسه أشد مما يؤذيه الضر والبلاء ، فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة حلف لئن شفاه الله ليضربنها عددًا عَيّنَه ، قيل مائـة ، وعندئذٍ توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان ، ومداخله إلى نفوس خلصائه ، وَوَقْع هذا الإيذاء في نفسه { أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } فلما عرف ربه منه صدقه ، وصبره ، ونفوره من محاولات الشيطان ، وتأذيه بها أدركه برحمته ، وأنهى ابتلاءه ، ورد عليه عافيته إذ أمره أن يضرب الأرض بقدمه فتنفجر عين باردة يغتسل منها ويشرب فيشفى ويبرأ { اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب } فأما قسمه ليضربن زوجته ، فرحمة من الله به وبزوجته التي قامت على رعايته ، وصبرت على بلائه ، وبلائها به ، أمره الله أن يأخذ مجموعة من العيدان بالعدد الذي حدده فيضربها بها ضربة واحدة تجزيء عن يمينه فلا يحنث فيها { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } هـذا التيسير ، وذلك الإنعام كانا جزاءً على ما علمه الله من عبده أيوب ـ u ـ من الصبر على البلاء وحسن الطاعة ، والالتجاء إليه سبحانه { إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب } والمهم في معرض القصص هنا تصوير رحمة الله ـ U ـ وفضله على عباده الذين يبتليهم ، فيصبرون على بلائه ، وترضى نفوسهم بقضائه .
* * * * *
وأخص منها بالذكر الآيات التي تحدثت عن دعاء إبراهيم ـ u ـ لربه ـ U ـ حيث قال : { الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين * رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * واغفر لأبي إنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم } [الشعراء : 87 ـ 89 ]
من الفوائد التي في دعاء إبراهيم ـ u ـ ما يلي :
أولاً : بداية الدعاء بصفة الله ـ U ـ وتأكيد الصلة والاحتياج إليه ـ سبحانه وتعالى ـ يقول الأستاذ / سيد قطب ـ رحمه الله ـ : ثم يأخذ إبراهيم ـ uـ في صفة ربه رب العالمين ، وصلته به في كل حال ،
وفي كل حين فنحس القربى الوثيقة ، والصلة الندية ، والشعور بيد الله ـ U ـ في كل حركة ، ونَأْمَة ، وفي كل حالة وغاية .
{ الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } ونستشعر من صفة إبراهيم ـ u ـ لربه ـ U ـ واسترساله في تصوير صلته به أنه يعيش بكيانه كله مع ربه ، وأنه يتطلع إليه في ثقة ، ويتوجه إليه في حب ، وأنه يصفه كأنه يراه ، ويحس وقع إنعامه وإفضاله عليه بقلبه ومشاعره وجوارحه 00000
والنغـمة الـرخـية في حكايـة قـولـه في القرآن تساعد على إشاعة هذا الجو وإلقاء هذا الظل بالإيقاع العذب الرخي اللين المديد 00000
{ الذي خلقني فهو يهدين } الذي أنشأني من حيث يعلم ولا أعلم فهو أعلم بماهيتي وتكويني ووظائفي ومشاعري وحالي ومآلي { فهو يهدين } إليـه وإلى طريقي الذي أسلكه وإلى نهجي الذي أ سير عليه ، وكأنما يحس إبراهيم ـ u ـ أنه عجينه طيعة في يد الصانع المبدع يصوغها كيف
يشاء على أي صورة أراد إنه الاستسلام المطلق في طمأنينة وراحة وثقة ويقين.
ثانيًا : أن من حسن الأدب عدم نسبة الابتلاء إلى الله ـU ـ مع العلم أنه بمشيئته ـ سبحانه وتعالى ـ قال تعالى :{ والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين } فهي الكفالة المباشرة الحانية الراعية الرفيقة الودود يحس بها إبراهيم ـ u ـ في الصحة والمرض ، ويتأدب بأدب النبوة الرفيع فلا ينسب مرضه إلى ربه وهو يعلم أنه بمشيئة ربه يمرض ويصح إنما يذكر ربه في مقام الإنعام والإفضال إذ يطعمه ويسقيه ويشفيه ولا يذكره في مقام الإبتلاء حين يبتليه { والذي يميتني ثم يحيين } فهو الإيمان بأن الله هو الذي يقضي الموت ، وهو الإيمان بالبعث والنشور في استسلام ورضى عميق .
ثالثاً : أن إبراهيم ـ u ـ رغم أنه رسول إلا أنه يخشى أن تكون له خطيئة قال تعالى : { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } فأقصى ما يطمع فيه إبراهيم ـ u ـ النبي الرسول الذي يعرف ربه هذه المعرفة ، ويشعر بربه هذا الشعور ، ويحس في قرارة نفسه هذه القربى أقصى ما يطمع فيه أن يغفر له ربه خطيئته يوم الدين ، فهـو لا يبريء نفسه ، وهو يخشى أن تكون له خطيئة ، وهو لا يعتمد على عمله ولا يرى أنه يستحق بعمله شيئاً ، إلا أنه يطمع في فضل ربه ويرجوا رحمته وهذا وحده هو الذي يطمعه في العفو والمغفرة ، إنه شعور التقوى ، وشعور الأدب ، وشعور التحرج ، وهو الشعور الصحيح بقيمة نعمة الله وهي عظيمة ـ عظيمة وقيمة عمل العبد وهو ضئيل ضئيل ، وهكذا يجمع إبراهيم ـ u ـ في صفة ربه عناصر العقيدة الصحيحة : توحيد الله رب العالمين ، والإقرار بتصريفه للبشر في أدق شؤون حياتهم على الأرض ، والبعث والحساب بعـد الموت ، وفضل الله ، وتقصير العبد وهي العناصر التي ينكرها قومه وينكرها المشركون ثم يأخذ إبراهيم الأواه المنيب في دعاء رخي مديد يتوجه به إلى ربه في إيمان وخشوع .
