Share
افتراضي القناعات والمواقف والفرق بينهما
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الأكارم:
من حين إلى آخر تتوق نفسي إلى الحديث في موضوع خاص فالأحاديث تتجه جهتين إما أن يتجه الحديث إلى إحداث قناعة في الإنسان وإما أن يتجه الحديث إلى إحداث موقف في الإنسان، فرق بين القناعة والموقف، العلم الشريف تفسير القرآن الكريم، تفسير الحديث الشريف، أحكام الفقه، أحكام العبادات، هذه كلها تحدث في الإنسان قناعةً، ولكن حديثاً آخر قد يحدث في الإنسان موقفاً فإذا وازنا بين القناعة والموقف، فرق بينهما كبير، قد يقنع الإنسان بشيء ولا يطبقه، هذه القناعة تكون عليه حسرةً يوم القيامة، لو سألت مسلمي الأرض وهو يزيدون عن ألف مليون مجموعة أسئلة، أجابوك جميعاً إجابةً صحيحة، من ربك ؟ الله ربي ما دينك ؟ الإسلام ديني، من نبيك ؟ محمد نبي، هل تؤمن بالجنة ؟ يقول نعم وكيف لا أؤمن بها، هل تؤمن بالنار ؟ نعم وكيف لا أؤمن، هذه القناعات ما قيمتها إن لم تنقلب إلى حياة إلى سلوك، إلى تجربة، هذه القناعات تبقى في الذهن ولكن النفس ما تزال شقيةً بالبعد عن الله، لا تزال النفس ضائعةً، لا تزال شاردةً لا تزال خائفةً، لا تزال منافقةً، لا تزال مستعليةً، لا تزال تحب ذاتها، هذه الأمراض الفتاكة التي يبدأ مفعولها الخطير بعد الموت شهوات الدنيا قد تغطي على الإنسان أمراضه النفسية، منغمس في ملذات الدنيا في جمع مالها، والانغماس في ملذاتها هذا مما يغطي على الإنسان خطورة أمراضه النفسية ولكن إذا جاء الموت وانقطعت الدنيا انقطاعاً تاماً بدأ تأثير هذه الأمراض الفتاكة في النفس، فذلك لا أعد عملي في الدعوة إلى الله ناجحاً بعدد الحاضرين مهما كثروا.
قد تلقي على دار سينما نظرةً فتشاهد جمعاً غفيراً مجتمعاً في هذه الدار في دخولهم وفي خروجهم فهل اجتماع عدد غفير من الناس دليل أن هؤلاء الناس جميعاً على حق ؟ لا، هناك أسباب تجمعهم ولكن الذي يدفع الداعية إلى الله إلى مزيد من الحماس، إلى مزيد من البذل والتضحية، إلى مزيد من الحرص والعناية، أن يرى مثلاً ممن يدعون إلى الله في مستوى الدعوة، لا تأخذهم في الله لومة لائم، لا يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل، لا تلههم أموالهم ولا أولادهم عن ذكر الله، صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، هذا الذي يرفع الناس عند الله عز وجل فذلك أجد نفسي مدفوعاً من حينٍ إلى آخر في توجيه الحديث إلى إحداث موقفٍ لا قناعة، القناعة متوفرة والحمد لله، القناعات متوافرة ولكن البطولة في الذي تنقلب قناعاته إلى سلوك يعيشه في البيت، ليس يجدي أن تكون قانعاً بالإسلام ولا قانعاً بالقرآن، ولا قانعاً بأحاديث النبي العدنان الشيء المجدي أن تكون حياتك عملك، زواجك، بيتك، بيعك شرائك، وظيفتك، طعامك، شرابك، هندامك، كلامك وفق الشرع، إن كنت كذلك سمت نفسك، وإن سمت نفسك كنت قدوةً للناس.
الإسلام أيها الأخوة الأكارم لا يحيا بالكتب، ولا يحيا في الأشرطة ولا يحيا في المؤلفات، ولا يحيا في المحاضرات، ولا يحيا في الخطب، يحيا فيكم، يعني موقف أخلاقي واحد، ورع من أحدكم يعدل ألف محاضرةٍ سمعها أو ألقاها، موقف فيه ورع، ما الذي يلفت نظر الناس، ما الذي يشدههم، ما الذي يجعلهم يفكرون ؟ أن يروا إنساناً يشتهي ما يشتهون ويحب ما يحبون، ويرغب فيما يرغبون ولكنه عند الشرع، الألف والمائة ألف والألف ألف تحت قدمه إذا كان هذا المال في شبهة، والمائة والألف والألف ألف تبذل رخيصة في طاعة الله وابتغاء مرضاته، لذلك قد تجد أحدنا فاتراً لضعف عمله، قد تجد أحدنا يستمع ويقول والله كلام لطيف سمعت مثله كثيراً، ولكن الذي يضفي عليك حرارة الإيمان كثرة التطبيق، فلذلك الذي أرجوه أن الإنسان يأخذ هذا الكلام على محمل الجد، هذا كلام إن صح التعبير مصيري.
خطر في بالي اليوم أن الله سبحانه وتعالى ما جعل الدنيا إكراماً لأوليائه، ولم يجعلها عقاباً لأعدائه، قد تجد عدواً لله عنده من الدنيا الشيء الكثير، وقد تجد ولياً لله لا يملك من الدنيا شيئاً لهوانها على الله سبحانه وتعالى، لضعف شأنها، لقلة خطرها لزوالها، لم يشأ الله أن يجعلها مكافأةً لعباده الأتقياء، ولم يشأ أن يجعل الحرمان منها عقاباً لأعدائه الفجار، بل أعطاها لأحبابه وأعطاها لأعدائه، لا شأن لها عند الله لذلك إذا كانت الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا فالطامة كبرى، المصيبة جليلة، أردت من هذا الحديث التوجه لا إلى العقول ولكن إلى القلوب هذا القلب ربنا سبحانه وتعالى يقول في بعض الأحاديث القدسية:
(( عبدي طهرت منظر الخلق سنين))
سنوات وسنوات وأنت تعتني بهيئتك وصحتك وهندامك وبيتك، وغرفة الضيوف، وغرفة الطعام، وغرفة الجلوس، وغرفة النوم، والمكتبة والجناح الشرقي من البيت، والأدوات الكهربائية، والمركبة تعتني بها ـ
((أفلا طهرت منظري ساعة))
هذا القلب على ماذا ينطوي ؟ هل ينطوي على حب لله، تقول نعم ما علامة ذلك ؟ هل يفتقدك الله حيث نهاك ويجدك حيث أمرك ؟ الإنسان إذا ما جلس لنفسه كل يوم جلسة عشر دقائق ربع ساعة حاسب نفسه إلى أين أنا ماضٍ أفي طريق صحيح أم في طريق غير صحيح، هل في عملي ما يرضي الله، أم في عملي ما يوجب سخط الله عز وجل لأن الدنيا ساعة اجعلها طاعة ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾
[ سورة الفجر ]
يعني الساذج ضيق الأفق، الجاهل يظن أن المال إكرامٌ من الله عز وجل، وأن الزواج إكرامٌ، وأن الصحة إكرامٌ، و أن الأولاد إكرامٌ، وأن القوة إكرامٌ، هو إكرام وليس بإكرام هذا أجاب عنه الله سبحانه وتعالى قال: كلا ليس عطائي إكراماً، وليس حرماني حرماناً ؟ إنما عطائي ابتلاء وحرماني دواء، عطائي ابتلاء وحرماني دواء، الإنسان يبتلى بالمال إذا أنفقه في طاعة الله انقلب المال نعمةً يعطيه زوجةً إذا وجهها وأصلح شانها وأخذ بيدها إلى الله حتى عرفت ربها على يديه انقلبت الزوجة نعمةً، الأولاد المركبة، أي شيء إذا استخدمته في طاعة الله انقلب نعمةً قبل أن يستخدم في طاعة الله لا يسمى نعمةً يسمى ابتلاءً، قال تعالى:
﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)﴾
[ سورة التغابن ]
كيف أن هذا المحك الذي يستخدمه الصياغ تأتيهم قطعة ذهبية يحكونها بهذا المحك فيظهر خط أبيض يعرفون أنها من المعدن الرخيص، إذا بقي الخط أصفر اللون براقاً، يعرفون أنها من المعدن الثمين، فهذا المحك، هذه المصائب الزوجة، الأولاد المال محك، فلا تقل لي ماذا تعرف، قل لي ماذا تعمل ؟ ماذا تعرف كل منا إذا وافته المنية يعرف كل شيء قال تعالى:
﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾
[ سورة ق ]
كل منا وكل من الذين أنكروا وجود الله، الشعوب التي رفعت راية لا إله، إذا وافتها المنية تعرف كل شيء، أي إنسان كافراً فاجراً، ملحداً، فاسقاً، دالاً، مهتدياً، عارفاً، مؤمناً منافقاً إذا وافته المنية يعرف كل شيء، ولكن بعد فوات الأوان، فالبطولة أن تعرف كل شيء قبل فوات الأوان وأنت في الدنيا، والقلب ينبض وكل شيء ممكن، التوبة ممكنةٌ، أداء ما في عنقك من حقوق ممكن، استرضاء الناس ممكن، طلب العفو منهم ممكن، إصلاح المعاملة مع الزوجة ممكن، إصلاح العلاقة مع الأم ممكن إصلاح العلاقة مع الزبائن ممكن، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)﴾
[ سورة الحشر ]
يعني أحياناً يصبح حضور مجالس العلم عادة من عوائدنا، إلى أين؟ إلى المسجد، من أين ؟ من المسجد، والإنسان هو هو، شيء من الغفلة، بعض المخالفات، بعض التقصيرات بعض الرغبات التي ما أرادها الله عز وجل، هذه كلها حجاب.
