فـي المقـــــابر يكرم المبدعون !!
بقلم :عادل بن حبيب القرين - الأحساء/
بينما كنت جالساً أحتسي كوباً من الشاي ((المُخَدَّر على نارٍ هادئة )) خطرت فـي بالي خاطرة أو مقال أو ... أو ...
وإنما هي مرثية الإبداع فـي الحقيقة والواقع ولكن ماذا نعرف نحن عن الإبداع ؟
يقول الأستاذ / منصور بن موسى السني فـي كتابه القيم "كيف تطور ذاتك وتقوي شخصيتك ؟ "
(الإبداع فـي اللغة: هو بدع الشيء أي أنشأه على غير مثال سابق .
والإبداع يأتي بالبديع أي أنشأه على غير مثال .
والإبداع أيضاً هو اختراع الشيء .
والإبداع فـي الأدب: هو الخروج على أساليب القدماء واستحداث أساليب جديدة
والإبداع عند الفلاسفة: هو إيجاد الشيء من عدم .
( وقال آخر هو إيجاد الشيء من لا شيء ). [1][1] وأما الإبداع فـي المصطلح الحديث فقد أختلف العلماء المعاصرون فـي تحديده .
إذ قال آينشتاين عن الإبداع بأنه: عملية تنتج عنها عمل جديد يرضي جماعة ما أو تقبله على أنه مفـيد .
وقال الدكتور عبدالرحمن عيسوي أن: الإبداع ليس مجرد محاكاة لشيء موجود, وإنما هو اكتشاف علاقات ووظائف جديدة, ووضع هذه العلاقات وتلك الوظائف فـي صورة إبداعية جديدة .
وقال أيضاً الدكتور طارق السويدان بأنه: النظر للمألوف بطريقة أو من زاوية غير مألوفة ثم تطوير هذا النظر ليتحول إلى فكرة ثم إلى تصميم ثم إلى إبداع قابل للتطبيق والاستخدام .
وكذلك قال فرانك برنس فـي كتابه ( الخروج من الصندوق ) عن الإبداع بأنه: هو العملية التي تؤدي إلى ابتكار وأفكار جديدة تكون مفـيدة ومقبولة اجتماعياً عند التنفـيذ وبعد صولة وجولة فـي الكتب والمراجع والبحوث ورد فـي فكري وخاطري: من المبدع ؟ من المبدع ؟ من المبدع ؟
لذا يظن بعض الناس أن الإنسان المبدع ولد هكذا مبدعاً, وهو مفهوم غير صحيح, ولكننا نقول بأن كل شخص يستطيع أن يبدع ويبتكر .
فالناس المبدعون: هم الذين لا يكبحون إبداعهم الفطري والذين يستخدمون قدراتهم الإبداعية فـي مختلف أوجه الحياة .
ولكن السؤال الذي قد يتبادر إلى ذهنك هو، ما هي صفات المبدعين ؟
ونجيب بأن العلماء قد صنّفوا للمبدعين الصفات التالية :
* واثقون بأنفسهم, ولا يضطربون و لا يحبون الروتين .
* لا يخشون الفشل ( فأديسون جرب 1800 تجربة قبل أن يخترع المصباح الكهربائي ) .
* مثابرون, مبادرون,متفائلون, مرحون, متواضعون, متفائلون .
* يتجاهلون تعليقات الآخرين السلبية, مبتعدون عن الأنا والأنانية .
* يبحثون عن الطرق والحلول البديلة بأسرع وقت, ولا يكتفون بحل أو طريقة واحدة .
* لديهم تصميم وإرادة قوية و لديهم أهداف واضحة يريدون الوصول إليها بأسرع وقت .
* يفضّلون التأمل والتفكير على اللغو والثرثرة و يكرهون العمل فـي مواقف تحكمها قواعد رجعية .
* قادرون على فهم دوافع الآخرين وكذلك قادرون على تنظيم العمل باستمرار بحب وتعاون .
* يمتلكون القدرة الكبيرة على تحمل المسؤولية لذا تجدهم متعددو الميول والاهتمامات .
* واسعو الأفق والخيال و دائمو التساؤل فهم يذهبون للعمل ومستعدون لبذل الجهد والعطاء دون ملل .
* يحبون التمعن فـي الأفكار الجديدة لذا تجدهم يحبون التجريب والمحاولة .
لا يميلون إلى التعصب أو التحامل سواءً بالنسبة للآخرين أو بالنسبة لرأي ما .
* تجدهم منظمين فـي كل حياتهم (البيت, العمل, السيارة ) .
* يتوقفون أحياناً عن حل المشكلات، ولكنهم لا يتوقفون عن التفكير فـيها .
* يستخدمون طرقاً غير مألوفة لدى الآخرين فـي إنجاز ما يكلفون به من أعمال .
* يقترحون أفكاراً قد يعتبرها الآخرون غير معقولة ومستحيلة لذا تجدهم كثيري التحليل والاستدلال .
* تلقى أفكارهم تجاهلاً أو معارضةً أو سخرية من بعض زملائهم, لذا لا يتكيفون بسهولة مع الآخرين .
* قد تبدو عليهم الرغبة فـي التفوق العلمي والأكاديمي لذا تجدهم يفضلون التنافس والتحدي .
* يتلقون أوامر من يفوقهم منصباً بالتساؤل والاستفسار, لذا تجدهم لا يحبون التقليد الأعمى .
* يحبون المجازفة والمخاطرة والمغامرة, لذا تجدهم يحبون التغيير والتجديد فـي كل شئ .
* يربطون بين خبراتهم السابقة وما يكتسبونه من خبرات جديدة, لذا تجدهم يقاومون التدخل الغير مبرر .
* لديهم استعداد تام لحل المشكلات مهما كانت معقدة أو صعبة فهم حازمون غير مترددين .
* يتأثرون ويؤثرون على من حولهم فهم يدركون الأشياء لا كما يدركها الآخرون) .[2][2]
وبعد تعب العمل, استلقيت على سريري علني أحظى بحلم سعيد يخفف عني ثقل الوزر الذي حملته فـي يومي .
ورحت فـي سبات عميق وحلمت بالشاعر والأديب المخضرم ( فايز التوش ) وقال لي: ماذا تقول يا فتى عن الإبداع؟
وهو يضحك بقهقهة عالية مما أثار عجبي منه, وقلت له: يا عم فايز ما بك تضحك! ما بك تضحك! فنظر إليَ بنظرة أبوية حانية وقال لي بني عادل: كم كانت حياتي كلها أفطر على مقال وأتغدى على معلَّــقة وأتعشى على قصيدة وأتسامر مع حكمة .
بني عادل.. كم كانت باب داري مشرعةً على مصراعيها فـي استقبال الأدباء والباحثين والنقاد والشعراء ؟
بني لقد قلبت علي الأوجاع والآلام , كم كان البقال يطالبني بنقوده؟
وكم كان صاحب المقهى يوبخني لعدم سدادي أجره ؟ ولكن من أين يا بني ؟ لا شيء بحوزتي .
بني عادل: كان لي صديق محقق فـي التأريخ قد وافته المنية قبل أشهر, حينما كان على قيد الحياة كان مُهمَلاً وكان يجلس هاهنا على ذلك الكرسي المعتق بلونه وقد دمعت عيناه للتأريخ الذي كتبه وسيخلفه لغيره..... والغريب فـي الأمر يا بني أن أقرباءه عملوا له تأبيناً وتكريماً بذكر الإرث الذي ورثوه عنه وما سيجنون منه من أموال ، وكنت أنا مدعواً لذلك التكريم .
بني لقد ذكرتني بأمر هام مضحك ومبكٍ فـي آنٍ واحد، ففـي يوم من الأيام خطر فـي بالي فكرة وذلك بأن أعلن فـي المعمورة عن موتي وأنا على قيد الحياة !! كي أرى ما يصنعون !!!
نعم , كالمعتاد حزن الأدباء والمثقفون لموتي, وبعد شهر تقريباً أعلنوا بأنهم سيُقيمون حفلاً لتكريمي .
وفـي يوم الحفل تنكرت بملابس غريبة ودخلت قاعة الاحتفالات وهم يبجلون ويمدحون، وقد انفقوا على الحفل ما لو أنفقوه عليَّ لحللت جميع مشاكلي!!وما أن كشفت اللثام عن وجهي حتى صعق الحاضرون إذ رأوني حياً !!!
حينها ترجل عريف الحفل عن منبره مهرولاً وعيناه لاتعرف الطريق أين هو ؟ وامتطيت أنا ذلك المنبر قائلاً :
( أعزائي وردة تهدوني إياها فـي حياتي، خير من باقة ورد تضعونها على قبري بعد وفاتي), وقمت فزعاً من سباتي وقالت لي زوجتي : مابك يا عادل؟
فشخيرك أزعج الجيران وقطع الكهرباء من مصدرها (هههه دعابة ) كل هذا وكلمة شاعرنا فايز التوش تلوح فـي خاطري وخيالي, وقد أثارت تساؤلا هاماً جداً ما هي الحقائق الإبداعية ؟
وقد وجهت هذا السؤال للأستاذ منصور بن موسى السني فأجابني قائلاً : يمكنك يا عزيزي تعلم الإبداع, فالإبداع يتأثر بالوظيفة وعوامل البيئة, وأن معظم مهارات الإبداع غير متوارثة, بل مكتسبة بالعلم والمعرفة والتدريب والاجتهاد والخبرة .
كل هذا والسؤال ما يزال يطرح نفسه بنفسه، لماذا لا يكرم المبدعون فـي حياتهم ؟
ولماذا يكرمون بعد وفاتهم ؟!!