صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صحبة الخير

منتدي اسلامي ثقافي دعوي اجتماعي عام
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
 
بسم الله الرحمن الرحيم

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
صدق الله العضيم


 

 عبودية وتسبيح الكائنات

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

عبودية وتسبيح الكائنات Empty
مُساهمةموضوع: عبودية وتسبيح الكائنات   عبودية وتسبيح الكائنات Emptyالأربعاء مايو 12, 2010 11:21 pm

هل هذا الموضوع يصح " خصوصا قصة قابيل وهابيل" ؟؟

ستتعجب أخي الكريم وأختي الكريمة عندما تعلمون أن الجبال تشعر وتحس

هذه هي الحقيقة وقد ذكر هذا في أكثر من موضع في القرآن والسنة وأليكم أدلتي.

أولاً:عرض ألامانه على الجبال

يقول الله تعالى(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)

السماوات عرضت عليها أمانة التكليف فأبت فعرض الله على الأرض فأبت فعرضها على الجبال فأبت وأشفقن جميعاً منها والإشفاق على الحقيقة لا المجاز والعرض له كيفيته وإباؤهم له كيفيته وإشفاقهم له كيفيته التي تليق بخلقهم جميعا فليس ضرورة أن يكون مثل إشفاقنا فأنت تسبح والمخلوقات تسبح ولكن تسبيحك ليس كتسبيحهم

إذن الجبال تشفق وتأبى.

ثانياً:عبودية الجبال

الجبال تسجد

يقول الله تعالى(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ)

ولسجودها كيفيه تليق بها ليست كسجودنا

ولكن هناك ظن من بعض العلماء أن الزلازل التي تحدث في بقاع الأرض نتاج لسجود الجبال ولكن الله أعلم ليس عليه دليل وإن كانت أحزمة الزلازل توجد في الجبال ولكن يتوقف عند معرفة أن الجبال تسجد وكفى.

الجبال تسبح ما من مخلوق إلا ويسبح ولكن لا تفقهون تسبيحهم وكذلك الجبال تسبح

الجبال تذكر الله

التسبيح من الذكر ولكن ما أقصده قول الله ( يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ) أي سيدنا داود فكانت الجبال تردد وراءه فقد أوتى

سيدنا داوود مزمورا أي حسن الصوت فكانت الطير والجبال والشجر تردد وراءه لحسن صوته وجمال ذكره.

ثالثاً:الجبال تحب وتفرح

ستعجب عندما تعلم أن الجبال تحب نعم

قال الصادق المصدوق سيدنا محمد(صلي الله عليه وسلم ) عن جبل أحد هذا جبل يحبنا ونحبه

أنظر لتقديم النبي لحب الجبل لهم على حبهم هم له لتعلم أن حب الجبل حقيقة

كما أن الجبل يفرح ويستبشر نعم

عندما صعد النبي محمد (صلي الله عليه وسلم ) وصحبه على جبل أحد اهتز الجبل فرحاً بمقدم النبي واستبشر فخشي النبي أن يوقع بهم فوكزه النبي بقدمه الشريفة وقال له اثبت أحد اثبت أحد فعليك نبي وصديق وشهيدان وكان مع النبي أبو بكر وعمر وعثمان

انظر هنا تجد الجبل يفرح ويستبشر بقدوم النبي وحق له هذا

رابعاً : خشية الجبل وتصدعه وخشوعه

يقول الله تبارك وتعالى(لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)

وهناك أثر مروى في كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة

(يقول إن الله أوحى للجبال أنى نازل على أحد منكن فشمخت جميع جبال الأرض وتعاظمت لعلها تكون هي إلا جبل واحد تواضع لله وقال في نفسه رضيت بما قسم الله لي وهو جبل الطور فنزل الأمر عليه فخر من فوقه دكا)

خامساً : لا أعلم إن كنتم تعلمون هذه القصة أم لا

عندما قتل قابيل هابيل صرخ جبل في دمشق صرخة فقد قتله في كهف هناك وأوشك الجبل أن يقع على قابيل ليفتك به ولكن جبريل نزل في صورة إنسان فأمسك بالجبل قبل أن يقع لأن عقوبة قابيل في الآخرة وليست في الدنيا وليفرح قليلا فأثرت أصابع يد جبريل في أعلى الجبل في الموضع الذي أمسك الجبل منه والكهف الذي في الجبل هو موجود للآن وستجد في الكهف شكل لسان وحلق كأن أنساناً يصرخ سبحان الله والأعجب من ذلك أن في الكهف موضعا في الأعلى تنزل منه قطرات في كل عام في مثل اليوم الذي قتل فيه هابيل حزناً عليه فإنها دموع الجبل وسبحان الخالق.

ولذلك قيل إن دمشق سميت بهذا الاسم فهي قسمان دم وشق أي دم قابيل في شق الجبل والله أعلم

ولكن هذا ليس ممتنعا في حق الجبل فالجبل يفرح ويحب ليس غريباً أن يبكى إذن

سادساً:الجبل جند من جنود الله في ألأرض

عندما خرج النبي محمد(ص) إلى الطائف يدعوهم إلى التوحيد سفهوه وكذبوه وأغروا به سفهائهم وصبياتهم فعدو وراء النبي محمد(صلي الله عليه وسلم) وقذفوه بالحجارة حتى دميت قدماه بأبي هو وأمي رسول الله فقال فذهبت لا أدرى بنفسي ولا بحالي حتى أفقت في قرن ذي الثعالب على بعد 5كيلو متر من الطائف فقال النبي فرأيت جبريل بين السماء والأرض يقول لي يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول لك أذا شئت أهلكناهم وعذبناهم من دونك وجئت معي بملك الجبال فقال ملك الجبال يا رسول الله لو أمرتني لأطبقت عليهم الأخشبين.

والأخشبين هما الجبلان العظيمان

الشاهد هنا أن الجبال جند من جنود الله في الأرض أذا شاء عذب بهما من يشاء

وفى النهاية لا يسعني إلا أن أحمد الله وأثنى عليه

وآخر دعوانا أن الحمد لله

الفتوى




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما أورده السائل بحث يطول الكلام فيه فننصحه بالاستماع لمحاضرة:" عبودية الكائنات" للشيخ محمد إسماعيل المقدم حفظه الله وهذا رابط تحميلها في موقعنا هذا:

الجزء (1)

http://audio.islamweb.net/audio/downloadmp3_.php?audioid=162053

الجزء (2)

http://audio.islamweb.net/audio/listenbox.php?audioid=162061&type=wma

وتوجد مكتوبة وبإمكانك الاطلاع عليها كاملة في هذا الرابط:

الجزء (1)

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=162053

الجزء (2)

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=162061



وأما عن قصة هابيل وقابيل وموقف الجبل منها فلم نقف عليها في شيء من كتب أهل العلم، وأغلب الظن لو وجدت أنها مما تناقله الناس عن أهل الكتاب أو مما ابتدعه القصاص الوضاعون مبالغة في ترهيب الناس وترغيبهم.

وأما عن كون ذلك هو سبب تسمية دمشق بهذا الاسم فقد ذكر ابن عساكر في مقدمة كتابه الموسوعي:" تاريخ مدينة دمشق" سبب تسميتها بهذا الاسم وأصل اشتقاقه ولم يشر لما ورد في سؤال السائل من قريب ولا من بعيد.

والله أعلم.


عدل سابقا من قبل مسلم في الأربعاء مايو 12, 2010 11:27 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

عبودية وتسبيح الكائنات Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبودية وتسبيح الكائنات   عبودية وتسبيح الكائنات Emptyالخميس مايو 13, 2010 12:05 am


عبودية الكائنات [1]

خلق الله عز وجل الخلق وهو في غنىً عنهم، وإنما خلقهم سبحانه وتعالى لعبادته، فكل الخلق عبيد لله، سواء عبودية عامة أو عبودية خاصة، فيجب على الإنسان أن يحقق العبودية الخاصة؛ فإنها الغاية التي لأجلها خلق.

أنواع العبودية ومفهوم الكائنات

تعريف العبادة

بسم الله الرحمن الرحمم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فسنبدأ أولاً بتوضيح مفهوم العبودية، فالعبودية هي الغاية من وراء هذا الخلق، كما قال تبارك وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والعبودية لله سبحانه وتعالى مفتاح دعوة الرسل؛ إذ ما بعث الله رسولاً إلا قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65]. والعبودية هي: الخضوع والانقياد والطاعة لله تبارك وتعالى. واصطلاحاً هي: الأعمال الصالحة التي تُؤدى لله تبارك وتعالى، ويُفرد الله بها، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil


العبودية عامة وخاصة

أما العبودية فهناك عبودية عامة، وهناك عبودية خاصة. فالعبودية العامة بمعنى أن كلمة (العبد) يقصد بها المعنى العام للعبادة، فعبد بمعنى: معبد. وتأتي العبادة الخاصة التي فيها (عبد) بمعنى عابد. والعبودية العامة هي عبودية القهر والتسخير لنفاذ أمر الله تبارك وتعالى في كل شيء، فلا يقدر كائن أن يمتنع عن شيء جبله الله عليه، وهذه العبودية تشمل جميع الكائنات؛ لأن الله سبحانه وتعالى يتصرف في خلقه بمحض ربوبيته بما يشاء وكيف شاء، حتى أطغى الطغاة وأكبر الجبارين إذا شاء الله سبحانه وتعالى أن يقبض روحه قبض روحه، وإن شاء أن يمرضه أمرضه، فيتصرف في خلقه سبحانه وتعالى بما شاء، ولا راد لمشيئته ولا لقضائه تبارك وتعالى، ولا يستطيع أحد أبداً أن يخرج عما يقدره الله له. فهذه العبودية تشمل جميع الناس: المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، وأهل الجنة وأهل النار، يقول تبارك وتعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83]، ويقول تبارك وتعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93]، وقال عز وجل في الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)، فجميع الكائنات لا تخرج عن مشيئته وقدرته وكلماته التامة التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، فهذه عبودية القهر والملك والتصرف كما تقتضيه ربوبيته تبارك وتعالى. فالعبودية هنا عامة، والعبد هنا بالمعنى العام للعبودية بمعنى: معبد، أي مقهور وذليل خاضع لكل ما يجريه الله سبحانه وتعالى عليه. أما العبودية الخاصة فهي العبودية الاختيارية، عبودية الطاعة والانقياد والمحبة والاختيار، وهذه العبودية تصدر من المؤمنين الموحدين الذين يقومون بطاعته تعالى وتمجيده وتقديسه، من الجن والإنس والملائكة، فعبد هنا بمعنى: عابد العبودية الاختيارية، ومنه قوله تبارك وتعالى: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف:68]، وقوله: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:17-18]، وقوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هونًا [الفرقان:63]، وقوله: عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً [الإنسان:6]. إذاً: الخلق كلهم عبيد ربوبيته عز وجل، وأهل طاعته وولايته هم عبيد ألوهيته، فالعبودية العامة هي الملك والقهر والتسخير، أما العبودية الاختيارية فهي توحيد المعبود باختياره، فالخلق كلهم عبيد ربوبيته، وأهل طاعته وولايته هم عبيد ألوهيته
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil


مفهوم الكائنات وأقسامها

ولابد أن نمر أيضاً على مفهوم الكائنات، فما هي الكائنات الموجودة؟ الكائن بمعنى: المخلوق المصنوع الموجود المقهور الخاضع الذليل، ومنه كلمة (استكان) يعني: ذل وخضع لمكوّنه، فالكائنات لفظ يرادف الموجودات والمخلوقات، فهي تشمل كل ما سوى الله عز وجل، حيث إنه تعالى هو الموجد والمكون والخالق لها؛ لأن كل ما في الوجود إما خالق أو مخلوق، فالخالق هو الله وحده، وكل ما عدا الله مخلوق مكون فهو من الكائنات الموجودة. فإذاً: الكائنات هي كل ما عدا الله، وهي التي وصفها الله بقوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]. والكائنات قسمها العلماء باعتبارين إلى أقسام: التقسيم الأول: تقسيم الكائنات إلى: علويات وإلى سفليات. أما العلويات فيقصدون السماء والكواكب والنجوم والفلك والجنة والملائكة والعرش والكرسي. وأما السفليات فالنار والهواء والماء والتراب والرياح والسحاب والأرض والجبال والشجر والبحار والأنهار والأحجار والحيوانات والإنسان والنبات والطيور. التقسيم الآخر وهو أدق: تقسيم الكائنات إلى: كائنات في عالم الغيب، وكائنات في عالم الشهادة. أما عالم الغيب فهو كل ما غاب عنك، فهناك أحياء غيبية كالملائكة والجن، فهي أحياء لكنها في عالم الغيب، وهناك جمادات غيبية، كالجنة والنار والقلم والعرش. أما عالم الشهادة فيشمل كل ما هو مشاهد محسوس في حياة المخلوقات، فهناك الإنس، والإنس يشملون الأنبياء وأتباعهم، وهناك الحيوانات والنباتات والجمادات وغير ذلك. وكل هذه الأقسام التي ذكرنا تقوم بعبادة الله سبحانه وتعالى وتسبيحه، ليس على المجاز، ولكن على الحقيقة كما سنبين.
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

عبودية وتسبيح الكائنات Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبودية وتسبيح الكائنات   عبودية وتسبيح الكائنات Emptyالخميس مايو 13, 2010 12:17 am


دواعي عبودية الله عز وجل

أما دواعي هذه العبودية، فأول داعٍ من دواعي العبودية هو الفطرة، فالإنسان إذا كانت فطرته سليمة فإنها تجذبه إلى التوحيد، حتى قال بعض العلماء: لو أن رجلاً منذ أن ولد وضع في الأغلال، وحبس في غرفة ولم يختلط بأحد حتى بلغ وكلف، فسوف ينطق بـ(لا إله إلا الله)؛ كل إنسان سليم الفطرة يشعر باعترافه بالله سبحانه وتعالى؛ إذ إن هذا أمر فطري، فلذلك لا يحتاج إلى مناقشة، كالذي عوفي من بلاء الفلسفة والإلحاد والمذاهب المشككة، وعوفي من تأثير البيئة الفاسدة كالبيئة النصرانية أو اليهودية أو الشركية من حوله. فإن هذه البيئة التي حبس فيها تدل على أنه ليس عنده مشكلة، ولا يقبل أصلاً مبدأ أن يناقش قضية وجود الله؛ لأن أقوى دليل هو الفطرة، ويجد أن هذا الشعور مغروس في قلبه، ومغروس في فطرته، كما قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30]، وقال عز وجل في الحديث القدسي: (إني خلقت عبادي حنفاء، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه). وأيضاً من دواعي العبودية: الشرائع، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]، وقال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]. ومن دواعي العبودية الآيات الكونية التي تكشفها لنا الكشوفات العلمية الحديثة، والإسلام يعتبر التفكر في الآفاق عبادة واجبة على المسلم، فعليه أن يتفكر في هذه الآفاق وفي مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فإنه لما نزلت الآيات الخواتيم في سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:190-191] بكى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لقد أنزلت عليّ الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها!)، فهذا الوعيد يدل على وجوب التفكر في هذه الآيات بالذات، وهي تشمل التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى. ويقول تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ [الأنعام:75]، فالتفكر في هذا يورث اليقين. ويقول تبارك وتعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] وهذه من أعظم آيات الله سبحانه وتعالى، ويقول عز وجل: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53]. ومجال الإعجاز العلمي في نصوص القرآن والسنة مجال رحب جداً، وحتى لا نخرج من موضوعنا نكتفي بهذه الإشارة إلى أن هذا أحد موجبات العبودية.......

عبودية البشر

مراتب البشر في العبودية

أما مراتب البشر في العبودية فأعلى المراتب هي: مرتبة الرسل والأنبياء، وأعلى مراتب الرسل هي مراتب أولي العزم من الرسل، وأعلاهم محمد عليه الصلاة والسلام، ثم عامة الرسل، ثم عامة الأنبياء. المرتبة الثانية: مرتبة أصحاب الأنبياء والرسل، وهم الحواريون والأنصار والربانيون، وأفضل هؤلاء على الإطلاق هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم خير أمة أخرجت للناس، يعني: أن أفضل الأمم بعد الأنبياء هم الصحابة، وأفضلهم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي .. إلخ الترتيب المعروف؛ رضي الله تعالى عنهم أجمعين. تلي مرتبة الحواريين والربانيين وأصحاب الأنبياء مرتبة المجاهدين في سبيل الله تبارك وتعالى، وأعلى مراتب المجاهدين مرتبة الذين استشهدوا بالفعل في الجهاد في سبيل الله. تليهم مرتبة العلماء الذين هم ورثة الأنبياء. تليهم مرتبة المحسنين من أهل الإيثار والصدقة ودفع كربات الناس. يليها منزلة الصالحين المحافظين على الفرائض والنوافل، أولياء الله عز وجل، وهؤلاء هم الموصوفون بأنهم سابقون في الخيرات. يلي ذلك أهل النجاة الذين أدوا الفرائض وتركوا المحارم، بلا زيادة ولا نقص، وهؤلاء الذين ينطبق عليهم وصف المقتصد. يليهم الذين أسرفوا على أنفسهم وغشوا الكبائر مع أدائهم الفرائض، وهم المستحقون لوصف الظالم لنفسه

عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

العبادة هي أشرف أوصاف الأنبياء

أما الكلام في الحقيقة على عبودية الأنبياء فموضوع مهم جداً جداً، وما أكثر ما تكلم الناس فيه! لكن نشير إشارة عابرة؛ لأنه ليس هذا المقصود الأساسي من البحث. يقول تبارك وتعالى: قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل:59]، وهم الرسل عليهم السلام، وقال عز وجل: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ [الصافات:171]، فوصف الأنبياء بالعبودية له عز وجل، وقال أيضاً: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [النحل:2]، وقال أيضاً: وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73]، فهذا أشرف وصف يعتز به الأنبياء والمرسلون، وهو أنهم عباد لله تبارك وتعالى. ويقول عز وجل مبيناً عبودية نوح له: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء:3]، ويقول أيضاً: فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [القمر:9]، وقال أيضاًَ في حقه: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:81]، وقال أيضاً: كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10]. أما إبراهيم فقال الله عز وجل في وصفه: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:81]، وقال: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ [ص:45]. أما موسى فقال أيضاً فيه وفي أخيه هارون: إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:122]. أما عيسى فكان أول ما نطق به في المهد أن قال: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مريم:30]، وقال أيضاً في حقه: إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ [الزخرف:59]، وقال أيضاً: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ [النساء:172]. أما خاتمهم وسيدهم صلى الله عليه وآله وسلم فقد وصفه الله بالعبودية في أشرف مقاماته فقال: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن:19]، وقوله: (عبد الله) يقصد به الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا هنا في مقام الدعوة، وقال عنه كذلك في مقام الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لِيلاً [الإسراء:1]، وقال عنه أيضاً في مقام التحدي: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، وقال أيضاً: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه [الزمر:36].......

عبودية أتباع الرسل

أما أتباع الرسل فقد وصف القرآن أتباع الرسل بهذه العبودية، كمؤمن آل فرعون، وامرأة فرعون آسية بنت مزاحم، وكذلك سحرة فرعون، وأصحاب الكهف، والغلام، وأصحاب الأخدود، وكذلك مؤمن آل ياسين، أي: حبيب النجار . أما هذه الأمة فما أكثر العابدين والعباد الذين استحقوا هذا الوصف الشريف، وعلى قمتهم بلا شك أبو بكر و عمر والصحابة كما ذكرنا، ومنهم عباد بن بشر و البراء بن مالك ، وهما من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

عبودية وتسبيح الكائنات Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبودية وتسبيح الكائنات   عبودية وتسبيح الكائنات Emptyالخميس مايو 13, 2010 12:21 am


عبودية جميع الكائنات

ونحن الآن سنتكلم على عبودية نوع آخر من الكائنات، لا نعني بها عبودية الأنبياء والمرسلين وأتباعهم وطبقاتهم، وإنما نتكلم عن الكائنات كلها، ونثبت أن الله سبحانه وتعالى يخلق فيها إدراكاً حقيقياً، فهذه الكائنات تسبح، وتحمد الله عز وجل، ويخلق الله فيها إدراكاً، حتى الحجر والجدار، كما قال تبارك وتعالى في الجدار: فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ [الكهف:77]، خلق الله فيه إرادة، ولذا قال: (يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَه). ......

سجود الكائنات

ومن هذه العبودية التي تقوم بها الكائنات: عبادة السجود، يقول تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ [الحج:18]. في هذه الآية قرينة واضحة على أن السجود هنا سجود حقيقي، وليس بالمعنى المؤول بأنه بالدلالة على الله سبحانه وتعالى، هذه القرينة هي قوله تعالى: (وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ)، لو كان المقصود التسبيح بمعنى أن من رآها قال: سبحان الله، لقال: والناس أو وكل الناس؛ لأنك إذا رأيت أي مخلوق خلقه الله، فيمكن أن تقول: سبحان الله؛ لأنه خلق له هذه العين وهذه الأذن وهذا الأنف، وخلقه بهذه الطريقة، فلو كانت الدلالة العامة بالصورة المؤولة لما قال تبارك وتعالى: (وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ)، ولكن بعض الناس قال: لم يقصد هنا التسبيح الحقيقي؛ لأن من الناس من يكفر بالله ويجحده، ولا يسجد له ولا يسبحه، فإذا كان الأمر كما زعموا فلن يكون لتخصيص السجود بكثير من الناس معنىً. ثم قال تعالى في آية أخرى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:48-50]. الشاهد: قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [النحل:48]، حيث إنه هنا بين كيفية سجود هذه الأشياء فقال: (يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ)، يعني: أن الكائنات التي لها ظل هذه هي كيفية سجودها لله سبحانه وتعالى، فالله قادر على أن يخلق للظل إدراكاً يسجد لله به سجوداً حقيقياً. وقوله: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) هذا يدل على أن المقصود جميع الكائنات؛ لأنه ليس هناك كائنات تخرج عن السماء أو الأرض؛ فلذلك هذا كله يسجد سجوداً حقيقياً لله عز وجل، ولذا قال: وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:49-50]. هناك خلاف في كيفية هذا السجود، فهناك سجود، وهناك تسبيح، فمثلاً: الطيور تسمعها في وقت الشروق وفي وقت الغروب، وإذا كان هناك غابة فيها أشجار كثيرة أو بستان أو حديقة تسمع أصوات الطيور في هذين الوقتين بالذات كأنها أوامر مكلفة بها، وحينما تسمع هذا ما يدريك لعل هذا هو تسبيح الطيور؟ لكنك لا تفقه منه شيئاً، وكونك لا تفقه لا يسوغ لك أن تنكره. وهكذا الأمواج تسبح، وكل ما خلق الله سبحانه وتعالى من الكائنات يسبح الله عز وجل. لكن يختلف الإنسان عمن عداه في كيفية السجود، فنحن -مثلاً- معشر المسلمين سجودنا الخاص بنا هو ذلك السجود الذي يكون على سبعة أعضاء، أما بقية الكائنات فسجود كلٍ بحسبه، إذ كل كائن له طريقة خاصة بالسجود الله أعلم بها، فلو قيل: كيف يسجد الشجر؟ وكيف يسجد القمر؟ وكيف تسجد الشمس؟ وكيف تسجد هذه الكائنات؟ لقلنا: لا ندري، لكن هي تسجد قطعاً بلا شك في ذلك. فالخلاف هو في كيفية السجود، ونحن نعرف فقط سجودنا نحن؛ إذ نسجد على سبعة أعضاء، أما ما عدانا من الكائنات فهي تسجد، ولكننا لا نعرف هذه الكيفية.

عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

تسبيح الكائنات

وهناك عبادة التسبيح: يقول تبارك وتعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [الإسراء:44]. فالله يقولعبودية وتسبيح الكائنات Icon_sad تُسَبِّحُ)، إذاً: هي تسبح، فلا يليق بمؤمن أن يسمع قول الله تبارك وتعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ) ويقول: إنها لا تسبح، وأما تفسير من يقول: إن من رآها قال: سبحان الله، فهذا كلام فاشل، وهو مضاد لقول الله: (تُسَبِّحُ). وقوله تعالى: (وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)، نفى هنا معرفة كيفية التسبيح. وأما لماذا لا نفقه تسبيحهم فلأنها بخلاف لغتنا، والله سبحانه وتعالى امتن على سليمان بنعمة خصه بها على سائر الناس فقال: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ داودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ [النمل:16]، فسليمان عليه السلام فهم كلام النملة، ولم يكن هذا مجازاً بل كان حقيقة قطعاً. والهدهد حينما أتى وخاطبه وحصل بينهما هذا الحوار، هل كان هذا بالإشارة أو بالرموز أم أنه كان حقيقياً؟ الجواب: كان كلامه حقيقياً. إذاً: الهدهد يتكلم، والنمل يتكلم، وإمكانيتكم لا تسمح لكم بالتقاط وفهم هذا التسبيح. وعبر عنها هنا بضمير العاقل، ولم يقل: (ولكن لا تفقهون تسبيحها) أي: الكائنات، وإنما أعاد عليها ضميراً من يعقل؛ لأنه أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح، ولذلك قال: (وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ). وكذلك أطلع الله سبحانه وتعالى داود عليه السلام على تسبيح الجبال والطير، وداود عليه السلام كان يقف موقفاً مهيباً عظيماً عجيباً حينما يسبح الله عز وجل، فكان يجاوبه كل شيء، حتى الطيور في السماء كانت تجيب وتردد خلفه، والجبال تشترك معه في هذا التسبيح، يقول تبارك وتعالى في سرد قصة داود عليه السلام: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:10]. ولو كان تسبيحاً عادياً بمعنى أنه إذا رآها قال: سبحان الله لما اختص داود بهذا، وما الفرق بين داود وبين أي شخص آخر إذا رأى الجبال قال: سبحان الله؟ هذا إفساد لمعاني القرآن، ولذلك يقول تعالى: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:10]، فهذا خطاب للجبال، ويقول تعالى: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ [ص:19]، ويقول: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ [ص:18] ولو كان المقصود بتسبيح الجبال أن من رآها قال: سبحان الله، هل يختص هذا بالعشي والإشراق أم هذا في كل وقت؟ الجواب: في كل وقت، فتخصيص هذين الوقتين يدل على أنه تسبيح حقيقي، وأنها بالفعل تسبح الله سبحانه وتعالى. ويقول تبارك وتعالى: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة:74]، أي: أن الحجر يهبط من خشية الله، ويقول تبارك وتعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً [مريم:88-92]. وسنرى في هذا البحث -إن شاء الله- أن هذه الكائنات تعرف الموالاة والمعاداة، وتحب أولياء الله، وتعادي أعداء الله. وقد أشرنا من قبل إلى أنه لا يبعد أن يكون ما حصل في الجبل المقطم هو من هذا، فإن الجبل اندك؛ لأن من كانوا بجانبه قد انفصلوا عن المسلمين الموحدين، وكان هؤلاء النصارى قد تمركزوا في هذا المكان قريباً من الجبل، والجبل ما تحمل، إذ كل فترة يسمع: المسيح بن الله، والأب والابن وروح القدس، فالجبل ما تحمل، وهذا لا يبعد أن يكون هو تفسير هذا الأمر، فأكل الخنازير، وعبادة غير الله، والنطق بالشرك، كل هذا مما يغضب الله، فلما تزيلوا عن الموحدين أنزل الله بهم هذا الجبل الذي لم يتحمل أن يسمع هذا الشرك، والله تعالى أعلم. وأيضاً علم الله سبحانه وتعالى كل كائن من هذه الكائنات كيفية التسبيح الخاصة به، يقول عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النور:41] وهذه الصلاة ليست بالضرورة مكونة من ركوع وسجود وتكبيرة إحرام وتشهد وتسليمتين، وإنما هو تسبيح خاص ألهمها الله عز وجل إياه، فقوله تعالى: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النور:41]، يعني: أن الله علم صلاة كل شيء من هذه الكائنات وتسبيحها، أما دلالته على الرب فيعلمه عموم الناس، وهذا فيه إبطال من أول قوله تعالى: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النور:41] بقوله: أي: علم الله صلاته وتسبيحه. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم (ما تستقل الشمس -يعني: ما تشرق الشمس وترتفع- فيبقى شيء من خلق الله إلا سبح الله بحمده، إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم)، حديث صحيح، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة والحديث رقم (2224)، يعني: كل من لم يسبح الله في هذا الوقت فهو من أغبياء بني آدم، أو من الشياطين. ويقول تبارك وتعالى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:75]، يعني: بعد ما قضى الله سبحانه وتعالى بين الخلائق جميعاً بالحق والعدل تبارك وتعالى، في تلك اللحظة نطق الكون بأجمعه، ولذلك كانت الإضافة هنا مجهولة فلم يضف القول إلى قائله، ففي تلك اللحظة بعد ما فصل الله بين الخلائق بالحق والعدل، واستقر حكم الله على أهل الجنة وأهل النار نطق الكون بأجمعه لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله، ولهذا لم يضف القول إلى قائل، بل أطلقه فقال: (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فجميع الخلائق في هذه اللحظة تحمد الله سبحانه وتعالى لعدله وحكمته. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ليستغفر للعالم من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر) رواه ابن ماجة انظر إلى الموالاة والحب في الله حتى الحيتان في البحر تستغفر للعالم. وفي الترمذي زيادة: (حتى النملة في جحرها لتستغفر هي الأخرى لمعلم الناس الخير)، وهل يمكن أن نستبعد هذا أو نستغربه بعدما سمعنا الله تعالى يحكي عن هذه النملة عبارة في قمة الفصاحة، وفي أعلى مراتب البيان على وجازتها، حيث قال عز وجل: حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18]؟ وفي هذا اعتذار عن سليمان عليه السلام؛ لأن سليمان عليه السلام لا يمكن أن يتعمد أذية النمل، لكن قد يقتله هو وجنوده دون أن يشعروا، فهذا اعتذار في غاية التأدب مع نبي الله ومع جنوده وأصحابه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

عبودية وتسبيح الكائنات Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبودية وتسبيح الكائنات   عبودية وتسبيح الكائنات Emptyالخميس مايو 13, 2010 12:27 am


إيمان الكائنات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم

فكل هذه الكائنات مسلمة بالله عز وجل، كما قال سبحانه: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83]. وليس هذا فحسب، بل جميع الكائنات تؤمن بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في حين عمي كثير من الإنس الذين أوتوا العقول ورأوا الآيات عن هذا الحق، وكذبوا برسالته صلى الله عليه وآله وسلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليس من شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله، إلا عاصي الجن والإنس)، رواه الإمام أحمد ، وصححه الألباني. ومناسبة هذا الحديث: أنه كان هناك جمل استعصى على الناس، وكان موجوداً في حائط أو بستان، وكان كل من اقترب منه يشد عليه هذا الجمل، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعاه إليه، فأتى الجمل بين يديه، ووضع أنفه على التراب أمام النبي عليه السلام وسكن؛ لأنه عرف أن هذا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولذلك لما تعجب الصحابة من ذلك أجاب الرسول عليه الصلاة والسلام وأزال تعجبهم بقوله: (إنه ليس من شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله، إلا عاصي الجن والإنس). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه قال للرجل المؤذن: (إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)، ثم قال أبو سعيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري ، فكل شيء يسمع صوت المؤذن يشهد له يوم القيامة. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن)، أي: ما زال الحجر قائماً وموجوداً، وكان إذا رأى النبي عليه الصلاة والسلام قال له: السلام عليك يا محمد! أو يا رسول الله! وعن سفينة -وهو أبو عبد الرحمن مهران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقب سفينة لأنه حمل شيئاً كبيراً في السفر- أنه أخطأ الجيش بأرض الروم، فإذا هو بأسد، فقال: يا أبا الحارث! أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أمري كيت وكيت، فأقبل الأسد وله بصبصة -يعني: يحرك الذنب، وكأنه يرحب به- حتى قام إلى جنبه وكلما سمع صوتاً أهوى إليه -أي: أهوى إليه الأسد؛ كي يحميه من أي ضرر يقع به في الطريق- ثم أقبل يمشي إلى جنبه حتى بلغ الجيش، ثم رجع الأسد. وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)، وهذا جاء في أكثر من حديث عن الصحابة، فأحياناً يخرق الله العادة، كما أسمع داود تسبيح الجبال، فـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: (لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل). يقول القرطبي رحمه الله تعالى: وإذا ثبت هذا في جماد واحد جاز في جميع الجمادات، وهو عام فيما فيه روح وفيما لا روح فيه. ولكن القول بأنه تسبيح دلالة بحيث من رآها يقول: سبحان خالقها، ليس هذا التأويل بالقوي، والصحيح: أن الكل يسبح؛ للأخبار الدالة على ذلك، ونصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء، فالقول به أولى.

عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

نماذج في كيفية التفكر في مخلوقات الله عز وجل

ٍأما ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه: (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) فذكر كثيراً من النماذج العظيمة جداً في كيفية التفكر في مخلوقات الله عز وجل، على ضآلة الاكتشافات العلمية في عصر ابن القيم ، ولكن هذا الكتاب يعكس مدى مواكبة ابن القيم لثقافة عصره، بحيث يمكن أن نقف الآن على أناس لا يعرفون عشراً من أعشار ما كان يعرف ابن القيم قبل تقدم هذه العلوم، مما يدل على اهتمام علمائنا وأسلافنا بهذا الباب جداً. فيتكلم ابن القيم في موضع من كتابه: (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) على عبودية الشجر، ويقول: فتبارك الله رب العالمين الذي يعلم مساقط تلك الأوراق ومنابتها، فلا تخرج منها ورقة إلا بإذنه، ولا تسقط إلا بعلمه، ومع هذا فلو شاهدها العباد على كثرتها وتنوعها وهي تسبح بحمد ربها مع الثمار والأفنان والأشجار لشاهدوا من جمالها أمراً آخر. ونحن إذا نظرنا إلى متحف الأحياء المائية نجد فيه أشياء عجيبة ليست كما عندنا، فأنت حينما ترى هذه المناظر الجميلة والبديعة تنبهر بجمال خلق الله سبحانه وتعالى في المناظر الطبيعية، وفي الجمال، فما بالك لو انكشف لك صوتها وهي تسبح، حتى ترى نوعاً آخر من الجمال لا يمكن أن تقيسه بجانب الجمال الذي تدركه بعينك فقط؟ وإذا سمعت صوت الطيور في الصباح وهي تغرد بهذه الأصوات الجميلة فإنك ترتاح لذلك، وتأنس به، وتتمتع بهذا الصوت، فما بالك لو فقهت تسبيحها؟ لا شك أنك سترى ما هو أجمل من هذا الأمر الظاهري الذي تراه. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ومع هذا فلو شاهدها العباد على كثرتها وتنوعها وهي تسبح بحمد ربها مع الثمار والأفنان والأشجار لشاهدوا من جمالها أمراً آخر، ولرأوا خلقتها بعين أخرى، ولعلموا أنها لشأن عظيم خلقت، وأنها لم تخلق سدى. يقول تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [الرحمن:6] فالنجم: ما ليس له ساق من النبات، والشجر ما له ساق، وكلها ساجدة لله مسبحة بحمده، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [الإسراء:44]. يقول ابن القيم رحمه الله: ولعلك أن تكون ممن غلظ حجابه فذهب إلى أن التسبيح دلالتها على صانعها فقط، فاعلم أن هذا القول يظهر بطلانه من أكثر من ثلاثين وجهاً، وقد ذكرنا أكثرها في موضع آخر، وفي أي لغة تسمى الدلالة على الصانع تسبيحاً وسجوداً وصلاة وتأويباً وهبوطاً من خشيته، كما ذكر تعالى ذلك في كتابه. أي: هل توجد لغة من اللغات يعبر بها عن هذه الأفعال: السجود والتسبيح والصلاة والتأويب بمعنى الدلالة على الخالق؟ يقول ابن القيم : في أي لغة تسمى الدلالة على الطالع تسبيحاً وسجوداً وصلاة وتأويباً وهبوطاً من خشيته كما ذكر ذلك تعالى في كتابه؟ فتارة يخبر عنها بالتسبيح، وتارة بالسجود، وتارة بالصلاة، كقوله تعالى: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النور:41]، أفترى يقبل عقلك أن يكون معنى الآية: قد علم الله دلالته عليه؟ وسمى تلك الدلالة صلاة وتسبيحاً، وفرق بينهما، وعطف أحدهما على الآخر، والعطف يقتضي هنا المغايرة. وتارة يخبر عنها بالتأويب كقوله: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سبأ:10]، وتارة يخبر عنها بالتسبيح الخاص بوقت دون وقت، كالعشي والإشراق، أفترى دلالتها على صانعها إنما يكون في هذين الوقتين؟ أي: هل الجبال تدل على الله سبحانه وتعالى بالعشي والإشراق فقط، وأما في الضحى وفي الليل فلا تدل؟ فيدل التخصيص بهذين الوقتين على أنها صلاة حقيقية وتسبيح حقيقي. ......

عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

إدراك وتمييز الكائنات والرد على من جعل تسبيحها مجازاً

عموم الإدراك والتمييز في الكائنات

أيضاً هناك أدلة على إثبات الإدراك والتمييز عند الكائنات كل بحسبه، كقوله تبارك وتعالى حاكياً عن سليمان عليه السلام: فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا [النمل:19]، تأمل كلمة: (قولها)، ولو كان قولها رموزاً ومجازاً، هل كان يتعجب سليمان عليه السلام؟ وهل كان في تلك اللحظة سيقول: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [النمل:19] استحضاراً لهذه النعمة أن خصه الله بأن جعله يفقه لغة الطير، فهذا حقيقة وليس بمجاز، وإنما معنى قوله تعالى: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا) أي: من قول النملة، وماذا قالت النملة؟ بين الله قولها بقوله: قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18]. وقد اشتملت هذه الجملة القصيرة على عشرة أنواع من الخطاب: اشتملت على النداء (يَا)، والتنبيه (أَيُّهَا)، والتسمية (النَّمْلُ)، والأمر (ادْخُلُوا)، والنص (مَسَاكِنَكُمْ)، والتحذير (لا يَحْطِمَنَّكُمْ)، والتخصيص (سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ)، والتعميم والتفهيم والاعتذار (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)، يعني: خصت سليمان وجنوده، ثم عممت وقالت: (وهم لا يشعرون) واعتذرت بأنهم لم يتعمدوا أن يقتلوكم، ولكن سوف يكون هذا بدون أن يشعروا، فهذا منتهى الأدب مع نبي الله سليمان عليه السلام ومع أصحابه. وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبل أحد بقوله: (هذا أحد جبل يحبنا ونحبه)، رواه البخاري ، فانظر إلى الموالاة والحب في الله. من ذلك أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام رقى أحداً مرة وكان معه أبو بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم، فرجف الجبل -أي: اهتز الجبل وتزلزل- فقال له النبي عليه السلام: (اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)، والصديق هو: أبو بكر ، والشهيدان هما: عمر و عثمان ، وهذا رواه البخاري ، وهذا من أعلام النبوة؛ لأنه أخبر أن عمر و عثمان سيكونان شهيدين، وقد قتلا رضي الله تعالى عنهما شهيدين. وقال تبارك وتعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]، وقوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ) هذا عرض تخيير ليس لأنها عصت، لكن خيرها فقال: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ [الأحزاب:72]، فأثبت أنه خلق لها إدراكاً لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وأثبت أنها أبت فقال: (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا)، وأشفقت من حمل الأمانة. ومما يؤيد وجود هذا الإدراك قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة:74]. ومما يؤيده أيضاً حنين الجذع، فقد كان للرسول عليه الصلاة والسلام جذع نخلة في المسجد، فكان إذا أراد أن يخطب اتكأ عليه، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بصنع المنبر، وصنع المنبر، وفي أول صلاة جمعة لما دخل المسجد مر على الجذع، ولم يستند إليه كما هي العادة، ورقى المنبر، فإذا بالجذع يبكي بكاء الصبي الذي يحن لأمه، وظل الجذع يتأوه، وكان صوته يسمع في جميع أرجاء المسجد، بكى حنيناً إلى رسول الله، وتألماً لفراقه، وظل صوته كالطفل الذي يبكي حتى نزل الرسول عليه السلام من على المنبر، وضم الجذع إليه، وربت عليه إلى أن سكن، وهذا كله كان أمام الصحابة، وهذا الحديث في البخاري . إذاً: الجذع كان يحن إلى رسول الله، وكان يتفاعل معه، ويحبه، ويريد أن يقترب منه صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا كله يثبت أن الله سبحانه وتعالى قد يخلق في الجمادات من الإدراك ما تعي به أشياء كالعاقل.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

عبودية وتسبيح الكائنات Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبودية وتسبيح الكائنات   عبودية وتسبيح الكائنات Emptyالخميس مايو 13, 2010 12:32 am


إدراك وتمييز الحيوانات والدواب

ثم نخصص بعض الأنواع من الكائنات كالحيوانات والدواب، فهناك دليل عام يشمل الحيوانات والدواب، وهو قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ [النحل:49]، فقوله: (مِنْ دَابَّةٍ) هذه صيغة عموم. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : (قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأُحرقت، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة فأحرقت أمة من الأمم تسبح الله!)، أي: أن الله عز وجل عاتبه. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة خشية أن تقوم الساعة)، أي: تستمع بأذنها وتترقب قيام الساعة؛ لأن يوم الجمعة هو أخطر يوم عندها؛ لأنه هو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، فهي تدرك هذه الحقيقة، فكل يوم جمعة تكون في أشد حالات الإشفاق والخوف من أن يكون هذا موعد قيام الساعة. ويقول أيضاًً: (لا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة، إلا هذين الثقلين: الجن والإنس). وقد مر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجنازة فقال: (مستريح ومستراح منه، فسألوه عليه الصلاة والسلام: ما مستريح وما مستراح منه؟ فقال: إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) رواه البخاري. ومعنى ذلك أن هذه الكائنات كلها تكره الكافر، وتكره الفاسق الذي يعصي الله تبارك وتعالى، وتود موته حتى تستريح من شره ومن أذيته إياها. ويقول تبارك وتعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] وهذا حقيقة لا مجاز.

إدراك وتمييز البقر

وقال عليه الصلاة والسلام: (بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث)، يعني: أن أغلب ما خلقنا ومعظم ما خلقنا من أجله أن نعاونك في الحرث، (فقال الناس لما حكى لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك: سبحان الله! بقرة تتكلم) ولو كان المقصود: دلالته على خالقها لقال لهم: أنا أقصد أنها تدل على خالقها، وأنكم إذا رأيتموها قلتم: سبحان الله! ولكنه لم يقل ذلك، وإنما قال: (فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر و عمر)، رضي الله تعالى عنهما، وهذا رواه البخاري

عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

إدراك وتمييز الإبل

وجاء أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه)، أي: أن هذا الجمل بمجرد أن رأى الرسول عليه الصلاة والسلام -وهو لا يعرفه- أدرك وعرف أن هذا هو رسول الله، فمجرد أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه (فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سراته إلى سنامه وذفراه فسكن، فقال عليه الصلاة والسلام: من رب هذا الجمل؟ فجاء فتىً من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله! فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه)، يعني: تتعبه بالشغل، رواه أبو داود . وقوله: (فإنه شكا إلي) يعني: أنه كلم النبي عليه الصلاة والسلام، والرسول فهم كلامه كما فهم سليمان، فهل بعد ذلك يرتاب أحد في أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين؟ وعن جابر رضي الله عنه قال: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دفعنا في حائط لبني النجار، فإذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه فدعاه، فجاء واضعاً مشفره على الأرض حتى برك بين يديه، فقال: هاتوا خطاماً، فخطمه ودفعه إلى صاحبه، ثم التفت فقال: إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله، إلا عاصي الجن والإنس)، ورواه الإمام أحمد ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. كذلك أيضاً في قصة الهجرة، فإن الناقة التي هاجر عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما اقتربت من المدينة كان الصحابة يمسكون بزمامها، وكل طائفة من الصحابة يريدون أن ينزل الرسول عليه الصلاة والسلام أول ما ينزل عليهم، فكانوا يمسكون الزمام ويطلبون أن ينزل الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم، فيقول لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (خلوا سبيلها؛ فإنها مأمورة).

إدراك وتمييز الفيل

وكذلك إذا صحت الرواية في قصة أصحاب الفيل الذي أتى به أبرهة الحبشي، فإنهم قالوا: إن الفيل -وقيل: اسمه محمود والله أعلم- لما اقترب من حدود الحرم الشريف برك، فكانوا إذا وجهوه ناحية الكعبة يبرك ويثبت في الأرض، ولا يجيبهم، فإذا وجهوه ناحية اليمن ينطلق، وإذا وجهوه ناحية الشام ينطلق، إذا أعادوه إلى جهة الحرم الشريف يمكث في الأرض ويمتنع من المشي، فإذا صحت هذا فتنضم أيضاً لهذه الأدلة

إدراك وتمييز الديك

وأيضاً صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا الديك؛ فإنه يدعو إلى الصلاة)، وفي رواية: (فإنه يوقظ للصلاة). وأقول: ألا يلفت نظركم فعلاً أن في وقت معين ثابت تستيقظ الديوك فيه أو تنتبه فيه وتصدر هذه الأصوات؟ وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبدأ قيام الليل إذا صاح الديك. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكاً)، فأليس هذا جندي موظف لأمر معين يأمره الله سبحانه وتعالى به؟ بلى، إن هذا مكلف، ويفهم أن هناك وقتاً معيناً، وليس عنده أجهزة استشعار ولا لاسلكي ولا رادار، وإنما هي قدرة الله سبحانه وتعالى التي يخلق بها عنده هذا الإدراك. ويذكر أن سعيد بن جبير كان عنده ديك، وكان رجلاً صالحاً مستجاب الدعوة، ففي يوم من الأيام لم يصح الديك، فقال: ما له قطع الله صوته، فلم يصح بعدها أبداً، فقالت أمه: لا تدع على أحد

عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

إدراك وتمييز الذئب

كذلك أيضاً جاء أن الذئب تكلم في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكلام يفيد أن الذئب عنده اعتقادات معينة، فمثلاً: هو يعتقد أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، بل إن الذئب أمر راعي الغنم بتقوى الله. ويفيد الحديث أيضاً أن الذئب عالم بنبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه قصة حصلت مع راعٍ من الرعاة، وكانت سبباً في دخوله الإسلام كما سنبين، ولذلك ذكرها العلماء في باب علامات صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. والقصة ذكرها البخاري في صحيحه بلفظ: (بينما رجل في غنمه إذ عدا ذئب فذهب منها بشاة، فطرده حتى استنقذها منه، فقال له الذئب: يا هذا! استنقذتها مني، فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري؟ فقال الناس: سبحان الله! ذئب يتكلم؟! فقال صلى الله عليه وسلم: فإني أؤمن بذلك أنا وأبو بكر و عمر)، ونحن لا نريد المعاني المجازية الآن، لأن بعض إخواننا ألف رسالة مستوحاة من هذا الحديث، سماها: (عندما ترعى الذئاب الغنم)، يقصد بها حكام المسلمين في هذا الزمان. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (عدا الذئب على شاة فأخذها، فطرده الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، وقال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي؟! فقال: يا عجبي! ذئب مقعٍ على ذنبه يكلمني كلام الإنس؟! فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد عليه الصلاة والسلام بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره -أي: حكى له قصة الذئب هذه- فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج فقال للراعي: أخبرهم بما حدث معك، فأخبرهم ،فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صدق والذي نفسي بيده!) وهذا قطعاً يسد باب المجاز، إذ لو كان مجازاً فلماذا تعجب الراعي؟ ولماذا آمن بنبوة الرسول عليه السلام؟ هل لأنه إذا رأى الذئب يقول: سبحان الله! ويستدل به على الخالق سبحانه وتعالى؟

عبودية الخيل
ومن ذلك أيضاً عبودية الفرس، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوة؛ يقول: اللهم إنك خولتني من خولتني من بني آدم، فاجعلني من أحب أهله وماله إليه)، رواه الإمام أحمد

عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

إدراك وتمييز وعبودية الهدهد
من ذلك أيضاً عبودية الهدهد، كما قال تعالى عن قصته مع سليمان عليه السلام: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ * لأعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [النمل:20-22] كان يمكن أن الله سبحانه وتعالى يقول: فمكث قريباً، لكن قال: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [النمل:22] تعريضاً بمن يخافون غير الله، والمعنى: لم يفعل كما تفعلون أنتم وتفقون بعيداً. فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ [النمل:22]، وهذا يثبت أن سليمان عليه السلام مهما أوتي من العلم فليس علماً مطلقاً، وإنما العلم كله لله، ولذا قال سبحانه حاكياً عن الهدهد: فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ [النمل:22]، يعني: أنه كان عند الهدهد توحيد، فيعلم أن سليمان نبي لا يعلم الغيب، ولذا قال: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22]، ووصفه بأنه يقين لأن هذا الخبر من شدة عجبه قد لا يصدقه سليمان، فقال له ابتداءً: إنه خبر يقيني، وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ [النمل:22-23]، أي: امرأة تحكم هذا الشعب، تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل:23]، يعني: من كل شيء يؤتاه الملوك، وليس على إطلاقها، وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [النمل:23-24]، يعني: أن الهدهد استنكر واستقبح هذا الأمر، وذهب بسرعة يبلغ عنهم سليمان أنهم لا يعبدون الله، وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل:25-26] وهذا يدل على أهمية التوحيد، فالهدهد كان يعرف عقيدة التوحيد الخالص، فبين كفرهم وبعدهم عن الهداية، وغواية الشيطان لهم. يقول القرطبي رحمه الله تعالى: إن الله تعالى خصه -أي: الهدهد- من المعرفة بتوحيده ووجوب السجود له، ما خص به غيره من الطيور وسائر الحيوان من المعارف اللطيفة التي لا تكاد العقول الراجحة تهتدي إليها. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

عبودية وتسبيح الكائنات Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبودية وتسبيح الكائنات   عبودية وتسبيح الكائنات Emptyالخميس مايو 13, 2010 12:52 am

عبودية الكائنات [2]

جميع الخلائق حيها وجمادها، علويها وسفليها، شاهدها وغيبيها، عابدة لله عز وجل، وطائعة ومنقادة له سبحانه وتعالى. والله سبحانه وتعالى هو الذي خلقها؛ وهو الذي جعل لها إدراكاً وتمييزاً؛ لتعبده وتسبحه وتطيعه، فيجب على الإنسان الإيمان بذلك، ويجب عليه أيضاً أن يكون أولى الخلق بعبادة الله عز وجل.

عبودية المخلوقات السفلية


عبودية النباتات


من أنواع العبودية: عبودية بعض الجمادات، مع عبودية الحيوانات والدواب والطيور، وهناك عبودية بعض النباتات: وقد ذكرنا من قبل الدليل العام وهو قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44]، وقوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ [الحج:18]، وكذلك أيضاً ذكرنا شهادة الشجر والحجر وكل من يسمع المؤذن يوم القيامة. وكذلك أيضاً يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من ملبٍ يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا) وذكرنا أيضاً حديث مستريح ومستراح منه. وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء جبريل عليه السلام ذات يوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء، قد ضربه أهل مكة فقال: (فعل بي هؤلاء وفعلوا، قال: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم أرني، فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع تلك الشجرة، فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، قال: قل لها فلترجع، فقال لها، فرجعت حتى عادت إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي حسبي)، يعني: هذه الآية، رواه ابن ماجة . وفي صحيح مسلم : (أنه صلى الله عليه وسلم ذهب لقضاء حاجته، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي عليّ بإذن الله، فانقادت كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى شجرة أخرى فأتى بغصن من أغصانها، فقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كذلك، فجمعهما وقال: التئما علي بإذن الله، فالتأمتا)، أي: كي يستتر بهما. وفي صحيح البخاري : (أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب الجمعة مستنداً إلى جذع، فقالت امرأة من الأنصار: يا رسول الله! ألا نجعل لك منبراً؟ قال: إن شئتم، فجعلوا له منبراً، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل صلى الله عليه وسلم فضمها إليه، ووضع يده عليها فسكنت). وكذلك أيضاً جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بمَ أعرف أنك نبي؟ قال: إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة يشهد أني رسول الله، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ارجع فعاد، فأسلم الأعرابي) . وجاء أيضاً عن معن بن عبد الرحمن قال: (سمعت أبي قال: سألت مسروقاً : من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة سماع القرآن -أي: من الذي أخبره أن الجن حضروا واستمعوا القرآن؟- فقال: حدثني أبوك -يعني: عبد الله بن مسعود أنه آذنته بهم شجرة)، أي: أن الذي أخبر الرسول أن الجن حضرت تستمع إلى القرآن شجرة، وهذا الحديث في صحيح البخاري . وأيضاً مما يناسب هذا المقام موقف الشجر في آخر الزمان، ففي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله).

عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

عبودية أعضاء جسم الإنسان وشهادتها عليه يوم القيامة

وهكذا أيضاً عبودية أعضاء جسم الإنسان: فهذه الأعضاء نفسها لها هذا النوع من العبودية، ألا ترى إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان -أي: أنها تتهمه بكفر نعمة الله- تقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، إن استقمت استقمنا، وإن اعوجت اعوججنا). ويقول تبارك وتعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ [فصلت:19-21]، أي: نطقاً حقيقياً، الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21]. وكذلك قال تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]. وعن أنس رضي الله عنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: هل تدرون مما أضحك؟! قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه يوم القيامة، فيقول: يا رب! ألم تجرني من الظلم؟ قال: فيقول: بلى، فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني)، يعني: كأنه يطعن في شهادة الملائكة، ويقول: أنا لا أقبل شاهداً على نفسي إلا من نفسي، وأما هؤلاء الملائكة الكرام الكاتبون فإنهم ظلموني، وكتبوا عليّ أشياء ما فعلتها، فلذلك يقول: (فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول أول ما يتكلم: بعداً لكنَّ وسحقاً، فعنكنَّ كنت أناضل)، أي: أنا كنت أخاف عليكن أنتن من العذاب، وأنتن تنطقن حتى تتعذبن، وهذا رواه مسلم ، وفي رواية: (فيقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي، فتنطق)، وفي الحديث أيضاً: (إن أول ما يتكلم من الآدمي فخذه). ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى يكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده)، رواه الترمذي . وكذلك قصة المرأة اليهودية التي أهدت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ذراع شاة مسمومة، فالذراع أخبره أنه مسموم، كما هو معروف في الحديث الصحيح.
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

عبودية البحر

ومن ذلك أيضاًً البحر، فالبحر يشفق من يوم الجمعة، كما جاء في الحديث، أن البحر يشفق من يوم الجمعة يخشى أن تقوم القيامة. وكذلك أيضاً: حديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه من بعد موته، فأحرقوه، وألقوا جزءاً من رماده في البحر وجزءاً ذروه في الريح، فتوجه الأمر إلى البحر، إذ أمر الله البحر فامتثل الأمر وجمع ما تفرق فيه من فتات هذا الرجل. وقال بعض العلماء في تفسير قوله تعالى: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [الطور:6] إن المسجور هو الممنوع المكفوف عن الأرض حتى لا يغمرها فيغرق أهلها، والحقيقة أن مساحة اليابس بالنسبة لمساحة الأرض تساوي (23%)، وربما نقول: (30%) تقريباً؛ فلو لم يمسك الله هذا البحر الذي هو أكثر من ضعف مساحة اليابسة لأغرقها، فمثلاً: نحن الآن على ساحل الإسكندرية، من الذي يمسك هذا الماء عن أن يغرقنا؟ هل هي شركات التأمين؟! ومن الذي يؤمن علينا من الغرق والهلكة؟ إن هذا أمر الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال الله: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)، يعني: أن الله بقدرته وبأمره يكفه عن الخلق، ويأمره الله أن يمسك عن إغراق الناس وإهلاكهم وغمر هذه الأرض.

عبودية الجبال والحجر والحصى


ومن ذلك أيضاً: عبودية الجبال والحجر والحصى، يقول تبارك وتعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21]. ويقول سبحانه وتعالى: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة:74]، يقول القرطبي رحمه الله: (ما تردى حجر من رأس جبل، ولا تفجر نهر من حجر، ولا خرج منه ماء إلا من خشية الله، نزل بذلك القرآن الكريم). وقال بعض المتكلمين في تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ): إنه البرد الهابط من السحاب يهبط من خشية الله، فقال بعضهم رداً على هذا القول: هذا القول أبرد من الثلج! أي: أنه قول لا يقبل. ونقل القرطبي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الجبال تحدث بعضها بعضاً، قال: (إن الجبل ليقول للجبل: يا فلان! هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال: نعم، سر به، ثم قال ابن مسعود : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً [مريم:88-91]، قال: أفتراهن يسمعن الزور، ولا يسمعن الخير؟!) يعني: هل الجبال تسمع الزور فقط ولا تسمع الخير، تسمع قول الكفار: (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً)، وتتأذى به، وتكاد تندك، ولا تسمع من يذكر الله؟ ويقول تبارك وتعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً [الأعراف:143]. ويقول عليه الصلاة والسلام في الحجر الأسود: (ليأتين هذا الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق)، أي: أن الحجر الأسود ينطق يوم القيامة على كل من استلمه بحق. وقال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69]، وذلك أن هؤلاء المغضوب عليهم (اليهود) سبوا نبيهم موسى عليه السلام، واتهموه بأنه آدر، يعني: أن فيه عيباً في العورة، فأراد الله سبحانه وتعالى أن ينزه موسى ويثبت لهم براءته من هذا العيب؛ لأن الأنبياء كاملون في صفاتهم الخلقية والنفسية والجسدية، وفي كل شيء، فالنبي لا يكون فيه عاهة أو نقص أو عيب في خلقته. وكان موسى عليه السلام رجلاً حيياً، وكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة أمام بعضهم البعض، فاغتسل عليه السلام في مكان خالٍ لا يراه أحد، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه -أي: هرب الحجر وأخذ ثوب موسى وفر به- فخرج موسى في إثره يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! يعني: هات ثوبي يا حجر! إلى أن مر موسى عليه السلام على ملأ من بني إسرائيل على هذه الهيئة وهو عارٍ، فرأوه وقالوا: ما بموسى من بأس، حينئذ توقف الحجر، فأخذ موسى ثيابه، وأخذ يضرب بالحجر؛ حتى إن الحجر ليزبل من ضرب موسى، أي: أثر ضرب موسى في الحجر من شدة الضرب؛ لأنه تغيظ منه أنه فعل ذلك، فهذا الحجر هل فعل ذلك بإرادته، أم أن الله أمره؟ الجواب: أمره الله سبحانه وتعالى، والدليل قوله تعالى: فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69].
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

عبودية الرياح والرعد والسحاب


أما الرعد فهو أيضاً يسبح الله، يقول تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد:13]، ويقول: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]، وكان بعض السلف إذا كان يقرأ في درس العلم وسمع صوت الرعد، يقول: سبحان من سبحتَ له! وكذلك الريح: فالريح من الكائنات التي نص على أنها تشفق من يوم الجمعة خشية أن يكون هذا هو الذي تقوم فيه القيامة، وأيضاً الريح لها عبودية، يقول تعالى في حق سليمان عليه السلام: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص:36]، أي تجري بأمر سليمان عليه السلام. وعن جابر رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد أن تدفن الراكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثت هذه الريح لموت منافق، فقدم المدينة، فإذا عظيم من المنافقين قد مات). والسحاب كذلك له عبودية لله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم : (بينما رجل بفلاة من الأرض، إذ سمع صوتاً في السحاب: اسق حديقة فلان! فمر الرجل مع السحابة، حتى أتت على الحديقة، فلما توسطتها -أي: كانت بحذائها- أفرغت فيها ماءها، فإذا برجل معه مسحاة يسحي الماء بها، فقال: ما اسمك يا عبد الله؟! قال: فلان، بالاسم الذي سمعه في السحابة، فقال له: يا عبد الله! لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان باسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثه، وأرد فيها ثلثه).

عبودية وتسبيح الكائنات Fasil

عبودية الأجرام العلوية

عبودية السماوات والأرض

وأيضاً هناك عبودية السماوات والأرض، يقول تبارك وتعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11]. وقال عز وجل: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ [هود:44]. ويقول تعالى: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً [مريم:90-91]، يقول ابن عباس : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق، إلا الثقلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله. ويقول تبارك وتعالى: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ [الدخان:29]، قال بعض العلماء: فيه أنهما لا يبكيان على الكافرين، ومفهومه أنهما يبكيان على المؤمنين، وفراق الصالحين. كل شيء له بكاء خاص به، فبكاء الإنسان بالدموع، أما بكاء السماوات والأرض فبحسبهما، والله أعلم بكيفيته. ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة). أما عبودية الأرض ففي قصة يأجوج ومأجوج، يقول عليه الصلاة والسلام: (ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك)، وهذا متفق عليه. كذلك أيضاً في قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه، يقول عليه الصلاة والسلام: (فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت). وأيضاً في قصة الرجل الذي قتل مائة، قال عليه الصلاة والسلام: (فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقربي)، وهذا رواه مسلم . وكذلك في قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:4-5] قالوا: تشهد على بنيها بما عملوا على ظهرها من خير وشر. ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا كان أجل أحدكم بأرض -أي: إذا كان مكتوباً لك أن تموت في أرض معينة- أوثبته إليها الحاجة، فإذا بلغ أقصى أثره -أي: بلغ الخطوات المكتوبة له- قبضه الله سبحانه، فتقول الأرض يوم القيامة: رب! هذا ما استودعتني). وأيضاً الأرض هي من المخلوقات التي تعرف الولاء والبراء كما ذكرنا، فهي توالي أولياء الله، وتعادي أعداء الله، كما ورد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق هارباً حتى لحق بأهل الكتاب، -يعني: ارتد- فعرفوه، وقالوا: هذا كان يكتب لمحمد -عليه الصلاة والسلام- فأعجبوا به -كما أعجبوا بـالكذاب سلمان رشدي - فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، يعني: بقي وقتاً يسيراً حتى قصم الله عنقه وهو مقيم في وسط إخوانه من الكفار، فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذاً) رواه مسلم . وعن أوس بن أوس رضي الله عنهما مرفوعاً: (إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، فهي عابدة تطيع أمر الله سبحانه وتعالى فلا تأكل أجساد الأنبياء.
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil


عبودية الشمس والقمر

أما عبودية الشمس والقمر، فيقول تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ [الأعراف:54]، ويقول سبحانه: وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [إبراهيم:33] ، ويقول: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [الحج:18]، فعطفهما على العاقل، وهذا يدل على أنه سجود حقيقي. ويقول عليه الصلاة والسلام في الشمس: (إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع، فتصبح طالعة من مطلعها)، متفق عليه. وهذا سجود الله أعلم بكيفيته، لكنه سجود يناسبها، وأما كيف هو؟ فلا ندري. وكذلك ما جاء في قصة يوشع بن نون لما قاتل الجبابرة، وأوشكت الشمس على المغيب، وأراد أن يقضي على الكفار قبل دخول الليل، ففي الحديث: (فلقي العدو عند غروب الشمس، فقال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئاً، فحبست عليه). وكذلك أيضاً انشقاق القمر، فإن القمر انشق على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فرقتين، ثم قال: (اشهدوا) كما هو معلوم.

عبودية النجوم

أما النجوم فيمكن أن يستدل بعبوديتها بالأدلة العامة، وبقوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [الرحمن:6]، لأن فيه خلافاً في تفسير النجم، هل المقصود به ما لا ساق له من النبات، أم النجوم التي في السماء؟ وعلى أي حال إذا قلنا: إن النجم في آية الرحمن هو ما لا ساق له من النبات، فيدل على عبودية النجوم قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ [الحج:18]، وقوله تعالى: وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ [الأعراف:54].
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil


عبودية الملائكة

أخيراً: عبودية عالم الغيب، ما ذكرناه هو عبودية عالم الشهادة، وهناك عبودية عالم الغيب، وقلنا: إن عالم الغيب هو كل ما غاب عن الحس، ولا نعلم عنه إلا ما ورد في نصوص الوحيين، فعالم الغيب فيه جمادات وفيه أحياء. ......

العبودية أشرف صفات الملائكة

أما الأحياء الغيبية فالملائكة، وأشرف صفات الملائكة هو العبودية، كما قال تعالى: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء:26]، وهم مختلفون في وظائفهم، كحملة العرش، والكرام الكاتبين، وخزنة الجنة، وخزنة النار، والموكلين بقبض الأرواح، والموكلين بالسؤال في القبر .. إلى آخر هذه الوظائف، لكنهم جميعاً مشتركون في صفات حميدة منها: الطهر الكامل، كما قال تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، والطاعة الكاملة والخضوع لله، كما قال جل وعلا: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وقال سبحانه: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:27]. أما إيمانهم بالله فدل عليه قوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، وقال عز وجل: لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ [النساء:166]، وقال: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر:7]. وهم يصلون أيضاً بأنفسهم، أو يصلون مع المؤمنين، ففي حديث الإسراء يقول عليه الصلاة والسلام: (فرفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال: هذا البيت المعمور، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم)، رواه البخاري ، يعني: كل يوم يدخل البيت المعمور سبعون ألف ملك مرة واحدة فقط في كل الزمان، فالذي يدخل مرة لا يدخل مرة ثانية، ومعناه: أن كل يوم يدخل سبعون ألف ملك جديد إلى البيت المعمور. ويقول تعالى عنهم: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [الصافات:165-166] (الصافون) يعني: صفوف الصلاة، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول للصحابة: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، يتمون الصف الأول فالأول، ويتراصون في الصف)، وهذا رواه البخاري . كذلك يشاركون المؤمنين في الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، وهذا رواه البخاري ، كذلك روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة، يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر)، يعني: يحضرون مجالس الذكر.

تسبيح الملائكة

أما التسبيح فقال سبحانه: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد:13]، وقال جل شأنه: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30]، وقال: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف:206]. وقال عليه الصلاة والسلام: (إني لأرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط؛ ما فيها موقع أربع أصابع ألا وملك واضع جبهته لله ساجداً). وسئل عليه الصلاة والسلام: (أي الذكر أفضل؟ فقال: ما اصطفى الله لملائكتة أو عباده: سبحان الله، والحمد لله)، رواه مسلم . وأما خوفهم فيقول تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50]. ويقول عليه الصلاة والسلام عن يوم الجمعة: (وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب ولا سماء .. -إلى قوله-: إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة). ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام: (مررت ليلة إسري بي بالملأ الأعلى، وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى)، والحلس: كساء رقيق يوضع على ظهر البعير، والمقصود: أن خوف الله وهيبة الله تلبست بجبريل كأنها هذا الحلس الذي لا يفارقه. وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، فأخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة خوفاً من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا، وخروا لله سجداً، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه السلام، فيكلمه الله تعالى من وحيه بما أراد).
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil



ولاء الملائكة للمؤمنين

أما ولاء الملائكة للمؤمنين فهم أهل طاعة، ويحبون أهل الطاعة، ويستغفرون للمؤمنين، كما قال تعالى: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر:7]، وقال تعالى: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ [الشورى:5]. ويقول تعالى مبيناً أن الملائكة يخاطبون المؤمنين: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:31]، وهم الذين يستقبلون المؤمنين وهم يدخلون الجنة، كما قال عز وجل: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73]، وكذلك يؤمنون على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب، ويحضرون مجالس الذكر، وفي الحديث: (وحفتهم الملائكة)، وفي الحديث الآخر: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم). وكذلك من هذه الموالاة: مناصرة المؤمنين في القتال، كما قال تعالى: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:12]، وقال عز وجل: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [آل عمران:124]، وقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين، قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة). وقال عليه الصلاة والسلام لـحسان بن ثابت رضي الله عنه: (اهجهم -يعني: المشركين- وجبريل معك، أو وروح القدس معك).

عداوة الملائكة للكافرين

وفي الجهة الأخرى فإن الملائكة يبغضون الكفار، ويتبرءون منهم، كما قال تعالى: أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [البقرة:161]. وكلما ازداد كفر الإنسان اشتد بغض الملائكة له، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: (لما أدرك فرعون الغرق قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، يقول جبريل: فلو رأيتني يا محمد! وأنا آخذ من حمأ البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة)، وهذا من شدة بغض جبريل عليه السلام لفرعون عدو الله عز وجل. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ -أي هل يأتي أمامكم ويسجد على التراب- قيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته فأتى الخبيث أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، يريد أن يطأ على رقبته، فما فجئهم إلا وهو يركض على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له: مالك؟! فقال: إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً) رواه مسلم . ويقول عز وجل: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الأنفال:50]، وهذه براءة من الكفار. وكذلك أهل المعاصي من المسلمين بقدر ما يتلبسون من المعصية والمخالفة تبغضهم الملائكة، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)، رواه البخاري . وكذلك تاركو الهجرة بدون عذر، قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء:97].
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil


عبودية الجن

أما عبودية صالحي الجن، فمعلوم أن الجن مكلفين بالشرائع كالإنس، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، ويقول تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] أي: الجن والإنس، وقال عز وجل حاكياً عن الجن: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً [الجن:11]. وأيضاً فيهم الموحدون، كما قال عز وجل عنهم: وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً* وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً [الجن:2-3]. وأيضاً يقول عليه الصلاة والسلام للمؤذن: (فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة). ويقول تبارك وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29]، قال عليه الصلاة والسلام: (فكانوا أحسن مردوداً منكم؛ كنت كلما أتيت على قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد)، رواه الترمذي . وكذلك الجن يعرفون أنه لا يعلم الغيب إلا الله، كما قال تعالى حاكياً عنهم: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [الجن:10]، ويقول أيضاً: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14]. ......

عبودية الجنة والنار

وهناك عبودية أيضاً للجنة وللنار، وهما من غيبيات الجمادات، قال صلى الله عليه وسلم: (تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغبرتهم؟ فقال الله عز وجل للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها) رواه البخاري و مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم: (اشتكت النار لربها وقالت: أكل بعضي بعضاً، فجعل لها نفسين: نفساً في الشتاء، ونفساً في الصيف، فأما نفسها في الشتاء فزمهرير، وأما نفسها في الصيف فسموم)، والشاهد: أنها اشتكت. ويقول تبارك وتعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]، وهذا يدل على أن فيها إدراكاً، فالنار لها لسان، بل لها أذنان وعينان، كما قال عليه الصلاة والسلام: (يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، ويقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين). وأيضاً النار من شدة انفعالها وولائها لله سبحانه وتعالى وعدائها لأعداء الله تتغيظ من الحنق والحقد والبغض للكافرين، كما قال تعالى: إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان:12]، وفي قوله: (مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) إشارة إلى حدة بصرها. ويقول تعالى: إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ [الملك:7-8]، أي: تتقطع من الغيظ؛ لأنها تعادي أعداء الله، وتتولى تعذيبهم والانتقام منهم. كذلك جاء ما يدل على أن الجنة أيضاً يخلق الله فيها إدراكاً، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: إلى علي و عمار و سلمان)، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وكذلك هذه النار التي نراها في الدنيا أيضاً لها إدراك، وهي مطيعة لأمر الله، والدليل على ذلك قوله تعالى: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فخاطب الله النار فأطاعت أمره. والدليل على ذلك أيضاً: أن عادة الأنبياء في الأمم السابقة في الغنائم أنهم كانوا إذا جمعوها بعد الجهاد تنزل نار من السماء فتحرق هذه الغنائم، فإذا أكلت النار هذه الغنائم فهذه علامة على أن الله تقبلها، فيكون ذلك علامة على قبولها، ويكون علامة على أنه لم يقع غلول، والغلول هو: السرقة من الغنائم، وذلك بأن يأتي واحد من الجنود فيسرق شيئاً قبل أن تقسم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء ... إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: حتى فتح الله عليه، فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النار تأكله، فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصقت يد رجل، فقال: فيكم الغلول -أي: في هذه القبيلة التي أنت منها- فلتبايعني قبيلتك، فبايعته قبيلته، قال: فلصقت يد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول، فأخرجوا له رأس بقرة من ذهب، فوضعوه في المال، فأقبلت النار فأكلته)، رواه مسلم ، والشاهد: أن النار عندها تمييز وإدراك، فإنه لما حصل غلول في الغنيمة رفضت أن تأكلها، ولما أعيد ما غل منها أكلتها وتقبلها الله؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. ......
عبودية وتسبيح الكائنات Fasil


عبودية القلم والعرش

وبقي أمران فقط من عبودية الجمادات الغيبية وهما: القلم والعرش، أما القلم فجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) أي: تكلم القلم، وهذا يدل على أن عنده إدراكاً، وفي قوله: (رب) إقرار بالربوبية، يعني: يارب! والحديث رواه أبو داود . أما العرش فيكفي قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اهتز عرش الرحمن عز وجل لموت سعد بن معاذ)، رضي الله تعالى عنه، وهذا الحديث متفق عليه، فإما أن العرش يوالي هذا العبد الصالح، وبسبب موالاته له اهتز سروراً واستبشاراً وفرحاً بقدوم روحه إلى الملأ الأعلى، أو اهتز من حزنه على موته، والله تعالى أعلم. فهذه الجملة من النصوص تعكس هذا التوافق والانسجام بين عناصر هذا الوجود كله، وهذه الكائنات ليست عدوة لنا، وليس هناك شيء اسمه صراع مع الطبيعة، بل كلها جنود لله مطيعة منقادة، ونحن مطالبون أن ننقاد لله سبحانه وتعالى مع هذه الكائنات طوعاً واختياراً، وألا ندعها تسبقنا إلى هذه القضية، وهي قضية التوحيد، وعبادة الله سبحانه وتعالى، والخضوع له عز وجل، وتسبيحه، وتقديسه، وتنزيهه. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. ......

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
جلال العسيلى
مشرف عام
مشرف عام
جلال العسيلى


عدد المساهمات : 5415
نقاط : 7643
السٌّمعَة : 13
تاريخ التسجيل : 16/05/2010
العمر : 62

عبودية وتسبيح الكائنات Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبودية وتسبيح الكائنات   عبودية وتسبيح الكائنات Emptyالسبت أكتوبر 09, 2010 2:52 pm

بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
فى انتظار الجديد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

عبودية وتسبيح الكائنات Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبودية وتسبيح الكائنات   عبودية وتسبيح الكائنات Emptyالأحد أكتوبر 10, 2010 12:42 am

اشكركم اخي في الله جلال

وجزاكم الله خيرا
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ

عبودية وتسبيح الكائنات 005R051YWha
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
 
عبودية وتسبيح الكائنات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الوظيفة عبودية القرن العشرين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
صحبة الخير  :: الاقسام الدينية :: «۩۞۩ فتاوي واحكام ۩۞۩»-
انتقل الى: