Share
افتراضي آداب الألفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الأكارم :
من إحياء علوم الدين بدأنا بمجموعة أبواب في الآداب الإسلامية فكنا قد بدأنا بآداب الأكل وأمضينا فيها وقتاً طويلاً ثم انتقلنا إلى آداب الكسب والمعاش ، وانتقلنا منه إلى باب الحلال والحرام وها نحن نصل إلى آداب الألفة أي المعاشرة ، التعامل اليومي والإمام الغزالي رضي الله عنه يعقد باباً مطولاً يتحدث فيه عن آداب الألفة التعامل فيقول : اعلم أن الألفة ثمرة حسن الخلق ، يعني حسن الخلق ثمرته الألفة والتفرق ثمرة سوء الخلق ، يعني سوء الخلق يؤدي إلى التفرقة وحسن الخلق يؤدي إلى المودة لذلك المؤمنون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد :
((عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))
[ رواه مسلم ـ أحمد ]
قال تعالى :
﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾
[ سورة الأنفال ]
يعني بين المؤمنين علاقات متينة وشيجة لا يعرفها إلا من عاينها لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف لأن كل مؤمن بأخلاقه الفاضلة يجذب أخاه النبي عليه الصلاة والسلام كان مع أصحابه الكرام في نزهة قال أحدهم علي ذبح الشاة ، قال الثاني علي سلخها ، قال الثالث علي طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام وعلي جمع الحطب .
يعني كل إنسان يبذل لأخيه الإنسان ما في وسعه هذا البذل يسبب ألفة ، ما تفسير الألفة بين المؤمنين ، لو حللت هذه المودة تحليلاً علمياً يعني إذا جاء عالم نفس أو عالم اجتماع ليحلل أسباب المودة البالغة بين المؤمنين تحليلاً علمياً يجد أن الأخلاق الفاضلة الخلق الحسن الذي يتحلى به المؤمن هو سبب المودة ، ربنا عز وجل خلقنا على فطرة سليمة وخلقنا على فطرةٍ عالية ، وكل منا يحب مكارم الأخلاق بالمناسبة فرق كبير بين أن تحب مكارم الأخرق وبين أن تكون متحلياً بمكارم الأخلاق قد تحبها ولست متحلياً بها فكل مخلوق على وجه الأرض يحب مكارم الأخلاق ، إذاً مكارم الأخلاق سبب هذه المودة ، سبب هذه العلاقة الوشيجة ، العلاقة المتينة ، تحس أن بين المؤمنين علاقةً لا يفصمها شيء لا يضعفها شيء لا يوجد غيبة يعني بعض الأخوة الأكارم لهم سهرة أسبوعية مضى عليها سبعة عشر عاماً كل ثلاثاء في بيت واحد ، بعد هذه الأعوام الطويلة طرح أحدهم سؤالاً قال: ما سبب دوام هذه الألفة ؟ وطلبوا الإجابة للجلسة القادمة فقد أجمع الأخوة على أن عدم الغيبة وعدم دخول النساء فيما بينهم سبب هذه الألفة ، المرأة تفرق إذا دخلت مجلساً تفرق هذا المجلس ، قد ينظر الزوج إلى زوجة صديقه نظرةً تسبب الحمق لزوجها ، وقد تنظر الزوجة لصديق زوجها نظرةً تسبب الغيرة لذلك إذا دخلت المرأة في مجلس تقطع ما بين هؤلاء من صلات .
يعني المجتمع المسلم مجتمع متماسك ، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا المجتمع الكافر مجتمع مفتت ولو بدا لك أنه مجتمع قال تعالى :
﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)﴾
[ سورة الحشر ]
من ثمار الخلق الحسن هذه الألفة التي بين المؤمنين ، من ثمار الخلق السيء هذه التفرقة بين الناس ، هذا ملخص الفصل ، ومهما كان المثمر محموداً كانت الثمرة محمودةً يعني على مستوى إذا ممكن الخلق الحسن يقاس بوحدات ، الآن يقيسوا الضجيج ، يقيسوا الزلزال بوحدات ، من أيام قاسوا الإشعاع النووي بوحدات قال : أربع مائة وخمسين وحدة قاتلة هذه الأشعة وجدوها في ألمانية مائة وخمسين وحدة ، فالإشعاع يقاس بوحدات والضجيج يقاس بوحدات فإذا أمكن أن نقيس الخلق الحسن بوحدات ، إذا كان مستوى خلق هذا الإنسان الحسن سبعين بالمائة فالمودة بينه وبين الناس سبعون بالمائة ، ثمانين ثمانين ، تسعين تسعين مائة بالمائة تكون مائة بالمائة ، يعني على قدر ما يتحلى الإنسان بالخلق الحسن على قدر ما يتمتع بعلاقات متينة جداً وحميمة جداً مع بقية الناس ، إذاً محبة الناس لك ثمنها أن تكون ذا خلق حسن ، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فاسعوهم بأخلاقكم الكلمة الطيبة أحياناً تثمر عملاً طيباً .
