المرأة في الاتفاقيات الدولية
د. نهى قاطرجي
تعتبر الأمم المتحدة "حقوق المرأة ومساواتها بالرجل" موضوعاً من أهم المواضيع الذي يجب على دول العالم الاهتمام به نظراً لارتباطه الوثيق بما يعانيه العالم اليوم من تقهقر شامل في كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
فالفقر الذي يعاني منه العالم الثالث مرجعه إلى الأمية والجهل عند المرأة اللذين يصرفانها عن العمل والإنتاج ويشغلانها بالإنجاب والاهتمام بأمور البيت والزوج والأولاد.
والظلم الاجتماعي يعود إلى عدم مساواة المرأة في الحقوق والتمييز بينها وبين الرجل في الأعراف والتقاليد والتشريعات الدينية.
أما الحروب والظلم السياسي التي تمارسه الدول الكبيرة على تلك المتخلفة فهو يعود إلى بعد المرأة عن مراكز القرار التي يستأثر بها الرجل .
من هنا ونتيجة هذا القهر الذي تعاني منه المرأة حرصت الأمم المتحدة منذ منتصف القرن الماضي على إقامة المؤتمرات وإصدار الإعلانات وتوقيع الاتفاقيات التي تعمل على تأمين هذه الحقوق والتي تلزم بموجبها الدول المنتمية إلى عضوية الأمم المتحدة على التوقيع عليها وتنفيذها بمعزل عن قوانين هذه الدول وتشريعاتها وخاصة الدينية منها.
ومن هذه المؤتمرات والاتفاقيات نذكر ما يلي :
1- المؤتمر العالمي للمرأة في مكسيكو سيتي 1975 ، الذي اعتمد خطة عمل عالمية تتبناها جميع الدول المنضمَّة إلى هيئة الأمم المتحدة، ويكون هدفها ضمان مزيد من اندماج المرأة في مختلف مرافق الحياة.
2- مؤتمر كوبنهاجن – الدانمارك 1980 الذي عقد تحت شعار: "عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية: المساواة والتنمية والسلام".
ومما تجدر الإشارة إليه أنه بين مؤتمري مكسيكو وكوبنهاجن، عقدت عدة مؤتمرات، ولعل أهم ما يعنينا من هذه المؤتمرات والاتفاقيات هو تلك الاتفاقية التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18/12/1979 تحت اسم "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، هذه الاتفاقية التي جعلت كلّ المؤتمرات والإعلانات تدور في فلكها وتدعو إلى تطبيقها، هذا بالفعل ما حصل في لبنان حيث كان للمؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بيجين دوره في تسريع الخطى من أجل توقيعه على الاتفاقية الذي تمَّ في 24/7/1996.
3- مؤتمر نيروبي/ كينيا 1985 الذي عقد لاستعراض التقدم المحرز في تنفيذ خطة العمل العالمية بعد مرور عشر سنوات على وضعها قيد التنفيذ ولدراسة العقبات والمعوقات التي حالت دون تنفيذها كاملةً في جميع بلدان العالم .
4- مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عام 1994، ومما يلفت الانتباه في هذا المؤتمر الدعوة إلى حرية الجنس للمرأة وتغيير وحدة المجتمع الأساسية أي الأسرة إضافة إلى المناداة بقانونية الإجهاض.
5- مؤتمر بيجين الذي عقد عام 1995، وقد اشتهر هذا المؤتمر نظراً للتغطية الإعلامية التي حظي بها، ولطبيعة النقلة النوعية في المطالب والدعوات التي قدمت فيه.
وقد صدر عنه إعلان بيجين الذي كان من فقراته :
- تمكين المرأة ومشاركتها الكاملة على قدم المساواة في جميع جوانب حياة المجتمع بما في ذلك عملية صنع القرار وبلوغ مواقع السلطة.
- الاعتراف الصريح بحقِّ جميع النساء في التحكم بجميع الأمور المتعلقة بصحتهن وخصوصاً تلك المتصلة بالإنجاب.
- اتخاذ جميع التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز بين المرأة.
6- مؤتمر بيجين 5+ الذي عقد في نيويورك في صيف 2000 الماضي والذي خصِّص لدراسة تطبيق التوصيات الصادرة عن مؤتمر بيجين حول المرأة 1995 في السنوات الخمس الماضية والتخطيط للسنوات الخمس المقبلة وذلك تحت شعار "المرأة عام 2000: المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين".
ولعل أبرز وأهم التوصيات التي صدرت عن مؤتمر بيجين 5+ هو العمل على رفع التحفظات عن "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" والعمل على المصادقة النهائية عليها، وذلك في أفق سنة 2005.
هذا باختصار أهم المؤتمرات والتي يمكن أن نستشفَّ منها ما يلي :
1- الدعوة إلى المعارضة الصريحة للدين والأخلاق والقيم عبر التقليل من أهمية الزواج والدعوة إلى الإباحية والانحلال.
2- الدعوة إلى تغيير جذري في المجتمع عبر إلغاء دور الأم وتحديد صلاحيات الأب.
3- الدعوة إلى إبطال القوانين والأعراف والتشريعات الدينية واستبدالها بالإعلانات العالمية والاتفاقات الدولية.
4- الدعوة إلى إلغاء ثقافات الشعوب وحضاراتهم والدعوة إلى أحادية ثقافية في ظل العولمة.
هذه المؤتمرات والاتفاقيات كلّها تحدث والمسلمون والمسلمات في غفلةٍ عمَّا يجري من حولهم مطمئنين إلى حفظ الله سبحانه وتعالى لهذا الدين، وموقنين أنَّ الله عزَّ وجلَّ سيبطل عمل هؤلاء المكابرين والملحدين، مؤمنين بقول الله عز وجل: "ومكروا ويمكر الله والله خير الماكرين " ( سورة آل عمران، آية 54).
إنَّ هذا الكلام فيه كثير من الصحة، ولكن ما يحدث أن الله عزَّ وجلَّ ربط بين العمل والنصر، وقد أمر المؤمنين أن يدافعوا عن هذا الدين بكل ما أوتوا من قوة، فالله عزَّ وجلَّ الذي قال:" إنَّا نحن نزّلنا الذِّكرَ وإنَّا لهُ لحافظون" (سورة الحجر، آية 9) هو نفسه القائل: "وقُلِ اعمَلوا فسيرى اللهُ عمَلكُم ورسوله والمؤمنون" سورة التوبة، آية 105).
إنَّ الدعوة إلى العمل تكمن أهميتها في كون الخطر الذي يهدد مجتمعاتنا ينبع في كثير من الأحيان من الداخل، من تلك الهيئات والمنظمات غير الحكومية المنضمَّة إلى الأمم المتحدة التي تعمل بجهد ودون كلل من أجل تنفيذ خطط الأعداء، مستخدمة بذلك سياسة النفس الطويل، واضعة الخطط والبرامج البعيدة الأمد، مستغلة بذلك جهل كثير من المسلمين لما يدور حولهم واستخفافهم بمثل هذه التصرفات من أجل تحقيق النجاح في تعديل قانون أو تعديل تشريع.
وقد كان لهذه المنظمات والهيئات دورها في كل ما أنجز من مواثيق دولية، كما كان لها دور أيضاً في السعي لتغير القوانين المحلية، فاتفاقية القضاء على جميع التمييز ضد المرأة التي صادق عليها لبنان وقعت نتيجة جهود هذه المنظمات، كما أن قانون الزواج المدني الاختياري الذي وقَّع عليه عشرة نواب منذ فترة عرض أيضاً بجهود هذه الهيئات.
إنَّ تركيز هذه الهيئات هو على تغيير القوانين المحلية حتى ولو كان هذا التغيير لا يتفق مع الذهنيات السائدة في المجتمعات، في هذا المجال تقول السيدة لور مغيزل "لا يكفي تعديل النصوص القانونية لرفع التمييز ضد المرأة، لابد من استحداث نصوص تحظر التمييز تحت طائلة عقوبات رادعة، فتساهم في تغيير الذهنيات، بما للقانون من تأثير جازم في هذا الأمر، كما لا بدَّ من تدابير أخرى تربوية وسياسية واجتماعية واقتصادية وغير ذلك، تجعل من النصوص القانوينة، ليس مساواة شكلية، بل واقعاً معاشاً تفيد منه، ليس قلة معينة من النساء، بل النساء جميعهن، ولا سيما النساء الأشد حاجة".
إنَّ ممَّا يساعد هذه الجمعيات في مهمتها التخريبية الدعم المادي الذي يعطى لها من قبل الدول الغربية، الأمر الذي يساعدها على استخدام كل الوسائل الكفيلة في بث فكرها، فتقيم الندوات والمحاضرات وحفلات الكوكتيل للنساء المثقفات، بينما تعمل على تأسيس فروع لها في بعض المناطق الشعبية تقدم فيها المساعدات المادية والطبية بما فيها تلك التي تتعلق بتنظيم النسل والإجهاض وما إلى ذلك من أمور تؤدي حسب زعمها إلى الإضرار بصحة المرأة.
ما ورد كان ملخصاً عن بعض ما يخطط له أعداء الإسلام للمرأة والمجتمع، فهل يدرك المسلمون خطورة ما يحدث؟ أم أنَّ غالبيتهم منشغلون، كما يراد لهم، بتأمين لقمة العيش، ناسين بذلك أنهم مسؤولون يوم القيامة عن تقصيرهم في التصدي لمخططات الأعداء التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تدمير الأسرة المسلمة وتفتيت أبنائها بحيث لا يشكلون في المستقبل قوة بشرية يمكن أن تشكل خطراً عليهم وعلى أنظمتهم.
إنَّ الأسرة المسلمة هي أمانة في أعناق المسلمين، وإذا لم تحفظ هذه الأمانة وتصان فإن التغيير الذي طرأ على الأسرة في الغرب يمكن أن يطالها هي أيضاً، وقانون الزواج المدني الاختياري الذي يطالب به اليوم سيصبح مع الوقت قانوناً إلزامياً، فتبطل عندئذ أحكام الزواج والإرث، ويصبح زواج المسلمة من النصراني أمراً عادياً ومقبولاً، ويبطل دور الرجل في الأسرة فلا قوامة ولا ولاية ولا حق في إبرام الطلاق، وغير ذلك من الأمور التي، إن حدثت، تكون الاتفاقيات الدولية قد أدت مهمتها على أكمل وجه، وتستطيع عندئذ الدول الكبيرة أن تطمئن بأنَّ المسلمين لا يمكن أن يفكروا يوماً في الجهاد.