بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد
من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه
وما حرّم الله على عبادة شيئاً إلا عوضهم خيراً منه
ومن عجائب حكمة الله، أنه جعل مع الفضيلة ثوابها الصحة والنشاط
وجعل مع الرذيلة عقابها، الانحطاط والمرض..
سليمان عليه السلام ذبح الخيل لله فعوضه
الله ريحا تجري حيث شاء
قال الله تعالى:
(وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ). [سورة ص: 29ـ 33]
يذكرالله تعالىأنه وهب لداود سليمان عليهما السلام، ثم أثنى سبحانه عليه، وأنه كثير الرجوع لمولاه، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل، وإليك أيها المسلم هذه القصة:
كان سليمان عليه السلام محباً للخيل من أجل الجهادبها في سبيل الله، وكان معه الخيول الصافنات وهي الخيول القوية السريعة، وكانت ذو أجنحة، ويزيد عددها على عشرين ألفاً، فبينما هو يقوم بعرضها وتنظيمها، فاتته صلاة العصر نسياناً لا عمداً، فلما علم أن الصلاة قد فاتته من أجل هذه الخيول، قال: لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي، ثم أمر بها فعقرت، فضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف، فلما علم الله سبحانه من عبده سليمان أنه ذبح هذه الخيول من أجله سبحانه، وخوفاً من عذابه، ومحبة وإجلالاً له، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة، عوضه الله عز وجل ما هو خير منها وهو الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوها شهر، ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال: (إنك لا تدع شيئاً إتقاء لله تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه). رواه أحمد والبيهقي وهو حديث صحيح.
تجاوز عن المعسرين فتجاوز الله عنه
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
كان رجلٌ يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا جئت مُعْسِراً، فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا،
قال: فلقى الله فتجاوز عنه).
وفي لفظ آخر:
عن أبي مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة لتلقت رُوح رجل كان قبلكم، فقالوا له: هل عملت خيراً قط؟
قال لا: قالوا: تذكر، قال: لا، إلا أني كنت أداين الناس، فكنتُ آمر فتياني أن ينظروا الموسر، ويتجاوزوا عن المعسر.
قال الله سبحانهوتعالى: تجاوزوا عنه .
ترك فاحشته الزنا فعوض بملك وامرأة حلال
يوسف بن يعقوب عليهما السلام، قد ذكر الله قصته في سورة كاملة فيها فوائد وعبر تزيد على ألف فائدة،
هذا النبي الكريم امتحن امتحاناً عظيماً، ولكنه صبر وهذا شأن الصالحين، فانقلبت المحنة إلى منحة ربانية إليك هي:
يوسف أمّهُ اسمها راحيل، وله إحدى عشر أخاً، وكان أبوه يحبه حباً جماً، فبدأ الحسد يدبُ في صدور إخوته، حيث إنهم عصبة، جماعة، ومع ذلك فإن يوسف وأخيه بنيامين لهما محبة في صدور أبيهما، فماذا كان منهم، طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهروا له أنهم يريدون أن يرعى معهم، وقد اضمروا له ما الله به عليم، فأخذوه، ثم ألقوه في البئر (الجبّ) ثم مرت به قافلة، فانزلوا الدلو فتعلق به، ثم باعوه على عزيز مصر، فاشتراه بدراهم معدودة(1)، ثم ماذا حدث، يقول الله تعالى: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه، وغلقت الأبواب، وقالت هيت لك، قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون. ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين..) .
يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه وطلبها منه مالا يليق بحاله، ومقامه وهي في غاية الحسن والجمال والمنصب والشباب، وغلقت الأبواب عليها وعليه وتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها، وهي مع ذا كله امرأة الوزير، ويوسف عليه السلام، شاب بديع الجمال والبهاء، والشباب مركب الشهوة، وكان عزباً ليس عنده ما يعوّضه، وكان غريباً من أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحيي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيونهم، فإذا تغربّ زال هذا المانع، وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كُلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة، وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان، ومكانه الذي لا تناوله العيون، ومع هذا كله عف عن الحرام، وعصمه ربه عن الفحشاء، فهو من سلالة الأنبياء، وحماه مولاه عن كيد ومكر النساء، وعوّضه أن مكّنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، وآتاه الملك، وأتته المرأة صاغرة سائلة راغبة، في الوصل الحلال فتزوجها، فلما دخل بها قال: هذا خيرٌ مما كنت تريدين، فتأمل أيها المسلم كيف أنه لما ترك الحرام لله عوضه الله خيراً منه. ولذلك فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء، المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)