هل تنبأ الكتاب المقدس بمحمد
لا ريب أن نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إحدى أهم مسألتين يحملهما المسلم إلى العالمين
فالمسلمون يرون في إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم تمام الأصل الأول من أصول دينهم، لذا كان لزاماً عليهم أن يدفعوا بحجتهم وبرهانهم في إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام.
وطرق إثبات نبوته كثيرة ، ومن أهم هذه الطرق: البشارات التي صدرت عن الأنبياء السابقين، وهي تبشر بمقدم نبي خاتم يؤسس دين الله الذي ارتضاه إلى قيام الساعة ديناً.
وتأتي أهمية هذا الطريق - الذي حرص المسلمون على الاهتمام به – في كونه يقيم الحجة على أهل الكتاب بما يعتقدونه من الكتب التي أشار إلى مبعث هذا النبي بقرون متفاوتة في البعد.
وأهل الكتاب من يهود ونصارى مقرون بوجود هذه البشارات، ومقرون بدلالتها على النبي الخاتم، لكنهم يصرون على أنه رجل من بني إسرائيل يزعم النصارى أنه عيسى ابن مريم، بينما ما زال اليهود ينتظرونه، ونهدف هنا إلى إثبات أن هذا النبي هو محمد صلى الله عليه وسلم، وليس غيره من الأنبياء الكرام.
أما الكتب التي وردت بها هذه البشارات فقد سبق لنا التعريف بحالها، واستشهادنا بها ليس تزكية لها، إنما هو بحث عن القليل من أثارة النبوة في سطورها، هذا القليل نؤمن به ولا نكذبه، إذ هو مصدق لما بين أيدينا، وقد قال صلى الله عليه وسلم مثبتاً وجود حق في هذه الكتب: « لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به » . رواه أحمد في مسنده 3/387
أما إذا جاء في هذه الكتب ما تشهد له آيات القرآن ونصوص السنة، فهذه شهادة بأن ذا قد سلم من التحريف أو كثير منه « ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب » الأعراف: 43.
ننبه إلى أمرين بسببهما ضاعت أو غمضت كثير من البشارات الكتابية.
أولهما: أن لأهل الكتاب عادة في ترجمة الأسماء إلى معانيها، فيوردون في الترجمة المعنى دون الاسم، وقد يزيدون تفسيراً للعبارة، ويقحمونه في النص، ولكم ضاع بسبب هذا الصنيع من دلالات واضحات منها نبوءة المسيح عن البارقليط، والذي تسميه التراجم الحديثة: المعزي، ومنها البشارة النبي حجي بمقدم «محماد» التي ترجمها المترجمون بمشتهى، فضاعت الكثير من دلالاتها «ويأتي مشتهى كل الأمم» حجي 2/7.
ونحوه ما جاء في المزامير 84/6.عندما ذكرت اسم مدينة المسيح القادم «بكة» ، فترجمها المترجمون إلى العربية إلى وادي البكاء ، لتضيع دلالتها على كل عربي يعرف أن مكة «بكة» هي بلد محمد صلى الله عليه وسلم « إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدًى للعالمين » آل عمران: 96.
وضرب رحمة الله الهندي في كتابه الماتع «إظهار الحق» لهذا الصنيع من المترجمين ثلاثة عشر مثالاً قارن فيها بين طبعات مختلفة للكتاب المقدس، ليقف منها على أثر هذا الصنيع في ضياع دلالات النصوص، منها: أنه جاء في الطبعة العربية 1811م « سمى إبراهيم اسم الموضع: مكان يرحم الله زائره » انظر التكوين 22/14 فاسم المكان العبراني أبدله المترجم بمعناه، وفي طبعة 1844م العربية قال: « دعا اسم ذلك الموضع:» الرب يرى «، وبذلك ضاع الاسم الصحيح، واختلفت المعاني ومثله كثير....ثم يقول رحمة الله الهندي: » فهؤلاء المترجمون لو بدلوا في البشارات المحمدية لفظ رسول الله بلفظ آخر، فلا استبعاد منهم «.
ونقل العلامة رحمة الله الهندي عن حيدر القرشي صاحب كتاب » خلاصة سيف المسلمين « قوله: » إن القسيس أوسكان الأرمني ترجم كتاب إشعياء باللسان الأرمني في سنة ألف وستمائة وست وستين، وطبعت هذه الترجمة في سنة ألف وسبعمائة وثلاث وثلاثين في مطبعة أنتوني بورتولي، ويوجد في هذه الترجمة في الباب الثاني والأربعين هذه الفقرة: « سبحوا الله تسبيحاً جديداً، وأثر سلطنته على ظهره، واسمه أحمد » إشعيا 42/10 – 11.
ثانيهما: الكتاب المقدس كثير الاستعارات، تكثر فيه الرموز والإشارات خاصة فيما يتعلق بالمستقبل، يقول صاحب كتاب « مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين » : « وأما اصطلاح الكتاب المقدس فإنه ذو استعارات وافرة غامضة وخاصة العهد العتيق » ويقول أيضاً: « واصطلاح العهد الجديد أيضاً هو استعاري جداً، وخاصة مسامرات مخلصنا، وقد اشتهرت آراء كثيرة فاسدة لكون بعض معلمي النصارى شرحوها شرحاً حرفياً... » .
ونرى أن وجود الأخبار عن رسولنا في صحف أهل الكتاب حتمي ولازم، يلزم النصارى الذين يتفاخرون بأن كتابهم قد حوى الكثير من النبوءات التي تحققت فيما بعد كقيام السوفيت وإسرائيل وحتى كسينجر، وذلك كله عن طريق الإلغاز أو بحساب الجمّل أو سوى ذلك، ويقولون أيضاً بورود مئات النبوءات بخصوص المسيح، فإن النصارى يرون أن في العهد القديم ألف نبوءة عن المسيح حقق المسيح الكثير منها، وما لم يتحقق في حياة المسيح السالفة لسوف يتحقق في عودته الثانية.....
وهنا نتساءل هل من المعقول أن يخلو الكتاب المقدس من نبوءة عن ذلك الرجل الذي غير مسار التاريخ باسم الله، أما كان ينبغي أن يكون له في هذه النبوءات ولو نبوءة واحدة تحذر من حاله ودعوته أو تبشر بها؟!
والإجابة عن هذا السؤال صمت مطبق من أولئك الذين يدعون أنهم الوحيدون المؤهلون لحل ألغاز ورموز هذا الكتاب واستخراج نبوءاته وفهم مراميه.
وكيف لهؤلاء أن يفسروا ظهور كلمة النبي صلى الله عليه وسلم ودينه، وفي التوارة « وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه... فيموت ذلك النبي... فلا تخف منه » التثنية 18/20 - 22 ، وقد قال غملائيل الفريسي كلمة حق: «والآن أقول لكم: تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم، لأنه إن كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف ينتقض، وإن كان من الله فلا تقدرون أن تنقضوه، لئلا توجدوا محاربين لله أيضاً » أعمال 5/38-39 ، ودعوة نبينا لم تنتقض.
فسلامته صلى الله عليه وسلم من القتل وانتصاره على عدوه دلالة على صدقه « لأن الرب يعرف طريق الصديقين، وطريق المنافقين تهلك » المزمور 1/6 .
وكذا قال: « وتهلك كل الذين يتكلمون بالكذب، الرجل السافك الدماء والغاش يرذله الرب»
المزمور 5/6 ويقول: « الرب يعضد الصديقين... أما الخطاة فيهلكون، وأعداء الرب جميعاً.. وكالدخان يفنون » المزمور 3/17 - 20 .
فدلت هذه النصوص على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ماذا عن الكثير من النبوءات بالنبي الخاتم والتي لم تتحقق، متى ستتحقق، وقد مر على المسيح ألفي سنة؟ إن دعوى عدم تحقق هذه النبوءات يزري بالكتاب المقدس عند قارئيه.
لذا فإننا نوجه دعوة صادقة للتمعن في نبوءات الكتاب وقراءتها قراءة جديدة في ضوء ظهور الإسلام ونبيه، ونحن على ثقة بأن ذلك سيفضي إلى كشف الحقيقة والإيمان بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا نقول ذلك رجماً بالغيب، بل هي الحقيقة التاريخية التي أعلن عنها كل من تبصر في أمر هذا النبي وأحواله، وهو ما اعترف به هرقل حين جاءه كتاب النبي فأرسل إلى روما يسأل عن خبر النبي الخاتم، فلما جاءه الرد قال لقومه: «يا معشر الروم:إني قد جمعتكم لخير.إنه قد أتاني كتاب من هذا الرجل يدعوني إلى دينه، وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظره، ونحن نجده في كتبنا، فهلموا نتبعه ونصدقه، فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا» .
وأكد هذه الحقيقة إسلام العشرات المعتبرين من أهل الكتاب كالحسن بن أيوب والترجمان وزيادة النصب الراسي وعبد الأحد داود، وإبراهيم خليل، وموريس بوكاي و.....
والنبي القادم تطلق عليه الأسفار أسماء شتى، فتسميه تارة بالملك ، وتارة بالمسيا أو المسيح، بمعنى المخلص، كما تسمي أمته بأمة الملكوت، ولسوف نسميه في كثير من المواضع في بحثنا بالنبي المنتظر، أو المسيح المنتظر، جرياً على المصطلح الذي درج اليهود على استعماله، للدلالة على هذا النبي الموعود.
فقد تساءل اليهود لما رأوا يوحنا المعمدان إن كان هو المسيح القادم « فاعترف ولم ينكر، وأقر: إني لست المسيح. فسألوه إذاً ماذا؟ إيليا أنت؟ » يوحنا 1/21 – 22 . وقد جاء في إنجيل يوحنا: « مسيا الذي تفسيره المسيح » يوحنا 1/41 ، فالكلمة السريانية: « ماشيح » ، تنطق في اللغات التي ليس فيها حرف الحاء يسمى: «المسيا»
كما استخدم هذا الاسم جموع اليهود حين قالوا: « ألعل المسيح متى جاء يعمل آيات أكثر من هذه التي عملها هذا! » يوحنا 7/30 - 31 .
وقد يتمسك بعضهم بأحقية عيسى عليه السلام بهذا الاسم من غيره، حيث لقب به عليه الصلاة والسلام، فنقول: إن تسمية عيسى عليه السلام بالمسيح تسمية اصطلاحية ليست خاصة به، حيث كان اليهود يسمون أنبياءهم وملوكهم، بل وملوك غيرهم بهذا الاسم، لعادتهم في مسح ملوكهم وأنبيائهم بالزيت، ثم استمروا في تسميتهم بالمسيح ولو لم يمسحوا.
وقد سمي كورش ملك فارس مسيحاً « يقول الرب لمسيحه لكورش » إشعيا 1/45 .
وكذا طالوت وداود كانا مسيحين «والصانع رحمة لمسيحه لداود» مزمور 18/50 وانظر صموئيل 1 9/16، 10/1 .
وشاول الملك سمي مسيحاً، إذ لما أراد أبيشاي قتل شاول وهو نائم نهاه داود « فقال داود لأبيشاي: لا تهلكه فمن الذي يمد يده إلى مسيح الرب ويتبرّأ» صموئيل 1 26/7-9 .
وكذلك جاء في سفر الملوك الحديث عن الكهنة المسحاء انظر الملوك 2 1/10 ، وفي المزامير «لا تمسوا مسحائي، ولا تسيئوا إلى أنبيائي» المزمور 105/15 .
فهذا اللقب ليس خاصاً بالمسيح عيسى بن مريم عليه صلوات الله وسلامه