يعني الشيء الذي يؤلمني أن أكبر معصية في مساهمتها في قطعك عن الله عز وجل كأصغر معصية، تيار كهربائي في عندك غسالة وبراد ومروحة ومسجلة، وعندك أدوات كثيرة جداً في البيت، لو فصلت التيار ملم متراً واحداً كل شيء توقف، ولو فصلته متران كل شيء يتوقف، فهذه الصغائر التي تساهل بها المسلمون هي عند الله كبائر لأنهم أصروا عليها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار))
يعني الإنسان إذا جلس صباحاً وصلى الصبح وقرأ شيئاً من كتاب الله، وتفكر دقائق في الموت، يعني هذا الطريق طريق الإيمان له أصول، لو أنك استيقظت قبل صلاة الفجر وصليت ركعتين لله تعالى، الله سبحانه وتعالى يقول:
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ))
[ البخاري ـ الترمذي ـ ابن ماجة ـ أبي داود ـ أحمد ـ مالك ـ الدارمي ]
هذا يريد بيت، هذا يريد زوجة، هذا طلب من الله أن يجمعه مع أهل الحق، هذا طلب من الله أن يعينه على إتقان الصلاة، ما لك حاجة عند الله عز وجل، مالك طموح ؟ لا ترغب فيما عنده، لا تراه أهلاً أن يجيبك ؟ يعني إذا أحدكم تمكن أن يصلي ركعتين قبل أذان الفجر ويسأل الله في هاتين الركعتين حاجاته كلها ما كان منها مشروعاً متعلقاً في الدنيا، وما كان منها متعلقاً في الآخرة، ثم أذن الفجر وصلى السنة والنبي عليه الصلاة والسلام من عادته أن يضجع على شقه اليمن بين السنة والفرض يفكر في الموت، هذا الموت الذي لابد منه، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت. كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبور جــــنازةً فاعلم بأنك بعدها محمــــول
اليوم تصور التغسيل، يوم مشهد التكفين.
﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)﴾
[ سورة القيامة ]
اليوم تصور شراء القبر، هؤلاء الذين يتولون تجهيز الميت يقتسمون الأعمال بعضهم يذهب إلى إتمام معاملة الدفن، بعضهم يذهب لتأمين الطعام ظهراً، بعضهم يذهب لتأمين الكراسي، بعضهم يذهب لتأمين المشايخ، بعضهم يذهب لشراء القبر فإذا نقر في الناقور إن كنت في مقبرةٍ ورأيت حفار القبور ينقر أحد القبور، قال تعالى:
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
[ سورة المدثر ]
الويل لمن سينزل في هذه الحفرة، بين السنة والفرض يوم بالتغسيل، ويوم بالتكفين ويوم بشراء القبر، ويوم بحالة الأهل من بعدك، تصور ماذا سيفعل ابنك، ابنتك، زوجتك هل يبقى البيت على ما هو عليه، هل يباع البيت، هل يقتسم البيت، هل يختلف الأولاد، ماذا سيكون من بعدك ؟ هذه الخواطر لابد منها، لابد من عشر دقائق، في موضوع الموت من أجل أن تنضبط النفس، من أجل أن تملك زمامها، من أجل أن تؤمن بالفناء والزوال، إذا أذن الفجر إذا صليت السنة واضطجعت بين السنة والفرض دقائق معدودات وفكرت بالموت الذي لابد منه تهون عليك المصيبة، تهون عليك الدنيا، ترضى بزوجتك، ترضى بأولادك، ترضى بدخلك تندفع للعمل الصالح، قال تعالى:
﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾
[ سورة المؤمنون ]
تصلي صلاة الفجر وبعدها تجلس للذكر، وقبل أن تذكر فكر، قال تعالى:
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾
[ سورة عبس ]
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)﴾
[ سورة محمد ]
فكر بهذا الطعام، بهذا الطفل الذي رزقك الله إياه، فكر بهذه المرأة التي جعلها الله سكن لك، بهذا الدماغ الذي منحك الله إياه فجعلك تعمل عندك خبرات، إذا فكرت في آيات الله استعظمت الله عز وجل، خشع قلبك، تفكر ساعةٍ خير من عبادة ستين عاماً، والله الذي لا إله إلا هو تفكر ساعة، نصف ساعة، ربع ساعة بعد صلاة الفجر خير من عبادة ستين عاماً ستين عام في مكان واحد، لكنك بالتفكير ترقى كل يوم درجة، فكر يوماً في العين، يوماً في الأذن يوماً في الشعر، يوماً في الطفل، يوماً في الطعام والشراب، في الشمس في القمر، ليس المهم أن تكثر الموضوعات، المهم أن تتعمق في موضوع واحد، ابقى في العين شهراً، ابقى في الأذن شهراً، إذا فكرت كل شيء في أوله صعب، ولكن مع التدريب والتمرين والمحاولة والخطأ تشعر أن هذا التفكر الذي بدا لك صعباً مرهقاً أصبح سهلاً، إذا فكرت اذكر الله سبحانه وتعالى ربع ساعة أخرى، يعني امسك مسبحة وقل الله الله وأنت سابح في الآيات الذي فكرت فيها، يعني ربع ساعة تفكر وربع ساعة توجه، وإذا أمكنك أن تقرأ بضع صفحات من كتاب الله وأن تقف عند الأمر، عند النهي عند القانون، قال تعالى:
﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾
[ سورة طه ]
هذه الآية تبث في نفسك طمأنينة وثقة وراحة لا يعرفها إلا من فقدها، قال تعالى:
﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)﴾
[ سورة يونس ]
مستحيل أن يكون لك مخالفة وتؤمن، ترفض الحق، إنك تحب أن تجر الحق إلى مخالفاتك، تحب أن تبرر أعمالك لذلك الفاسق لا يؤمن، اقرأ القرآن الأوامر اكتبها، ضع تحتها خطاً أحمر، النواهي اكتبها، القواعد العامة اكتبها، يعني إذا أحدكم بدأ نهاره بركعتين قيام ليل وركعتين سنة واضطجاع دقائق في التفكر في الموت، ثم أداء صلاة الفجر، ثم التفكر ربع ساعة في آيات الله، ثم الذكر، ثم تلاوة بعض آيات القرآن الكريم ومدارستها والتأمل فيها والتدبر واستنباط الأوامر والنواهي، والأحكام والقواعد العامة، ثم انطلق إلى عملك وأنبأني كيف يكون هذا اليوم، تقول أنت في هذا اليوم أنا أسعد الناس، لأنك في هذا اليوم بأعيننا كما قال تعالى:
﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)﴾
[ سورة الطور ]
لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفك النهار كله، أنت في هذا اليوم في ذمة الله بمعنى في عنايته المشددة، في حفظه، في رعايته في تجليه، إذا انطلقت من البيت لا تنسى أن إطلاق البصر يفسد عليك دينك، إذا أطلقت البصر لا تقوى قدماك على أن تقف ظهراً لتصلي، في خجل، انكماش، بعد، الشيء الذي يمكن أن يبعدك عن الله سبحانه وتعالى في أثناء النهار إطلاق البصر، والكذب والغيبة، والنميمة، والسخرية، والضحك، والخوض في أحاديث باطلة لا جدوى منها، وأكل المال الحرام، أكثر الأشياء كسب المال والتساهل في موضوع النساء، المال والنساء بابان كبيران من أبواب جهنم، وسلاحان فتاكان في يد إبليس، وشبكتان تغريا كل واحد من المؤمنين أن يقع فيها، فإذا كانت لك هذه الجلسة الصباحية أمكنك في أثناء النهار أن تكون في حفظ الله، تجد نفسك شديد التفكير، كلامك دقيق، قرارك سليم، رؤيتك رابحة، عملك صحيح، موقفك سليم مكانتك رفيعة، هذا السلوك إذا استمر يحدث شيء اسمه التراكم تتراكم هذه الأحوال الطيبة، تتراكم هذه القناعات، يتراكم التعظيم لله عز وجل، يتراكم الورع، المحبة، إلى أن تغدو في حالة لا تعهدها من قبل حالة الإقبال على الله، حالة الرضا حالة الوقار، حالة المحبة، حالة الحلم، حالة العفو، البذل، الثقة، الطمأنينة، تعيش أحوالاً ما كنت تعرفها من قبل، يجب أن تقول أنا أسعد الناس لا أقول لك تحتقر، أقول لك لا يمكن أن يكبر في عينيك إنسان من أهل الدنيا، تراه ضيق ا_لأفق، تراه تائهاً، شارداً، ضالاً، مغبوناً مخفقاً، شقياً، مادام هذا الإنسان مهما علا شأنه، مهما كان غنياً تراه أنت صغيراً، الكبير من عرف الله.
لو رجل قال: من أخلص لله أربعين صباحاً تفجرت ينابيع الحكمة في قلبه وأجراها الله على لسانه، يجب أن تقول في نفسك الدنيا جنة أحياناً ألتقي بإنسان أقول له: كيف حالك ؟ والله الذي لا إله إلا هو تشعر أن السعادة تشع منه، يقول: الحمد لله، الحمد لله على نعمة الهدى.
سيدنا علي رضي الله عنه قال: إن من نعم الله الغنى، وإن أفضل من الغنى صحة البدن، وإن أفضل من صحة البدن الإيمان.
معنى هذا أن الإيمان أعلى نعمة يملكها الإنسان، لما سيدنا عمر كانت تأتيه مصيبة كان يقول: الحمد لله ثلاثاً، الحمد لله إذ لم تكن في ديني ـ مادامت هذه المصيبة لم تطل ديني الحمد لله ـ والحمد لله إذا لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذا ألهمت الصبر عليها.
أبو بكر في الجنة ـ الآن في الجنة ـ حينما قال النبي هذه الكلمة كان في الجنة، يعني في جنة، وأنا أقول لكم قد يكون دخلك قليل، كثير محدود، غير محدود، متعب، مريح، قد تكون زوجتك وسط دون الوسط، سيئة، قد يكون بيتك ملكك أو تسكن بالأجرة، صغيراً كبيراً في حي راق، في حي شعبي، تحت الأرض، فوق الأرض في الطابق الرابع، ملحق، إذا كنت في كل حال معي فعن حمل زادي أنا في غنى. فأنتم هو الحق لا غيركم فيا ليت شعري أنا من أنا
يعني من ذاق عرف، ذاق طعم الإيمان، الإيمان له طعم إن لم تذقه حاول أن تذقه حرر دخلك، كن دقيقاً جداً، يعني أخ كريم ذكر لي بعض الأغلاط قبل أن يعرف الله عز وجل قلت له القضية سهلة مادام القلب ينبض فكل شيء له حل، في أخ آخر سألني اليوم ما معنى قوله تعالى:
﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)﴾
[ سورة ص ]
يعني بدت له هذه الآية غير واضحة ـ رجل دخل إلى مدرسة حتى يفتش المعلم سمع الطلاب جميعاً يقولون، طم بل ك، ما هذا ؟ دخل إلى الصف وعرفه المدرس أنه مفتش وقال له ما هذا الكلام ؟ قال له قرآن كريم، فقال له: أي قرآن هذا ؟ قال له: والله محيط بالكافرين أخذ مقطع يقرأهم ـ تعريفها الدقيق هو ليس الوقت وقت خلاص يعني إذا رجل تورط في قتل إنسان وألقي القبض عليه وسيق إلى السجن وشكلت محكمة لمحاكمته استجوبته وكل محامي والمحامي دفاعه ضعيف، الأدلة كلها متضافرة في إدانته، أدين بهذه الجريمة صدر حكم في إعدامه، استأنف الحكم، صدر الحكم الثاني بإعدامه نقض الحكم، صدر أمر من محكمة النقض بإعدامه، صدق حكم الإعدام، سيق إلى المشنقة، وضع على خشبة المشنقة، الجنود يحيطون به من كل مكان، هل هذه الساعة ساعة خلاص ؟ هل يوجد أمل بالمليون واحد لا يوجد، كل الإجراءات تمت والحكم مصدق والمشنقة جاهزة والموظف جاهز والمنصة جاهزة والقرار مكتوب ولات حين مناص، وليست الساعة ساعة خلاص.
فالبطولة نحن الآن في ساعة خلاص، نحن الآن في ساعة خلاص قد تخلص من عذاب الآخرة الآن، قد تتوب، إذا رجع العبد إلى الله تعالى نادى منادي في السماوات والأرض أن هنئوا فلان فقد اصطلح مع الله، الصلحة بلمحة، إذا قال العبد يا رب فقد أذنبت، يقول الله عز وجل وأنا قد غفرت، فإذا قال العبد يا ربي لقد تبت، يقول الله عز وجل وأنا قد قبلت.
كلمة تكلفك الآن قل يا رب تبت إليك، لو جئتني بملء السماوات والأرض ذنوباً غفرتها لك ولا أبالي، أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء، إذا ضاقت عليك الدنيا تذكر قوله تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
[ سورة الزمر ]
في أشخاص يقفون عند هذا الحد في هذه الآية اسمعوا التتمة:
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)﴾
[ سورة الزمر ]
إياك أن تصل إلى ساعة ولات حين مناص، هذه أصعب ساعة إذا إنسان صعد به على خشبة المشنقة، يحب أن يبكي يبكي، يحب أن يضحك يضحك، يحب أن يترجى لا يوجد جدوى، يحب أن لا يترجى لا يترجى، يحب أن يطلب والدته تأتي ولكن الشنق لابد منه اطلب ما تشاء لابد من تنفيذ الحكم، هذه الطامة الكبرى لذلك الإنسان هذا الدرس يقول أحدهم والله الدرس جميل ولطيف، وآيات قرآنية دقيقة والمعنى عميق، والحديث رائع، وهذا له علاقة بعملنا، وهذا الحديث من أين جاء به والله ما سمعناه سابقاً، يعني هذا الاستمتاع بالأحاديث وأنت على حالك، واحد كألف وألف كأف.
فالذي أرجوه في هذا اللقاء أن يتوجه هذا الكلام لا إلى إحداث قناعات في الدماغ بل إلى إحداث مواقف عملية، كل واحد له بيت له زوجة، له أولاد، له بنات، محل تجاري، في عملك التجاري هل يوجد علاقة محرمة ؟ في علاقة ربوية، بيع بسعرين، كتمان عيب ؟
هذا في عملك، ادخل إلى بيتك هل يوجد مخالفة، ابنتك خروجها هل كما يريد الله سبحانه وتعالى، زوجتك هل تصلي، هل تأمرها بالصلاة، هل هناك وليمةٌ انتهكت فيها حرمات الله عز وجل جمعت فيها الأهل والأصحاب على مائدة واحدة ؟ هل تلهو كما يلهو الناس هل تستمتع كما يستمتعون ؟ هذه البطولة، امسك دفتر وسجل التقصيرات وحاول أن تتلافاها واحدة واحدة بأقرب وقت ممكن حتى يصبح العلم مبارك، يقول لك أحدهم تباركنا أستاذ، ما هي البركة ؟ البركة التطبيق، إذا إنسان كان معه مرض عضال وفي دواء شافي البركة بالدواء ذكره، حفظ اسمه، وضع الوصفة في مكان وجيه في البيت، أم استعمال الدواء، بركة الدواء استعماله، بركة القرآن الكريم اتباع سنته، بركة مجلس العلم تنفيذ ما جاء فيه، لا يوجد بركة أخرى، تباركنا لا يوجد بركة أخرى، هذه الكلمة لا معنى لها الإنسان عليه أن يكون بالمستوى المطلوب، واحد اثنين خمسة عشرة إذا كانوا في مستوى الدعوة هؤلاء لهم تأثير عجيب الأنبياء قلة نبي واحد قلب وجه الأرض بإخلاصه وصدقه وجهاده واستشهاده وآلاف المصلحين كلام مزخرف منمرق نظريات شواهد كتب مؤلفة ما دام الذي يتكلم ليس في مستوى كلامه كلامه لا يؤثر.
نحن من حين إلى آخر ندرس السنة المطهرة، ما هذا النبي الكريم الذي لفت القلوب بعد ألف وخمسمائة عام إذا ذكرته يتعطر المجلس تحس بالشوق إليه ؟ لكماله وأنت أيضاً كن على هديه، اقتفي أثره اتبع سنته، يعني اجعل بيتك إسلامي، عملك إسلامي، محلك إسلامي لباسك إسلامي، كلامك، نظرتك، لما الإنسان يطبق يسعد.
ونحن أيها الأخوة الأكارم بالعلم ليس العلم هدفاً بذاته، العلم وسيلة من جعله هدفاً بذاته فقد ضل، العلم وسيلة، لقول النبي عليه الصلاة و السلام:
(( كل الناس هلكى إلا العالمون والعالمون هلكى إلا العاملون والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم ))
يعني لابد من أن تكون عالماً يعني لابد أن تكون عالماً عاملاً مخلصاً يقظاً، هذا الكلام خطير قال تعالى:
﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)﴾
[ سورة النجم ]
لا يوجد عمل في الأرض يفوق أن تعرف الله عز وجل، يوجد عندنا موسم لا تحرجني لا يوجد عمل في الأرض لا موسم، ولا زواج، ولا شراء بيت، ولا انتقال من بيت إلى بيت لا يوجد عمل في الأرض يفوق أن تعرف الله عز وجل، لذلك من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين، أنت اشتغل بذكر الله ومعرفته واترك الدنيا وأنا مسؤول والله الذي لا إله إلا هو لتأتيك الدنيا وهي راغمة، تأتيك الدنيا من أيسر سبلها، براحة وكرامة ويسر وسعادة.
أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمني فاخدميه، ومن خدمكِ فاستخدميه، الدنيا تضر وتغر وتمر، الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له، الدنيا جيفة طلابها كلابها، خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً، من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر ترى الآن شخص يعمل ليل نهار وصفهم الله عز وجل قال:
﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) ﴾
[ سورة المدثر ]
باللغة الدارجة مثل الحمير الطرابة، عمل مرهق يخرج من بيته قبل أن يستيقظ الأهل ويعود بعد أن يناموا، يقول لك الحياة جهاد عملي صعب، ترى فجأةً انضرب القلب، عشرة أيام النعوة على الباب، ما دخل المسجد إلا ليصلى عليه، ما دخل المسجد ليصلي دخل مرة واحدة ليصلى عليه، أيام نصلي على جنازة لا نعرف يا ترى كان يصلي، كان يعرف الله عز وجل، كان ماله حلال ماله حرام، كان يخشى الله، عبدي رجعوا وتركوك وفي التراب دفنوك ولو بقوا معك ما نفعوك ولم يبقَ لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت كل واحد منا لابد من أن يلقى الله. ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل
رجل أنت، ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ما سمعت حديثاً من رسول الله إلا علمت أنه حق من الله تعالى، وما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، وما دخلت في صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها.
الذي أرجوه في هذا اللقاء غير إحداث قناعات في الفكر إحداث مواقف في النفس، أن تفر إلى الله عز وجل، ففروا إلى الله جميعاً أن تقوم إليه، أن تشمر.
أيام الإنسان إذا أقدم على عمل مهم جداً يشمر، أيها الناس شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن السفر قريب، وتزودا فإن السفر بعيد وخففوا أثقالكم فإن في الطريق عقبة كؤود لا يجتازها إلا المخفون وأخلصوا النية فإن الناقد بصير ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة.
في رجل سبب هدايته أن كان يعمل في سلك الشرطة وكان رئيس مخفر له صديق من وجهاء الحي كان غنياً ومترفاً فنشأت علاقة بين هذا الصديق وبين هذا الضابط، سهرات وطعام نفيس وساعات فيها ضحك وسرور ونزهات وبساتين جميلة، والخير موفور ومال كثير وهذا الغني له أربع زوجات كلما كبرت زوجة طلقها وتزوج امرأةً شابة في المباحات ليس له معاصي وفق الشرع توفي هذا الرجل بعد أيام جاؤوا إلى مخفر الشرطة يطلبون من هذا الضابط أن يرافقهم إلى المقبرة ليكشف عن الجثة بصحبة طبيب شرعي، لأن هناك إخباراً يفيد بأن هذا الرجل مات تسمماً بالسم وليس موته موتاً طبيعياً، فهذا الضابط نزل إلى القبر بصحبة هذا الطبيب الشرعي فقال والله شاهدت منظراً بقيت أسبوعاً أو أسبوعين ترتعد فرائسي منه، بطن منفوج رجل بالشرق ورجل بالغرب وجه أسود أزرق الدود، ولما الطبيب فتح البطن حصل انفجار، هذا الضابط قضى مع هذا الإنسان سهرات ممتعة وأيام حلوة وأكل معه أطيب الطعام وشهد منزله الفخم، ودخل إلى بستانه الجميل وعرف خبايا هذا الرجل، هذا هو المصير قال والله الذي لا إله إلا هو بقيت أسبوعين أو أكثر لا تشتهي نفسي أن أكل طعاماً هذا هو المصير بعد شهر جاءه أناس إلى المخفر يطلبون منه أن يحل منازعةً تمت في المقبرة، هذه المنازعة رجل توفي وأراد أهله أن ينزلوه في قبر مضى على دفن الذي قبله أربعين عاماً فتحوا القبر، قال: والله الذي لا إله إلا هو بأم عيني رأيته رجل ممدد كأنه نائم ثيابه تشبه قميص اللوكس جلده هو هو، خده، شعره، ذقنه ابتسامته، هذا كان يحفظ القرآن الكريم وكان إمام مسجد بعد أربعين عاماً هو هو، أما الآخر بعد أسبوع، هذا المنظر المتناقض هذه المفارقة الحادة، هذه الحالة التي تدعو إلى القرف والمقت، وتلك الحالة التي تدعو إلى الرضا والسرور، هي التي لفتت نظر هذا الإنسان وكانت سبباً في هدايته.
البطولة عند هذه الساعة، ساعة نزول القبر، ساعة مفارقة الدنيا من الآن اشتغل، من الآن يجب أن يبقى الموت في ذهنك دائماً طبعاً تتزوج وتشتري بيت، تكسب مال وتسعد وتسر ولكن عندك طمأنينة عميقة لو جاء الأجل أنت إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض وأكربتاه يا أبتي، قال لا كربة على أبيك بعد الآن غداً نلقى الأحبة محمد وصحبه، يعني ساعة اللقاء عند المؤمن أجمل ساعة، كل هذه الحياة من أجل هذه الساعة.
بعض الأشخاص يتخذون جدولاً فيه أسماء الأيام عرضاً وأما طولاً مثلاً قيام الليل، صلاة الفجر حاضراً، التفكر بالموت، التفكر بآيات الله، ذكر الله، قراءة القرآن، غض البصر، الصدق، تحري الحلال، بر الوالدين عموداً، وكل يوم يحاسب نفسه، يوم السبت هل صليت قيام الليل هل ذكرت الله عز وجل، هل فكرت بالموت، هل فكرت بآيات الله، هل تلوت بعض آيات الله، هل كان غض بصري جيداً حازماً أم فيه تراخي، إذا كان هذا الشيء تحقق إشارة تحقق وإلا إشارة ضرب، يمتحن نفسه يلقي نظرة على هذا الجدول كل أسبوع إذا في خطأ يتراجع عنه يتوب عنه، المؤمن مذنب تواب، كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارق، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، الدنيا ساعة فاجعلها طاعة والنفس طماعة عودها القناعة.
يعني هذا الدرس له اتجاه آخر وكان من الممكن أن نتابع الموضوع في إحياء علوم الدين، موضوع الحلال والحرام، وكان من الممكن أن نتابع ما جاء في كتاب شمائل النبي عليه الصلاة والسلام ولكن أردت قبيل شهر رمضان المبارك وهذا شهر الطاعة، شهر الاستنفار شهر مضاعفة العبادة، مضاعفة الجهد، شهر العمل الصالح، شهر قراءة القرآن، لابد من أن تستعد إلى هذا الشهر قبل مدة من أجل أن يكون هذا الوقت استعداداً لهذا الشهر العظيم، إذا طبقتم سعدتم وإن لم تطبقوا يقول أحدكم والله ما استفدنا شيء والحقيقة إذا الإنسان ما طبق لا يستفيد شيء والعلم علمان مطبوع ومنطوق المطبوع هو الأساس الذي ينطبع في قلبك ويجري على لسانك أما المنقول كالماء المجموعة، المياه المجموعة قد تكون آسنة ولكن مياه النبع تكون عذبة فراتاً أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى وأن يجعلنا في مستوى شرعه الحنيف.
والحمد لله رب العالمين