رابعًا : أن الهمم العالية تطلب ما طلبه إبراهيم ـ u ـ وتعيش من أجله قال تعالى : { رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * واغفر لأبي إنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم } والدعاء كله ليس فيه طلبلعرض من أعراض هذه الأرض ، ولا حتى صحة البدن إنه دعاء يتجه إلى أفاق أعلى ، تحركه مشاعر أصفى ، ودعاء القلب الذي عرف الله فأصبح يحتقر ما عداه ، والذي ذاق فهو يطلب المزيد ، والذي يرجوا ويخاف في حدود ما ذاق وما يريد ويتضمن هذا الطلب ما يلي :
1ـ طلب الحكمة . قال تعالى : { رب هب لي حكماً } أي : أعطني الحكمة التي أعرف بها القيم الصحيحة والقيم الزائفة فأبقى على الدرب يصلني بما هوأبقى .
2- طلب اللحاق بالصالحين . قال تعالى : { وألحقني بالصالحين } يقولها إبراهيم ـ u ـ النبي الكريم الأواه الحليم فياللتواضع ويا للتحرج وياللإشفاق من التقصير وياللخوف من تقلب القلوب وياللحرص على مجرد اللحاق بالصالحين بتوفيق من ربه إلى العمل الصالح الذي يلحقه بالصالحين .
3 ـ طلب الذكرى الحسنة بعد وفاته بالذرية الصالحة وغيرها من الأعمال الصالحة . قال تعالى :{ واجعل لي لسان صدق في الآخرين } دعوة تدفعه إليها الرغبة في الإمتداد لا بالنسب ولكن بالعقيدة ، فهو يطلب إلى ربه أن يجعل له فيمن يأتون أخيرًا لسان صدق يدعوهم إلى الحق ويردهم إلى الحنيفية السمحاء دين إبراهيم ـ u ـ ولعلها هي دعوته في موضع آخر إذ يرفع قواعد البيت الحرام هو وابنه إسماعيل ـ عليهما السلام ـ {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } [ البقرة : 128 ـ 129 ]
وقد استجاب الله ـ U ـ له وحقق دعوته ، وجعل له لسان صدق في الآخرين وبعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ، وكانت الاستجابة بعد آلاف من السنين هي في عرف الناس أمد طويل ، وهي عند الله ـ U ـ أجل معلوم تقتضي حكمته أن تتحقق الدعوة المستجابة فيه .
4 ـ طلب جنة النعيم : قال تعالى : { واجعلني من ورثة جنة النعيم } وقد دعا ربه ـ من قبل ـ أن يلحقه بالصالحين بتوفيقه إلى العمل الصالح الذي يسلكه في صفوفهم وجنة النعيم يرثها عباد الله الصالحين .
5 ـ طلب المغفرة لوالديه ولمن تكون ؟ قال تعالى { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } ذلك على الرغم مما لقيه إبراهيم ـu ـ من أبيه من غليظ القول وبالغ التهديد ، ولكنه كان قد وعده أن يستغفر له فوفى بوعده ، وقد بين القرآن فيما بعد أنه لايجوز الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى ، وقرر أن إبراهيم ـ u ـ استغفر لأبيه بناء على موعدة وعدها إياه { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } [ التوبة : 114 ]
وعرف أن القرابة ليست قرابة النسب إنما هي قرابة العقيدة ، وهذه إحدى مقومات التربية الإسلامية الواضحة ، فالرابطة الأولى هي رابطة العقيدة في الله.
6ـ طلب سلامة القلب وعدم الخزي يوم القيامة . قال تعالى : { ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم }ونستشف من قول إبراهيم ـ u ـ : { ولا تخزني يوم يبعثون } مدى شعوره بهول اليوم الآخر ومدى حيائه من ربه وخشيته من الخزي أمامه وخوفه من تقصيره وهو النبي الكريم .
كما نستشف من قوله : { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } مدى إدراكه لحقيقة ذلك اليوم ، وإدراكه كذلك لحقيقة القيم فليست هنالك من قيمة في يوم الحساب إلا قيمة الإخلاص إخلاص القلب كله لله وتجرده من كل شائبة ، ومن كل مرض ، ومن كل غرض ، وصفائه من الشهوات ، والانحرافات وخلوه من التعلق بغير الله فهذه سلامته التي تجعل له قيمة ووزنا {يوم لا ينفع مال ولا بنون } ولا ينفع شيء من هذه القيم الزائلة الباطلة التي يتكالب عليها المتكالبون في الأرض وهي لا تزن شيئاً في الميزان الأخير .
* * * * *