صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صحبة الخير

منتدي اسلامي ثقافي دعوي اجتماعي عام
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
 
بسم الله الرحمن الرحيم

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
صدق الله العضيم


 

 لتمكين حب الله في قلبك

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
soft
مشرف عام
مشرف عام
soft


عدد المساهمات : 2125
نقاط : 5953
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 20/05/2011

لتمكين حب الله في قلبك Empty
مُساهمةموضوع: لتمكين حب الله في قلبك   لتمكين حب الله في قلبك Emptyالسبت أغسطس 20, 2011 12:45 pm

أمران لابد منهما:
إن كانت المعرفة هي طريق المحبة الصادقة لله عز وجل – كما أسلفنا في المقدمة- فإن هذه المعرفة، التي عشنا في أجوائها، تحتاج دومًا إلى تذكير يتجاوب معه الفكر والعاطفة, هذا التذكير الدائم من شأنه أن يبذر بذور المحبة في القلب، ويشكل قاعدته في المشاعر والوجدان.
ومع أهمية التذكير الدائم تأتي الأعمال الصالحة ذات الصلة بموضوع المحبة لتكون بمثابة الماء الذي يسقي بذور المعرفة بالله الودود، فتنمو شجرتها ويرتفع بنيانها، لتكون النتيجة هي استحواذ حب الله على أكبر قدر من مشاعر الحب داخل القلب وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء: 66].
وسائل التذكير بمعارف المحبة
ووسائل التذكير بمعارف المحبة، ومظاهرها تتركز في أمرين عظيمين: كتاب الله المقروء، وكتاب الله المنظور.
أولاً: القرآن ودوره في إنشاء الإيمان والتذكير بمعارف المحبة:
القرآن هو أفضل وسيلة للتعريف بالله عز وجل والتذكير الدائم بمظاهر حبه لنا، وأفضل وسيلة كذلك لتحويل هذه المعرفة إلى إيمان يستحوذ على مشاعر الحب داخل القلب ويوجهها للمولى سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يحب الله ورسوله، فليقرأ في المصحف»( ).
نعم، هناك وسائل أخرى تقوم بالتذكير بهذه المظاهر، تقف على رأسها السُنة والتي تعتبر شارحة للقرآن مؤكدة لما فيه، ومع ذلك يبقى القرآن الوسيلة العظيمة لدوام التذكير، وتقرير الحقائق، وإنشاء الإيمان، فهو دائم التعريف بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته ومظاهر حبه لعباده.
ومع هذا التعريف نجد التكرار للمعنى الواحد بأساليب مختلفة ليرسخ مدلوله في العقل الباطن للإنسان فيشكل جزءًا من يقينهوَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا [الإسراء: 41].
وفي عرضه للمعاني نجد أن العرض يخاطب العقل فيقنعه والمشاعر فيستثيرها، مما يحوَّل الحقائق والقناعات الفكرية إلى إيمان راسخ في القلب.
ومما يساعد القارئ على انتفاعه بالقرآن هو التزامه بما أمره الله به من تدبر وتفهم لما يقرؤه من آيات، وكذلك ترتيله لها, فالفهم والتدبر يخاطبان العقل فيقتنع، والترتيل يهز المشاعر، فيمتزج بذلك الفكر مع العاطفة ليثمر يقينًا في العقل، وإيمانًا في القلب، وهذا لا يتوافر في أي كتاب آخر على وجه الأرض أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت: 51].
يقول ابن رجب: سماع القرآن ينبت القرآن في القلب كما ينبت الماء البقل.
تعرف على ربك
القرآن- أخي القارئ- هو أفضل وسيلة لغرس محبة الله في القلب، ولقد تم الحديث بشيء من التفصيل حول هذا الموضوع في أكثر من موضع سابق( )، ولا داعي لتكرار ما قيل، ولكن نُذَكر بأمر هام وهو:أن إنشاء الإيمان في القلب من خلال القرآن لن يتم إلا إذا كان هدفنا حين نقرؤه أن نفهم ما نقرؤه – ولو بصورة إجمالية – وأن نجتهد في التأثر به من خلال الترتيل والتباكي مع القراءة. مع عدم إغفال أمر مهم أيضًا وهو كثرة قراءته، وإعطاؤه الأولوية الأولى في حياتنا.
قال حذيفة بن اليمان: اقرأوا القرآن بحُزن، ولا تجفوا عنه، وتعاهدوه ورتلوه ترتيلا( ).
وبالإضافة إلىذلك علينا ونحن نعيش في أجواء محبة الله عز وجل، وبعد أن تعرفنا على كثير من مظاهرها أن نتتبع هذه المظاهر ونحن نقرأ القرآن، فإن هذا من شأنه – إذا ما داومنا عليه- أن يؤكد ويرسخ مدلولها في اليقين، ويزيد الإيمان في القلب ويحوله إلى مقام ثابت.
نعم، علينا ألا نقف عند كل آية لنستخرج منها ما يدل على حب الله لعباده حتى لا تتحول القراءة إلى عملية عقلية فكرية فقط، فالمطلوب- كما قيل سالفًا – هو مزج الفكر بالعاطفة، وتجاوب العقل مع القلب، وهذا يستدعى استمرارية وانسيابية القراءة ليتسرب تأثيرها شيئًا فشيئًا إلى المشاعر حتى تصل فى النهاية لمرحلة الانفعال والتأثر.
معنى ذلك أنه من المناسب أن نبحث عن مظاهر المحبة في القرآن بصورة إجمالية، لا تؤثر بالسلب على تدبرنا العام للآيات، ولاتجعلنا نقف عند كل كلمة، ولعل ما قيل في الصفحات السابقة من شأنه أن يستثير مشاعرنا، وينشئ داخلنا حالة شعورية لمحبة الله عز وجل، فإذا ما استثمرنا وجود هذه الحالة، ودخلنا بها إلى القرآن فسنجد ما يؤكدها من آيات، وسنفاجأ وكأن محور القرآن الرئيس يدور حول هذا الموضوع.
 أخي القارئ:
إن القرآن هو أفضل وسيلة لتنمية حب الله في القلب والوصول لمرحلة الأنس به والشوق إليه سبحانه، لذلك أنصح نفسي وإياك أن نكثر من تلاوته بفهم وترتيل وتباك، وأن نتعرف على الله الودود من خلال هذا الكتاب وحبذا لو خصصنا ختمة أو أكثر لهذا البحث العظيم.
يقول ابن رجب: ومما يستجلب المحبة: تلاوة القرآن بالتدبر والتفكر لا سيما الآيات المتضمنة للأسماء والصفات والأفعال الباهرات، ومحبة ذلك يستوجب به العبد محبة الله، ومحبة الله له( )فتتحقق يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ.
ومما يؤكد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا من اشتاق إلى الله فليستمع كلام الله فإن مثل القرآن كمثل جراب مسك أي وقت فتحه فاح ريحه»( ).
وقوله: «ما من كلام أعظم عند الله من كلامه، وما ردَّ العباد إلى الله كلامًا أحب إليه من كلامه»( ).
فالأمر واضح، والطريق معبد لتنمية حب الله في القلب، وكيف لا والقرآن بين أيدينا ولا يوجد أي شيء يحول بيننا وبينه، فكلما اهتاجت لدينا مشاعر الشوق إلى الله، وأردنا أن نسكنها, وكلما أردنا أن نأنس بالله، ونزداد حبًا له، وتعلقًا به فلنهرع إلى المصحف, نناجيه ونتحدث إليه – سبحانه- من خلال قراءتنا وتجاوبنا مع خطابه لنا, قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه فليقرأ في المصحف»( ).
فإن قلت: ولكن مشاعر الشوق إلى الله لا تهتاج علىَّ كثيرًا !
الحل أيضًا في مداومة قراءة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، لتزداد مساحة حب الله في قلوبنا شيئًا فشيئًا، فيثمر ذلك شوقًا مستمرًا إليه يجعل صاحبه في عجلة دائمة للاتصال بالله من خلال قراءة القرآن في الصلاة وخارج الصلاة وكذلك في الدعاء والذكر والمناجاة وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه: 84].

