اعظم بركة على قومها - جويرية بنت الحارث
| نسبها و مكانتها في قومها
جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحارث بن مالك بن خزيمة بن سعد بن عمرو المصطلقية الخزاعية، وسعد هو المصطلق، وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أمهات المؤمنين تزوجها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافع بن صفوان وقتل يوم المريسيع. وكان أبوها سيد قومه في الجاهلية.
من السيادة إلى السبي : غزوة بني المصطلق
و غزا صلى الله عليه و سلم بني المصطلق من خزاعة في شعبان من السنة السادسة، فأغار عليهم وهم غارون على ماء لهم يسمى المريسيع، و هو من ناحية قديد إلى الساحل، فقتل من قتل منهم، و سبى النساء و الذرية، و كان شعار المسلمين يومئذ : أمت أمت.
و كان من السبي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد القوم، وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس.
من السبي إلى بيت النبوة : زواجه صلى الله عليه وسلم بها
وإذا تدبرنا في الأحداث، وجدنا أن زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجويرية بنت الحارث قد حقق نتائج لا يحققها إلا جيش كامل العدد والعدة. ذكر ابن كثير: أن بني المصطلق كانوا أكبر بطون خزاعة. وكانو حلفاء لأبي سفيان بن حرب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكانوا ذوي تأثير كبير على من حولهم من القبائل، وكان زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من الأسباب الرئيسية لتصدع جبهة أبي سفيان بن حرب. ولقد كان بنو المصطلق ضمن نسيج الصد عن سبيل الله (1).
وحديث عائشة رضي الله عنها في سبايا بني المصطلق يخبرنا عن مجريات هذا الزواج المبارك.
ففي مسند أحمد عن عائشة أم المؤمنين قالت : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له وكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، قالت : فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت، فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي، قال : فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت : وما هو يا رسول الله، قال : أقضي كتابتك وأتزوجك، قالت : نعم يا رسول الله، قال قد فعلت، قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم. قالت : فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها(2). وهكذا صارت جويرية بنت الحارث أما للمؤمنين وهي ابنة عشرين سنة.
فضلها وبركتها
هي التي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق، وقالوا: أصهار رسول الله -صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من بركتها على قومها رضي الله عنها.
وكان زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم سببا لائتلاف القلوب والحد من العداوة وإطلاق الأسرى.
وكان اسمها (برة) فغيره النبي صلى الله عليه وسلم وسماها (جويرية)، فعن ابن عباس قال : كانت جويرية اسمها برة، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال : خرج من عند برة (3).
و أيضا عن محمد بن عمرو ابن عطاء قال سميت بنتي بره، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن هذا الاسم وسميت بره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم " فقالوا: بم نسميها ؟ قال : سموها زينب.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم وجه الكراهة للاسم الذي فيه التزكية وإنها من وجهين:
الأول : أنه يقال خرج من عند بره وكذلك يقال خرج من بره.
والثاني : التزكية والله أعلم منا بمن هو أهل للتزكية(4).
كانت من أجمل النساء، كما أنها اتصفت بالعقل الرزين والرأي السديد الموفق الرصين، والخلق الكريم والفصاحة ومواقع الكلام، كما كانت تعرف بصفاء قلبها ونقاء سريرتها، وزيادة على ذلك فقد كانت واعية، تقية، نقية، ورعة، فقيهة (5).
وكانت مواظبة على تحميد العلي القدير وتسبيحه وذكره.
فعنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليها وهي في المسجد تدعو ثم مر بها قريبا من نصف النهار، فقال لها ما زلت على حالك قالت نعم قال ألا أعلمك، يعني كلمات تقولينهن : سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته(6). وحديثها هذا نقل إلينا كنزا من كنوز الحسنات ومغنمة عظيمة لايغفل عنها إلا مغبون.
وعنها أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال أصمت أمس؟ قالت لا. قال تريدين أن تصومي غدا؟ قالت لا. قال فأفطري(7).
وهذا دليل آخر على أنها مثل في الفضل والفضيلة. فكانت من العابدات القانتات السائحات الصابرات.
أختها عمرة بنت الحارث، راوية الحديث الصحيح (إن الدنيا حلوة خضرة فمن أصاب منها شيئا من حله فذاك الذي يبارك له فيه، و كم من متخوض في مال الله و مال رسوله له النار يوم القيامة).
لأبيها وأخيها عمر بن الحارث صحبة.
ذكر ابن حبان في ثقات التابعين ابن أخيها كلثوم ابن عامر وهو الراوي عن عمته جويرية بنت الحارث(
.
روى لها البخاري ومسلم وغيرهما سبعة أحاديث.
و روى عنها عبد الله بن عباس وعبيد الله بن السباق وأبو أيوب المراغي ومجاهد بن جبر وكريب وكلثوم بن المصطلق وعبد الله بن شداد بن الهاد.
وفاتها
توفيت جويرية رضي الله عنها في ربيع الأول سنة ست وخمسين. وصلى عليها مروان بن الحكم ودفنت في البقيع إلى جانب أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين.