صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صحبة الخير

منتدي اسلامي ثقافي دعوي اجتماعي عام
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
 
بسم الله الرحمن الرحيم

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
صدق الله العضيم


 

 كتاب التوحيد -باب الشفاعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلم
Admin
مسلم


عدد المساهمات : 9693
نقاط : 17987
السٌّمعَة : 67
تاريخ التسجيل : 11/03/2010
العمر : 55

كتاب التوحيد -باب الشفاعة Empty
مُساهمةموضوع: كتاب التوحيد -باب الشفاعة   كتاب التوحيد -باب الشفاعة Emptyالإثنين مايو 10, 2010 2:17 pm

باب الشفاعة (صالح بن عبد العزيز ال شيخ)
قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: باب الشفاعة، وقول الله -تعالى-: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ وقوله: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا وقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وقوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى .

وقوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ .

وقال أبو العباس -رحمه الله تعالى-: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره ملك، أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى .

فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون، هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقال له: ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع .

وقال له أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله تعالى، ولا تكون لمن أشرك بالله.

وحقيقته أن الله -سبحانه- هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه، رحمه الله.


--------------------------------------------------------------------------------


هذا باب الشفاعة، وإيراد هذا الباب بعد البابين قبله مناسب جدا؛ ذلك أن الذين يسألون النبي -عليه الصلاة والسلام- ويستغيثون به ويطلبون منه، أو يسألون غيره من الأولياء، أو الأنبياء، إذا أقمت عليهم الحجة بما ذكر من توحيد الربوبية.

قالوا: نحن نعتقد ذلك، ولكن هؤلاء مقرَّبُون عند الله معظَّمُون، ورفعهم الله -جل وعلا- عنده، ولهم الجاه عند الرب جل وعلا، وإذا كانوا كذلك فهم يشفعون عند الله؛ لأن لهم جاها عنده؛ فمن توجه إليهم أرضوه بالشفاعة، وهم ممن رفعهم الله؛ ولهذا يقبل شفاعاتهم.

فكأن الشيخ -رحمه الله- رأى حال المشركين، وحال الخرافيين واستحضر حججهم، وهو كذلك؛ إذ هو أَخْبَرُ أهلِ هذه العصورِ المتأخرةِ بحجج المشركين، استحضر ذلك فقال: لم يبق إلا الشفاعة لهم، إذا حاججتهم.

فهذا باب الشفاعة، والشفاعة في الأصل مأخوذة من الشفع، والشفع هو الزوج؛ لأن الشافع طالب، فصار مع صاحب الطلب الأصلي شفعا، فواحد يريد شيئا فأتى الثاني يشفع له فصار شفعا له، فسميت شفاعة؛ لأنه بعد أن كان صاحب الطلب واحدا صار شفعا، بعد أن كان فردا، فسميت شفاعة لذلك.

والشفاعة هي الدعاء، وطلب الشفاعة هو طلب، فإذا قال قائل: استشفع برسول الله، كأنه قال: أطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لي عند الله، فالشفاعة طلب؛ ولهذا من استشفع فقد طلب الشفاعة، فالشفاعة دعاء؛ وهي طلب الدعاء أيضا.

فلهذا صار كل دليل تقدم لنا؛ وكل دليل في الكتاب؛ أو في السنة فيه إبطال أن يُدْعَى مع الله -جل وعلا- إله آخر يصلح أن يكون دليلا للشفاعة يعني: لإبطال الاستشفاع بالموتى، وبالذين غابوا عن دار التكليف؛ لأن حقيقة الشافع أنه طالب؛ ولأن حقيقة المستشفع أنه طالب، فالشافع في ظن المستشفع يدعو، والمستشفع يدعو من أراد منه الشفاعة.

يعني: إذا أتى آت إلى قبر النبي أو قبر ولي أو نحو ذلك فقال: أستشفع بك، أو أسألك الشفاعة، يعني: طلب منه ودعاه أن يدعو له، فلهذا صار صرفها، أو صار التوجه بها إلى غير الله -جل وعلا- شركا أكبر؛ لأنها في الحقيقة دعوة لغير الله؛ لأنها في الحقيقة سؤال من هذا الميت سؤال وتوجه بالطلب والدعاء من غير الله -جل وعلا- فيتوجه إلى غير الله في السؤال والطلب والدعاء.

إذن فالشفاعة عرفت معناها، وأن التوجه إلى غير الله بالشفاعة يعني بطلب الشفاعة شرك أكبر؛ إذا كان هذا المتوجه إليه من الأموات، أما إذا كان حيا فإنه في دار التكليف يطلب منه أن يشفع عند الله بمعنى أن يدعوه، وقد يجاب دعاؤه، وقد لا يجاب، أو كما يحصل أن يشفع بعض الناس لبعض بالشفاعة الحسنة أو بالشفاعة السيئة مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً .

فهذا يحصل؛ لأنهم في دار تكليف ويقدرون على الإجابة، وقد أذن الله في طلب الشفاعة منهم بأن يدعو؛ لهذا كان الصحابة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ربما أتى بعضهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وطلب أن يشفع له يعني: أن يدعو له.

مسألة الشفاعة من المسائل التي تخفى على كثيرين؛ ولهذا وقع بعض أهل العلم في أغلاط من جهة طلب الشفاعة من النبي -عليه الصلاة والسلام- فأوردوا قصصا في كتبهم فيها استشفاع بالنبي -عليه الصلاة والسلام- دون إنكار، كما فعل النووي وكما فعل ابن قدامة في المغني ونحو ذلك، وهذا لا يعد خلافا في المسألة؛ لأن هذا الخلاف راجع إلى عدم فهم حقيقة هذا الأمر.

ومسألة الشفاعة مسألة فيها خفاء؛ ولهذا يقول أهل العلم من أئمة الدعوة -رحمهم الله-: إقامة الحجة في مسائل التوحيد تختلف بحسب قوة الشبهة، فأقل الشبهات ورودا، وأيسر الحجج قدوما على المخالف فيما يتعلق بأصل دعوة غير الله معه، وبالاستغاثة بغير الله، وفي الذبح لغير الله، ونحو ذلك.

ومن أكثرها اشتباها إلا على المحقق من أهل العلم مسألة الشفاعة ولهذا الشيخ -رحمه الله- أتى بهذا الباب، وقال: باب الشفاعة، وبيَّن لك بما ساق من الأدلة من الكتاب والسنة أن الشفاعة لا تصح إلا بشروط، الشفاعة التي تنفع فإنها لا تصح إلا بشروط، وكذلك هناك شفاعة منفية ليست كل شفاعة تقبل، وإنما هناك شفاعة تُقبل، وهناك شفاعة تُرد، تُقبل بشروط وتُرد أيضا بأوصاف.

فإذن صار عندنا أن الشفاعة قسمان في القرآن والسنة، شفاعة منفية وشفاعة مثبتة، أما الشفاعة المنفية فهي التي نفاها الله -جل وعلا- عن أهل الإشراك، كما ساق الشيخ -رحمه الله- أول دليل قال: وقول الله عز وجل: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ .

فهذه الشفاعة منفية، وهي منفية عن الجميع عن الذين يخافون، عن أهل التوحيد وعن غيرهم، أما عن أهل التوحيد فهي منفية إلا بشروط وهي: إذن الله للشافع أن يشفع، ورضاه جل وعلا عن الشافع، وعن المشفوع له، فإذن قوله هنا: لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ يعني: أن الشفيع في الحقيقة هو الله -جل جلاله- دونما سواه.

ولهذا أعقبها بالآية الأخرى قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا فالشفاعة جميعا ملك لله، وأهل الإيمان وغيرهم في الحقيقة ليس لهم من دون الله ولي ولا شفيع، ليس أحد يشفع لهم من دون الله -جل وعلا- بل لا بد أن تكون الشفاعة بالله يعني: بإذنه وبرضاه.

فإذن، إذا تقرر ذلك فإنه إذا نُفِيَتْ الشفاعة عن أحد سوى الله -جل وعلا- وأن الذي يملك الشفاعة إنما هو الله -جل وعلا- وحده؛ فإذن بطل التعلق، تعلق قلوب أهل الشفاعة الذين يسألون الموتى الشفاعة، بطل تعلقهم بمسألة الشفاعة؛ لأن الشفاعة ملك لله، وهذا لا يملكها.

هل تنفع الشفاعة مطلقا أم لا بد أيضا من قيود؟ نعم، الشفاعة تنفع لكن لا بد من شروط؛ ولهذا أورد الآيتين بعدها قال -جل وعلا-: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ قال: وقوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى .

ووجه الاستدلال من الآية الأولى أن فيها قيد الإذن؛ فليس أحد يشفع إلا بشرط أن يأذن الله له مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يعني: لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه؛ لا الملائكة ولا الأنبياء، ولا المقربون، وإنما الله -جل وعلا- هو الذي يملك الشفاعة.

إذا كان كذلك وأنه لا بد من إذنه -جل وعلا- فمن الذين يأذن الله -جل وعلا- لهم؟ لا أحد إذن يبتدئ في الشفاعة دون أن يُؤْذَن له، فإذا كان كذلك، فإذن رجع الأمر إلى أن الله هو الذي يوفق للشفاعة، وهو الذي يأذن بها، ولا أحد يبتدئ بالشفاعة. كذلك الآية الأخرى قال: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ يعني من الشافعين ويرضى يرضى قول الشافع، ويرضى أيضا عن المشفوع لهم.

هذه الشروط فائدتها -وهي فائدة هذا الباب- أنه لا أحد يتعلق إذن بأن هذا الذي طلبت منه الشفاعة أن له مقاما عند الله يملك به أن يشفع كما يعتقد أهل الشرك في أن آلهتهم تشفع، ولا بد أن تشفع.

فاعتقاد المشركين الذين بعث إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء أكانوا من الأميين، أم من أهل الكتاب يعتقدون أن من توجهوا له بالشفاعة من الآلهة أنه يشفع جزما إذا توجه إليه، وتذلل له، وتقرب إليه بالعبادات وطلبت منه الشفاعة عند الله، فإنه يشفع جزما، وأن الله -جل وعلا- لا يرد شفاعته.

فهذه الآيات فيها إبطال لدعوى أولئك المشركين في أنه ثم أحد يملك الشفاعة بدون إذن الله وبدون رضاه عن المشفوع له، وإذا ثبت أنه لا أحد يملكها، وأن من يشفع إنما يشفع بإكرام الله له، وبإذنه -جل وعلا- له، فإذن كيف يتعلق المتعلق بهذا المخلوق؟ إنما يتعلق بالذي يملك الشفاعة.

ولهذا شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم القيامة حاصلة، لكن نطلبها ممن نطلبها؟ من الله، فنقول: اللهم شَفِّعْ فينا نبيك؛ لأنه هو الذي يفتح ويلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يشفع في فلان، وفي فلان، فيمن سألوا الله أن يشفع لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا أعقبها الشيخ -رحمه الله- بآية سبأ.

قال: وقوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ .

هذه ثلاث حالات: الحالة الأولى أن يدعو الذين زعموهم من دون الله، وأن ينظروا هل يملكون مثقال ذرة في السماوات، أو في الأرض، قال جل وعلا: لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ فإذن الملك الاستقلالي لهم نُفِيَ، وهذه هي الحالة الأولى.

والثانية قال: وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ أيضا نفى أن يكونوا شركاء لله في الملك في تدبير السماوات والأرض، في ملك شيء من السماوات والأرض، فنفى أولا أن يملكوا استقلالا، ونفى ثانيا أن يملكوا شركة قال جل وعلا بعدها: وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ .

الظهير هو المعاون والمؤازر والوزير، قال: ما له جل وعلا منهم يعني: من تلك الآلهة من وزير ولا معاون؛ لأنه قد يتبادر إلى ذهن بعض الناس أن ثمة مَن يعين الله على أمره، مثل الملائكة أو مثل الأنبياء، فإذا توجه إلى أولئك بالدعاء وبالطلب، كان التوجه إلى مَن يعين الله، فيكون إذا طلب من الله، فإن الله لا يرده؛ لأنه يعينه.

بنوا ذلك على تشبيه الخالق -جل وعلا- بما يحصل من المخلوقين، فإن الملك في هذه الدنيا أو الحاكم أو الأمير إذا كان من يعينه ومن يظاهره وشفع لأحد فإنه لا يرد شفاعته؛ لأنه يحتاجه؛ فلأجل هذه الحاجة لا يرد الأمير أو الملك شفاعة مَن له ظهير، من كان له ظهيرا.

فيظن المشركون أن بعض تلك الآلهة معاونة لله -جل وعلا- فنفى الله -جل وعلا- هذا الاعتقاد الجاهلي، ونفى أخيرا اعتقادا آخر، وهو أن تلك الآلهة تملك الشفاعة، قال جل وعلا: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ فنفى آخر ما نفى الشفاعةَ، وأثبتها بشرط قال: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ .

فالشفاعة تنفع بشرط أن يأذن الله، فإذن لا يبتدئ هذا الشافع فيشفع، فإذا كان كذلك توجه السؤال إذن الآن: مَن الذين يأذن الله لهم؟ إذا كان ليس له شريك، وليس له ظهير، وليس له أيضا شفيع عنده، ليس عنده شفيع إلا بإذنه، فمن ذا الذي إذن يشفع عنده بإذنه؟ من هم؟ ومن الذي يأذن له الله جل وعلا ؟

الجواب في ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، فيما ساقه الشيخ -رحمه الله- بعد ذلك إذن؛ فالآيات التي سبقت من أول الباب إلى هنا رتبها الإمام -رحمه الله- ترتيبا موضوعيا فالآيات، الأول وجه الاستدلال منها أن الشفاعة ملك لله. الآية الأولى والثانية، وأنه ليس لأحد شيء من الشفاعة يعني: ليس أحد يملك شيئا من الشفاعة، فإذا كان لا يملك إذن من يشفع؟ كيف يشفع؟

يشفع بأن يُعْطَى الشفاعة، يُؤْذَن له بالشفاعة، يُكْرَم بالشفاعة من يشفع؟ هل يشفع استقلالا؟ نفى شفاعة الاستقلال، وأثبت الشفاعة بشرطٍ وهو شرط الإذن والرضا، إذا كان كذلك فمن الذي يؤذن له؟ ومن الذي يرضى له أن يشفع؟ ومن الذي يرضى عنه أن يشفع فيه ؟

هذه ثلاثة أسئلة جوابها في كلام شيخ الإسلام حيث قال المصنف -رحمه الله-: قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك، أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى .

فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون، هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن، منتفية يوم القيامة يعني: عن جميع الخلق إلا لمن أثبت الله -جل وعلا- له بالاستحقاق، أو أن يكون نائلا تلك الشفاعة. يعني: الأصل ألا شفاعة إلا لمن رضي الله قوله، أو أذن له جل وعلا.

قال كما نفاها القرآن، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، قول الشيخ -رحمه الله-: فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن، يعني: منتفية بدون شروط؛ لأن المشركين يعتقدون أنها تحصل بدون إذن من الله، ولا رضاه؛ لأن الشافع عندهم يملك الشفاعة، ولكن هي تحصل بالشرط، كما أثبت ذلك الكتاب والسنة.

قال: يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع وقال له أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه .

فالدليل الأول من السنة في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد ولد آدم لا يشفع حتى يؤذن له. يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع هذا في دليل الإذن، من الذي يُؤْذَن له؟ يؤذن للنبي -عليه الصلاة والسلام- ويؤذن لغيره لا يَبْتَدِئُون، وإنما يستأذنون في الشفاعة فيؤذن لهم لِمَ؟ لأنهم لا يملكونها، وإنما الذي يملكها عند الله إنما هو الله، جل وعلا، سبحانه وتعالى.

من الذي يؤذن في الشفاعة فيه؟ من الذي يرضى عنه في الشفاعة؟ جاء بالحديث الآخر حيث قال أبو هريرة للنبي -صلى الله عليه وسلم-: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه فهذا الذي يرضى عنه فيشفع فيه بعد إذن الله -جل وعلا- هو صاحب الإخلاص، هم أهل التوحيد.

فإذن تلك الشفاعة منتفية عن أهل الشرك؛ لهذا قال: فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله، فإذا كان كذلك فيكون الذي توجه إلى الموتى، إلى الرسل، أو إلى الأنبياء، أو إلى الصالحين، أو إلى الطالحين، يطلب منهم الشفاعة، فإنه مشرك؛ لأنه توجه بالدعاء لغير الله، وأولئك لا يملكون الشفاعة، وإنما يشفعون بعد الإذن والرضا.

والرضا يكون عن أهل التوحيد، وأهل التوحيد هم الذين لا يسألون الشفاعة أحدا من الموتى، فإذن كل من سأل ميتا الشفاعة، فقد حرم نفسه الشفاعة؛ لأنه أشرك بالله -جل وعلا- والشفاعة المثبتة إنما هي لأهل الإخلاص، ليس لأهل الشرك فيها نصيب. ونقف عند هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فهذا أخ يقول: ما الفرق بين التوسل والشفاعة؟ نرجو التوضيح، وجزاكم الله خيرا.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد، التوسل هو اتخاذ الوسيلة، والوسيلة هي الحاجة نفسها، أو من يوصل إلى الحاجة، قد يكون ذلك التوسل باستشفاع يعني: بطلب شفاعة يعني: يصل إلى حاجته بحسب ظنه بالاستشفاع.

وقد يصل إلى حاجته بحسب ظنه بغير الاستشفاع، فيتوسل مثلا بالذوات يسأل الله بالذات، يسأل الله بالجاه، يسأل الله بحرمة فلان، مثل أن يقول: أسألك اللهم بنبيك محمد، بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- أو يقول: أسألك اللهم بأبي بكر، أو بعمر، أو بالإمام أحمد، أو بابن تيمية، أو إلى آخره، بالولي فلان، بأهل بدر، بأهل بيعة الرضوان، يسأله بهم، هذا هو الذي يسمونه توسلا.

وهذا التوسل معناه أنه جعل أولئك وسيلة، وأحيانا يقول: لفظ الحرمة: أسألك بحرمتهم أسألك بجاههم، ونحو ذلك. أما الاستشفاع فهو أن يسألهم الشفاعة، يطلب منهم أن يشفعوا له.

فَتَحَصَّلَ من ذلك أن التوسل يختلف عن الاستشفاع؛ فإن المستشفع طالب للشفاعة؛ والشفاعة إذا طلبها من العبد؛ فيكون قد سأل غير الله، وأما المتوسل بحسب العرف، عرف الاستعمال، المتوسل يسأل الله لكن يجعل ذلك بوسيلة أحد؛ فالاستشفاع سؤال لغير الله. وأما الوسيلة فهي سؤال الله بفلان، بحرمته، بجاهه.

والتوسل بالذوات وبالجاه وبالحرمة لا يجوز؛ لأنه اعتداء في الدعاء؛ ولأنه بدعة محدثة؛ وهو وسيلة إلى الإشراك؛ وأما الاستشفاع بالمخلوق الذي لا يملك الدعاء؛ وهو الميت أو الغائب أو نحو ذلك؛ فهذا طلب ودعاء لغير الله؛ وهو شرك أكبر؛ فالتوسل بحسب العرف هذا من البدع المحدثة؛ ومن وسائل الشرك، وأما طلب الشفاعة من غير الله فهو دعاء غير الله، وهو شرك أكبر.

الجاهليون والخرافيون والقبوريون يسمون عباداتهم جميعا: من طلب الشفاعة، ومن الذبح، والنذر، ومن الاستغاثة، ومن دعاء الموتى يسمونها توسلا، وهذا غلط على اللغة، وعلى الشرع، فالكلام في أصله ما يصح المعنى به لغة، وبين التوسل والشفاعة في أصله ما يصح لغة، أما إذا أخطأ الناس، وسموا العبادات المختلفة توسلا، فهذا غلط من عندهم، نعم.

وهذا يقول: ما حكم ما يوضع على السيارات، أو المنازل عبارات مثل ما شاء الله، وتبارك الله، أو هذا من فضل ربي؟

هذا له حكم تعليق بعض الآي أو الآي على الحيطان، أو في السيارات، أو نحو ذلك، فإن كان المقصود منها الإرشاد إلى عمل شرعي مسنون، فهذا مشروع أو مباح، وأما إن كان القصد منها الحفظ أن تحفظه وأن تحرسه من العين، أو من الأذى فهذا راجع إلى اتخاذ التمائم من القرآن ونحوه، نعم.

وهذا يقول: ما رأيكم في امرأة طلبت من قريب لها ذاهب إلى مكة أن يشتري لها كفنا من هناك، وأن يغسل الكفن بماء زمزم. يقول: وهذا الأمر منتشر، وجزاكم الله خيرا.

هذا تبرك بما يباع في مكة، واعتقاد فيه، وهذا باطل، ولا يجوز؛ لأن ما يباع في مكة ليس له خصوصية في البركة، وليس له خصوصية في النفع، بل هو وما يباع في غيره سواء، هو وما يباع في غير الحرم سواء.

وأما غسله بماء زمزم لرجاء أن يكون ذلك الكفن فيه من بركة ماء زمزم، فكذلك هذا غلط؛ لأن بركة ماء زمزم مقيدة بما ورد فيه الدليل، ليست بركة عامة، إنما هي بركة خاصة بما جاء فيه الدليل.

ولهذا الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يكونوا يستعملون ماء زمزم إلا فيما جاءت به الأدلة، من مثل: ماء زمزم لما شرب له ومن مثل قوله عليه الصلاة والسلام في زمزم: إنها طعام طعم وشفاء سقم .

أما التبرك بها في غير ذلك؛ فهذا ليس له أصل شرعي.

وهذا يقول: ما حكم الاغتسال بماء زمزم، والماء المقروء فيه القرآن. في بيوت الخلاء ؟

لا بأس بذلك؛ لأنه ليس فيه قرآن مكتوب، وليس فيه المصحف مكتوبا، وإنما فيه الريح النفث بالهواء الذي خالطه المصحف، أو خالطته القراءة، ومن المعلوم أن أهل مكة في أزمنتهم الأولى كان يستعملون ماء زمزم، ولم يكن عندهم غير ماء زمزم، فالصواب أنه لا كراهة في ذلك وأنه جائز، والماء ليس فيه قرآن، إنما فيه نفث بالقرآن، وفرق بين المقامين، نعم.

وهذا يقول: ما الحكم إذا ذبح العبد ذبيحة من أجل أن الله قد شفى مريضه، وخرج من المستشفى؟

هذا يرجع إلى نيته في ذبح هذه الذبيحة، فإذا كانت بعد الانتهاء من المرض، وبعد أن ارتفع المرض، وعُوفِيَ وشُفِيَ ذلك المريض بفضل الله -جل وعلا- وبنعمته فهذا يختلف حاله: إذا قصد أنها شكر لله -جل وعلا- يتصدق بلحمها، فهذا حسن؛ لأن المرض قد انتهى وارتفع، فهو لا يقصد بها الاستشفاع، وإنما هي نوع شكر لله -جل وعلا- أو دعا عليها أحدا من أقربائه، أو ممن يحبون ذلك المريض، ونحو ذلك فهذا من باب الإكرام.

وأما إذا كانت مقاصده أو نياته في هذا الذبح أن يدفع رجوع هذا المرض مرة أخرى، أو أن يدفع شيئا من انتكاسات المرض، أن يدفع شيئا مما يخافه، فهذا داخل في عدم الجواز سدا لذريعة الاعتقادات الباطلة، نعم.

وهذا يقول: قرأت في كتاب لأحد المؤلفين ينقل فيه: إذا خفت على ولدك أو على نفسك من العين فضع نقطة سوداء على الجبهة؛ لتصرف عنك العين.

اعتقادات الناس في دفع العين لا حصر لها، والجامع لذلك أن كل شيء يفعله الناس مما يعتقدونه سببا، وليس هو بسبب شرعي ولا قَدَري، فإنه لا يجوز اتخاذه، وهذا يختلف عما جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنه رأى غلاما صغيرا حسن الصورة، وخاف عليه العين، فقال لأهله: دسموا نونته ففعلوا.

هذا من إظهار عدم الحسن، ليس التدسيم -وهو وضع نقطة في بعض الوجه- ليس لأجل أن تدفع تلك النقطة العين؛ ولكن لأجل أن يظهر بمظهر ليس بحسن؛ فلا تتعلق النفوس الشريرة به، فإذا كان وضع هذه النقطة التي ذكر لأجل اعتقاد أنها تدفع العين، فهذا من اتخاذ الأسباب الشركية التي لا تجوز، وإن كان لأجل إظهار عدم الحسن في تلك الصورة الجميلة، أو ذلك الجسد المعافى، أو نحو ذلك، فإن هذا لا بأس به، والله أعلم، نعم.

وهذا يقول: بعض العلماء أجاز التوسل، ودليلهم حديث الأعمى فكيف يرد عليهم؟ وجزاكم الله خيرا.

حديث الأعمى رواه الترمذي وغيره، وهو حديث حسن، وهناك رواية أخرى طويلة في معجم الطبراني الصغير في هذا الحديث وفيها زيادة أن أحد الصحابة وهو عثمان بن حنيف -رضي الله عنه- أنه أرشد إلى استعمال ذلك الدعاء بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-.

والقدر الأول، وهو أن الأعمى توسل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في حياته، هذا صحيح وجار على الأصول؛ حيث إن التوسل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في حياته توسل بدعائه، وهو عليه الصلاة والسلام يملك ذلك، ويستطيعه ويقدر عليه.

أما التوسل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أي بدعائه أو بذاته أو بنحو ذلك بعد وفاته، فإنه لا يجوز؛ لأنه مِن طلب الشيء ممن لا يملكه؛ والرواية التي في الطبراني الصغير ضعيفة، وفيها مجاهيل؛ ولذلك ليست بحجة فيما ورد في استعمال الصحابة ذلك بعد وفاته.

والذي يدل أيضا على أن ذلك خاص بالأعمى، وعلى أصل الاستشفاع، أنه رحمة من الله -جل وعلا- للمستشفع، وفضل منه عليه، وإزالة عما به أن ذلك الأعمى رأى النور وأبصر بعد دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام- له، وتوجه ذلك الأعمى إلى الله -جل وعلا- أن يجيب فيه دعاء نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

الصحابة الآخرون الذين كانوا مكفوفين لم يدعو بهذا الدعاء، فكان في المدينة أناس عدة قد كُفَّتْ أبصارُهم، منهم ابن أم مكتوم وجماعة فما دعوا بذلك الدعاء، وإنما كان ذلك خاصا بذلك الأعمى، فالعلماء لهم في ذلك توجيهان:

التوجيه الأول: أن ذلك الدعاء كان خاصا بذلك الأعمى، بدليل عدم استعمال بقية الصحابة ذلك الدعاء، وعدم إرشاد النبي -عليه الصلاة والسلام- لهم أن يزال ما بهم من عمى البصر بذلك الدعاء.

والتوجيه الثاني: أن ذلك خاص بحياته -عليه الصلاة والسلام- ولا يكون بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- وهذا الثاني والأول جميعا ظاهرة صحيحة، والصحابة فهموا ذلك؛ ولهذا ثبت في البخاري وغيره أن عمر -رضي الله عنه- لما أجدبوا قال وهو يخطب للاستسقاء قال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا بنبيك، وإنا نتوسل إليك اليوم بعم نبيك، يا عباس قم فادع الله لنا .

قال العلماء: انتقل عمر من الفاضل وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المفضول وهو العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام- لعلة شرعية؛ وهو أن الدعاء من الحي ممكن، وأما من غير الحي، حياة الدنيا المعروفة، فإنه غير ممكن، وإلا يكون عمر -رضي الله عنه- انتقل من الفاضل إلى المفضول لغير علة شرعية؛ وهذا ممتنع فقها للصحابة -رضوان الله عليهم-. نعم.

بقي في الباب الذي قبله بعد الشفاعة الأسطر الأخيرة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، فوقفنا عند قوله: وحقيقته يعني: حقيقة الشفاعة أن الله -سبحانه- هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع؛ ليكرمه، وينال المقام المحمود، هذا في حقيقة الشفاعة فإننا ذكرنا لكم أن الشفاعة نفي أن يملكها أحد إلا الله -جل وعلا- قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا .

اللام هذه لام الملك يعني: الذي يملك الشفاعة، هو الله -جل وعلا- وقال: لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ فإن الشفاعة إنما هي لله -تبارك وتعالى- وجاء في الأدلة أن الشفاعة منفية عن المشركين، وأن الشفاعة النافعة إنما هي لأهل الإخلاص بشرطين: الإذن، والرضا.

إذا تقرر ذلك فما حقيقة الشفاعة؟ يعني ما حقيقة حصولها؟ وكيف تحصل؟ الجواب في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله: حقيقته أن الله -سبحانه- هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص يعني أن الذين شُفِعَ لهم إنما ذلك بتفضل الله -جلا وعلا- عليهم، وهم أهل الإخلاص حيث جاء في حديث أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام: أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه، أو قال خالصا من قلبه ونفسه .

فأهل الإخلاص هم الذين يكرمهم الله بالشفاعة، فالمتفضل بالشفاعة هو الله -جل وعلا- فإذا ثبت ذلك انقطع القلب من التعلق بغير الله؛ لأجل الشفاعة، فإن الذين توجهوا إلى المعبودات المختلفة إلى الأولياء إلى الصالحين إلى الملائكة إلى غير ذلك توجهوا إليهم رجاء الشفاعة، كما قال -جل وعلا- عنهم: وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ .

فإذا بطل أن تكون لهم الشفاعة، وأن المتفضل بالشفاعة هو الله -جل وعلا- فإن الله -جل جلاله- إنما يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة من دعا بواسطة دعاء الذي أذن له أن يشفع، وهاهنا سؤال: لِمَ لَمْ يتفضل الله عليهم أن يغفر لهم بدون واسطة الشفاعة؟

والجواب عن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية هنا بقوله: ليكرمه، فهو إظهار فضل الشافع، إظهار إكرام الله -جل وعلا- للشافع في ذلك المقام؛ إذ كما هو معلوم أن الشافع الذي قبلت شفاعته، ليس في المقام مثل المشفوع له، فالله -جل وعلا- يظهر إكرامه لمن أذن له أن يشفع، ويظهر رحمته بالشافع؛ لأن الشافع له قرابة يريد أن يشفع لهم، أحباب يريد أن يشفع لهم.

لذلك الشفاعة يوم القيامة لأهل الكبائر ليست خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بل يشفع الأنبياء، وتشفع الملائكة، ويشفع أيضا الصالحون، فهذه شفاعات مختلفة في أهل الكبائر؛ لإكرام الله -جل وعلا- للشافع ورحمة للشافع، وأيضا رحمة للمشفوع له، وإظهار فضل الله -جل وعلا- على الشافع والمشفوع له.

هذه هي حقيقة الشفاعة أن الله -جل وعلا- يتفضل فيقبل الشفاعة بإذنه، يتفضل على الشافع، ويكرمه بأن يشفع، يتفضل ويرحم المشفوع له فيقبل فيه الشفاعة.

فإذن هي كلها دالة لمن كان له قلب على عظم الله -جل وعلا- وتفرده بالملك، وتفرده بتدبير الأمر، وأنه الذي يجير ولا يجار عليه سبحانه وتعالى، هو الذي له الشفاعة كلها، هو الذي له ملك الأمر كله، ليس لأحد منه شيء، وإنما يظهر فضله ويظهر إحسانه ويظهر رحمته، ويظهر كرمه لتتعلق القلوب به.

فبطل إذن أن يكون ثم تعلق للقلب بغير الله -جل وعلا- لأجل الشفاعة فالذين تعلقوا بالأولياء، أو تعلقوا بالصالحين، أو بالأنبياء، أو بالملائكة؛ لأجل الشفاعة.

هذه هي حقيقة الشفاعة من أنها فضل من الله -جل وعلا- وإكرام، فإذا كانت كذلك وجب أن تتعلق القلوب به -سبحانه وتعالى- في رجاء الشفاعة؛ إذ هو المتفضل بها على الحقيقة؛ والعباد مُكْرَمُون بها لا يبتدئون بالقول، ولا يسبقون بالقول، وإنما يجلون ويخافون ويثنون على الله، ويحمدون حتى يؤذن لهم بالشفاعة.

ثم قال شيخ الإسلام: فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، التي نفاها القرآن في مثل قوله جل وعلا: لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ هذه شفاعة منفية، هي الشفاعة التي فيها شرك، كذلك الشفاعة للمشركين منفية؛ لأنهم لم يرض عنهم.

فالشفاعة التي فيها شرك من جهة الطلب، أو من جهة من سئل له بأن كان ذلك مشركا، فإنها منفية عن أهلها لا تنفعهم، فإذن يثبت بذلك أن الذي هو حقيق بالشفاعة هو الذي أنعم الله عليه بالإخلاص، ووفقه لتعظيمه، وتعليق القلب به وحده دون ما سواه، فإذن كل مشرك الشفاعة عنه منفية، كل شرك الشرك الأكبر فالشفاعة عنه منفية؛ لأن الشفاعة فضل من الله لأهل الإخلاص.

أما الشفاعة المثبتة فهي التي أثبت يعني: جاء إثباتها بشرط الإذن والرضا. قال شيخ الإسلام بعد ذلك: "ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وهذه هي الشفاعة المثبتة، أثبتها بإذنه في مواضع" يعني: بشرط الإذن، والإذن إذن كوني وإذن شرعي، فالمأذون له لا يمكن أن تحصل منه الشفاعة إلا أن يأذن الله له كونا، بأن يشفع، فإذا منعه الله كونا أن يشفع، ما حصلت منه الشفاعة، ولا تحرك بها لسانه.

كذلك الإذن الشرعي في الشفاعة بأن تكون الشفاعة ليس فيها شرك، وأن يكون المشفوع له ليس من أهل الشرك، ويُخَصُّ من ذلك أبو طالب حيث يشفع له النبي -عليه الصلاة والسلام- في تخفيف العذاب عنه، فهي شفاعة ليست في الانتفاع بالإخراج من النار، إنما هي في تخفيف العذاب، وهي خاصة هذه للنبي -عليه الصلاة والسلام- بما أوحي الله -جل وعلا- إليه، وأذن له بذلك.

قال -رحمه الله- في آخر كلامه: "وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص، وهذه هي الشفاعة المثبتة" فتبين بهذا الباب أن الشفاعة التي تعلقت بها قلوب الخرافيون والمتعلقون بغير الله أن ذلك باطل، وأن قولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله هذا قول باطل؛ إذ الشفاعة التي تنفع إنما هي لأهل الإخلاص، وما دام أنهم طلبوا الشفاعة من غير الله، فقد سألوا غير الله -جل وعلا- الشفاعة، وهذا مؤذن بحرمانهم من الشفاعة، فإنما هي لأهل الإخلاص.

وخلاصة الباب أن تعلق أولئك بالشفاعة إنما هو عليهم، ليس لهم؛ لأنهم لما تعلقوا بالشفاعة حرموها؛ لأنهم تعلقوا بشيء، لم يأذن الله -جل وعلا- به شرعا بأن استخدموا الشفاعات الشركية، وتوجهوا إلى غير الله وتعلقت قلوبهم بغير الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sohptelker.hooxs.com
 
كتاب التوحيد -باب الشفاعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
صحبة الخير  :: الاقسام الدينية :: «۩۞۩ العقيدة الصحيحة ۩۞۩»-
انتقل الى: