سلطان بن عبد الرحمن العثيم
هي دورة تدريبيَّة كُبرى يقضي فيها أكثر من مليار وستمائة مليون شخص حول العالم الوقت نفسه في أجواءٍ من التحفيز الإيجابي, والصفاء الذهني, والهدوء النفسي, والطمأنينة الروحيَّة, استعدادًا للتغيير الذي يجب أن يطرأ على الإنسان خلال هذه المدة من الزمن, حتى يرتقي في مدارج السالكين وعتبات السعداء والناجحين.
خلق الله عز في علاه الإنسان ووضع جيناته وخلاياه وتركيبته العقلية والنفسية والجسديَّة على نمطٍ مُعيَّن هو الأخبر بها, والأعلم بمقتضاها, ثم وضع لهذا الإنسان المنهج والدستور الذي يسير عليه حتى يبلغ ما يتمناه وينشده في الدارين.
ومن هنا علينا أنْ نتوقَّفَ مع هذا الشهر من السنة وقفة جادة ومتأملة, فالكل مُجمع على أنها فرصة للتحول من السلبيَّة إلى الإيجابيَّة, ومن الضعف إلى القوة, ومن السطحية إلى العمق, ومن الفشل إلى النجاح, ومن التخبط إلى التخطيط, ومن المعصية إلى الطاعة, ومن العقوق إلى البر, ومن الحقد إلى التسامح, ومن الخصومة إلى الصلح, ومن القطيعة إلى الوصال, ومن الظلم إلى العدالة, ومن الضياع إلى الرشد.
فكم من الفرص في هذه الدورة التدريبيَّة الكبرى, وهذا البرنامج المكثف الشيّق, الذي تتساقط فيه الخيرات والصالحات, والمنح والعطايا من كل حدبٍ وصوب.
ونذكر من اللطائف في هذا الموضوع والتي لم تأتِ عبثًا.
وهو ما يؤكده المتخصصون والاستشاريين النفسيين حول العالم أنَّ متوسط معدل الجلسات التي يقضونها مع المراجعين والمرضى حتى يشفوا من مشاكلهم النفسيَّة, ويعودوا أسوياء وفاعلين في المجتمع من جديد, حوالي 30 جلسة, وهو والله أمر يحتاج منا إلى توقف وتبصر, فما هي قصة الرقم 30 يا ترى؟
هل سنَّ الله صيامًا وقيامًا وتضرعًا وتفكرًا وبذلًا ومراجعة للنفس وتدبرًا للأحوال والأقوال والأعمال في هذا الشهر من غير سبب ومبرر؟
إنَّها فرص عمر ولاشك لنجدّد الحياة, ونرسم الأمل, ونغرد بالسلام, ونجد في العلم والعمل, ونرمم ما انكسر, ونصلح ما فسد في العقول وخفايا النفس ودواخل الروح وخباياها.
هل فكرتم في الوقوف أمام المرآة لكي تروا أنفسكم ذات مرة وفكرتم بشكل عملي في إخراج ورقة بيضاء ناصعة كقلوبكم وكتابة السلبيات في خانة والإيجابيات في خانة أخرى, فتعمل على رجوح كفة الإيجابيات على كفة السلبيات, فهي التي تعيق حياتنا وتحكم إنسانياتنا وتهدد مستقبلنا وتعيق تحركنا وتحرمنا من تحويل أحلامنا الجميلة إلى حقيقة وواقع, فجربوا أن تتنفسوا هواءً نظيفًا بلا تلوث أو شوائب أو نتن.
لا تجعل التسويف يغتالك والتأجيل يقضي عليك والخوف من المجهول يتمكن منك, فأنت قاهر المستحيلات وصانع العبقريات, فأعد هيكلة نفسك وحياتك ومسيرة عمرك, وعائلتك, ومن تحب.
من وخزته بشوكة قدم له وردة, ومن جرحته بكلمه ضع على رأسه قبلة, ومن ظلمته رد عليه مظلمته, واجعل علاقتك بملك الملوك علاقة خاصة, فلا أجمل من أن يعود الضال إلى طريق الهداية, ويعود القطار إلى طريقه, فحياتك بلا نظام وإحكام وحساب ووقفات فوضى عارمة وحرب أهلية وعاصفة رملية, أنت الخاسر فيها ولا شك.
فاستغل الفرصة وكن الأول في هذه الدورة التدريبية وحز وسام الشرف وارفع كأس البطولة فلقد انتصرت على أعظم عدو لديك إنها نفسك.
أفكار عملية مقترحة حول التغير:
1 – جرب أن تجري تغيرات على المستوى الروحي واستغلال هذا الشهر الكريم في قوة التواصل مع الله والانقياد له قلبيا وعمليًا في العبادات والمعاملات, ما يخص القلب وما يخص اللسان وما يخص الجوارح, والتوسع في السنن والمستحبات فهي علامة دخولك إلى عالم السابقين للخيرات وهي اعلى مراتب اهل الإيمان وهم أسعد الناس على هذه البسيطة .
2 - ابدأ خطة عملية لإجراء تغييرات في خارطة علاقاتك, وافرز الأصحاب إلى نافع ومُضِر, وكن بارًا ومتواصلًا كريمًا صاحب بشاشة وحبور, وصِل الرحم والقرابة والجار والصحبة وأحسن لهم, وأعِد ما انقطع من علاقات, وافتح صفحة جديدة لغدٍ جميل في الحب والتسامح, إن الحياة قصيرة, فلا تقضها في صراع ونزاع مفتعل وكن المبادر بالصلح والسلام.
3 – أعلن ثورة كبيرة على مستوى صحتك, فهي نعمة, النعم ولا تشعر بقيمتها إلا إذا حرمت منها, فتخلص عاجلًا من كل الممارسات والأخطاء التي تهدد حياتك ومستقبل أولادك, مثل التدخين والسمنة والسهر وعدم ممارسة الرياضة والأكل الدسم, وكن قريبًا من الصحة تكن الصحة قريبة منك.
4 – ابدأ التغيير الشخصي على مستوى ذاتك وكن أكثر هدوءًا وأكثر حكمة وأعمق تفكرًا, وصاحب تفاؤل وإقدام, وهمة وعمل, وصاحب رسالة سامية, وأهداف واضحة ورؤيا مستقبلية, تطور باستمرار, وكن فاعلًا مع نفسك ومن حولك, جادًا في عملك, متسامحًا مع أهل بيتك.
5 – تحتاج إلى تغيرات على المستوى المادي فكن كريمًا ولكن باقتصاد, وكن مخططًا للمستقبل, صاحب نظرة للأمام, وكن مديرًا لأولوياتك بحزم, ولا تكن فوضويًا, ولا تعميك المظاهر والقشور, واهتم أكثر بالادخار والاستثمار مهما كان دخلك, ولا تنس الصدقة فهي بركة المال والرزق, وكن طموحًا.
6- التغيير في خانة العمل والتجارة هام ولاشك, فكن في ساحة العمل طامحًا ومنطلقًا وتمتَّع بالالتزام والانضباط والإنتاج والجودة, وكن مستخيرًا ومستشيرًا, وطلق الفردية والأنانية, وافتح يديك للعمل الجماعي والمشترك, واصنع الفرق بعملك وجهدك وإبداعك, فهنا يكون الإنسان إمَّا فارسًا للنجاح أو شبحًا للفشل.
محبرة الحكيم
رمضان شهر التغيير على مر تاريخنا, فإن لم تتغير فيه إلى الأحسن فسوف تتغير بكل تأكيد إلى الأسوأ, وإن لم تتّجه فيه إلى الأعلى فسوف تزلّ بك القدم إلى الأسفل.
فإنْ رُمَت الهواء النظيف كالصقور فعليك بالمرتفعات, وإن أردت العيش في الظلام كالزواحف أو في القبور كالأموات فاكتب وصيتك فأنت ميت معنويًا.
تأصيل
"السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها والساعات أوراقها، وأنفاس العباد ثمرتها، فشهر رجب أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطافها، والمؤمنون قُطّافها".