حدثني أخ كان صغيراً دخل إلى مسجد ليصلي ، خرج من المسجد فافتقد حذاءه لاحظه رجل وقور ، صالح ، خير ، فاشترى له حذاءً فقال لي : أغلب الظن أن سبب حفاظي على صلاتي منذ الصغر هذا التصرف الأخلاقي من هذا الرجل ، يعني الخلق الحسن ، لعل كلمة طيبة تنقذ بها إنسان ، لعل موقف فيه تسامح تجعل إنسان يتوب إلى الله عز وجل ، لعل موقف فيه حلم تجعل إنسان يتعرف إلى الله يقول هكذا الإسلام ، هذا الإيمان ، فالإنسان لا يدري كم نتائج الخلق الحسن كم هي باهرة ، يعني ما الذي جعل الناس من كل حدب وصوب يذهبون إلى مقام النبي عليه الصلاة والسلام بعد ألف وخمس مائة عام خلقه الحسن ، ما من مسلم إلا وقرأ عن خلقه الحسن ، يتصور تواضعه ، تسامحه ، عدله ، كرمه ، خدمته ، حبه لأصحابه إخلاصه لهم ، حبه لهم ، ترفعه عن نقائصهم ، يتولد في قلبه محبة لهذا النبي الكريم.
مهما كان المثمر محموداً كانت الثمرة محمودةً ، وحسن الخلق لا تخفى فضيلته في الدين ، يعني يكاد يكون الدين حسن خلق حتى لا يظن إنسان أن الدين صوم وصلاة ، الدين ليس صوماً وصلاة فحسب ولكنه خلق حسن ، يعني إذا قلت لي ما الذي يميز المؤمن عن غير المؤمن ؟ قد تقول الصلاة ، لا من شاء صام ومن شاء صلى ولكن الذي يميز المؤمن عن غير المؤمن خلقه الحسن ورعه ، عفافه ، استقامته ، أمانته ، صدقه ، لا يكذب ، لا يخون ، لا يتعدى ، لا ينظر إلى ما ليس له وما لا يحل له .
وقد مدح الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام فقال :
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
[ سورة القلم ]
من علامات قيام الساعة أن قيمة الرجل متاعه ، يعني في آخر الزمان الإنسان يستمد مكانته الاجتماعية من نوع سيارته ، من موقع بيته ، من مساحة بيته ، من حجم محله التجاري من دخله ، من ضعف القيم الأخلاقية في آخر الزمان أن الذي يرفع الناس فيما بينهم متاعهم دخلهم غناهم ، ومما يرفع الإنسان في المجتمعات المؤمنة خلقه الحسن لذلك إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا فساد كبير ، قال تعالى :
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)﴾
[ سورة الأنفال ]
يعني كلمة وإنك لعلى خلق عظيم وحدها تكفي ، الله سبحانه وتعالى ما وصف النبي بالغنى ، يا محمد أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً قال بل نبياً عبداً أجوع يوماً فأذكره وأشبع يوماً فأشكره ، ما يقدح من مكانة الإنسان فقره ، ولا يقدح من مكانة الإنسان بيته الصغير ، ولا يقدح من مكانته عمله المتواضع ، ضارب آلة كاتبة معه بكالوريا قد يكون عند الله عظيماً بأخلاقه الفاضلة ، قد يكون عند الله أعلى بمئات الألوف من البشر التافهين لا يقدح في قيمتك إلا الخلق السيء وإنك لعلى خلق عظيم قالوا : يا رسول الله ما هذا الأدب ؟ بحياته ما سحب يده من مصافح ، بحياته ما تحرك حركة في بيته انصرف يا أخي عندي عمل ، بحياته ، ما رؤي ماداً رجليه قط ، ما عاب طعام قط قالت : إنها قصيرة ، قال : يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ، كلمة قصيرة .
((أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق ))
يعني لو تخيلنا إنسان يصلي الضحى والأوابين وقيام الليل والتهجد ويصوم الإثنين والخميس ، ويتصدق فوق الزكاة عشر أمثال الزكاة وقلبه قاسي وكلامه فظ هذا يقدح في إيمانه ، قال تعالى :
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾
[ سورة آل عمران ]
لا يرفعك عند الله إلا الخلق الحسن ، لذلك روى الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن أن أحسن الحسن الخلق الحسن ، أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق وقال أسامة : يا رسول الله ما خير ما أعطي الإنسان ؟ ـ الذي عنده فندق دخله باليوم مائة ألف ليرة قال : عنده فندق أربعين طابق خمس نجوم طوال العام محجوز ، هذا أوتي مالاً كثيراً ، النبي الكريم يقول :
((عَنْ أُسَامَةَ ... قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْعَبْدُ قَالَ خُلُقٌ حَسَنٌ))
[ الترمزي ـ أبي داود ـ أحمد ]
الذي عنده أرض تضاعفت مائة ضعف ، اشتراها بخمسة آلاف وباعها بخمسمائة ألف ألم يؤتَ هذا الإنسان شيئاً ؟ الخلق الحسن أثقل من هذا وقال صلى الله عليه وسلم :
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال َ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاقِ ))
[ أحمد ]
وفي رواية أخرى إنما بعثت معلماً ، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقال عليه الصلاة والسلام : أثقل ما يوضع بالميزان خلق حسن .
(( وقال عليه الصلاة والسلام : ما حسن الله خَلق امرئ وخُلقه فيطعمه النار))
يعني إذا إنسان الله تفضل عليه بخلق حسن معنى هذا مقرب منه متصل به ، ما من إنسان تحلى بخلق حسن إلا وله صلة بالله عز وجل ، فهذا الذي له صلة بالله هل يعقل أن يدخل النار .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق ))
حدثني أخ اليوم كان بالحج مع رجل من أهل الصلاح والتقى وجالسين في خيمة نظيفة جداً ومرافقها نظيفة جداً ، دخل إنسان طائش بعيد عن الخيمة وقضى حاجة بشكل غير لائق فما رأوه ، اتهم بعضهم بعضاً بهذا العمل السيء فكادت تنشب بينهم مشكلة فقام هذا الرجل الصالح وقال أنا الذي وبادر لينظف هذا المكان ، طبعاً ما سمحوا له ، ولكن الإنسان الطيب بخلقه الحسن يؤلف ولا يفرق ، يقول لي هذا الرجل لا أنسى له هذا الموقف ما حييت ، مضى على هذا الموقف أكثر من ستة عشر عاماً ولا ينسى هذا الموقف ، حتى يحل مشكلة فاتهم نفسه بهذا المشكلة ونهض لينظف هذا المكان .
النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لما كان مع أصحابه الكرام في وليمة ، توضأ أصحابه وصلوا الظهر ، بين الظهر والعصر بدت رائحة كريهة حينما أذن العصر قال عليه الصلاة والسلام :
(( كل من أكل لحم جذور فليتوضأ ، قالوا : كلنا أكلنا هذا اللحم قال كلكم فليتوضأ))
هذا الوضوء ستراً لحال هذا الذي انتقض وضوءه .
كان إذا دخل بيته عليه الصلاة والسلام لف ثوبه لئلا يزعج أهل البيت ، كان له كلام أحلى من العسل ، أرسل خادماً وغاب غيبةً طويلة فغضب النبي عليه الصلاة والسلام فلما حضر قال عليه الصلاة والسلام : لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك ، هذه أقصى كلمة قالها في حياته صلى الله عليه وسلم
(( عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ مَنَعَكَ وَتَصْفَحَ عَمَّنْ شَتَمَكَ ))
[ أحمد ]
أن تصل من وصلك هذا ليس من حسن الخلق ، هذا خلق عامة الناس إذا وصلته يصلك لكن حسن الخلق أن تصل من قطعك ، وتعفو عن من ظلمك وتعطي من حرمك ، إذاً ثمرة حسن الخلق الألفة وانقطاع الوحشة ومهما طاب المثمر طابت الثمرة ، قال تعالى :
((لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكم الله ألف ))
الآن من علامة الإيمان بين الأخوة المودة بينهما ، يعني إذا رأيت أن هناك مودة كبيرة بين المؤمنين فهذه بشارة طيبة لهم جميعاً ، كأن الله يرضى عنهم يد الله مع الجماعة ، يد الله على الجماعة ، وإن كان بينهم خصومات وشقاق ، وحسد ، وغيبة ، ونميمة ، فالله سبحانه وتعالى يمقتهم أهكذا أنتم ، أهكذا دينكم ، أهكذا الاستقامة ، قال تعالى :
﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً (103)﴾
[ سورة آل عمران ]
فالأخوة الصادقة نعمة كبرى يتمتع بها المؤمنون ، ولا يعرفها إلا من فقدها ، لذلك أهل الدنيا إذا ذهبوا إلى نزهة لابد من أن ينشب الخصام بينهم ، إذا ذهبوا إلى رحلة ، إذا تخالطوا في شركة ، إذا تجاوروا دائماً الخصومات والعداوات والسباب والشتائم والتدابر والتقاطع هو الشيء السائد بينهم ، المؤمنين المودة ، والتعاطف ، والخدمة ، والمأثرة والمحبة ، ومراعاة الشعور ، أسمع أيام قصص عن سكان بناء بمنتهى المودة ، بمنتهى التعاطف ، والله أشعر بسعادة لا توصف نحن بخير إن رأيت أن هناك تعاطفاً بين الناس أن هناك مودة بين الناس ، أن هناك أعمالاً طيبة فيما بين الناس أشعر أننا بخير وأن الله لن يعذبنا قال تعالى :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾
[ سورة الأنفال ]
بعضهم فهم هذه الآية فهماً دقيقاً وأنت فيهم ما دمت بين ظهرانيهم لن يعذبهم الله عز وجل ، المعنى الآخر مادامت سنتك فيهم في أعمالهم ، مادامت محبتك في قلوبهم ، هذه واحدة المعنى الثالث سنتك الطاهرة فيهم يعني مطبقة فيهم ، إن كانت سنتك مطبقة فيهم فلن يعذبهم الله عز وجل ، يعني إذا في تعاطف ، أيام ترى تعاون إنسان له ابن يحتاج إلى عملية جراحية طرق باب رجل ميسور الحال قال له تكلف ستين ألف ، قال له : ولتكن مشي المعاملة العلمية في إنكلترا هذا الذي دفع هذا المبلغ أقسم بالله العظيم أن أرباحه في هذا العام تضاعفت دفعهم دفعة واحدة .
أعرف أخ أيضاً حالته المادية ميسورة عنده موظف يتقاضى ألف ليرة أصيب بمرض خطير جداً هبوط مفاجئ في عمل الكليتين سألوا تكلف العملية سبع مائة ألف ، فأرسله إلى أمريكا وأرسل معه مرافق وبقي هناك ثلاث أشهر وأجريت له العملية ونجحت وبعد عشرة أيام توفي ، لكن هذا الذي دفع هذا المبلغ له عند الله مكانة لا يعلمها إلا الله ، تحقق الهدف أنه كشف على حقيقته موظف فقير عنده لا يملك شيء ، الأعمال الطيبة تسبب سعادة لا يعرفها إلا من ذاقها .
يعني أحياناً يرى فقير يعطيه نصف ليرة ويظن نفسه أنه عمل عملاً جديداً ، العمل الطيب أن تحل مشكلة كبيرة لإنسان ، مشكلة كبيرة تحل حلاً جذرياً هذا هو العمل الطيب هذه القروش مقبولة قال تعالى:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)﴾
[ سورة الزلزلة ]
وقد تكون هذه النصف ليرة من طفل صغير هي عند الله أكثر من مائة ألف ليرة إذا والده أعطاه ليرة ووجد فقيراً أعطاه نصف ليرة هذه عند الله أكثر من مائة ألف ليرة ، رب درهم سبق مائة ألف درهم أما إذا إنسان ميسور الحال أعطى نصف ليرة لفقير يحاسب على قدر ماله لا على قدر هذا المبلغ ، يقول لك : الله شفاني سوف أوزع كيليين خبز ثمنهم ليرتان ، كأنه عمل عملاً كبيراً على نية الشكر لله فقط كيليين خبز بليرتين ، قال تعالى :
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)﴾
[ سورة آل عمران ]
لذلك النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم قال :
ليس منا من فرق .
ما قولكم بهذا الحديث ، نفى النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا الإنسان الإنتماء إلى دين الإسلام ، الذي يفرق بين أخوين ، بين شريكين ، بين زوجين ، بين أم وابنها ، بين أخ وأخيه ، بين جارين بين مؤمنين ، بين صديقين ، بين مسافرين ليس منا ، المؤمن دائماً يؤلف ولا يفرق بكلامه الطيب ، وقال عليه الصلاة والسلام :
((عَنِ الأَعْمَشِ قَال سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا))
[ البخاري ـ مسلم ـ أحمد ]
ألا يطمح أحدنا أن يكون له مكانة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا المكان القريب لا تناله إلا بحسن الخلق ، إن أقربكم مني مجالس يوم القيامة ، يعني رسول الله في الجنة .
((مرة قال صلى الله عليه أول من يمسك بحلق الجنة أنا))
لا يوجد إنسان يدخل الجنة قبل النبي عليه الصلاة والسلام ، يعني إن صح التعبير هو الذي يقص الشريط الحريري ويدخلها ، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت : من هذه يا جبريل ، قال : هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاد فلم تتزوج من أجلهن .
