بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فالمسلم حين يصوم نهار رمضان ، يصوم فمه عن
الطعام والشراب وتصوم أعضائه وجوارحه عن كل معصية ، ثم يقوم ليلة رمضان ،
مصلياً فتسمو نفسه ، وترقى ، وتسعد بربها ، عندئذ يكون الصائم قد أقترب من
معاني ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر والدعاء مستجاب ، ممن استجاب
لله ورسوله ولا سيما في هذه الليلة قال تعالى:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ (60)﴾
( سورة غافر: 60 )
واستنباطاً من هذه الآية ، قال عليه الصلاة والسلام: الدعاء هو العبادة.
فالمسلم حينما يدعو الله عز وجل ، كما ينبغي
إن يدعوه ينطلق من أن الله تعالى ، يسمعه ، ولو ناده نداءاً خفياً ، وأن
الله تعالى رءوف به رحيم ، وأنه عليم به وخبير ، وأنه جل جلاله على كل شيء
قدير ، لهذا يعد من يدعو الله حقاً على علماً ومعرفة به.
أيها الأخوة المشاهدون:
وما دام الصائم قد ذاق حلاوة القرب في شهر
رمضان ، فهو سيتجه بالشكر لله عز وجل، على ما أولاه من نعم المعرفة والقرب
وهنا يناسب أن يقول الله عز وجل عقب آيات الصيام:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾
( سورة البقرة: 186 )
أيها الأخوة الكرام:
قال الله تعالى:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي﴾
ولم يقل وإن سألك لأن إذا تفيد تحقق الوقوع ،
بينما إن تفيد احتمال الوقوع أي أن من لوازم معرفة الله عز وجل ، والوصول
إليه والتنعم بقربه ، التوجه إليه وحده ، بالسؤال والدعاء ، وهذه هي حقيقة
التوحيد.
فقد قال عليه الصلاة والسلام: ثلاثة لا ترد دعوتهم ، الصائم حتى يفطر
والإمام العادل، ودعوة المظلوم ، يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب
السماء.
ويقول الله عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين.
أخرجه الترمذي ، وابن ماجه ، والإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة.
أيها الأخوة المشاهدون:
لو تأملتم في آيات القرآن الكريم ، لوجدتم مادة السؤال ، ورد في جوابه قل.
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾
( سورة البقرة: 219 )
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً (105)﴾
( سورة طه: 105 )
إلا في هذه الآية:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي﴾
إلا في هذه الآية وحدها فلم يرد في جوابه قل ، أشعاراً بأنه ليس بين العبد وبين ربه في سؤاله له ودعائه إياه وسيط.
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾
( سورة البقرة: 186 )
سئل عليه الصلاة والسلام أقريب ربك فنناجيه ؟ أم بعيد فنناديه لأن البعيد ينادى ، والقريب يناجى ، فنزل قوله تعالى:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾
وكلمة عباد أيها الأخوة ، غير كلمة عبيد ، فكل
من في الأرض من البشر عبيد لله عز وجل ، لأنهم مفتقرون في وجودهم ، وفي
استمرار وجودهم وخصائصهم وحاجاتهم ، ومقهورون في هذا كله إلى الله عز وجل ،
ولكن العباد هم الذين تعرفوا إليه ، والتزموا منهجه وتقربوا منه ، مبادرةً
منهم وبمحض اختيارهم ، وبدافع من حبهم له فالعبد الذي جمعه عبيد هو عبد
القهر.
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)﴾
( سورة فصلت: 46 )
بينما العبد الذي جمعه عباد ، هو عبد الشكر.
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾
أيها الأخوة المشاهدون:
ولكن لماذا قال الله عن ذاته [فإني قريب] ؟
قال [فإني قريب] ليشعر المؤمن أن الله معه في كل مكان ، وفي كل زمان ، وفي
كل حال ، وأنه ما عليه إلا أن يدعوه مؤمناً ومخلصاً ، والله يجيب دعوته
لكن الإنسان لضعف إيمانه ، أو لضعف توحيده ، يدعو غير الله لذلك قال
تعالى:
﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾
( سورة فاطر: 14 )
ولكن لماذا لا يستجاب الله أحياناً لمن يدعوه ؟ أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال.
قال عليه الصلاة والسلام: إن الرجل ليطيل
السفر ، أشعث أغبر ، يمد يده إلى السماء ، يقول يا رب ، يا رب ، ومطعمه
حرام وملبسه حرام ، وغذيه بالحرام ، فأنى يستجاب له.
رواه مسلم في صحيحه.
لذلك قال الله تعالى:
﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾
تؤمن به ، فتستجيب لأمره ، فيجيب دعائك ، ثم إن الله سبحانه وتعالى حينما ختم هذه الآية بقوله الكريم:
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾
أشار المفسرون إلى أنه لعلهم يرشدون إلى
الدعاء المستجاب أو إلى سعادة الدنيا والآخرة، وحينما لا يستجاب الدعاء ،
يعزى ذلك إما إلى فساد الداعي وانحرافه عن منهج الله، أو أنه ليس من الرحمة
والحكمة ، أن يستجاب له ، يدخر هذا له في الآخرة ، فلو كشف الغطاء لاخترتم
الواقع ، وعلى كل فحظ المؤمن من الدعاء الإجابة ، أو العبادة فالدعاء هو
العبادة ، بل هو مخ العبادة ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
أيها الأخوة المشاهدون:
أرجو أن الله سبحانه وتعالى أن تكونوا قد أفتم من هذه الموضوع وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.والحمد لله رب العالمين