صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صحبة الخير

منتدي اسلامي ثقافي دعوي اجتماعي عام
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
 
بسم الله الرحمن الرحيم

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
صدق الله العضيم


 

 كتاب التوحيد - باب بعض هذه الامة يعبدون الاوثان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

كتاب التوحيد - باب بعض هذه الامة يعبدون الاوثان Empty
مُساهمةموضوع: كتاب التوحيد - باب بعض هذه الامة يعبدون الاوثان   كتاب التوحيد - باب بعض هذه الامة يعبدون الاوثان Emptyالإثنين مايو 10, 2010 9:03 pm

باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، وقول الله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا .

وقوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ وقوله تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن؟ أخرجاه.

ولمسلم عن ثوبان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا رواه البرقاني في صحيحه وزاد: وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله -تبارك وتعالى- .


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذا باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، وكتاب التوحيد من أول ما أخذنا إلى هذا الموضع ذكر فيه الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- مسائل كثيرة: من بيان وجوب معرفة التوحيد والعلم به والخوف من الشرك وبيان بعض أفراد التوحيد وبعد أفراد الشرك الأكبر والأصغر، ثم بين شيئا مما يتعلق بوسائل ذلك وما يتعلق بالصور المختلفة التي وقعت من هذا الشرك في الأمم قبلنا وعند الجاهليين، يعني: في الأميين وفي أهل الكتاب، وكذلك مما وقع في هذه الأمة، ثم ذكر وسائل ذلك وطرقه الموصلة إلى الشرك وسائل الشرك التي توصل إليه وطرق الشرك الموصلة إليه.

بعد هذا يأتي احتجاج المشركين والخرافيين من أن هذه الأمة حماها الله -جل وعلا- من أن تعود إلى عبادة الأوثان، فاستحضر بعد كل ما سبق أن قائلا يقول له: كل هذا صحيح، ولكن هذه الأمة عصمت أن تقع في الشرك الأكبر، وذلك لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم، فلما قال -عليه الصلاة والسلام-: إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب علمنا أن عبادة الشيطان لا تكون في هذه الأمة وأن الشرك الأكبر يكون هكذا قال الخرافيون.

والجواب: أن هذا الاحتجاج في غير موضعه، وفهم ذلك الدليل وذلك الحديث ليس على ذلك النحو، وجواب ما قالوا من أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب نقول: "أيس الشيطان" والشيطان لا يعلم الغيب، وهو حريص على إغواء بني آدم لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا هو أيس، ولكن لم يأيسه الله -جل وعلا- أيس بنفسه لما رأى عز الإسلام، ولما رأى ظهور التوحيد على الكفر في جزيرة العرب، فأيس لما رأى ذلك، ولكنه لم يأيسه الله -جل وعلا- من أن يعبد في جزيرة العرب، ثم إن في قوله: "أيس أن يعبده المصلون" أن المصلين لا شك أنهم آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر؛ لأن المصلي هو الذي أقام الصلاة، ومن أقام الصلاة فإن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، وأعظم المنكر الذي سينكره المصلي هو الشرك بالله -جل وعلا- فإن الشيطان ييأس أن يعبده من قام بالصلاة على حقيقتها، وأقامها كما أراد الله -جل وعلا- فإذا نقول: هذا الحديث ليس فيه أن العبادة عبادة الشيطان لا تكون في هذه الأمة، بل فيه أن الشيطان أيس لما رأى عز الإسلام، ولكنه لم يأيس.

ولهذا لما كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل، وارتدت طائفة من العرب، كان ذلك من عبادة الشيطان؛ لأن عبادة الشيطان بطاعته كما قال -جل وعلا-: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ .

وعبادة الشيطان كما في تفسير الآية في طاعته في الأمر والنهي، طاعته في الشرك، وطاعته في ترك الإيمان، وترك لوازمه، إذا هذا الدليل استحضره الإمام -رحمه الله- وقال: إن هذا الدليل ليس واقعا كما زعمه أولئك، والدليل على ذلك التفسير ما جاء في الأدلة أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، فيصحح ما فهمنا من أن معنى الحديث: أن الشيطان أيس بنفسه، ولم ييأس وإياسه بنفسه لأجل عدم اطلاعه على علم الغيب مع حرصه على دعوة الناس إلى عبادة غير الله -تبارك وتعالى وجل وتقدس- قال الإمام- رحمه الله-: باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان يعني: أن عبادة الأوثان واقعة في هذه الأمة بنص النبي -عليه الصلاة والسلام- كما وقعت في الأمم السالفة.

فهذه الأمة تقع فيها عبادة غير الله -جل وعلا- وقوله: باب ما جاء يعني: من النصوص في الكتاب وفي السنة، ما جاء أن بعض هذه الأمة، بعض هذه الأمة هذا التبعيض؛ لأن عبادة الأوثان لم تكن من الأمة كلها، وإنما كانت من بعض هذه الأمة، وإلا فلا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرة على الحق كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة فإذا قوله: بعض هذه الأمة يعني: ذلك البعض المرذول، فنفهم منه أن هناك من يقوم بالاستمساك بالأمر الأول الذي كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان عليه صحابته في أمر التوحيد، وأمر العبادة والسنن .

بعض هذه الأمة: المقصود بقوله هذه الأمة أمة الدعوة أو أمة الإجابة؟ إذا قلنا: أمة الدعوة، فلا شك أن هناك من أمة الدعوة، وهم جميعها، بل من الجن والإنس أن منهم من عبد الأوثان، واستمر على عبادتها بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يرض ببعثته، ولم يقبل ذلك، وإذا قلنا: إن المراد بالأمة أمة الإجابة يعني: أن من أجاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في دعوته تتقادم بهم العهود حتى يرتدوا على أدبارهم ويتركوا دينهم كما جاء ـ في الباب ـ في باب سلف في أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم الغلو في الصالحين.

فإذا الظاهر هنا أن قوله: بعض هذه الأمة يعبد الأوثان يعني: به أمة الإجابة؛ لأنهم يتركون دينهم ويتوجهون إلى الأوثان يعبدونها والأوثان جمع وثن، والوثن هو كل شيء توجه إليه الناس بالعبادة، إما بأن يدعوه مع الله -جل وعلا- أو أن يستغيثوا به، أو أن يعتقدوا فيه أنه ينفع ويضر بدون إذن الله -جل وعلا- أو أنه يرجى رجاء العبادة، ويخاف منه كخوف من الله -جل وعلا- خوف السر، ونحو ذلك من الأشياء من اعتقد فيه ذلك، فذلك الشيء وثن من الأوثان، وقد يكون راضيا بتلك العبادة، وقد لا يكون راضيا بتلك العبادة، والوثن ليس مصورا على شكل صورة، والصنم هو ما كان على شكل صورة، كما سبق أن ذكرنا، فالفرق بين الأوثان والأصنام أن الأصنام هي الآلهة التي صورت على شكل صور، كأن يجعل لنبي من الأنبياء صورة، ويعبدها، أو يجعل لرجل من الرجال كبوذا ونحوه صورة ويسجد لها، ويعبدها، هذه أصنام، أو أن تكون أوثانا، والأوثان هي الأشياء التي تعبد، قد يكون جدارا، قد يكون قبرا، قد يكون رجلا ميتا، قد يكون صفة من الصفات يتخذها معبودة من دون الله، فكل ما توجه إليه العباد بنوع من أنواع العبادة، فهو وثن من الأوثان، قال: وقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ .

الجبت: اسم عام لكل ما فيه مخالفة لأمر الله -جل وعلا- وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد، قد يكون الجبت سحرا، وهذا هو الذي فسرها كثير من السلف بأن الجبت السحر، وقد يكون الجبت الكاهن، وقد يكون الجبت الشيء المرذول الذي يضر صاحبه، يؤمنون بالجبت والطاغوت، يعني: يؤمنون بالسحر، ويؤمنون بالباطل وبعبادة غير الله -جل وعلا- ويؤمنون بالطاغوت.

والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، فالطاغية هو الذي تجاوز الحد في أمر الدين بأن جعل ما لله له؛ ولهذا يعرف ابن القيم -رحمه الله- الطاغوت بأنه: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع.

فإذا تجاوز به العبد حده يعني: حد ذلك الشيء الذي توجهوا إليه الذي أذن به شرعا له تجاوزوا الحد به، فتوجهوا إليه بالعبادة أو اعتقدوا فيه بعض خصائص الإلهية من أنه يغيثهم كيفما شاء، ومن أنه يملك غوثهم، ويملك الاستشفاع لهم، ويملك أن يغفر لهم، وأن يعطيهم، ويملك أن يقربهم إلى الله -جل وعلا- ونحو ذلك مما لا يملكه المعبودون، فإن ذلك مجاوزة بذلك عن الحد الذي جعل له في الشرع، مجاوزة الحد في المعبودين، أو المتبوعين ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع.

مثل العلماء والقادة في أمر الدين إذا تجاوز الناس بهم حدهم، فصاروا يتبعونهم في كل ما قالوا: وإن أحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال أو جعلوا لهم السنة بدعة والبدعة سنة، وهم يعلمون أصل الدين، ولكنهم خالفوا لأجل ما قال فلان، فإن هذا قد تُجُوِّزَ به حده، فإن حد المتبوع في الدين أن يكون آمرا بما أمر به الشرع ناهيا عما نهي عنه الشرع، فإذا أحل الحرام أو حرم الحلال، فإنه يعتبر طاغوتا، ومن اتبعه، فإنه يكون قد تجاوز به حده، وقد أقر بأنه طاغوت، واتخذه كذلك أو مطاع يطاع كذلك من الأمراء والملوك والحكام والرؤساء الذين يأمرون بالحرام فيطاعون، ويأمرون بتحريم الحلال، فيطاعون في ذلك مع علم المطيع بما أمر الله -جل وعلا- به هؤلاء اتخذوهم طواغيت؛ لأنهم جاوزوا بهم حدهم، قال يؤمنون بالجبت والطاغوت، فيدخل في الطاغوت كل هذه الأنواع الذين عبدوا والذين تُبعوا والذين أُطيعوا .

وجه المناسبة من هذه الآية للباب: أن ذلك وهو الإيمان بالجبت والطاغوت حصل ووقع من الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من اليهود والنصارى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أن ما وقع في الأمم قبلنا سيقع في هذه الأمة، كما قال في حديث أبي سعيد الآتي: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، فمثل بشيء صغير، وهو دخول جحر الضب، الذي لا يمكن أن يفعل، تنبيها على أن ما هو أعلى من ذلك، سيقع من هذه الأمة كما وقع من الأمم قلبنا، قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا .

وهذا حصل من هذه الأمة، فإن منهم من آمن بالسحر، ومنهم من آمن بعبادة غير الله، ومنهم من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، فكانوا بذلك متبعين سنن من كان قبلهم، وحصل منهم إيمان بالجبت والطاغوت، كما حصل من الأمم قبلهم، قال: وقوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ .

وجه الشاهد من هذه الآية قوله -جل وعلا-: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ على هذه القراءة "عبد الطاغوت" فإن الطاغوت مفعول "عبد" و"عبد" تكون معطوفة على قوله: "لعن" من "لعنه الله" إلى أن قال: "وعبد الطاغوت" يعني: كأنه قال بتقديم وتأخير من "لعنه الله" ومن "عبد الطاغوت" .

وعبادة الطاغوت وقعت في أولئك الملعونين، وبما أن ما وقع في الأمم السالفة بخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- سيقع في هذه الأمة، فإننا نعلم أن في هذه الأمة من سيعبد الطاغوت، كما عبدها أولئك، وعبادة الطاغوت عامة كما ذكرنا يدخل فيها عبادة الأوثان من عبادة القبور وتأليه أصحابها والتوسل بهم إلى الله -جل وعلا- يعني: الاستشفاع بهم إلى الله -جل وعلا- أو طلب الشفاعة منهم، ونحو ذلك من الوسائل الشركية، أو ما هو من الشرك الأكبر، فحصلت عبادة للأوثان من القبور، ومن المشاهد ومن الأشجار ومن الأحجار، ونحو ذلك مما اعتقد فيه الجهلة الذين تركوا دين محمد -عليه الصلاة والسلام-.

قال: وقوله تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا .

قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا قصة أصحاب الكهف معروفة، وهذه الجملة بعض آية من قصة أصحاب الكهف، ولما حصل أن جعلهم الله -جل وعلا- آية وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ثم أحياهم الله -جل وعلا- وأطلع الناس على أنهم مكثوا أحياء هذه المدة الطويلة، وأنهم أماتهم الله ثم أحياهم، اعتقدوا فيهم، ولما اعتقدوا فيهم وماتوا تنازعوا في أمرهم، فمنهم من قال: افعلوا لهم كذا ابنوا عليهم بنيانا، ومنهم من قال: اجعلوا لهم فناء ودارا، وعظموا مكانهم.

واختلف الناس فيهم في ذلك الزمان. قال الله -جل وعلا- قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا .

من الذين غلبوا على الأمر؟ اختلف المفسرون في ذلك فقال قائلون: هم المسلمون مسلمو ذلك الزمان حصل منهم تعظيم لأصحاب الكهف، فقالوا ابنوا عليهم بنيانا، وقالوا: اتخذوا عليهم مسجدا، تعظيما لهم ودلالة للناس عليهم، فإذا كان هذا القول راجحا، فإنه من وسائل الشرك بالله ويؤدي إلى عبادة تلك القبور، والاعتقاد في أصحاب الكهف، وهذا القدر حصل في هذه الأمة.

والقول الثاني: أن الذين غلبوا على أمرهم هم المشركون، يعني: أتباع ذلك الدين باعتقادهم الجاهلي، ولما في قلوبهم من الشرك والبدع التي خالفوا بها أنبياءهم، قالوا: ابنوا عليهم مسجدا، كما قال -جل وعلا- هنا: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا .

والقول الثالث: وهو الذي رجحه ابن كثير -رحمه الله- ورجحه عدد أيضا من أهل العلم أن الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ هم الخبراء والأمراء وأصحاب النفوذ فيهم، يعني: الذين كانت لهم الغلبة في الأمر، والذي له الغلبة في الأمر هو من يملك الأمر والنهي في الناس، وهم الخبراء وأصحاب النفوذ وملوك ذلك الزمان وأمراء ذلك الزمان، فأولئك عظموا أولئك الصالحين، وقالوا: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا وقد حصل هذا في تلك الأمة، وما دام أنه حصل، فإنه سيحصل في هذه الأمة؛ لأنه ما من خصلة من الشرك حصلت في الأمم قبلنا إلا وحصلت في هذه الأمة حتى ادعاء بعض هذه الأمة أنه هو الله -جل وعلا- وأن الله يحل فيه ونحو ذلك، بل قد ادعوا أن روح الإله تتناسخ في أناس معينين، كما هو اعتقاد طوائف من الباطنيين ونحو ذلك.

وهذا كما قال -عليه الصلاة والسلام-: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة وهذا الحديث وهو حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم قوله: "سنن" هذه تروى هكذا: "سنن" بفتحتين: فتح السين والنون، وتروى -أيضا-: "سُنن" والسنن جمع سنة وهي الطريقة، يعني: كأنه قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم يعني: طرائق من كان قبلكم يعني: في الدين.

وعلى الضبط الآخر الذي أقرأ به "لتتبعن سَنن من كان قبلكم" السَنَن: مفرد وهو السبيل والطريق، يعني: لتتبعن سبيل من كان قبلكم، واللام في قوله: "لتتبعن" هي الواقعة في جواب القسم.

نفهم من وجود اللام أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقسم على ذلك، فقال مؤكدا: والله لتتبعن سنن من كان قبلكم ؛ لأن اللام هذه واقعة في جواب القسم، فإذا رأيت اللام هذه المفتوحة، فهي الواقعة في جواب القسم، فكأنه بل قد أقسم عليه، والقسم محذوف، واللام واقعة في جوابه.

لم أقسم -عليه الصلاة والسلام-؟ ليؤكد هذا الأمر تأكيدا عظيما بأن هذه الأمة ستتبع طريق وسبيل من كان قبلها من الأمم، وهذا تحذير؛ لأن الأمم السالفة إما أن تكون من أهل الكتاب اليهود والنصارى، وهؤلاء قد وصفهم الله -جل وعلا- بأنهم مغضوب عليهم وضالون، فإذا اتخذت سبيلهم سبيلا في هذه الأمة معنى ذلك أن هذه الأمة تعرضت للغضب واللعنة، وهذا حصل في هذه الأمة، فإن منهم من سلك سبيل اليهود، ومنهم من سلك سبيل النصارى؛ ولهذا قال بعض السلف: "من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبّادنا ففيه شبه من النصارى" لأن اليهود خالفوا على علم، والنصارى خالفت على ضلالة، وقد قال -جل وعلا-: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ والمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، كما فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "حذو القذة بالقذة" يعني: من التساوي القذة، والقذة تكون في السهم، وتكون هذه مساوية لتلك لا تفرق بين واحدة والأخرى، فإذا نظرت في هذه، ونظرت في هذه وجدت أنهما متماثلان وجدت أن هذه وهذه متماثلتان، لا فرق بينهما.

وهذا هو الواقع، فإنه في هذه الأمة وقع التماثل، ففي هذه الأمة حصل من مثل ما حصل من الأمم قبلنا في أبواب الربوبية، وفي أبواب الإلهية وفي الأسماء والصفات، وكذلك في العمل، وكذلك في السلوك وكذلك في أفعال الله -جل وعلا-، فكل شيء كان في من قبلنا جاء ووقع في هذه الأمة، نسأل الله -جل وعلا- السلامة والعافية.

قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى، قال: فمن؟ أخرجاه يعني: البخاري ومسلم .

وجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة، بل عماد هذا الباب على هذا الحديث من أن كل كفر وشرك وقع في الأمم السالفة، فسيقع في هذه الأمة، الأمم السالفة عبدت الأوثان، وكفرت بالله -جل وعلا- فسيقع في هذه الأمة، من يعبد الأوثان، ومن يكفر بالله -جل وعلا- في الربوبية وفي الإلهية، وفي الأسماء والصفات، وفي أفعال الله -جل وعلا- وفي الحكم والتحاكم، وهكذا في أنواع كثيرة مما حصل فيمن قبلنا، حتى في أمور السلوك والبدع، بل حتى في أمور الأخلاق والعادات التي قد تتصل بالدين، فإنه سلكت هذه الأمة مسلك الأمم قبلها مخالفة نهي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

قال بعد ذلك: ولمسلم عن ثوبان -رضي الله عنه- وساق الحديث حديث ثوبان، وهو حديث طويل، ووجه الشاهد منه قوله -عليه الصلاة والسلام-: وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين والأئمة المضلون هم الذين اتخذهم الناس أئمة، قد يكون من جهة الدين، وقد يكون من جهة الولاية يعني: ولاية الحكم والأئمة المضلون يملكون زمام الناس، فيضلون الناس بالبدع وبالشركيات، ويحسنونها لهم حتى تغدو في أعينهم حقاَ، وكذلك أصحاب النفوذ وأصحاب الحكم، فإنهم إذا كانوا مضلين، فإن بيدهم الأمر الذي يجعلهم يفرضون على الناس أشياء، ويلزمونهم بأشياء مضادة لشرع محمد -صلى الله عليه وسلم- من أمور العقيدة والتوحيد، ومن أمور السلوك والعمل، ومن أمور الحكم والتحاكم.

وهكذا وقع في هذه الأمة وخوف النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأئمة المضلين وقع ما خاف منه -عليه الصلاة والسلام-، فكثر الأئمة المضلون في الأمة، الأئمة المضلون من جهة الاتباع، والأئمة المضلون من جهة الطاعة، قال: وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان هذا نص صحيح من رواية البرقاني في صحيحه قال: حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين يلحق بالمشركين هل هو من جهة ترك بلاد المسلمين والذهاب إلى أرض المشركين؟ أم يلحق بالمشركين في الصفات والخصال؟ .

يحتمل هذا وهذا حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين يعني: من جهة ترك بلاد الإسلام والذهاب إلى بلاد المشركين رضا بهم وبدينهم أو حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين من جهة الصفات، فيشركون كما أشرك المشركون، ويرتدوا على أدبارهم، قال: وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان الفئام: هي الجماعات الكبيرة، قال: وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، وهذا ظاهر المناسبة للباب في قول الشيخ -رحمه الله- في الباب: باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان… إلى أن قال -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث: ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى .

لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة هذه الطائفة المنصورة هي التي قال فيها -عليه الصلاة والسلام- في حديث آخر: ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهي التي قال فيها -عليه الصلاة والسلام-: وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة فالطائفة المنصورة هي الفرقة الناجية، وهي الجماعة بجمع أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- وسميت منصورة؛ لأن الله -جل وعلا- نصرها على من ناوأها بالحجة والبيان، نصرها الذي وعدت به، ليس نصراَ بالسنان، ولكنه نصر بالحجة والبيان، فهم وإن هزموا في بعض المعارك أو أديلت دولتهم في بعض الأحيان، فهم الظاهرون على من سواهم بالحجة والبيان، وهم المنصورون بما أعطاهم الله -جل وعلا- من الحجة والنصوص، والصواب والحق على من سواهم، فهم على الحق وسواهم على الباطل.

هذان اللفظان فرقة ناجية وطائفة منصورة اسمان لشيء واحد، وإنما هو من باب تنوع الصفات، فقال عنها الطائفة المنصورة هنا، لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة؛ لأنها موعودة بالنصر كما قال -جل وعلا-: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ .

فهم منصورون كما قال -أيضا-: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ فقولهم هو المنصور، وهو الظاهر، وحجتهم هي الظاهرة، وقد يكون -أيضا- لهم من النصر والتمكين في أرض الله ما أعطاهم الله -جل وعلا- من ذلك، وهم -أيضا- الفرقة الناجية التي جاءت في حديث الافتراق ناجية، يعني: موعودة بالنجاة من النار، فهم موصوفون بالنصر وموصوفون بالنجاة من النار وموصوفون بالنصر على عدوهم بالحجة والبيان، وقد يكون مع ذلك نصر بالسيف والسنان ونحو ذلك،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
 
كتاب التوحيد - باب بعض هذه الامة يعبدون الاوثان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب التوحيد -حماية المصطفي جانب التوحيد
» كتاب التوحيد -باب تفسير التوحيد والشهادة
» كتاب التوحيد- من حقق التوحيد دخل الجنة
» كتاب التوحيد باب فضل التوحيد
» كتاب التوحيد -باب ما جاء في الكهان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
صحبة الخير  :: الاقسام الدينية :: «۩۞۩ العقيدة الصحيحة ۩۞۩»-
انتقل الى: