بسم الله الرحمن الرحيم
أبي الإسلام
الشيخ / خالد الراشد
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ..
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ..
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..
{ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ }..
{ يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً }..
{ يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً ، يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم وَ يَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً }..
أما بعد :
فإنَّ أصدق الحديث كلام الله ..
وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ..
وشرَّ الأمور محدثاتها ..
وكل محدثة بدعة ..
وكل بدعة ضلالة ..
وكل ضلالة في النار ..
عباد الله ..
كان بين العرب قبل الإسلام أشياء مشتركة كثيرة ..
كاللغة والعادات والتقاليد وغيرها ..
ولكنها لم تربط بينهم ..
بل كانوا في عداوة وحروب طاحنة لا يعلمها إلا الله ..
فكان لا بدَّ من آصرة ورابطة تجمع ذلك الاختلاف وتؤلف بينه ..
فجعل الإسلام رابطة العقيدة هي الأساس الأول ..
هي الأساس الأول في ارتباط الناس وتآلفهم ..
كما أقرَّ بعض الأواصر الأخرى التي لا تخالف الدين ..
فحافظ الإسلام على التقسيم القبلي ..
ولكنه فرغه من العصبية ، والتعالي ، والأحقاد ..
ورفع الإسلام شعار ..
أن الناس عند الله سواسية كأسنان المشط ..
وأن قيمة الناس عند الله ..
بتقواهم ، وإيمانهم ..
لا بأحسابهم ، ولا بأنسابهم ..
{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ..
وقال أيضاً جل في علاه : { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى} ..
ويوم أن ودّع ؛ نبي الأمة ؛ الأمة في حجة وداعه قام فيهم خطيباً صلى الله عليه وسلم وقال :
( يا أيها الناس ..
إن ربكم واحد ..
وإن أباكم واحد ..
ألا لا فضل لعربي على أعجمي ..
ولا لعجمي على عربي ..
ولا لأحمر على أسود ..
ولا لأسود على أحمر ..
إلا بالتقوى ..
ألا هل بلغت ) ..
قالوا : بلى ..
قال : ( اللهم فاشهد ) ..
نعم عباد الله ..
كانت الحياة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ظلاماً ، ولا يجهل ذلك أحد ..
وكان الظلم ولم يكن غيره ، ولا يشك في ذلك أحد ..
كان الحق للقوة ..
والعدل للرجل لا للمرأة ..
ومع البعثة ..
ولدت الحياة وارتوى الناس بعد الظمأ ..
لما أطل محمد زكت الربا واخضر في البستان كل هشيم
فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم ..
إعلان لإهلاك الطاغوت ، والطغاة ..
وولادة فجر جديد ..
شعاره ..
العدل ..
الذي لا يتحقق إلا إذا ..
عُبَد الله وحده ..
وحُكِّم في الناس شرعه ..
يقول جعفر رضي الله عنه للنجاشي يوم أن حاوره وناظره :
أيها الملك ..
كنا قوماً أهل جاهلية ..
نعبد الصنام ..
ونأكل الميتة ..
ونأتي الفواحش ..
ونقطع الأرحام ..
ونسيء الجوار ..
يأكل القوي منا الضعيف ..
فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ..
نعرفه ..
ونعرف نسبه ..
ونعرف صدقه وأمانته ..
ونعرف عفافه ..
قال الله : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } ..
جاء الإسلام ..
ليوحد الصفوف ..
ويؤلف القلوب ..
وينبذ أمور الجاهلية ..
ومن تلك الأمور ..
بل من أخطرها ..
النعرات الجاهلية ..
والتعصبات القبلية ..
فخر بالأحساب ..
وطعن بالأنساب ..
فأصبح الناس يتعاظمون ، ويتفاخرون ، ويتكبرون على الناس ..
بعرض مناقب الآباء ومآثرهم ..
عباد الله ..
إن الإسلام نهى عن الفخر ولو كان بحق ..
فكيف إذا كان بغير حق ..
قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } ..
وقال صلى الله عليه وسلم :
( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد ) ..
أليس هو صلى الله عليه وسلم سيد البشر ، وسيد المرسلين ، ومع هذا يقول لنا :
( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ..
وأنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ..
وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ..
ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر ) ..
و ياليت الذين يفتخرون بأبائهم ..
قدّموا ولو شيئاً يسيراً مما قدّم آبائهم وأجدادهم من فتوحات وبطولات !!..
فالذي يفتخر بالمجد ..
لا بد أن يسير على هذا المجد بالأفعال ، وليس بالأقوال ..
وصدق المتنبي حين قال :
ليس الفتى من قال هذا أبي إنما الفتى من قال ها أنا ذا
كم نرى ونسمع دعاة الجاهلية يتبجحون بالكلام ..
وهم لا يساوون عند الله جناح بعوضة ..
ما ضرَّ سلمان أنه فارسي ، ما دام تقي ..
وهو الذي أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق ..
ما ضرَّ بلال أنه حبشي ، ما دام تقي ..
فلقد كان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أقربهم عنده مجلساً ..
وما ضرّ عكرمة بن أبي جهل أنَّ أباه فرعون الأمة ..
فلقد كان من فضلاء الصحابة وممن أبلى بلاءً حسناً ..
وما ضرّ خالد بن الوليد أنَّ أباه أحد رؤوس الضلالة ومن كبار المستهزئين بكتاب ربّ العالمين ..
بل كان ذراع النبي صلى الله عليه وسلم الأيمن وسيفه المسلول ..
وما ضرّ أبا عبيدة أنَّ أباه أحد المشركين المعادين للدين ..
ولم يضره أبداً فهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ..
فكل هؤلاء ..
من خيرة خلق الله ..
وممن باعوا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله ..
أفيحق أن يُقال لهؤلاء :
ما هو أصلكم ، وفصلكم حتى نلبسهم لباس الشرف وتاج السيادة ..
وهل يُفتخر بالكفار والمشركين أصلاً !..
وفي المقابل عباد الله ..
لم ينتفع أبو طالب من كونه عمّ للنبي صلى الله عليه وسلم وممن يدافعون عنه بكل قوة ، فهو من أهل النار ..
وكذا أبو لهب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم الذي تبَّت يداه ..
بل هل انتفع كنعان من كون أبيه نوح عليه الصلاة السلام !!..
بل هل يصح أن ننتقص رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحداً من صحابته لأنَّ آباؤهم أو أعمامهم كانوا كفاراً من أهل النار ..
لعمر الله ما الإنسان إلا بدينه
لقد رفع الإسلام سلمان فارس
فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب
فالإنسان يوزن ويقيّم ..
بدينه وإيمانه ..
لا بنسبه ..
وأنت يا عبد الله ..
لن تُسأل يوم القيامة عن نسبك ..
وإنما ستُسأل :
من ربك ؟؟ ..
ومن نبيك ؟؟ ..
وما دينك ؟؟ ..
فـأعدد للسؤال جواباً ..
وكثير من الشباب اليوم أفنى شبابه ..
في البحث عن نسبه ..
والطعن في نسب الآخرين ..
اعلم رعاك الله ..
اعلم رعاك الله ..
إنَّ أول من افتخر ب حسبه وبأصله و وطعن في أصل الاخرين ..
هو إبليس ..
فهو أسوة ..
للمفتخرين بالأحساب ..
وللطاعنين في الأنساب ..
هو الذي قال متكبراً ومتعاظما لما أمره ربه بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ }..{ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } ..
ولقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ ..
الفخر بالأحساب ..
والطعن بالأنساب ..
من خصال أهل الجاهلية يا أهل الإيمان ..
أخبر أن ذلك من خصال أهل الجاهلية يا أهل الإيمان ..
عند مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن ..
الفخر في الأحساب ..
والطعن في الأنساب ..
والاستسقاء بالأنواء ..
والنياحة على الميت ) ..
افهم الكلام !!..
أما قوله صلى الله عليه وسلم :
( لا يتركونهن ) : لا يعني أنه لا يُنكر ذلك على الناس ..
معناه : أنه لا يُترك الناس على ذلك ..
بل لا بد من بيان الحق ..
وإزهاق الباطل ..
لأن السكوت على ذلك ..
سبب لانتشار الفتن ، والأحقاد في المجتمع ..
عند أبي داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله قد أذهب عنكم عبية أهل الجاهلية _ أي تكبر أهل الجاهلية _ أذهب عنكم عبية أهل الجاهلية وفخرها بالآباء ، مؤمن تقي ؛ وفاجر شقي ، أنتم بنو آدم ..أنتم بنو آدم ؛ وآدم من تراب..
ليدعنّ رجال من فخرهم بأقوامم إنما هم من فحم جهنم
أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن ) ..
بل أسألكم بالله ..
أسأل كل واحد منا ..
هل أنت اخترت أن تكون :
فلان ابن فلان ؟؟ ..
أو اخترت القبيلة أو العائلة التي أنت منها ؟؟..
سبحان الله ..
إنه اختيار الله ..
إنه اختيار الله ..
فكيف نطعن بأمر الله واختياره ..
أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ؛ قال صلى الله عليه وسلم :
( انتسب رجلان على عهد موسى عليه الصلاة والسلام ..
فقال أحدهما : أنا فلان ابن فلان ؛ حتى عدَّ تسعة منهم ..
ثم قال للآخر : فمن أنت لا أم لك ؟!..
فقال الآخر : أنا فلان ابن الإسلام ..
فقال الآخر : أنا فلان ابن الإسلام ..
فأوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن قل لهذين المنسبين :
أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم ..
أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم ..
وأما أنت المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة ) ..قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح ..
عباد الله ..
وهذه الخصلة من نعرات الجاهلية وتعصبات القبلية لا يزال لها وجود وانتشار بين كثير من المسلمين ..
وكثير منهم لا يشعر بأنه واقع فيها ..
لأنها _ ويا للأسف _ صارت من المألوفات عندهم في المجتمعات ..
فما أكثر ما نسمع ويسمع الناس من يتغنى بأمجاده وأمجاد آبائه ..
بل ويتعالى بها عليهم ..
بل ما أكثر ما نسمع من يتمدح ويتشدق بفعل آباء لا يُعرف عنهم سوى الفجور الطغيان ..
ولو سلمنا من الفخر بالأحساب ..
لم نسلم من الطعن في الأنساب ..
والمراد بالطعن في الأنساب : الوقوع فيها بالعيب والنقص ..
كقولهم هذا ليس من آل فلان ..
أو آل فلان ليس نسبهم جيداً ، أو لاأصل لهم !!..
عجيبٌ أمرهم !! ..
إن لم يكن لهم أصل .. فمن أين أتوا ؟؟!!..
إن لم يكن لهم أصل .. فمن أين أتوا ؟؟!!..
أليس ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) ..
أفيقوا أيها الناس ..
ولما عيَّر أبو ذر بلالاً رضي الله عنه بأمه قائلاً له : يا ابن السوداء ..
قال له صلى الله عليه وسلم غاضباً منتصراً للحق :
( إنك امرؤ فيك جاهلية ) ..
( إنك امرؤ فيك جاهلية ) ..
نعم عباد الله ..
فكيف يعير الناس بالعصبيات والعنصريات والألوان ..
هل اختار فلان أن يكون أبيضا ؟!..
أو اختار فلان أن يكون أسوداً ؟!..
الله { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } ..
تأثر أبو ذر وتحسر ، وتندم يوم أن قال ما قال ..
يقول رضي الله عنه : وددت والله لو ضُرب عنقي بالسيف ، وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ويضع أبو ذر خده على التراب ويقول :
لن أرفع خدي حتى تضع قدمك عليه يا بلال ..
يريد أن يكسر تكبر الجاهلية وعنجهيتها وأن يزيح الظلام ..
فيبكي بلال وتذرف عيناه الدموع ويقول :
يغفر الله لك يا أبا ذر ..
يغفر الله لك يا أبا ذر ..
والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة سجدت لله تعالى ..
فيعتنقان ، ويبكيان ، وذهب ما في قلوبهما ..والخبر عند البخاري ..
كانوا إذا ذُكّروا تذكروا ..
وعند حدود الله وأومره واقفين ..
من هو بلال !!..
من هو بلال !!..
اسمع ما يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه ..أبو بكر سيدنا وأعتق بلالاً سيدنا ..
اسمع عمر القرشي المخزومي يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق بلالاً سيدنا ..
عباد الله ..
لا يُفهم من الكلام هذا أنَّ الدين ضد معرفة الأنساب والأمجاد ..
لا والله .. فلا حرج على الإنسان أن يعرف نسبه وأهله ..
لكن الدين يحارب ..
التعصب للأنساب ..
والطعن فيها ..
ويحذر من أن نجعل الأنساب ..
هي الميزان عند الناس ..
ومقياس الشرف والرجولة ..
وأنا والله لا أقدح بآل فلان ولا فلان ..
ولكن الكلام للجميع عام ..
عباد الله ..
إن الإسلام حرَّم العصبية والظلم ..
وأوجب التسامح والعدل ..
كانت الجاهلية تقول :
انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ..
ويعنون بذلك ظاهر الكلام ، فهم ينصرونه في الحالين سواء كان ظالماً أو مظلوماً ، ولم يقصد أنهم يكفونه عن الظلم كما أمر الإسلام ..
يقول أحدهم :
إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم على القوم لم أنصر أخي حين يظلم
قال تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}..
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينصر قومه تعصباً بوصف شنيع ينبأ عن شناعة فعله ..
ففي الحديث الذي أخرجه داود في سننه وابن حبان في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال :
( من نصر قومه على غير حق فهو كالبعير الذي ردي ، فهو ينزع بذنبه ) ..
سُئل زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهم ؛ عن التعصب المذموم فقال : العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خير من خيار قوم آخرين ..
اسمع بارك الله فيك ..
العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خير من خيار قوم
آخرين ..
وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ..
ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم ..
عباد الله ..
لقد أصبحت القبلية هي المقياس عند كثير من الناس ..
عجيبٌ أمرهم ..
يغضبون للقبلية ، ولا يغضبون للدّين !!..
ينتصرون للقبلية ، ولا ينتصرون للدّين !!..
يُعادون ويوالون للقبلية ، ولا يوالون للدّين !!..
أصبحنا نعظم العادات والتقاليد أكثر من تعظيمنا للشرع والدين ..
يسرق أحدهم ، ويزني ، ويرابي ، ويعلم هذا عنه فلا يُنكر عليه ..
ولو زوَّج ابنته لرجل من غير قبيلة لثارت ثائرته ، واشتعلت عنده الحمية حمية الجاهلية ..
أصبحت مجتمعاتنا محكومة بنظرة التعالي وتغليب معيار القبلية على كل المعايير ولو على حساب الدين ..
أحبتي ..
إن منهج لا إله إلا الله جاء ليضمن مبدأ المساواة بين الناس ..
وأنهم كلهم عند الله سواسية كأسنان المشط ..
فكان اتباع الأنبياء هم الضعفاء والفقراء ..
لأنهم استشعروا العدل والإنصاف في ظل لا إله إلا الله ..
قال سادة القوم لنوح عليه السلام لما التف حوله الضعفاء : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ، وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ..
وكذا قال كبراء القوم من قريش لنبينا صلى الله عليه وسلم لما رأوا حوله بلالاً وابن مسعود والضعفاء من القوم ..
قالوا اطردهم حتى نؤمن بك ونجلس معك ..
فقال الله لنبيه : { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } ..
أما علم أهل الترفع وأهل العصبية ، أنَّ من يحتقرونهم ومن يزدرونهم قد يكونون أحسن منهم عند الله ..
قال صلى الله عليه وسلم :
( ربَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) ..
تقول السير والأخبار أن جبلة ملك غسان أسلم ..
أسلم على زمن عمر وجاء إلى المدينة في موكب ما رأت المدينة مثله ، فبايع عمر ثم مضى إلى مكة للعمرة ..
فبينما هو يطوف على الكعبة ، وقد جرَّ إزاره فداسه إعرابي _ داس الإزار إعرابي _ دون أن يقصد ذلك ، فصفعه جبلة على وجهه ، فذهب الإعرابي يشتكي عند عمر رضي الله عنه وأرضاه فاستدعى عمر جبلة وسأله عن الأمر فقال : نعم صفعته ..
قال : نعم صفعته ، ولولا حرمتك يا أمير المؤمنين لقطعت رقبته ..
فال عمر رضي الله عنه :
أما و قد اعترفت فلا بدّ من القصاص ..
أما و قد اعترفت فلا بدَّ من القصاص ..
لا بدّ أن يصفعك كما صفعته إلا أن يتنازل عن ذلك ويسمح ..
فقال جبلة الذي لا تزال رواسب الجاهلية باقية في عقله :إيصفعني وأنا ملك ..
أيصفعني وأنا ملك وهو من سوقة الناس ..
فقال عمر رضي الله عنه _ واسمع وافهم ما قال _ ..
قال : إنَّ الإسلام قد ساوى بينكما ..
إنَّ الإسلام قد ساوى بينكما ..
الكل عند الله سواسية ..
لا فضل لأحد على أحد ..
كلكم لآدم وآدم من تراب ..
فقال جبلة : أمهلني إلى الغد ..
فأمهله عمر رضي الله عنه ..
ففرَّ إلى الشام مرتداً عن دينه ، ولو علم الله فيه خيراً لأسمعه ..
هذه هي معتقدات وأفكار الجاهلية التي جاء الإسلام لينبذها ويحاربها ويعيد الأمور إلى نصابها ..
إن الإسلام عباد الله ..
يرفض العصبية ، والنعرات الجاهلية ، ويحارب هذه الأفكار الدنيئة التي تجعل تفرقة بين المسلم وأخيه ..
ونحن إذ نطلق هذه الكلمات من هذا المنبر لنحذر الناس من مغبة العصبية القبلية..
فإنَّ من أسباب ضعف المسلمين وضعف العرب خاصة هذه الإنقسامات وهذه الجاهلية التي مزقت وحدة الأمة وكانت سبباً في إضعافها ..
فأصبحت مصالح القبلية مقدمة على مصالح الآخرين ..
بل حتى على مصالح الإسلام والدين ..
وصلنا إلى حالة ضاع فيها الولاء والانتصار للدين ..
وأصبح الولاء ، والانتصار ، والغضب للقبيلة والجاهلية ..
إن هذا الدفاع المصرف والتعصب القبلي كان مصدراً لكثير من الحروب النزاعات ..
وهذا التعصب ساعد على انتشار عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان ..
في بعض المجالس يُستهزأ بدين الله ، فلا ينتصر للدين أحد ..
ولو ذكرت قبيلة فلان أو فلان أو انتقصت ، لاقتتل المجلس ..
ولقد شهدت هذا بأم عيني ..
والله شهدت مثل هذا بأم عيني ..
ولوكان بأيدي القوم السلاح لاقتتلوا ..
أين الاحتكام للشرع والغيرة على الدين !..
والمجتمع يغرق في الربا ، والزنا ، والمحرمات !..
لي فيك يا ليل آهات أرددها
أنَّا التفت للإسلام في بلد
أوّاه لو أجت المحزون أوّاه
وجدته كالطير مقصوصاً جناحاه
وصل الأمر عباد الله إلى حد لا يُسكت عليه ..
ذهبت إلى إحدى مدن الشمال منذ أشهر لإلقاء محاضرة هناك ..
فوصلت عصراً ، وكانت الأجواء متوترة ، وغيوم الحقد منتشرة ..
فالتقيت رئيس المحاكم أول ما وصلت ..
فكان من كلامه لي أن تكلم في محاضرتك عن خطر التعصب القبلي ، وآثاره على المجتمع ..
فقلت : وما سبب هذا الكلام ؟!..
اسمع رعاك الله ..
لقد وصل الأمر إلى درجة أنه حتى أفراد القبيلة الواحدة بينها فروقات ، ومفاضلات ، ودرجات ..
وأصبحنا نربي صغارنا ونغرس في أنفسهم مثل هذه النعرات ..
ألا فليفرح وليشمت فينا الأعداء ..
قال لي رئيس المحاكم :
حدثت عندنا اليوم جريمة قتل راح ضحيتها أحد الشباب
وكاد القوم يقتتلون ولكن الله سلم ..
ما القصة ، وما الخبر !!..
هما شابان من طلاب الثانوية لم تتجاوز أعمارهما السابعة عشرة من الأعمار ينتميان إلى نفس القبيلة ، لكن هذا من طبقة وهذا من طبقة أخرى _ كما يقولون _ ..
الذي حدث أن أحدهما عيَّر صاحبه بشيء من ماضي أهله ، فثارت ثائرة الشاب وحرَّضه الأصحاب ..
فتربص لصاحبه حين خرج من المدرسة فأطلق في رأسه النار ..
وأطلق في رأسه النار فأرداه قتيلاً ..
ألا فليفرح الآباء !!..
ألا فليفرح الآباء بمثل هذا على مرأى ومسمع من الجميع انتصاراً للماضي الذي قد مضى وكان ..
واجتمع أهل هذا وأهل ذاك ، وكادت تكون مقتلة ولكن الله سلم ..
ووالله لقد سمعت في مجلس من المجالس ابن العاشرة يسأل قرينه :
ما أصلك أنت ، وما فصلك ؟!..
ابن العاشرة يسأل قرينه ..
ما أصلك أنت ، وما فصلك ؟!..
وتعالت أصوات الصغار في المجلس ..
ألا فليفرح الآباء على مثل هذه التربية !!..
بدل أن يحببوهم بالإسلام وبدينهم ؛ يرغبونهم بماضي الآباء والأجداد !!..
اتقوا الله عباد الله ..
اتقوا الله عباد الله ..
هذه هي ..هي الجاهلية التي حاربها الإسلام ..
من كنا قبل الإسلام ، وماذا صرنا بعد الإسلام ..
لقد علم نبينا صلى الله عليه وسلم أنَّ الأمة لا تقوم لها قائمة إلا بالأخوة بين أفرادها وقبائلها..
فكانت أول خطوة بعد الهجرة من مكة إلى المدينة ..
أن آخى بين المهاجرين والأنصار ..
وبلغت الأخوة الإيمانية ذروتها ..
فكان الأنصاري يقول لأخيه من المهاجرين :
هذا مالي اقسمه بيني وبينك ..
ولي زوجتان أطلق إحداهما فتتزوجها أنت ..
وقد أغضب أعداء الله من يهود ومنافقين ومشركين ما رأوا من حب ، وودّ ووئام بين المسلمين ، وكيف زالت بينهم الطبقية والعصبية تحت راية الإسلام ..
فحرصوا على إيقاد الفتن ، وإشعال النيران ..
وما وجدوا إلى ذلك سبيلاً إلا عن طريق النعرات الجاهلية والتعصبات القبلية ..
فمرَّ أحد أحبار اليهود الحاقدين ، وكان عظيم الحقد على المسلمين ؛ عظيم الكفر ؛ ومن رؤوساء المنافقين ..
مرَّ على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فغاظه ما رآهم عليه من ألفة ومحبة ، وهم الذين كانوا إلى عهد قريب لا يلتقون إلا في معارك تسيل فيها الدماء ، وتزهق فيها الأرواح ..
فقال بكل حقد : لا والله مالنا معهم إذا اجتمع ملأهم في المدينة من قرار ..
مالنا في المدينة معهم من قرار إذا ظلوا على هذه المحبة والمودة ..
علموا أن ..
قوتنا في اعتصامنا ..
وتآلف قلوبنا ..
وزوال آثار الجاهلية من مجتمعاتنا ..
فأمر ذلك اليهودي أحد الشباب اليهود أن يندس بين بين جمع الأوس والخزرج ، وأن يثير بينهم أخبار الجاهلية ، ونعرات القبلية ، ويذكرهم بالذكريات الأليمة ..
وخاصة يوم بعاث ذلك اليوم الذي تقاتل فيه الأوس والخزرج لأتفه الأسباب ..
حصدت فيه الأرواح من الفريقين ومن الخزرج خاصة ، وكاد الأوس يبيدون أخوانههم من الخزرج عن بكرة أبيهم ..
فاندس الخبيث بين الجمع وأخذ باشعال النار ، وإيقاد الفتنة ، وأخذ ينشد الأشعار ، ويذكر بما كان في حرب بعاث من أخبار ..
فظهرت الفتنة ، وتلاسن الحيّان ، وأخذ كل منهما يفاخر الآخر وينازعه ..
وتحول الجدل إلى ما هو أخطر من ذلك ..
فقام أحد زعماء الخزرج متحدياً للأوس قائلاً : إن شئتم رددناها ..
إن شئتم رددناها ..
فاشتط الغضب بالفريقين ، وتواعدوا للحرب ، وأعلنوا النفير ، وأخذوا سلاحهم ، وتوجهوا للمكان المحدد ..
وكاد اليهود ينجحون في أهدافهم الخبيثة لولا لطف من الله تبارك وتعالى ..
بلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقام مسرعاً ، فوجد القوم قد اجتمعوا وعلى وشك الاقتتال ؛ فقام بينهم خطيباً فقال :
( يا معشر المسلمين ) _ ما قال أوس أو خزرج _ ..
قال :
( يا معشر المسلمين .. الله .. الله ..أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ..
الله .. الله ..أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ..
دعوها فإنها منتنة ..
بعد أن هداكم الله للإسلام ، وأكرمكم به ..
وقطع عنكم أمر الجاهلية ..
واستنقذكم به من الكفر ..
وألَّف بين قلوبكم ) ..
فلما سمع الرجال الكلام عادوا إلى رشدهم ، وأدركوا أنها مكيدة يهودية ، فأغمدوا سيوفهم ، ونكسوا رماحهم ، ثم استرجعوا ، وبكوا ، وأخذ الرجال من القبيلتين يعانق بعضهم بعضاً ..
فأنزل الملك العلَّام :{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ..
نعم عباد الله ..
القوة ..
في الاعتصام ، والاجتماع ..
والضعف ..
في الفرقة ، والانشقاق ..
وحبل الله هو القرآن الذي { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } ..
كيف كنا قبل القرآن ، وقبل الاعتصام بكلام الرحمن !!..
كنا قبائل متناحرة متقاتلة لأتفه الأسباب ..
يسطو القوي على الضعيف ، وكأنها حياة في الغاب ..
فألف الإسلام بين القلوب ..
وزكّى تلك النفوس ..
ورفع الإسلام شعار :
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ..
أي في الدين والحرمة لا في النسب ..
ولهذا قالوا وأكدوا ..
أن أخوة الدين أثبت وأقوى من أخوة النسب ..
فإنَّ أخوة النسب ..
تنقطع بمخالفة الدين ..
وأخوة الدين ..
لا تنقطع بمخالفة النسب ..
قال الله : { لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ } ..
إنه الإيمان ..
الذي يصنع مثل تلك المواقف ..
ويصنع أولئك الرجال ..
قال صلى الله عليه وسلم :
( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ..التقوى ها هنا _ ويشير إلى صدره ثلاث مرات _ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) ..
( كل المسلم على المسلم حرام ) ..
لسان حال المسلم الصادق :
إذا اشتكى مسلمٌ في الهند أرّقـني
مصر ريحانتي ، والشام نرجستي
أرى بُخارى بلادي وهي نـائـيةٌ
وأينما ذكر اسـم الله في بـلد
شـريـعة الله لـمّت شـملـنا
وإن بكى مسلمٌ في الصين أبكاني
وفي الجزيرة تاريخي وعنواني
وأستريح إلى ذكرى خراسانِ
عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
وبَنَت لنا معالم إحسانٍ وإيمانِ
القضية يا عباد الله ..
ليست قضية من أنا ؟!..
القضية يا عباد الله ليست ..
قضية من أنا ؟!..
لكن القضية ..
قضية إسلام يُنتهك هنا وهناك ..
ونحن لا زلنا نقول : أنت ابن من ، وتنتمي إلى من ؟!..
بلال ..حبشي ..
وصهيب ..رومي ..
وسلمان ..فارسي ..
وصلاح الدين ..كردي ..
والبخاري ..بخاري ..
وغيرهم ، وغيرهم ..
سطَّر التاريخ أسماءهم ..
ليس لانتمائهم ، ولا لأصولهم ..
ولكن لأفعالهم ..
العالم الغربي ساد وشاد ، وبلغ بعلومه القمر ، والكواكب ، والنجوم ..
ولا زلنا نقول : أنت ابن من ؟!..
ولا زلنا نقول : أنت ابن من ؟!..
إنَّ الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ..
إنَّ الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ..
هم ارتقوا ..
ونحن تأخرنا لأننا عدنا إلى الجاهلية التي جاء الإسلام ليخرجنا منها ..
عن محمد بن سعد إنَّ حكيم بن حزام رضي الله عنه بكى يوماً فقال له ابنه :
ما يبكيك أبتاه ؟!..
قال خصال كلها أبكتني ..
أما أولها فتأخر إسلامي حين سُبقت في مواطن كلها صالحة ..
ونجوت يوم بدر و أحد فقلت : لا أخرج أبداً من مكة ولا أوضع مع قريش ما بقي ..
فبقيت في مكة ويأبى الله إلا أن يشرح صدري للإسلام ، وذلك أني نظرت إلى بقايا قريش لها أسنان متمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية فأقتدي بهم ..
ويا ليتني لم أقتدي بهم ..
ويا ليتني لم أقتدي بهم ..
ما أهلكنا _ والله _ إلا الاقتداء بآبائنا ، وكبرائنا على غير حق ..
وصدق الله حين قال:{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } ..
عباد الله ..
ومما ورثت مجتمعاتنا وفي الجزيرة خاصة ما يجري من بعض الناس _ ويا للأسف_ من التفريق بين ما يسمى القبيلي والخضيري ..
وأصبح شغل الناس الشاغل ..
هذا له أصل ..
وهذا لا أصل له ..
سلم منا اليهود والنصارى ..
ولم نسلم من بعضنا البعض ..
وأصبح هذا هو المقياس ..
ومع الأسف الشديد ..
أنَّ هذا يقع حتى من بعض المنتسبين إلى العلم والصلاح ..
للأسف الشديد ..
أنَّ هذا يقع حتى من بعض المنتسبين إلى العلم والصلاح ..
فأصبح المجتمع ..
لا يزوج بعضه بعضاً ..
ويرى البعض البعض دونهم في المنزلة ..
ويصفون الناس بصفات لا تليق ..
ولا ريب ولا شك أنَّ هذا ..
مخالف للنصوص الشرعية ..
ومخالف لمفاهيم الدين التي جاءت ..
لتجمع الكلمة ..
وتوحد الصف ..
وتساوي بين المسلمين ..
لقد فرط الناس _ عباد الله _ في أسباب عزهم وكرامتهم من ..
طاعة لله ..
وتقواه ..
وحفظ كتابه ..
والإخلاص له ..
وتطبيق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..
وفرطوا في الأعمال الصالحة التي فيها ..
يتنافس المتنافسون ..
ولمثلها يعمل العاملون ..
واستبدلوه بما يذلهم ويجلب العداوة بينهم ..
والذي فيه العودة إلى حطام الجاهلية العمياء ، والتعصب للجنس واللون ..
أما علم المتعصبون للنسب أنَّ الله خلقنا ليختبرنا على حسن أعمالنا كما قال هو سبحانه : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ ( نسبا !!) } .. بل { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } ..
أما علموا أنَّ الله جعل مقياس القبول هو ..
التقوى ..
لا الشعارات التي يرفعونها ..
كما قال الله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ..
كنا نتوقع أن طلبة العلم والصالحين هم أبعد الناس عن هذا التعصب الأعمى ..
ولكن من المحزن والمؤسف ..
أن نرى بعضهم يتزعمون هذه الأفكار الدنيئة ..
تناسوا قوله صلى الله عليه وسلم :
( من بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه ) رواه مسلم ..
فيا ليت المتعصبين للأحساب والأنساب ، يعرفون مضمار السباق الحقيقي لا المزيف الذي يعيشونه ..
أبي الإسلام لا أبا لي سواه إن افتخروا بقيس أو تميم
عباد الله ..
ومن جراء هذا العصبية ظُلم كثير من أفراد المجتمع ظلماً ظاهراً ..
وخاصة النساء والفتيات ..
اللاتي أصبحن ضحايا هذه الحروب القبلية في كثير من المناطق عندنا ..
فمحرّم عليها أن تتزوج ..
إلا من ابن عمها ..
حتى ولو كان أفجر الفاجرين ..
ويُرد من أتى لخطبتها ..
لأنه ليس فصيلتنا ..
حتى لو كان أتقى العابدين ، وأفضل الزاهدين ..
فهو حقير ذليل ليس له أصل ، أو أنَّ أصلنا يفوق أصله ..
أصبحت الفتاة هي الضحية ..
بل يرى أهل التعصب ..
أنَّ الرجل يحق له أن يتزوج ممن هي أقل منه ..
لكن يستحيل ذلك على الفتاة ..
ألا ترون عباد الله ..
أنَّ هذا يخلق جواً من العداء ، والحساسية ..
ويولد جواً من الحقد ، والحسد بين أفراد المجتمع الواحد ..
وما جاء الإسلام ليقرَّ هذا ..
ما جاء الإسلام ليقرَّ هذا ..
بل والله ..
من أجل التعصب والجاهلية ضربوا بعرض الحائط ..
الأدلة والبراهين من الكتاب والسنة ..
وحرفوها إلى ما يناسب هذا التعصب وهذه الجاهلية ..
فلو قيل لهم إن الله يقول : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } قالوا : هذا في الآخرة وليس في الدنيا ..
وعلى هذا يكون أبو جهل القرشي الكافر المشرك خير من بلال الحبشي المسلم المؤمن ..أليس كذلك ؟!..
ثم يستدلون بأدلة ليس لها من الصحة شيئاً ..
ولا يُعمل بها لضعفها ومنها قولهم :
( تخيروا لنطفكم فإنَّ العرق دسَّاس ) هذا ضعيف لا يُعمل به ..
والأصح منه ما قال صلى الله عليه وسلم :
( تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الأكفَّاء ) ..
( تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الأكفَّاء ) صححه الحاكم ..
ولو على فرض أن قلنا أنَّ العرق دسَّاس ..
فالمقصود تخيروا الصلاح وبيوت الصلاح ، لا بيوت الفاسد كما قال صلى الله عليه وسلم :
( إياكم وخضراء الدمن ) ..
قالوا : وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟..
قال :
( المرأة الحسناء في المنبت السوء ) ..
اسمع كيف يضربون بالأدلة الشرعية عرض الحائط ولا يبالون ..
عشرات المرات تأتي مثل هذا الاتصالات من الفتيات المظلومات ..
قالت لي : تقدم لي صاحب الأخلاق والدين وممن يشهد الجميع بصلاحه ..
فرده أبي لأنه ليس من قبيلتنا _ كما قال _ ..
وبلهجته التي يتلكم بها هذا ليس منا ولا فينا _ كما يقول _ ..
قلت : أبي ..هو حافظ للقرآن ، ومحافظ على أوامر الرحمن ..
قال : قرآنه له ..
فقال : قرآنه له ..
أما أنا فأريد الأصل والفصل ..
وليته سكت ..
وليته سكت ..
بل زاد وقال : لو أتاك سكيّر ، عربيد ، قاطع طريق ؛ من قبيلتنا تتزوجيه رغم أنفك ..
تتزوجيه رغم أنفك ..
وأخرى تقول : تقدم لي منذ ثلاث سنوات من عُرف عنه الصلاح والفلاح فوافق أبي واعترض أخي لهوىً في نفسه ..
ثم عاد وطلبني مرة ثانية بعد ثلاث سنوات ما تقدم لي فيها أحد ..
تزوجت صويحباتي ، وأنا في البيت تمر عليَّ السنوات ، فرده مرة ثانية وقال _ قال الأب _ أنا لا أريد أن أخسر ولدي ..
أنا لا أريد أن أخسر ولدي ..
الله أكبر ..
أما هي فتخسرها !!..
أما هي فلا بأس أن تخسرها لأنها لا قيمة لها !!..
القيمة للولد ، ولا قيمة للفتاة ..
هل هذا هو العدل والانصاف !!..
هل هذا هو العدل والانصاف الذي أمرنا الله به !!..
{ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} ..
وصاحبة مأساة أخرى تقول باكية : يريدون تزويجي من ابن عمي وهو معروف عنه أنه لا يصلي ، ولا يصوم ، وأنا حافظة للقرآن ..
قلت : ألا يوجد مستقيم بين أخوانك !..
قالت : بلى ..ليته لم يوجد ..
قالت : بلى ..
قلت : عرضت عليه الأمر !..
قالت : عرضت عليه الأمر ..
فقال : لعل هدايته على يديك ..
لعل هدايته على يديك ..
يخاطرون بي ..
تقول : يخاطرون بي ، وبديني ، وبقرآني من أجل عاداتهم وقبليتهم ..
تقول : أقسم بالله إني أكرههم واحداً واحداً ..
تقول باكية : أقسم بالله إني أكرههم واحداً واحداً ..
إنهم يرضون أنفسهم ، وقبليتهم على حساب سعادتي أنا ..
هل تلومونها !!..
لوموا أنفسكم يوم أن سكتنا على هذا الظلم والعار ..
وآخر ردَّ صاحب الأخلاق والدين وقيل له في ذلك فقال : دينه له ..
فقال : دينه له ..
ثم قال وزاد : ماذا سأقول للناس ..
ماذا سأقول للناس إذا قبلت به ..
الله أكبر ..
وماذا ستقول لربّ الناس ؟!..
ماذا ستقول لربّ الناس حين يسألك : أتاك من يحمل ديني ، ويتزين بأخلاق الإسلام فرددته إرضاء لفلان وفلان ؟..
أما قال صلى الله عليه وسلم :
( من ابتغى رضا الله في سخط الناس ..
رضى الله عنه وأرضى الناس عنه ..
ومن ابتغى رضا الناس في سخط الله ..
سخط الله عليه وأسخط الناس عليه ) ..
عباد الله ..
البنت ليست سلعة ..
وعقد الزواج ليس صفقة تجارية ..
والعاقل هو الذي يبحث عمن يسعد ابنته ..
ولا يكون ذلك إلا بالمواصفات التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) ..
قالوا : يا رسول الله وإذا كان فيه ما كان ؟!..
قال :
( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ) ..قالها ثلاث مرات ..
هذا هو المقياس في نظر الإسلام ..
فكفاءة المرء منوطة ..
بكمال ..
خلقه ..
ودينه ..
لا بماله ..
لا بمنصبه ..
لا بحسبه ..
كما قال الله : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } في الدنيا وفي الاخرة ، لا كما يزعمون ..
فكفاءة الدين ، والخلق ..
هي المرجح الأول لقبول الخاطب ..
أما كفاءة الوسط الاجتماعي التي تتحدد بالمال ، والمنصب ، والنسب ..
فلا يصح بحال من الأحوال أن تُقدم على دين ربّ العالمين ..
لا يصح ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تقدم العادات على ميزان ربّ العالمين ..
فإنه حينها يكون تغليباً للاعتبارات الوثنية الجاهلية على اعتبارات الإسلام بمثله العليا ..
وهو من الفتنة والفساد الكبير الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم ..
وأي فتنة _ عباد الله _ أعظم ..
وأي فساد أكبر ..
حين توضع الفتاة المؤمنة بين يدي رجل متحلل ..
لا يعرف للدين قيمة ..
مفرط في الصلوات ..
متهاون في الطاعات ..
فكم من فتاة أصبحت مستهترة بدينها وعقيدتها ، نبذت الفضيلة والأخلاق ، وطرحت الشرف يوم أن تزوجت بذلك الذي لا دين فيه ولا خُلق ..
ولك أن تتخيل ماذا ستنتج لنا هذه البيوت ..
وأي رجال أو أبطال سيربون لنا ويخرّجون ..
عباد الله ..
لا بد من تصحيح المفاهيم ..
ولا بد من تصحيح الموازين ..
عند البخاري من حديث سهل بن سعد قال :
مرَّ رجل علينا ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لرجل عندنا : ( ماذا تقول في هذا الرجل ؟!) ..
قال : يا رسول الله هذا من أشراف أهل المدينة ..
هذا من أحسنهم حسباً ونسباً ..
هذا من أكثرهم مالا ..
هذا حري ..
إن خطب يخطب ..
وإن تكلم يُسمع ..
وإن شفع يُشفع ..
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ..
ثم مرَّ رجل آخر فقال للرجل نفسه :
( فماذا تقول لهذا الرجل ؟!) ..
قال يا رسول الله : هذا من فقراء الأنصار ..
هذا لا حسب ولا نسب ..
هذا حري ..
إن خطب ما يُخطب ..
وإن تكلم ما يُسمع ..
وإن شفع ما يُشفع ..
فقال الصادق المصدوق :
( هذا _ يعني الفقير اللي لا حسب ولا نسب _ هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا ) ..
هذا _ الذي في نظرك الذي إذا تكلم ما يسمع ، وإذا شفع ما يشفع ، وإذا خطب ما يخطب ..( هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا ) ..
عجيب أمرنا ..
أصبح عندنا من التعصب ، والانتصار والغيرة على عادات القبيلة أكثر مما هو على الدين وأعراض والمسلمين ..
أخبرني صاحب لي أنَّ عمه زوَّج ابنته على شاب صالح من قبيلة أخرى ، فثارت ثائرة بني عمومتها ، فجاء أحدهم ووضع السلاح على رأس ذلك الشاب حتى طلقها ..
وضع السلاح على رأسه حتى طلقها ..
الله أكبر ..
أين شجاعتك ؟!..وأين سلاحك الذي ثار من أجل الجاهلية !!..
أين أنت عن أعراض المسلمات التي تنتهك في العراق وفلسطين والشيشان ..
أين أنت وشجاعتك حتى تدافع عن الأعراض المنتهكة في كل مكان ..
أما عن العادات والجاهلية والقبلية فعندنا استعداد أن نثور ونتقاتل ..
سلم اليهود والنصارى من سيوفنا ..
ولم يسلم أخواننا منها ..
سلمت أعراض اليهود والنصارى من ألسنتنا ..
ولم تسلم أعراض المسلمين منها ..
العين تبكي من مصابك أمتي فإلى متى يا أمتي ننعاك
شتات ، وتناحر ، وتكبر ، وانشغال بتوافه الأمور ..
وأعداؤنا يفعلون بنا ما يفعلون ..
عباد الله ..
لن ننتصر على الجاهلية ..
إلا إذا قوي في قلوبنا الإيمان ..
لن ننتصر على الجاهلية ..
إلا إذا قوي في قلوبنا الإيمان ..
فالإيمان هو القوة التي أزالت الجاهلية بكل ما فيها ..
واسمع معي الأخبار ..
أطلت عليكم ..
لكن الأمر مهم ..
والحاضر لا بد يبلغ الغائب ..
قال الله جل في علاه :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } ..
سبب نزول هذه الآية ..
روى قتادة وابن عباس ومجاهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش _ وكانت بنت عمته _ فظنت أن الخطبة لنفسه ، فلما تبين أنه يريدها لزيد _ عبد من عبيدهم ، مولى من مواليهم _ كرهت ، وأبت ، وامنتعت ، وامنتع أخواها لنسبها من قريش ، وأن زيداً كان بالأمس عبداً ..
فنزلت الآية ..
فقال أخواها للنبي صلى الله عليه وسلم : مرني بما شئت .. مرني بما شئت ..
فزوجها من زيد ..
قال أهل العلم الراسخين :
وفي هذه الآية دليل بل نص في أن ..
الكفاءة لا تعتبر في الأحساب ..
وإنما تعتبر بالدين ..
ودليل ذلك أن الموالي العبيد تزوجت من قريش أشرف القبائل ، ومن أحسنها نسباً ..
فتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير ..
وزوَّج أبو حذيفة مولاه سالماً من فاطمة بنت الوليد بن عتبة ..
وتزوج بلال الحبشي أخت عبد الرحمن بن عوف ..
بل تقول السير أن بلالاً تزوج من أربع من القرشيات ..
أنَّ بلال العبد الحبشي زوّج من أربع من القرشيات ..
يوم أن كان الميزان ..
هو التقوى ..
انتصر الإيمان ..
فالله أمرنا بطاعته وطاعة رسوله ..
والله أخبرنا أننا أخوة في الإيمان وأنه خلقنا { شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } ..
وأن الميزان هو ..
ميزان التقوى ..
فما بال أقوام يُقال لهم: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }..فلا يبالون ..
ويُقال لهم : إذا أتاكم صاحب الخلق والدين فزوجوه ..فيقولون : بل نزوّج من أصله وفصله ..
ولو خالف أحدهم عاداتهم وتقاليدهم قاطعوه وهجروه ..
ألا {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}..
اسمع كيف انتصر الإيمان ..
أخبرني أحد الثقات الذين أعرفهم عن رجل فاضل من قبيلة معروفة ..
رجل عُرف عنه الصلاح ، والمحافظة على الحضور للمسجد للصلوات ..
وكان قد تميز في مسجدهم شاب صغير ، أسمر اللون ، يشع نور الإيمان من وجهه ..
يؤمهم في الصلوات ..
يقيم لهم الدروس والكلمات..
فأعجب الرجل به لدينه ، وأخلاقه ، وإيمانه ..
فجاءه يوماً وقال له : عندي بنيات صغيرات جميلات ، فما رأيك أزوجك إحداهن ؟..
فقال : ولكنني لا أملك شيئاً من المال ، ولست من بني فلان أو من بني فلان ..
فقال الرجل الفاضل : والله ما اخترتك لأنك ابن فلان أو ابن فلان ..
ولكنني أخترتك لدينك ، وإيمانك ، وأخلاقك ؛ فعلى بركة الله ..
فزوجه ..
وسمع رجال قبيلته من بني عمومته وغيرهم بذلك ..
فأزبدوا ، وأرعدوا ، وهددوا بمقاطعته ، وعدم الزواج من بناته ..
فأعلناه صريحة لكل هؤلاء :
من رضي بما رضي به الله ورسوله فأهلاً وحيَّا وهلا ..
ومن لم يرضَ فلا أرضاه الله ..
من رضي بما رضي الله به ورسوله فأهلاً مرحباً ..
ومن لم يرضَ فلا أرضاه الله ..
نحن لا نريد مشاكل ، ولا مشاحنات ..
ولكن إلى متى ينتصر الباطل ويسكت أهل الحق عن نصرة الحق ..
ألا ترون أن هذا من أسباب الهوان !!..
عباد الله ..
إن مفهوم الأمة الذي يجب أن نفهمه اليوم ..
أمة تربط أفرادها رابطة العقيدة ..
وليس الدم والنسب ..
فيتحد شعورهم ..
وتتحد أفكارهم ..
وتتحد قبلتهم ووجهتهم ..
ولاؤهم لله ..
وليس للقبيلة ..
احتكامهم للشرع ..
وليس للعرف والجاهلية ..
{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ..
عبد الله ..
حتى تعرف أن الكل عند الله سواسية ..
ألم ترَ منظر الحجيج يوم الحج الأكبر !!..
ألم ترَ منظر الحجيج يوم الحج الأكبر !!..
بلباس واحد ..
بنداء واحد ..
( كلكم لآدم وآدم من تراب ) ..
أليست هذه الكلمات التي أطلقها نبينا في ذلك المكان !!..
قال علي رضي الله عنه :
الناس من جهة الآباء أكفاء
فإن يك لهم من أصلهم شرف
وقيمة المرء ما قد كان يحسنه
فقم بالعلم ولا تقبل له بدلاً
أبوهم آدم ، والأم حواء
يفاخرون به فالطين والماء
والجاهلون لأهل العلم أعداء
فالناس موتى،وأهل العلم أحياء
آخر الكلام ..
إن قوتنا وعزتنا في..
الاعتصام ..
والاجتماع ..
ونبذ الفرقة وأسبابها ..
يذكر جماعة من النمل رأت جملاً قائماً ..
فقالت أحداهن : تفرقن عنه لا يحطمنّكم بخفه ..
فقالت حكيمة منهن : اجتمعن عليه فاقتلنه ..
اجتمعن عليه فاقتلنه ..
فاتقوا الله عباد الله ..
وأصلحوا ذات بينكم ..
اتقوا الله عباد ..
الله وأصلحوا ذات بينكم ..
وعودوا إلى دينكم ..
وافهموا إسلامكم ..
وحققوا توحيدكم ..
و { اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ..
ما أحسن أن نكون ..
كأسنان المشط ..
وكالبنيان المرصوص ..
متحابين ،بعيدين عن هذه النعرات والجاهليات التي ما أنزل الله بها من سلطان ..
اللهم طهر قلوبنا من النفاق ..
وأعمالنا من الرياء ..
وألسنتنا من الكذب ..
وأعيننا من الخيانة ..
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين ، وقاعدين ، وراقدين ..
اللهم اجمعنا على الإسلام ، وطهر قلوبنا من الجاهلية وأهلها يا ربَّ الأنام..
و الله من وراء القصد ، وهو الهادي إلى سواء السبيل ..
اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا ..
أصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ..
آمنا في أوطاننا ، أصلح أئمتنا وولاة أ مورنا ، اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربّ العالمين ..
اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا يا حي يا قيوم ..
عباد الله ..
{ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بَالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِيْ القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعْلَكُمْ تَذَكَّرُونَ } .
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروا على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله ما تصنعون..
للاستماع للمحاضرة على الرابط :
http://www.islamcvoice.com/mas/open.php?cat=9&book=1960&PHPSESSID=c941bebbf4f10023e5bc6fd5f7e3c277