طبعاً هذه كناية لطيفة من بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام :
((إن أقربكم مني يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذي يألفون ويؤلفون ))
من تعريفات النبي الكريم الجامعة المانعة للمؤمن أنه يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، يعني يألف ويؤلف ، لين العريكة سموح سهل لا يعقد الأمور اعتذر منه ومشي الحال وعدك وما جاء نسيت هون عليك طالما يوجد محبة ، الأكل ما كان جاهز لا بأس يصلي ركعتين ريثما يجهز الطعام ، أما الكافر لا يألف ولا يؤلف :
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلْمُنَافِقِينَ عَلامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا تَحِيَّتُهُمْ لَعْنَةٌ وَطَعَامُهُمْ نُهْبَةٌ وَغَنِيمَتُهُمْ غُلُولٌ وَلا يَقْرَبُونَ الْمَسَاجِدَ إِلا هَجْرًا وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا دَبْرًا مُسْتَكْبِرِينَ لا يَأْلَفُونَ وَلا يُؤْلَفُونَ خُشُبٌ بِاللَّيْلِ صُخُبٌ بِالنَّهَارِ وَقَالَ يَزِيدُ مَرَّةً سُخُبٌ بِالنَّهَارِ))
[ أحمد ]
أما الكافر فظ غليظ ، فاحش بذيء ، مستعلي ، وقال صلى الله عليه
(( المؤمن إلف مألوف ولا خير فيما لا يألف ولا يؤلف ))
وقال عليه الصلاة والسلام :
((من أراد الله به خيراً رزقه خليلاً صالحاً إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه))
أثمن عطاء في الدنيا أن يكون لك أخ في الله ، العصر ما صلينا الله يجزيك الخير نريد أن نزور فلان مريض ، ما رأيك أن نأخذ له هدية إذا كان نسيت يذكرك ، وإذا ذكرته يعينك ، إذا كان إنسان مريض وأخذت له هدية أجمل ، إنسان جاء من الحج ، من العمرة يعني تزوج نزوره ونأخذ له هدية أفضل ، فإذا أنت نسيت يذكرك وإذا ذكرته يعينك ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( من أراد الله به خيراً رزقه خليلاً صالحاً إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه))
يعني إذا إنسان له في الحياة الدنيا أخ مؤمن يحبه لله ولا يحبه إلا لله وليس هناك مصلحة ولا قرابة ولا نسب ، هذا الأخ أكبر ثروة في الدنيا قال لي أخ : إنسان له بضاعة في مكان واضطر أن ينقلها نقلاً سريعاً خلال ساعات إلى مكان آخر ، ساكن في بناء وفي مودة بالغة طرق على باب جيرانه بساعة متأخرة من الليل بذلوا له كل جهدهم وساعدوه ، يقول لي والله لا أنسى هذا العمل ما حييت ، هذا العمل الطيب يمتن العلاقة أيام تعمل مع أخوك عمل لا ينسى لك هذا العمل ، تعيش أربعين سنة وترى في مودة بالغة بينكم بفضل هذا العمل ، إذا الإنسان بذل يجد نفسه ، تذهب إلى مدينة مثل لندن أو طوكيو فيها ثمانية عشر مليون القاهرة فيها عشرة ملايين أشد الأمكنة ازدحاماً أشدها وحشةً ، لماذا تدابر النظرة المادية طاغية .
قال لي إنسان ذهبت إلى لندن وفي أحد شوارعها المزدحمة رأيت عن بعد امرأة قد وقعت ، متقدمة في السن ، أقسم لي أنه مر أمامها ما يزيد عن مائتي رجل ولم يلتفت إليها أحد ولما وصل أمسك بيدها ليوقفها أو ليأخذها إلى بيتها قالت لي : أنت لست من هذا البلد ، عرفته أنه غريب .
أجروا في فرنسا تجربة لاختبار الدافع الإنساني أحضروا سيارة أجرت حادث وضعوها على طريق ليون باريس هذا أكثف طريق ، كثافته شديدة وإنسان اضطجع أمام هذه السيارة ووضعوا عليه حبر أحمر بعد ست ساعات توقفت سيارة واحدة لينقذ هذا الجريح فأشد الأمكنة ازدحاماً أشدها وحشةً .
أتصور حياة أجدادنا ما كان كهرباء ، ولا بيوت فخمة ، الثريات الفخمة ، ورق الجدران ، الأرض والسجاد العجمي مثلاً هذه الديكورات ما كانت موجودة ولكن كان محبة وتعاطف ، وأنس لا يوصف ، الآن فخامة ما بعدها فخامة ، بذخ ما بعده بذخ ، أناقة نظافة ترتيب تزيينات لكن في تقاطع وتدابر ، يعني عنده غرفة ضيوف ليس لها مثيل ما فات إليها ضيف بالسنة ، تدابر كل إنسان يعيش لوحده ، أخين متقاطعين من أب وأم ، عديلين ، صديقين لا يعرف من ساكن فوقه ، مرة دخلت إلى بناء وأعطاني العنوان مواجه الكوى سألت قال لي في الطابق الفلاني لما صعدت إلى البناء نسيت كم طابق قطعت طرقت باب قالوا : لا نعرفه فكان هو يسكن فوق منهم من عشرين سنة ، ما خطر ببالهم يعرفوا اسم جارهم ما اسمه الجار أربعين جار على اليمين ، وأربعين جار على اليسار ، وأربعين شمال ، وأربعين جنوب وأربعين فوق ، وأربعين تحت ، ست جهات ، والله يسأل عن صحبة ساعة .
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( مثل الأخوين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى))
هذا التماسك والتعاطف ، وما التقى مؤمنين قط إلا أفاد الله أحدهما من صاحبه خيراً إذا التقى مؤمنين لابد من أن أحدهما يستفيد من صاحبه ، يكون الأول ذاكراً الله عز وجل حالته طيبة يصافحه يوجد حرارة الإيمان ، الثاني يغار والله يجب أن أكون مثله ، يعني يبلغه أن الثاني قد صلى قيام الليل يغار منه ، منافسة في طاعة الله ، أيام يقول له سمعت تفسير آية وتكون الآية لها معنى دقيق وتحل مشكلة لهذا الإنسان فأي لقاء بين مؤمنين قد يكون لقاء نفسي ، لقاء عرضي ، لقاء مقصود ، لقاء غير مقصود ، لقاء علمي ، أي لقاء بين مؤمنين لابد من أن أحدهما يستفيد من الآخر .
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( من آخى أخاً في الله رفعه الله درجةً في الجنة لا ينالها بشيء من عمله ))
أنا أتمنى عليكم لا يوجد عندي إمكانية أعرف بالضبط من لم يحضر اليوم ، أما إذا كل واحد آخى واحد ، فلان مريض يجب أن نزوره له حق علينا ، فلان مسافر ، فلان يشكو من مشكلة ، فهذا الأخ إذا آخى أخ وتعاون هو وإياه ، فكل واحد يختار أخ في الله يكون هو ولي أمره إذا غاب ، وإذا أراد أن يأتي هل تحب أن نذهب معاً ، إذا كان الثاني متكاسل لما جاءه هاتف استحيا ، وما كان ينوي أن يأتي ، صار ترابط إذا غاب فوراً عن الدرس فذهب وتفقده ، عندما انطرق الباب معنى هذا أنني مهم إذا ما جئت إلى الدرس ، خير إن شاء الله لعل أن تكون مريضاً ، صار ثاني درس إذا لم أحضر إلى المسجد يأتون إلى عندي هذا التعاون ، كل واحد يختار أخ بالله ويتفقد أموره ، يتفقد دوامه على الدروس ، يتفقد حاجاته صحته ، أيام الإنسان بحق نفسه مقصر يكون بحاجة إلى مساعدة ، إلى حل مشكلة يخجل أن يطلبها ، إذا أخوه عرف هذه الحاجة ونقلها إلى إنسان ميسور الحال تكون حليت له مشكلة .
((وقال أبو أدريس لسيدنا معاذ : إني أحبك في الله ، فقال له : أبشر ثم أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ينصب لطائفة من الناس كراسي حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم لا يفزعون ويخاف الناس وهم لا يخافون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فقيل من هؤلاء يا رسول الله قال : المتحابين في الله تعالى ))
ومن السنة المطهرة أنك إذا أحببت أخ في الله أن تعلمه بهذا الحب قل له يا أخي والله إني أحبك في الله ، يقول لك : أحبك الذي أحببتني من أجله ، إذا في بقلبك محبة لأخ لا تكتمها أظهرها ، حتى أن رجلاً مر على النبي الكريم ثم تابع مسيره فقال أحد الحاضرين والله إني أحبه فقال له : قم فأعلمه ، فقام من مجلسه وذهب إليه ليعلمه أنه يحبه
وقال النبي عليه الصلاة والسلام إن حول العرش منابر من نور عليها قوم لباسهم نور ووجوههم نور ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيين والشهداء فقالوا : يا رسول الله صفهم لنا فقال المتحابون في الله والمتجالسون في الله والمتزاورون في الله .
((عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ))
[ أبي داود ]
وقال صلى الله عليه وسلم :
((ما تحابا اثنين بالله إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حباً لصاحبه))
هذه دقيقة جداً يعني أخين في الله هذا يحب أخاه وذاك يحب أخاه إذا أردنا أن نقيس المحبة بوحدات هذا يحب أخاه بدرجة تسعين ، هذا يحبه بدرجة ثمانين ، الذي يحب أخاه بدرجة تسعين هو أحب إلى الله الأرقى يحب أكثر والأقل يحب أقل ، ترى الراقي لا يحقد ولو الناس اساؤوا له ترى موقفه فيه عفو ، فيه صفح ، ربنا قال :
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)﴾
[ سورة الحجر ]
أنا لا أنسى سيدنا أبو بكر كان يبر إنساناً يتصدق عليه ، هذا الإنسان تحدث عن أن السيدة عائشة قد زنت ، هذا الإنسان بالذات ما كان من أبي بكر رضي الله عنه من شدة ألمه على سمعة ابنته الطاهرة إلا أن امتنع عن إعطاء المساعدة الدورية لهذا الإنسان فنزلت آية تعاتبه على ذلك :
﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)﴾
[ سورة النور ]
قال : بلى وبكى وتابع عمله الطيب ، ويقال أن الأخوين في الله إذا كان أحدهما أعلى مقام من الآخر رفع الآخر معه إلى مقامه وإنه يلتحق به كما تلتحق الذرية بالأبوين ، والأهل بعضهم ببعض ، هذه فكرة دقيقة يعني أخين الأول أعلى من الثاني إذا الثاني أحب الأول لأنه أرقى منه حب الثاني للأول يرفعه إلى مقامه وهذه المحبة صار ارتباط معه ، وبهذا الارتباط انتقلت للثاني أحوال الأول ، أحوال المحبة والورع والخوف من الله والطمأنينة ، كل هذه الأحوال انتقلت إلى الثاني بفضل حبه له ، إذاً الثاني جاءته هذه الأحوال عن طريق المحبة إذاً ألحق بالأول ، هذا معنى قول الإمام الغزالي : إن الأخوين بالله إذ كان أحدهما أعلى مقاماً من الآخر رفع الآخر معه إلى مقامه وإنه يلتحق به كما تلتحق الذرية بالأبوين ، قال تعالى :
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾
[ سورة الطور ]
هذه آية لها معنى آخر إذا إنسان ربى ابنه تربية صالحة وتوفى كل أعمال الابن إلى أن يتوافاه الله في صحيفة الأب ، أعمال الابن ألحقت بأبيه ، ممكن أن يكون الإنسان له حساب في مصرف عشرة آلاف ، مائة ألف ، مليون ، وفي حساب ثاني مليون ، ممكن أن ينضاف هذا الحساب إلى حساب الآخر إذا ذهب إلى المصرف وقالوا له حسابك مليون لكن نفس مبلغك أضيف لحساب فلان تقريباً .
أعمال الابن كلها الصالحة تسجل في صحيفة الأب ، هذا معنى ألحقنا بهم ذريتهم وما من عملهم من شيء ، الابن وابن الابن وهذه الذرية الطيبة إلى يوم القيامة ، لذلك الإنسان يوم القيامة يكون أطعم لقمة في سبيل الله يراها كجبل أحد ، أنا شاهدتها في المدينة كنت أتصوره جبل صغير بل هو جبل شامخ ، عالي والمعركة لم تتم على قمة هذا الجبل بل على أحد فروعه ، أما هو جبل شامخ .
إذا لقمة أنفقتها في سبيل الله أصبحت كجبل أحد ، قال تعالى في الحديث القدسي :
((عنَ عَبَسَةَ هَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ أَنْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِ تَزَيُّدٌ وَلا كَذِبٌ وَلا تُحَدِّثْنِيهِ عَنْ آخَرَ سَمِعَهُ مِنْهُ غَيْرِكَ قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ قَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَحَابُّونَ مِنْ أَجْلِي وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَصَافُّونَ مِنْ أَجْلِي وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَزَاوَرُونَ مِنْ أَجْلِي وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَبَاذَلُونَ مِنْ أَجْلِي وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَنَاصَرُونَ مِنْ أَجْلِي))
[ أحمد ]
وإن الله تعالى يقول يوم القيامة :
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلِّي ))
[ أحمد ـ مالك ـ الدارمي ]
والحديث المعروف عندكم :
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))
[ مسلم ـ الترمزي ـ النسائي ـ أحمد ـ مالك ]
يعني صلى الله عليه قال : العدل حسن ولكن في الأمراء أحسن ، والورع حسن لكن في العلماء أحسن ، والصبر حسن لكن في الفقراء أحسن ، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن ، والحياء حسن لكن في النساء أحسن ، والتوبة حسن لكن في الشباب أحسن ، يعني ألزم ما يلزم الشاب أن يكون تائباً ، وألزم ما يلزم المرأة أن تكون حييةً ، وألزم ما يلزم الغني أن يكون سخياً ، وألزم ما يلزم الفقير أن يكون صابراً ، وألزم ما يلزم العالم أن يكون ورعاً ، وألزم ما يلزم الإمام أن يكون عادلاً .
(( الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))
إذا كنت أحد هؤلاء أبشر ، إذا دفعت مبلغاً من المال من كسبك الحلال ولم تنبت ببنت شفة ما ذكرت لأحد العمل أبشر ، وإذا دعتك امرأة فقلت إني أخاف الله رب العالمين .
قال لي رجل وكان من تجار الغنم الكبار فلاقى الأمرين في البادية مرة يعني فوجئ أن امرأة تدعوه وكان قد غاب عن أهله أكثر من أربعة أشهر فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، في الرحلة الثانية أوشك أن يموت هو وقطيع الغنم عطشاً فقال : يا رب إن كنت تعلم أنني امتنعت خوفاً منك على الفاحشة فيسر لنا الماء ، دعاه بهذا العمل والله استجاب له والتقى برجل دله على ماء قريب ولولا هذا الرجل لماتوا عطشاً .
وقال صلى الله عليه وسلم :
(( ما زار رجل رجلاً في الله شوقاً إليه ورغبةً في لقائه إلا ناداه ملك من خلفه طبت وطاب ممشاك وطابت لك الجنة ))
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً ))
[ ابن ماجة ]
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّه قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ))
[ أحمد ]
يعني أحدنا يركب السيارة حتى يزور أخ في الله لا مصلحة ، ولا بيعة ، ولا شراء ولا شكر ، ولا خوف ، ولا رد شر ، ولا رهبة ، ولا قرابة ، ولا واجب ، إنما يزوره زيارةً خالصةً لوجه الله لأنه يحبه هذا وجبت له الجنة ، هذه العلاقات أكثروا منها العلاقات الخالصة لوجه الله .
(( عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَدْرُونَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ قَائِلٌ الصَّلاةُ وَالزَّكَاةُ وَقَالَ قَائِلٌ الْجِهَادُ قَالَ إِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ))
[ أبي داود ]
هذا الحديث دقيق أوثق عرى الإيمان ، العروة معروفة العروة فتحة في الثوب تدخل في الزر ، أوثق عرى معنى هذا أن الإيمان مجموعة عرى لكن الحب في الله أوثق هذه العرى السؤال الآن من يفكر في عرى للإيمان غير محبة ، في حديثي الأول أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ، والثاني أوثق عرى الإسلام ، فإذا كان من الممكن أن نفكر بهذا الحديث الدرس القادم ممكن أن أصل إلى عروة أخرى للإسلام غير الحب في الله ، نريد أن نبحث عن مجموعة عرى للإسلام والإيمان غير الحب في الله ، أما النبي عليه الصلاة والسلام يقول : أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله ، الإسلام له مجموعة عرى أوثقها الحب في الله ، الإيمان له مجموعة عرى أوثقها الحب في الله ، فأول سؤال اسأله نفسك ما الإسلام ، والسؤال الثاني ما الإيمان ، ما هي عرى الإيمان ؟ وما هي عرى الإسلام؟ والنبي يخبرك أن أوثق هذه العرى الحب في الله للإسلام والإيمان .
فالسؤال للدرس القادم العروة ما تعريفها وكم عروة للإسلام وكم عروة للإيمان ؟ ثم لماذا الحب في الله أوثق هذه العرى ، ولماذا البغض في الله أوثق هذه العرى ؟
ويروى أن الله تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء أن قل لفلان العابد أما جهدك في الدنيا فقد تعجلت فيه الراحة لقلبك ، وأما انقطاعك إلي فقد تعجلت به ولكن ماذا صنعت من أجلي ؟ قال وماذا أصنع من أجلك ؟ قال : هل عاديت في عدواً ، وهل واليت في ولياً ؟ ويروى أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام ، لو أنك عبدتني بعبادة أهل السماوات والأرض وحب في الله ليث وبغض في الله ليث ما أغنى عنك ذلك شيئاً .
من هذه الأحاديث يتضح أن الحب في الله ركن أساسي في الإسلام