سلام نجم الدين الشرابي-
من منا يطبق هذه المقولة العظيمة لنبي الله يوسف بن يعقوب عليه السلام التي رد بها على سائل سأله متعجباً حين رآه يأكل خبز الشعير في زمن المجاعة فقال له: أتجوع وبيدك خزائن الأرض؟
فأجابه عليه السلام: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.
وبين زمن يوسف عليه السلام وزمننا أزمان عدة، مررنا فيها بكثير من الحروب والمجاعات، منها مجاعة نشهدها الآن؛ مجاعة تجتاح إفريقيا الشرقية وتهدد قرابة 12 مليون شخص، منهم حوالي 564 ألفاً يواجهون خطر الموت، فيما تغص موائدنا الرمضانية بأطياب الأطعمة.
وكم تخجلنا كلمات الدكتور سلمان العودة التي عبر فيها خير تعبير عما يحدث الآن من مفارقة مؤلمة بقوله: "في الوقت الذي تحتار فيه لاختيار طبق الطعام، فإن الأم الصومالية تحتار في اختيار الابن الذي تعطيه القليل من الطعام ليموت الآخر!" لنواجه أنفسنا بمقولة يوسف عليه السلام، ونكتشف أننا قد شبعنا وشبعنا حتى نسينا الجياع الذين أرداهم الجوع في القبور. نحتاج إلى وقفة مع النفس وعودة صادقة نتدبر فيها الهدف من عبادة الصيام التي فرضها الله علينا.
يقول أحمد شوقي عن الصوم: "هو حرمان مشروع وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع. لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة. يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، يكسر الكبر ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المنع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوع كيف ألمه إذا لذع".
ولا ننكر في كلامنا أهمية الطعام ومكانته، فقد قال المأمون سبعة أشياء لا تمل: أكل خبز البر، وشرب ماء العنب، وأكل لحم الضأن، والثوب اللين، والرائحة الطيبة، والفراش الوطيء والنظر إلى كل شيء حسن، فقال له الحسن بن سهل: أين محادثة الإخوان؟ قال: هن ثمان وهي أولهن.
ولكن الإسراف فيه وإضاعة الكثير من الوقت لإعداده هو ما نستنكره يقول أبي العتاهية:
ننافس في طيب الطعام وكله سواء إذا ما جاوز اللهوات
وقيل للشعبي أي الطعام أحب إليك؟ قال ما صنعه النساء وقل فيه العناء.
ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: " حسن التقدير في المعيشة أفضل من نصف الكسب"
ونختم كلامنا بقول الحق الله عز وجل : } يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{ الأعراف/