مجدي محمد عطية
تجتمع في شهر رمضان مميزات لا تجتمع في غيره من الشهور، ويزهو شهر الخيرات على سائر الشهور بمجموعة من الفضائل التي لا تتوفر في غيره، فهل لنا أن نتعرف على هذه الفضائل، ونتوقف مع هذه الخصائص، ونتحدث عن هذه المميزات لتكون دافعا لنا للتسابق لفعل الطاعات، وللتنافس في عمل الخيرات، و لحشد الطاقات، ورفع الهمة، لنبتعد عن اقتراف الذنوب أو ارتكاب المنكرات أو فعل المخالفات.
ومن فضل الله تعالى ورحمته بعباده أنه فضّل بعض الأيام على بعض، أو بعض الشهور على بعض، ثم أرشدنا ودلّنا على هذه الفضائل لا لشيء، إلا لتمام الاستعداد، وكمال الترحاب؛ لنيل العفو والغفران، فقد فضّل الله سبحانه وتعالى شهر رمضان على سائر الشهور؛ لنستثمر هذا الموسم العظيم للتقرب إلى الله تعالى فيه بأنواع الطاعات؛ لننال مغفرة الذنوب ورفع الدرجات ومضاعفة الحسنات.
حسن التهيئة وقوة الاستعداد:
وكان السلف الصالح يحسنون استقبال هذا الشهر الفضيل، فيعتنون فيه بالتزود من الطاعة، ويتفرغون في معظمه لقراءة القرآن والعبادة؛ لأنهم عرفوا خصائصه وفضائله، ولأنهم عظموا الرب سبحانه وتعالى، وعلموا أن الدنيا فانية والعمر قصير، فالعمل الصالح هو النافع، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
وشهر رمضان ضيف عزيز وشهر كريم، يأتي مرة واحدة في العام، فينبغي أن نحسن استقباله بمزيد من الجهد والترحاب والاهتمام، والاستعداد له بتهيئة الجوارح وتقويتها، والتشمير عن ساعد الجد والاجتهاد. و كان صلى الله عليه وسلم يزف لأصحابه البشرى ويهنئهم بقدوم شهر رمضان؛ لما خصّه الله تعالى بفضائل كثيرة وخصائص عديدة، منها:
1ـ أنه شهر القرآن:
فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فيجب علينا الإكثار من تلاوة القرآن وتفهمه وتدبره ومدارسته والتحاكم إليه، والعمل به حتى يكون خلقاً وسجية وطبعاً، كما ورد في وصف خلقه صلى الله عليه وسلم: "كان خلقه القرآن"رواه مسلم.
2ـ شهر ليلة القدر:
قال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر)، وفي الحديث: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).
3ـ شهر فتح أبواب الجنة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين" متفق عليه.
4ـ شهر تزين الجنة:
يزين الله في كل يوم جنته، ويقول: "يوشك عبادي الصالحون أن يُلقوا عنهم المؤنة والأذى، ثم يصيروا إليك" رواه أحمد بإسناد ضعيف، وله شواهد.
5ـ شهر المراقبة:
إنه شهر الله، وهو وحده المطلع على صيام العبد، والجزاء فيه منه سبحانه: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" (متفق عليه).
6ـ شهر المجاهدة:
"فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم" رواه البخاري ومسلم، والجهاد مراتب منها: جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار والمنافقين، ومن لم ينجح في جهاد نفسه والشيطان خصوصاً في رمضان؛ فلن ينجح في جهاد الأعداء أو المنافقين، لأنه شهر تربية النفس على الفضائل والبعد عن الرذائل وحفظ اللسان عن الآفات.
7ـ طيب فم الصائم:
لقوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" متفق عليه.
8ـ شهر الشفاعة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه" رواه أحمد، وصححه الشيخ شاكر، والألباني.
9ـ شهر التوبة:
فهو سبب لمغفرة الذنوب، والبعد عن النهار، وفرصة ثمينة للمذنبين والمتبعين للشيطان، أن يبادروا بالتوبة والرجوع والإنابة إلى الله، الندم على ما فعلوا، والعزم على ألا يعودوا لارتكاب المعاصي مرة أخرى، ويجتهدوا في الصيام والقيام ويقبلوا على سائر الطاعات وفي الحديث: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وفي الحديث الآخر: "من قام...."، وفي الثالث: "من قام ليلة القدر..." والأحاديث الثلاثة متفق عليهم.
10ـ شهر المغفرة وتكفير الذنوب:
ففي الحديث المتفق عليه: "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" رواه مسلم. "ويغفر الله للصائمين في آخر ليلة من رمضان، وتستغفر الملائكة للصائمين كل يوم حتى يفطروا" رواه أحمد بإسناد ضعيف، وله شواهد.
11ـ شهر القيام:
القيام سبب للمغفرة، ففي الحديث: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه، ويجوز الاختلاف في عدد ركعات القيام، لأن الأصل فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى" متفق عليه، والأفضل الحرص على ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع الاهتمام بالخشوع وتدبر الآيات المتلوة واحتساب الأجر، أما زيادة عدد الركعات إلى عشرين مع خفة القراءة، فهو سبب لفقدان الخشوع، ويجوز زيادتها في العشر الأواخر في التهجد مع الاهتمام بما سبق ذكره.
12ـ شهر النية والإخلاص والاحتساب:
"لا يصوم عبدٌ يوماً في سبيل الله؛ إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفاً" رواه الجماعة إلا أباداود. ولا بد للصيام والقيام وسائر الأعمال من نية خالصة يبتغي بها العبد وجه الله وحده، وتكون النية للصائم قبل الفجر، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" رواه أصحاب السنن، وصححه الألباني.
13ـ شهر الصبر:
وتعويد النفس على الفضائل وإبعادها عن الرذائل، والصيام يجمع أنواع الصبر الثلاثة، صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على ألم الجوع والعطش، وفي الحديث: "أنّ الصوم نصف الصبر" رواه الترمذي وضعفه الألباني، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من باهلة: "صم شهر الصبر" رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وفي صحيح الجامع.
14ـ شهر التربية:
فالصوم مدرسة تربوية إيمانية، تربي النفس على الأخلاق الفاضلة والبعد عما يفسد الصوم، ففي الحديث: "من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه الجماعة إلا الإمام مسلم.
15ـ شهر الضبط:
والانضباط وحفظ اللسان والجوارح عما يغضب الله تعالى، فهو سبحانه لا يعذبنا بالصيام أو القيام، بل يعودنا إذا أمسكنا عن الحلال في نهار رمضان؛ فيجب علينا أن نمسك في المساء ودائماً عن المحرمات، ونحفظ ألسنتنا وجوارحنا عما يغضبه سبحانه، وفي الحديث: "ربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر" رواه النسائي، و صححه المنذري والهيثمي، والألباني.
16ـ شهر التقوى:
وهي ثمرة الصيام، وهدفه الأسمى، ففي الآية: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة: 183). وفي رمضان يزداد تمسك المسلم بالتنزيل، ويزداد خوفه من الجليل، ويقنع بالقليل، ويستعد ليوم الرحيل.
17ـ شهر الجهاد والانتصارات:
فقد وقعت الانتصارات الكبرى في رمضان كغزوة بدر وفتح مكة ومعركة حطين وعين جالوت؛ وذلك لأنّ المسلمين مهيؤون فيه أكثر لتحقيق النصر؛ وهذا لأنهم قد تربوا في مدرسة الصيام فنصروا الله تعالى فنصرهم كما في قوله تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" (محمد:7)، فهم قد أكثروا من الدعاء، وأحسنوا استغلال ساعات الإجابة، واهتموا بتربية أنفسهم وإلزامها بالمواظبة على فعل الطاعات وعمل القربات وترك المحرمات، وتحلوا بالصبر والفضائل، وبعدوا عن المنكر والرزائل، وحافظوا على إقامة الصلاة وصلة الأرحام، وداوموا على البذل والإنفاق، وأحيوا القيام بالليل، وعملوا بالقرآن وتدبروا آياته وبهذا تتحقق في رمضان أكثر من غيره عوامل النصر كما ورد في قوله تعالى: "ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقوي عزيز" (الحج:40).
18ـ شهر الجود والكرم والصدقة:
"فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان" رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة في رمضان" ضعفه السيوطي والألباني.
19ـ شهر الإطعام:
يقول تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" (الإنسان: 7) وقال صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائماً كان له مثل أجره.." رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني.
20ـ شهر الاعتكاف:
أي الانقطاع للعبادة والتفرغ للطاعة والذكر والدعاء والاستغفار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً.." رواه البخاري.
21ـ شهر العمرة:
"والعمرة في رمضان تعدل حجة" كما في الحديث الذي رواه الشيخان.
22ـ شهر الجماعة:
فيشعر المسلم به بارتباطه بجماعة المسلمين، ويتحقق فيه الشعور بالجسد الواحد، فالكل في بلد واحد يمسكون معاً ويفطرون معاً ويصلون معاً، ويبذلون النصح والمعروف، ويتعاونون على البرّ والتقوى.
23ـ شهر الدعاء:
قال صلى الله عليه وسلم: "للصائم عند فطره دعوة لا ترد" راجع صحيح ابن ماجه، وكان يدعو صلى الله عليه وسلم عند إفطاره: "ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله" راجع صحيح أبي داود.
24ـ شهر الفرح:
قال صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه" متفق عليه، وهذا الشعور لا يأتي إلا للصائم المجاهد لنفسه، المجتهد في طاعة ربه.
25ـ شهر البركة:
التي تلتمس في السحور كما قال صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة"متفق عليه، وهذه البركة تظهر لمن يتسحر بأن لا يشعر بالإرهاق أو المشقة في الصوم على الرغم من القيام بتكاليف العمل، أو ما تقوم به المرأة في العمل وأيضا في المنزل، ولكي نلتمس المزيد من البركة فعلينا اتباع السنة في استحباب تأخير السحور.
26ـ شهر التغيير و تقوية الإرادة:
ففي رمضان يمتنع المسلم برغبته عن المباحات التماسا لمرضاة الله تعالى، فيمتنع عن أمور هي في الأصل حلال ، فيحرم على نفسه ـ برغبته وطلبا للأجرـ في طوال نهار رمضان الطعام والشراب والشهوة، مع التخلق بالأخلاق الفاضلة كل هذا يقوي الإرادة، و يشعر أنه مسلم قوي فمادام امتنع عن المباحات، فيمكن أن يمسك نفسه ويمنعها عن المحرمات فيما بعد، ففي رمضان فرصة عظيمة لمن يريد أن يدرب نفسه ويهذبها، ويبعدها عن كل ما يغضب الله تعالى، وفرصة لترك المحرمات.
إذن فهذا شهر اجتمعت فيه هذه الفضائل وامتاز بتلك الخصائص فهو موسم للطاعة، يجب علينا أن نحسن استقباله، ونجتهد فيه بفعل الخيرات والبعد عن المنكرات، ونغتنم أوقاته ونعمرها بالأعمال الصالحات، ونسأل الله سبحانه وتعالى القبول والمغفرة والعتق من النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.