أن لا تبالغ في تحديد إمكانياتك العقلية والمادية وقدرتك على تنميتهما، فالمرء قد يكون مبدعا في مجاله، لكنه رقم غير مؤثر في غيره، وبالتالي عليك.. بل علينا جميعا أن نكون صادقين عندما نقيم أنفسنا وقدراتها، ولا نعمد للنظر يمنة ويسرة منشغلين بما يملكه الآخرون فالأرزاق مقسمة، وهي بحول الله تتبارك لو بذلنا الجد لتنميتها، أما أن نبقى ننظر إلى غيرنا نحسدهم على امتيازات استحقوها عن جدارة، إنجازات تتناسب وعملهم، فأمر لن يصل بنا إلى خير، والنتيجة الحتمية هي الخذلان وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، إضافة إلى أن هناك نقطة جوهرية علينا تدبرها، وهي أن ما يسعدنا ليس بالضرورة يسعد غيرنا، وأحلامهم قد تتناقض مع أحلامنا، فالدنيا وما فيها من الكائنات كالحديقة الغناء تحوي الكثير من النباتات، ولكل منها لها لون ورائحة ودور، ولكننا مع هذا الاختلاف نكمل كل منا الآخر، وأي حديقة لن تكون خلابة بنبات واحد مهما علا شأنه.
ويحضرني هنا حديث دار بيني وبين الوالد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، في شبابي المبكر، حول اهتمام الفتيات المبالغ به بالشكل الخارجي، فإحدانا قد تكون مستاءة من مقارنات تعقدها أو تعقد لها، لتجد نفسها مؤمنة يقينا أن فلانة أفضل منها شكلا وموضوعا.
لقد كان يؤكد لي رحمه الله أن الشكل نعمة من نعم الله التي ليس لنا دور في تحديد صورته، إلا أنه مهما كان لطيفا أو جميلا فهو ضعيف الأثر إن لم يدعم بالثقة والتواضع، كان الوالد يؤكد أن الثقة مهمة إلا أنها قد تكون وبالا على صاحبها إن لم تزين بقيم أخلاقية عالية، بل إن الثقة المغلفة بقيم السماحة والإيثار والتواضع وفعل الحسن تجعل من المرء مخلوقا ناجحا، رائع الجمال مبهجا لغيره، في حين يحول الغرور والكبر والأنانية والحسد صاحبه.. لمخلوق فاشل على كافة الأصعدة، مخلوق مزعج منفر، إلا أن السطحية التي يمتلكها البعض تجعلهم لا يرون إلا القشرة الخارجية، فقد تعمد إحداهن إلى التقليد الأعمى لكل من يبرق أمامها، فتحاول تقليد شخصيات لا تتناسب ودينها وثقافتها كالممثلات على سبيل المثال.
وأستطيع أن أجزم من خلال تجربتي الطويلة نسبيا أن الشكل الخارجي ليس مقياسا يمكن الاعتماد عليه، فما يظهر لنا مبشرا قد يتحول مع الاقتراب منه إلى صورة معاكسه تماما، والعكس صحيح، فالقيم الأخلاقية من تواضع وإيثار وإخلاص وتفان.. مفردات لا تقدر بثمن في حياة كل منا، وامتلاكها أو القرب منها نعمة تستوجب شكر المولى سبحانه.. فمعها يتحقق بإذن الله النجاح والتوفيق، وبأجوائها تسلم النفوس من الخيانة، وتنال الدعم والنصيحة الخيرة.
وهناك أمر يجب التطرق إليه عند الحديث عن هذه القضية، فالأحلام يستلزم تحقيقها الكثير من الجد والكثير من الصبر، ولنحقق النجاح علينا الإيمان أن الفشل ليس نهاية المطاف، فالحياة مليئة بالفرص، والذكي من يكرر المحاولة دون هوادة، ولنجعل الفشل حافزا قويا للتقدم، ومن المؤلم أن يكون الإحباط هو ردة الفعل لأي فشل يصيبنا، ثم من منا من لم يصادفه فشل في حياته، فمن لم يعرف طعم الفشل يصعب عليه تذوق النجاح. فالفشل في حياة العاشقين للنجاح هو بداية لنهاية رائعة بإذن المولى سبحانه.
الحقيقة أن الشباب المبكر أو سن المراهقة ـ ما يطلق عليها البعض ـ قد يكون سن إبداع، كما قد يكون بداية انهيار لحياة يفترض أن تكون منجزة، فتهميش المراهق وتحقير أحلامه وعدم تقديره، سيترك نفسا مهزوزة ضعيفة، أو نفسا متمردة كارهة، كما أن عدم تعويد الشباب على تحمل تبعات تجاوزاتهم أمر خطير للغاية، فمن المؤلم أن نشاهد رجالا ونساء يعتقدون أن التطاول هدف لذاته ودليل على التفوق، أو نرى شبابا منعزلا في زاوية مظلمة يخشى النور وينظر للغد بمنظار قاتم.. حياتهم خالية من الأحلام ومن أي تخطيط، يقضون جل حياتهم على الهامش.. فقد سفهت أحلامهم ومن أقرب الأقرباء.. ولجمت، فقدوا الثقة بأنفسهم وبمن حولهم، وهكذا أصبحوا عالة على مجتمعهم.
إن أحلام شبابنا مشروعة وما علينا إلا إفساح المجال لأبنائنا ليحلموا أحلاما واقعية، فالنجاح حلم جميل يتحقق بالجد والاجتهاد المغلف ابتداء بالتوكل على الحي القيوم، والسعادة ممكنة لو نظرنا للعالم من منظار تعاليم ربانية دعمته لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، وكل أحلامنا ممكنة لو حددناها بحدود العقل والحكمة