وخلاصة القول:
إن أفضل شيء وأحب شيء نتقرب به إلى الله: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم والترتيل والصوت الحزين (التباكي) قال صلى الله عليه وسلم: «ما تقرب العباد إلى الله بشيء أحب إليه مما خرج منه»( ).
وكلما ازداد حب المرء لربه، ازداد حبًا لكتابه ولكثرة قراءته.
قال أبو سعيد الخراز: من أحب الله أحب كلام الله، ولم يشبع من تلاوته( ).
ثانيًا: التفكر في الكون وأحداث الحياة
الإيمان بالحقائق والمعارف التي تم ذكرها يحتاج إلى تذكرة دائمة تستثير المشاعر، وتُنشئ الإيمان وترسخه في القلب، والقرآن – كما أسلفنا – هو المدخل الأساسي لذلك بما فيه من آيات ودلائل تدل على الله عز وجل وتعرفنا بمظاهر حبه لعباده ومدى رأفته وشفقته وبره بهم.
ومع الآيات المقروءة في القرآن تأتي الآيات المرئية والمنظورة في الكون وأحداث الحياة.
فكل ما في الكون يدل على الله ويُذكِّر به أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: 53].
ولقد حثنا – سبحانه – على أن نتفكر في آياته المبثوثة في كونه، وفيما يمر بنا من أحداث في حياتنا لتكون وسيلة للتذكرة الدائمة به، ومن ثمَّ الوصول إلى معرفته، وحبه، والتعلق التام به.
تأمل قوله تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ  وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ  تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [ق: 6- 8].
ومما يلفت الانتباه أن الله عز وجل يُصرف الآيات الكونية ويكررها بأشكال مختلفة، كما يكرر الآيات بأساليب مختلفة في القرآن ليتم من خلالها التذكرة والتبصرة، ومن ثم يزداد الإيمان رسوخًا في القلب انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [الأنعام: 65].
ومثال ذلك: الحر الشديد أو البرد الشديد، أو العواصف، أو ... كل ذلك آيات تذكر بالله عز وجل.
وكما أن الله عز وجل قد ذم من يعرض عن تدبر القرآن وفهم المراد من آياته، فإنه كذلك قد ذم من يعرض عن التدبر والتفكر في آياته المبثوثة في كونه فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا [الأنعام: 157]. وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف: 105].
لا بديل عن التفكر
لا بد إذا من التفكر في آيات الله المبثوثة في كونه المنظور والذي يشمل المخلوقات التي تراها أعيننا كالسماء والجبال والأشجار، ويشمل كذلك أحداث الحياة المختلفة التي تمر بكل إنسان.
أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَّكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [الأعراف: 185].
فيستدل المرء من خلالها على الله عز وجل فيزداد به معرفة، فإذا ما تجاوب القلب مع هذه المعرفة ازدادت مساحة الإيمان فيه، وانجلت بصيرته، وشيئًا فشيئًا يتنور القلب فيرى بهذا النور صفات ربه تتجلي من وراء كل شيء تراه عيناه، فيوحده التوحيد الحقيقي، ويربط حياته كلها به.
لذلك كان التفكر من أفضل العبادات سواء كان هذا التفكر في آيات القرآن، أو آيات الكون.
وصدق من قال:
إذا المرء كانت له فكرة *** ففي كل شيء له عبرة
يقول ابن رجب: كان السلف يفضلون التفكر عن نوافل العبادة، وكان أكثر عمل أبي الدرداء الاعتبار والتفكر( ).
تفكر يقود إلى المحبة
ولأننا في هذه الصفحات نتحدث عن محبة الله وكيفية غرس شجرتها في قلوبنا، لذلك فنحن نريد أن نتجه بعقولنا ومشاعرنا نحو التفكر في مظاهر حب الله لعباده التي تحدثنا سلفًا عن عشرة جوانب منها.
ومحيط التفكر في هذه المجالات يشمل أحداث الحياة التي تمر بنا، والمشاهدات التي نشاهدها، والأخبار التي تصل إلى مسامعنا، فنربط ما يمكن ربطه منها بالله الودود.
فعلى سبيل المثال:
سبق فضله وحبه سبحانه لعباده قبل أن يولدوا، فهذا الجانب العظيم من جوانب المحبة الإلهية لنا، يمكننا إدراكه من خلال ما نسمع وما نشاهد وما نقرأ عن الكفار والملحدين والوثنيين والمشركين وكل من ابتعد عن الإسلام، فنتذكر من خلال هذه المشاهد والقراءات مدى سبق فضل الله علينا أن لم يجعلنا منهم.
ومما يلحق بهذا الجانب أيضًا: رؤية المخلوقات الأخرى التي نشاهدها طيلة ساعات يومنا من جمادات أو حيوانات أو نباتات فنستشعر نعمة التكريم الإلهي لنا والتي سبقت وجودنا في هذه الأرض.
أما بالنسبة لجانب العافية وما فيه من عظيم فضل الله علينا فيمكن استشعاره من خلال رؤية أهل البلاء والنقص في العافية، فما من مرض يصيب إنسانًا وعوفيت أنت منه إلا ويُذكرك بمدى فضل الله عليك.
ونفس الأمر بالنسبة لجانب العصمة: فما من معصية تحدث أمامك أو تصل إلى مسامعك ولم تفعل مثلها إلا دليل على حب الله بأن عصمك من ارتكابها وصرف رغبتك عنها، وكرَّهك فيها، سواء صغرت تلك المعصية أو كبرت.
وكل طاعة نؤديها علينا أن نرى من خلالها حب الله لنا أن وفقنا وأعاننا على القيام بها.
أما جانب القيومية فما أسهل رؤيته من خلال ما قد يحدث لنا من منع وقتي لإمدادات ربانية اعتدنا أن تتوالى علينا ليل نهار مثل: اختلال توازن الجسم، خفقان القلب، ألم مفاجئ في الرأس ...
كل ذلك وغيره علينا أن نرى من خلاله قيومية الله لنا في حفظه لأجسادنا ليل نهار.
وبالنسبة لجانب التسخير: علينا أن ننظر بعين الاعتبار إلى كل الأشياء التي نتعامل معها، ونتفكر في مظاهر تسخيرها لنا، وكيف ستكون الحياة بدون ذلك التسخير.
وهكذا فى بقية الجوانب العشرة يمكننا أن نتعرف عليها ونربطها بالله الودود من خلال إعمال عقولنا في شريط أحداث الحياة الذي يمر أمام أعيننا دون توقف.
والذي يساعد الواحد منا على حُسن التفكر فيما يسمع ويشاهد: المداومة على قراءة القرآن والتفكر في آياته التي تتحدث باستفاضة عن الله الودود، فإذا ما أغلق مصحفه وانطلق إلى الحياة شاهد بعينه ما قد تعرف عليه في القرآن سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: 53].
وبهذا يحدث الانسجام بين ما يقرؤه وما يشاهده، مما يكون له أكبر الأثر على علاقته بربه فتزداد معرفته به، ومن ثم حبه وأنسه وشوقه إليه.
قال صلى الله عليه وسلم: «أعطوا أعينكم حظها من العبادة» فقالوا يا رسول الله: وما حظها من العبادة؟ قال: «النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه»( ).
* * *

الأعمال الصالحة المقترح القيام بها
ومع أهمية وضرورة التفكر في القرآن والكون والتعرف من خلالهما على الله الودود لإنشاء وترسيخ قاعدة المحبة، إلا أن هذا وحده لا يكفي لتمكين هذه المحبة من القلب، فلا بد – كما أسلفنا – من القيام بأعمال تثبَّت القواعد وترفع وتدعم البنيان.
تأمل معي قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا
[النساء: 66].
فالقيام بالأعمال الصالحة أمر لازم لتنمية الإيمان بالله الودود وتثبيته في القلب مع الأخذ في الاعتبار أنه كلما كان العمل الصالح له علاقة بهذا الموضوع كان تأثيره أشد وأشد من غيره.
وهناك أعمال صالحة لها ارتباط وثيق بموضوع المحبة علينا أن نكثر من القيام بها حتى تنمو شجرتها وتأتي بثمارها الطيبة.
ومن هذه الأعمال:
1- ذكر النعم.
2- رحلات الاعتبار.
3- كثرة حمد الله باللسان.
4- مناجاة الله بالنعم (خاصة في جوف الليل)
5- تحبيب الناس في الله عز وجل.
6- الإلحاح على الله بأن يرزقنا محبته.
وإليك أخي القارئ بعضًا من التفصيل حول هذه الأعمال:
 أولا: ذكر النعم
من طبيعة الإنسان أن مشاعر الحب داخله تتوجه لمن يُعطيه ويُحسن إليه، وكلما ازداد العطاء ازداد الحب خاصة إذا ما كان العطاء بلا مقابل، وصدق من قال: الإنسان عبد الإحسان.
وتحكي لنا كتب السيرة عن أحد المشركين وهو صفوان بن أمية، وكيف كانت مشاعره تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه المشاعر التي كان يسيطر عليها البغض والكره، تبدلت تمامًا حتى صار رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليه بسبب عطائه المتواصل له من غنائم حنين والطائف.
فإن قلت: ولكننا لا نستشعر ذلك بشكل كافٍ تجاه الله عز وجل مع ما أسبغ علنيا من نعم لا تُعد ولا تُحصى.
نعم، نحن نعيش في هذه الحالة – حالة الجحود للرب المنعم الودود – لأننا غرقى في نعمه، وفي الوقت نفسه لا نسمح لعقولنا بتذكرها، ولا لأعيننا برؤيتها، لأننا قد ألفنا تواصلها علينا حتى نسيناها.
لقد انشغلنا بجمع النعم، ولم نلتفت إلى من أنعم بها علينا فخفتت مشاعر الحب تجاهه سبحانه.
من هنا نقول: إن أهم عمل صالح يورث المحبة وينميها هو ذكر النعم وربطها بالمنعم فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف: 69].
قال صلى الله عليه وسلم: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة ..... الحديث( ).
العبادة المهجورة
الأمر اللافت للانتباه أن هناك العديد من الآيات القرآنية التي تحثنا على القيام بهذا العمل العظيم يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [فاطر: 3] وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ[البقرة: 198].
إن التفكر في النعم التي تحيط بنا من كل جانب وربطها بالمنعم له دور كبير في استثارة العقل، وتأجيج مشاعر الامتنان لله عز وجل ومن ثم الخروج من حالة الغفلة إلى اليقظة والانتباه، لذلك كان ذكر النعم من أفضل العبادات.
وفي هذا المعنى يقول أبو سليمان الواسطي: ذكر النعم يُورث الحب لله عز وجل.
ويقول الجنيد: إن الرضا يُنال بالتفويض، والتفويض يُنال بالمحبة، والمحبة تنال باشتغال القلب بالذكر في نعم الله عز وجل( ).
ويؤكد عمر بن عبد العزيز على أهمية هذه العبادة فيقول: التفكر في نعم الله أفضل العبادة( ).
ويكفينا في بيان أهميتها وفضلها ما جاء في حديث الملائكة السيارة التي تلتمس مواضع الذكر فإذا وجدت واحدًا منها بعثت برائدهم إلى الله تبارك وتعالى فيقولون: «ربنا أتينا على عباد من عبادك، يُعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويُصلُّون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، فيقول تبارك وتعالى: غشُّوهم رحمتي»( ).
كيفية ذكر النعم
وذكر النعم يكون بالعمل على إحصائها- قدر المستطاع – من خلال الجوانب المختلفة التي تم الحديث عنها:
(نعم سبق الفضل – نعم الهداية والعصمة- نعم العافية – نعم التسخير – نعم القيومية والحفظ – نعم الإمهال والستر- نعم اللطف والرحمة-...).
فمن خلال توجيه الفكر إلى جانب من هذه الجوانب يمكن للواحد منا أن يُعمل عقله في تذكر ما أنعم الله به عليه في هذا الجانب، حبذا لو قام بتسجيل هذه النعم كتابة حتى يسهل عليه الرجوع إليها في أي وقت شاءه وقراءتها وهذا من شأنه أن يستثير مشاعر الحب لله عز وجل داخله.
ومع قيام المرء بالتفكر في نعم الله عليه والاجتهاد في إحصائها مع نفسه، فعليه كذلك أن تكون له مجالس مع أهله وأصدقائه يتذاكرون فيها نعم الله عليهم.
ولقد كان الصحابة والسلف يجلسون مثل تلك المجالس التي تُذكرهم بفضل الله عليهم وتزيدهم حبًا له.
فعن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: «ما أجلسكم»؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟» قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: «أما إني لم أستحلفكم تُهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة»( ).
وجلس الفضيل بن عياض وسفيان بن عيينه ليلة إلى الصباح يتذاكرون النعم، فجعل سفيان يقول: أنعم الله علينا في كذا، أنعم الله علينا في كذا، أنعم الله علينا في كذا، فعل بنا كذا، فعل بنا كذا( ).
فلنجلس مثل هذه المجالس المباركة وبخاصة مع الأهل والأولاد لنزداد حبًا لله عز وجل، وحبذا لو كانت هذه المجالس بعد النعم الكبيرة التي تمر بالأسرة كنجاح وتفوق الأولاد، وصيام رمضان وقيامه، و...
القرآن يعلمنا
ونحن بهذه الطريقة نتعلم ونقتدي بالقرآن حيث كان يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النعم الإلهية الكبيرة ليذكّره وأصحابه بها، وبما أنعم الله عليهم من خلالها فيزدادوا له حبًا وشكرًا، فبعد بدر وما كان فيها من نصر مبين نزلت سورة الأنفال تُذكّر بنعم الله العظيمة التي صاحبت هذا النصر: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ  وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ  إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال: 9- 12].
وبعد غزوة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا  إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا [الأحزاب: 9، 10].
 ثانيًا: رحلات الاعتبار
والمقصد من رحلات الاعتبار هو الذهاب إلى الأماكن التي يتواجد فيها أهل البلاء كالمستشفيات والملاجئ، ودور الأيتام وأصحاب الاحتياجات الخاصة، فهذه الرحلات لها دور كبير في إدراك حجم النعم العظيمة التي أمدنا الله بها وأغرقنا فيها.
وحبذا لو اصطحبنا في هذه الرحلات أهلنا وأولادنا ليدركوا معنا عظيم فضل الله.
 أخي , زر السجن يومًا لتعرف قيمة نعمة الحرية.
زر أقسام الحروق والكسور وأصحاب الحالات الحرجة لتدرك قيمة نعمة العافية.
أغمض عينيك وتفكر في صعوبة الحياة بدون أبصار.
تخيل نفسك، وأنت تشاهد الأخبار، مكان أصحاب المجاعات والزلازل والحروب والنكبات ثم ردد: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
ولا تنس أن تقول عند رؤية أهل البلاء: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا.
 ثالثًا: كثرة الحمد
حمد الله باللسان عمل صالح يحبه الله عز وجل، فعلينا أن نكثر منه.
ولكي يؤتي هذا الذكر ثماره المرجوة في تنمية المحبة لله في القلب، علينا أن نجتهد في مواطأة القلب اللسان وقت الذكر، أو بعبارة أخرى تجاوب المشاعر مع اللسان، والطريقة الميسرة لذلك أن نستفيد من الأوقات التي تستثار فيها مشاعر الحب لله عز وجل كوقت تذكر نعمه المختلفة، وجوانب رحمته ولطفه وشفقته بعباده، و عند رؤية أهل البلاء والنقص.
فعندما نجد انفعالا وجدانيًا وتأثرًا لمظهر من مظاهر حب الله لعباده، علينا أن نسارع بحمده سبحانه، فيواطئ اللسان القلب، فيزداد التأثير والانفعال، ومن ثم تزداد المحبة أكثر وأكثر.
وصيغ الحمد كثيرة علينا أن نختار منها ما يناسب حالتنا الشعورية.
والطريقة الثانية التي من شأنها أن تجعل الذكر نافعًا هي أن نجتهد قبل الذكر في استثارة مشاعر الحب من خلال التفكر في جوانب حب الله لعباده، فإذا ما تجاوب القلب، وانفعلت المشاعر بدأنا الذكر.
يقول الحسن البصري:
إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر، وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا القلوب فنطقت بالحكمة( ).
 رابعًا: مناجاة الله بالنعم
من الأعمال الصالحة التي تورث المحبة والقرب من الله: مناجاته سبحانه بذكر نعمه التي أنعم بها علينا كما فعل إبراهيم – عليه السلام – في مناجاته لربه: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ" [إبراهيم: 39].
فبعد إحصاء النعم، وبعد رحلات الاعتبار، وفي أوقات الخلوة به سبحانه علينا أن نناجيه ونتحدث إليه ونحمده على ما أنعم به علينا، وحبذا لو تضمنت هذه المناجاة النعم بصورة تفصيلية، وقد أحسن من قال في مناجاته:
أنت الذي صورتني وخلقتني وهديتني لشرائع الإيمان
أنت الذي علمتني ورحمتني وجعلت صدري واعي القرآن
أنت الذي أطعمتني وسقيتني بغير كسب يدٍ ولا دكان
وجبرتني وسترتني ونصرتني وغمرتني بالفضل والإحسان
أنت الذي آويتني وحبوتني وهديتني من حيرة الخذلان
وزرعت لي بين القلوب مودة والعطف منك برحمة وحنان
ونشرت لي في العالمين محاسنا وسترت عن أبصارهم عصياني
وجعلت ذكري في البرية شائعًا حتى جعلت جميعهم إخواني
والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام عليَّ من يلقاني
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي ولذقت بعد كرامة بهواني
لكن سترت معايبي ومثالبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني
فلك المحامد والمدائح كلها بخواطري وجوارحي ولساني
ولقد مننت عليّ ربَّ بأنعم ما لي بشكر أقلهن يدان


من صور المناجاة:
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما طَعِم وغسل يده – أو قال يديه – قال: «الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعَم، من َّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله غير مودّع ربي، ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العُري، وهدى من الضلالة، وبَصَّر من العَمى، وفضّل على كثير ممن خلق تفضيلا، الحمد لله رب العالمين»( ).
فلتكن – أخي – مناجاتنا لله بالثناء عليه ومدحه، والاعتراف بنعمه، ولنداوم على ذلك حتى نذوق حلاوة حبه فنصل من خلال المناجاة إلى استشعار قربه منا وكأننا نراه فنكلمه على الحضور.
أفضل أوقات المناجاة:
ومن أفضل أوقات المناجاة على الإطلاق ذلك الوقت الذي يجد فيه المرء قلبه حاضرًا معه، ومشاعره متأججة ومتجهة نحو ربه.
أما أفضل الأوقات بالنسبة لساعات الليل والنهار، فمما لا شك فيه أن المناجاة بالليل خاصة في جوفه ونصفه الأخير لها تأثير عجيب على القلب، وكيف لا وقد وصفها الله بذلك: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل: 6].
فأفضل الأوقات التي يمكن أن يحدث فيها مواطأة بين القلب واللسان هي ساعات الليل، قال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر»( ).
وفي هذا المعنى يقول الإمام حسن البنا – رحمه الله -: يا أخي لعل أطيب أوقات المناجاة أن تخلو بربك والناس نيام، والخَليُّون هجع، قد سكن الليل كله، وأرخى سدوله، وغابت النجوم، فتستحضر قلبك، وتتذكر ربك، وتتمثل ضعفك وعظمة مولاك فتأنس بحضرته، ويطمئن قلبك بذكره، وتفرح بفضله ورحمته( ).
وروى أبو نعيم بإسناده عن حسين بن زياد قال: أخذ فضيل بن عياض بيدي فقال: يا حسين ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: كذب من ادعى محبتي، فإذا جنه الليل نام عني، أليس كل حبيب يحب الخلوة بحبيبه، ها أنذا مطلع على أحبابي إذا جنهم الليل مثلت نفسي بين أعينهم فخاطبوني على المشاهدة، وكلموني على الحضور، غدًا أقر أعين أحبابي في جناتي»( ).
وعن عنبسة بن الأزهر قال: كان محارب بن دِثار، قاضي أهل الكوفة، قريب الجوار مني، فربما سمعته في بعض الليل يقول وهو يرفع صوته:
«أنا الصغير الذي ربيته فلك الحمد، وأنا الضعف الذي قويته فلك الحمد، وأنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد، وأنا الغريب الذي وصلته فلك الحمد، وأنا الصعلوك الذي مَوَّلته فكل الحمد، وأنا العَزب الذي زوجته فلك الحمد، وأنا السَّاغبُ الذي أشبعته فلك الحمد، وأنا العاري الذي كسوته فلك الحمد، وأنا المسافر الذي صاحبته فلك الحمد، وأنا الغائب الذي أدَّيته فلك الحمد، وأنا الراجل الذي حملته فلك الحمد، وأنا المريض الذي شفيته فلك الحمد، وأنا السائل الذي أعطيته فلك الحمد، وأنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد، فلك الحمد ربنا حمدًا كثيرًا على حمدٍ لك»( ).
سجود الشكر
ومن أفضل أوقات المناجاة والثناء على الله بنعمه: أثناء سجود الشكر .. ففي هذا السجود يكون الإنسان في حالة من التأثر، والتأجج المشاعري لما يرى من إحسان ربه عليه، لذلك علينا أن نستثمر هذا الوقت بمناجاة الله وذكر نعمه، ليزداد الحب، والشعور بالامتنان تجاهه سبحانه.
 خامسًا: تحبيب الناس في الله عز وجل
ومن الأعمال الصالحة التي تسقي شجرة المحبة: تحبيب الناس في الله عز وجل وذلك بالحديث معهم عن نعمه سبحانه ومدى حبه لهم ورأفته وشفقته ولطفه بهم.
فهذه الوسيلة لها أكثر من فائدة: منها أنها تذكر المتحدث بما قد يكون غفل عنه، فتجعله في حالة دائمة من التذكر والانتباه.
ومن فوائدها كذلك أنها تدفعه إلى العمل بما يقول حتى لا يدخل في دائرة من يقول ولا يفعل.
ومنها كذلك أنها من أفضل الأعمال التي يحبها الله عز وجل، ومن ثمَّ فإنها تعرض صاحبها لنفحات المحبة الإلهية.
عن أبي أمامة الباهلي أنه كان يقول: حببوا الله إلى الناس يحببكم الله( ).
وجاء في الأثر أن الله عز وجل أوحى إلى داود عليه السلام:
يا داود أحبني، وأحب من يحبني، وحببني إلى خلقي. قال: يا رب، هذا أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي فإنهم لا يذكرون مني إلا خيرا( ).
وعن كعب قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: أتحب أن تحبك جنتي وملائكتي، وما ذرأت من الجن والإنس؟ قال: نعم يا رب، قال: حببني إلى خلقي، قال: كيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم آلائي ونعمائي، فإنهم لا يذكرون مني إلا كل حسنة»( ).
وكان أبو الدرداء يقول: إن أحب عباد الله إلى الله عز وجل الذين يحبون الله ويحببون الله إلى الناس، والذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله عز وجل( ).
نموذج عملي:
وإذا أردت أخي القارئ تطبيقًا عمليًا لهذه الوسيلة فانظر إلى قوله تعالى وهو يخاطب فيه نبيه، ويعلمه طريقة الدعوة وما ينبغي أن يتضمنه خطابها من تحبيب الناس في ربهم: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأنعام: 54].
وهذا كثير في القرآن تأمل قوله تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود: 3].
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالا كاملا للداعية الذي يحبب الناس في الله عز وجل، ويدفعهم للفرار إليه مهما ارتكبوا من آثام.
أتاه يومًا من الأيام شيخ كبير وهو يستند على عصاه، فقال: يا نبي الله إن لي غدرات وفجرات فهل يغفر الله لي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: فإن الله قد غفر لك غدراتك وفجراتك. فانطلق وهو يقول: الله أكبر الله أكبر( ).
وكذلك كان صحابته: فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يلقى الفرزدق وقد كان شاعرًا يقذف النساء، وكانت الناس تكره فيه ذلك، فماذا قال له أبو هريرة عندما لقيه؟
يقول الفرزدق: قال لي أبو هريرة: أنت الفرزدق؟ قلت: نعم. فقال: أنت الشاعر؟ قلت: نعم. فقال: أما إنك إن بقيت لقيت قومًا يقولون لا توبة لك، فإياك أن تقطع رجاءك من رحمة الله( ).
ومات لرجل ابن مسرف على نفسه، فلقيه عليّ بن الحسين فقال له: إن من وراء ابنك ثلاث خلال: أما أولها فشهادة أن لا إله إلا الله، وأما الثانية فشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الثالثة فرحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء( ).
 سادسًا: الإلحاح على الله بأن يرزقنا حبه
علينا أن نسأل الله عز وجل ونلح عليه بأن يرزقنا حبه، مثل ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن دعائه قوله: «اللهم إني اسألك حبك، وحب من أحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك. اللهم اجعل حبك أحب إليَّ من نفسي ومالي وأهلي ومن الماء البارد على الظمأ».
وقوله: «اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إليَّ، وخشيتك أخوف الأشياء عندي، واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك، وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم فأقرر عيني في عبادتك».
واعلم أخي أن الله عز وجل لا يرد سائلا عن بابه، فلو رأى منا صدقًا في طلب محبته لرزقنا إياها، وفتح لنا باب الأنس به والشوق إليه.
ونختم الحديث بأثر رواه الجنيد بإسناده عن صالح بن مسمار قال: بلغنا أن الله عز وجل أرسل إلى سليمان بن داود عليه السلام بعد موت أبيه داود ملكًا من الملائكة فقال له الملك: إن ربي عز وجل أرسلني إليك لتسأله حاجة.
قال سليمان: فإني أسال ربي أن يجعل قلبي يحبه كما كان قلب أبي داود يحبه، وأسال الله أن يجعل قلبي يخشاه كما كان قلب أبي داود يخشاه.
فقال الرب تبارك وتعالى: «أرسلت إلى عبدي ليسألني حاجة فكانت حاجته إليَّ أن أجعل قلبه يحبني، وأجعل قلبه يخشاني، وعزتي لأكرمنه. فوهب له ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده( )».
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جلال العسيلى
مشرف عام
مشرف عام
جلال العسيلى


عدد المساهمات : 5415
نقاط : 7643
السٌّمعَة : 13
تاريخ التسجيل : 16/05/2010
العمر : 62

لتمكين حب الله في قلبك Empty
مُساهمةموضوع: رد: لتمكين حب الله في قلبك   لتمكين حب الله في قلبك Emptyالسبت أغسطس 20, 2011 1:22 pm

شكـرا جزيلا على هـــذا المـــوضوع الــرائع والمميز
الذي يستحق كل التقدير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

لتمكين حب الله في قلبك Empty
مُساهمةموضوع: رد: لتمكين حب الله في قلبك   لتمكين حب الله في قلبك Emptyالسبت أغسطس 20, 2011 10:31 pm





يقول الشيخ العريفي:
قبل عشر سنوات..
في ايام الربيع ...وفي ليلة بارده كنت في البر مع اصدقاء
تعطلت احدى السيارات ..فاضطررنا الى المبيت في العراء .. اذكر انا اشعلنا نارًا تحلقنا حولها ...وما اجمل احاديث
الشتاء في دفيء النار ..طال مجلسنا فلاحظت أحد الأخوه انسل من بيننا..كان رجلا صالحا ..كانت له عبادات خفيه ...
كنت اراه يتوجه الى صلاة الجمعه مبكرا ..بل احيانا



وباب الجامع لم يفتح بعد..!!
قام واخذ اناءً من ماء..ضننت انه ذهب ليقضي حاجته ..
ابطأ علينا قمت اترقبه...فرأيته بعيدا عنا ..
قد لف جسده برداء من شدة البرد وهو ساجد على التراب ...
في ظلمة الليل ...وحده ..يتملق ربه ويتحبب اليه ..
.كان واضحًا انه يحب الله تعالى...واحسب أن الله يحبّه ايضًا...
ايقنت ان لهذه العبادة الخفيه ...عزاً في الدنيا قبل الأخره..
مضت السنوات ...واعرفه اليوم ...
قد وضع الله له القبول في الارض ..له مشاركات في الدعوه
وهداية الناس ...اذا مشى في السوق
او المسجد...
رأيت الصغار قبل الكبار يتسابقون اليه.. مصافحين .. ومحببين ..
كم يتمنى الكثيرون من تجار ...



.وامراء ..ومشهورين ..ان ينالو في قلوب الناس مثل مانال..
ولكن هيهاااات...






(ان الذين يعملون الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا)

اي يجعل لهم محبةً في قلوب الخلق...
اذا احبك الله جعل لك القبول في الارض ...



قال صلى الله عليه وسلم :"ان الله اذا احب عبدًا نادى جبريل ..
فقال :اني قد احببت فلانًا فأحبه..
فيحبه جبريل..
ثم ينادي في اهل السماء:
أن الله يحب فلانًا فأحبوه ... فيحبه اهل السماء...
قال:ثم تنزل له المحبه في اهل الارض ..



###################فذلك قول الله تعالى :
(ان الذين امنو وعملو الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا)

واذا ابغض الله عبدًا..نادى جبريل :اني ابغضت فلانا فأبغضه ...
فيبغضه جبريل ..
ثم ينادي في اهل
السماء:
ان الله يبغض فلانا فأبغضوه ..
فيبغضه اهل السماء ..ثم تنزل له البغضاء في الارض....
آآآآه ...ماأجمل ان تعيش على الارض .. تأكل .. وتنام ..والله ينادي بأسمكفي السماء( اني احب فلانا فأحبوه )
والعباده الخفيه انواع
..منها:
الحفاظ على صلاة الليل ..
ولو ركعة واحده وترًا كل ليله...تصليها بعد العشاء
مباشره... او قبل ان تنام ..او قبل الفجر.. لتكتب عند الله من قوام الليل ...
قال صلى الله عليه وسلم :"
ان الله وتر يحب الوتر ..فأوتروا يـــاأهل القرأن"








ومنها
الاكثار من ذكر الله .. فأن من احب شيئًا اكثر من ذكره ....
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم :
"الا
انبئكم بخير اعمالكم .. وازكاها عند مليككم.. وارفعها في درجاتكم.. وخير
لكم من اعطاء الذهب والفضه... وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربواأعناقهم
ويضربوا اعناقكم ..؟ قالوا:بلى..وما ذاك
يارسول الله ؟ قال ذكر الله عز وجل "
كان ابو بكر رضي الله عنه
اذا صلى الفجر خرج الى الصحراء .. فاحتبس فيها شيئًا يسيرًا..
ثم عاد الى المدينه ..فعجب عمر رضي الله عنه من خروجه ...
فتبعه يومًا خفيةً بعدما صلى الفجر ...فأذا ابو بكريخرج من المدينه ويأتي خيمه قديمه في الصحراء .. فاختبأ له عمر خلف صخره...
فلبث ابو بكر في الخيمه شيئا يسيرا .ثم خرج ...
فخرج عمر من وراء صخرته ودخل الخيمه ... فأذا فيها امرأه ضعيفه عميــاء ...وعندها صبيه صغار
...

فسألها عمر :من هذا الذي يأتيكم ...
فقالت : لا اعرفه ..هذا رجل من المسلمين ..



يأتينا كل صباح منذ كذا وكذا...
قال :فماذا يفعل ؟
قالت : يكنس بيتنا ..ويعجن عجيننا .. ويحلب داجننا ... ثم يخرج ..
فخرج عمر وهو يقول :
لقد اتعبت الخلفاء من بعدك ياابا بكر ...لقد اتعبت لخلفاء من بعدك يا ابا بكر...






وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل .
فيتصدق بها ... ويقول: ان صدقة السر تطفئ غضب الرب ...
فلما
مات وجدوا في ظهره آثار سواد ..فقالو : هذا ظهر حمّال.. وما علمناه اشتغل
حمالاً..فانقطع الطعام عن مائة بيت في المدينه ..من بيوت الارامل والايتام
.. كان يأتيهم طعامهم بالليل..لايدرون من يحضره اليهم .. فعلموا انه هو
الذي كان يحمل الطعام الى بيوتهم بالليل وينفق عليهم ..



وصام احد السلف عشرين سنة
..يصوم يومًا ويفطر يومًا ...وأهله لايدرون عنه..
كان له دكان يخرج اليه اذا طلعت الشمس ويأخذ معه
فطوره وغداءه...فاذا كان يوم صومه تصدق بالطعام ..



واذا كان يوم فطره اكله ..
نعم ... كانوا يستشعرون العبوديــــــه لله في جميع احوالهم ...
هم المتقون... والله يقول:
(ان للمتقين مفازا *حدائق واعنابا * وكواعب اترابا* وكأسا دهاقا * لايسمعون فيها لغوا ولا كذابا*جزاءمن ربك عطاءً حسابا )


سبحان الله كما نرسل الرسائل المضحكة وغيرها مما قد يسبب لنا ذنوب وآثام نستطيع أن نرسل هذه الرساله ونحتسب الاجر على الله،....
والله غفور رحيم.




[/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
 
لتمكين حب الله في قلبك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
صحبة الخير  :: الاقسام الدينية :: «۩۞۩ مقالات اسلامية ۩۞۩»-
انتقل الى: