مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: كتاب التوحيد -باب ايشركون ما لا يخلق شيئا الإثنين مايو 10, 2010 2:12 pm | |
| باب قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ....(صالح بن عبد العزيز ال شيخ) باب قول الله -تعالى-: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ وقول الله -تعالى-: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ .
وفي الصحيح عند أنس -رضي الله عنه- قال: شُجَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وكسرت رباعيته، فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ .
وفيه عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا بعدما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، أنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وفي رواية يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ .
وفيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أُنْزِلَ عليه وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فقال: يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا .
--------------------------------------------------------------------------------
هذا الباب باب قول الله -تعالى- أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا هذا الباب إيراده بعد الأبواب المتقدمة من أحسن الإيراد ومن أعظمه فقها ورسوخا في العلم؛ ذلك أن برهان وجوب توحيد الله -جل وعلا- في إلاهيته هو مركوز في الفِطَر من أنه جل وعلا واحد في ربوبيته.
والربوبية -وأن الله واحد في ربوبيته- هذه يقر بها المشركون، ويقر بها كل أحد فهي البرهان على أن المستحِق للعبادة هو من تَوَحَّد في الربوبية، فهذا الباب والباب الذي بعده أيضا برهان لاستحقاق الله العبادة وحده دون ما سواه بدليل فطري، ودليل واقعي، ودليل عقلي.
ومن المعلوم أن الأدلة العقلية عندنا أهل السنة والجماعة نأخذها من الكتاب والسنة؛ لأن في الكتاب والسنة من الأدلة العقلية ما يغني عن تكلف أدلة عقلية أخرى لمن تأمل ذلك في نصوص الوحيين، فهذا الباب فيه بيان أن الذي يخلق هو الله وحده، والذي يرزق هو الله وحده، والذي يملك هو الله وحده، وأن غير الله -جل وعلا- ليس له نصيب من الخلق، وليس له نصيب من الرزق، وليس له نصيب من الإحياء، وليس له نصيب من الإماتة، وليس له نصيب من الأمر، وليس له ملك حقيقي في أمر من الأمور.
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ حتى أعلى الخلق مقاما، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له الله -جل وعلا-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ يعني: لست مالكا لشيء من الأمر، ليس من الأمر شيء تملكه، اللام هنا لام الملك، فمن الذي يملك إذن هو الله جل وعلا.
فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُنْفَى عنه ذلك، فإن نفيه عمن هو دونه من باب أولى، والذين توجهوا إلى أصحاب القبور أو إلى الصالحين والأولياء والأنبياء في داخلهم زعم بأنهم يملكون أشياء، إما أن يملكوا شيئا من الرزق، أو أن يملكوا شيئا من التوسط والشفاعة بدون إذن الله -جل وعلا- ومشيئته.
فإذن هذا الباب أحد الأبواب التي فيها البرهان على استحقاق الله للعبادة وحده دون ما سواه؛ والقرآن فيه كثير من البراهين على أن المستحق للعبادة هو الله -جل وعلا- وحده دون ما سواه، فمن تلك الأدلة والبراهين ما في القرآن من أدلة فيها إقرار المشركين بتوحيد الربوبية، كل ذلك النوع من الأدلة فيه دليل على أن المستحق للعبادة هو من أقررتم له بالربوبية.
ومن الأدلة والبراهين على ذلك ما في القرآن من أن الله -جل جلاله- نصر رسله وأولياؤه على أعدائهم، وأن كل طائفة من طوائف الشرك ذلت وخضعت وغلبت أمام طوائف أهل الإيمان أمام جند الله -جل وعلا- من الرسل ومن أتباع الرسل والأنبياء.
وهذا نوع آخر من الأدلة: أنه ما من طائفة موحدة بعث الله -جل وعلا- إمامها ورسولها بقتال المشركين إلا وظهرت عليهم، وإلا وغلبتهم حتى صارت العاقبة لهم؛ وهذا أمر في القرآن كثير، وأدلته كثيرة؛ قصص الأنبياء وقصص القرى، وكل قرية خالفت رسولها عوقبت، وهكذا كل القرى، هذا دليل على أن التوحيد هو الحق، وأن الشرك باطل.
من الأدلة نوع آخر من القرآن، من البراهين نوع آخر في القرآن؛ من أن المخلوق ضعيف، أن العابد الذي يسمع هذا القرآن؛ كل مخلوق، كل مكلف يعلم من نفسه الضعف، وأنه جاء إلى الحياة بغير اختياره؛ بل الله -جل وعلا- الذي أتى به إلى هذه الحياة، وأنه سيخرج من هذه الحياة بغير اختياره أيضا، فهو إذن مقهور، ويعلم قطعا أن الذي قهره وأذله وجعله على هذه الحالة ليس هو تلك الآلهة، وإنما هو الله -جل وعلا- وحده هو الذي يحيي ويميت، وهذا إقرار عام يعلمه كل أحد من فطرته.
من الأدلة والبراهين أيضا أن الله -جل وعلا- له الأسماء الحسنى، وله الصفات العلا، وأنه ذو النعوت الكاملة، وذو النعوت الجليلة، ونعوت الجلال، ونعوت الجمال، ونعوت الكمال، وهو سبحانه له الكمال المطلق في كل اسم له، وفي كل نعت ووصف، له الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص في وجه من الوجوه.
هذا الباب ذكر فيه الشيخ -رحمه الله- أحد أنواع أدلة الربوبية، أو براهين التوحيد، وأنه -جل وعلا- هو الواحد في ربوبيته، والباب الذي يليه باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ فيه دليل على عظمة الله -جل وعلا- في صفاته.
وفي هذا الكتاب تنويع أيضا كما سيأتي، براهين التوحيد، توحيد العبادة، بأدلة من القرآن متنوعة، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم شرح هذا الباب، والذي يليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
س: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فهذا أخ يقول: فضيلة الشيخ هل يعتبر نذر مطلق أم مقيد إذا حصل للعبد منفعة مثل نجح أو حصل على وظيفة، ونذر أن يصوم ثلاثة أيام لله -سبحانه وتعالى- مع العلم أنه لم ينذر قبل نجاحه أو حصوله على الوظيفة ؟
ج: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد، فالنذر المطلق هو الذي لم يعلق بشيء فيجعل في المستقبل، والنذر المقيد هو المعلق الذي علق الوفاء به بحصول شيء من الله -جل وعلا- للعبد. وهذا يكون في المستقبل إن شفى الله مريضي فسأصوم ثلاث أيام، إن نجحت فسأصوم، هذا هو النذر المعلق المقيد.
أما المطلق فهو أن ينذر نذرا لله -جل وعلا- تبررا منه إما بسبب حادثة حدثت، أو نعمة تجددت، أو نقمة اندفعت، أو بدون سبب، فهذا كله يدخل في المطلق، أما المقيد فهو المعلق بشرط في المستقبل، نعم.
س: سؤال يقول: ما حكم عمل احتفال بسيط في مناسبة انتهاء عقد أحد العاملين بالشركة، سواء كان مسلما أو غير مسلم، وحجة بعضهم في عمل الاحتفال لغير المسلم أنه من باب دعوته إلى الإسلام، مع العلم أنه خلال وجوده في العمل لم يقدم له كتاب أو شريط لدعوته الإسلام ممن يحتجون لهذا القول، وجزاكم الله خيرا ؟
ج: تلك الاحتفالات المقصود فيها إكرام من أقيمت له، فإذا كان مسلما فإكرام المسلم من حقوقه المستحبة، وإذا كان غير مسلم فله حالتان: الحالة الأولى أن يكون ممن لم يظهر للإسلام عداوة، بل وأظهر في الإسلام رغبة وهو مسالم لأهل الإسلام ومحب لأهل الخير، محب لأهل الدين والصلاح، كما يظهر من بعضهم، فهذا الغالب على قلبه أنه يصلح أن يدعى للإسلام؛ لأنه قريب سلم من البغضاء والعداوة التي تحجزه عن قبول الحق لو عرض عليه.
فهذا النوع إذا كان قصد من عمل الاحتفال أن يكون بداية لدعوته وأن يكون في الاحتفال شيء من الدعوة إلى الإسلام لبيان محاسنه وبيان بطلان الأديان الأخرى ونحو ذلك، فهذا بحسب قصد فاعله، وأصل الإكرام لغير المسلم لا يجوز.
وأما إن كان معاديا أو لم يظهر قبولا للإسلام، أو عرف من سيرته حين بقي أنه يعني حين بقي تلك المدة في المؤسسة أو الشركة أنه لا يحب الخير، بل ربما أظهر صدودا عن أهل الخير، وأظهر عدم قبوله لبعض أوامر الشرع التي يحكم بها، فهذا لا يجوز إكرامه؛ لأن إكرامه من موالاته؛ وموالاته: موالاة الكافر محرمة؛ لأنه يكرم مع بقائه على عداوته وعلى بغضه.
والأصل في هذا قول الله -جل وعلا -: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .
فهذه الآيات فيها بيان حال الصنفين؛ لهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ربما أجاب دعوة يهودي أو يهودية، وربما أتى بعض أهل الكتاب، وربما أهدى إليهم، وأوصى على الهدية للجار، وهذا لأجل الترغيب في الخير، والترغيب في الإسلام، المقصود أن الإكرام بتلك الحفلات لا يجوز، إلا إذا كان ثَمَّ مصلحة شرعية راجحة يقدرها أهل العلم إذا وصف الحال لهم، وأما ما عدا ذلك فلا يجوز إقامة الحفلات لهم؛ لأنها نوع موالاة للكفار، نعم.
س: وهذا يقول: هل يدخل في باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ما يحصل وخاصة في أوروبا وأمريكا من شراء كثير من المسلمين لكنائس قديمة، ثم تعديلها لتكون مساجد، أو هدم كنيسة، وبناء مسجد مكانها نرجو التوجيه وجزاكم الله خيرا ؟
ج: لا يدخل في ذلك؛ لأن مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي الصلاة فيه مضاعفة أقيم على مكان فيه قبور المشركين، بعد أن نُبشت تلك القبور وأزيل الرفات أقيم المسجد في ذلك المكان، والكنيسة التي عبد فيها غير الله -جل وعلا- إذا حُوِّلت إلى مسجد، هذا من أعظم الطاعات، ومن أحب الأعمال إلى الله -جل وعلا- وذكرت لكم أن الفرق بين هذه وبين لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله أن الذبح صورته مشتركة، الصورة الظاهرية واحدة، وإنما الاختلاف في النيات، ولهذا منع من ذلك.
أما عبادة المسلمين وصلاتهم، وهيئة مساجدهم وجلوسهم إلى آخر تلك الهيئات مخالف لما عليه النصارى فإبدال الكنيسة في مسجد هذا أمر مطلوب، إذا تمكن المسلمون منه، كالذي فعله المسلمون في الأندلس، بل وفي بعض البلاد الأخرى كالشام ومصر، نعم.
س: ويقول: نرى عبارة مكتوبة على بعض السيارات "يا رضا الله ورضا الوالدين"؟
ج: قوله: يا رضا الله ورضا الوالدين فيها غلط من جهتين: الجهة الأولى أنه نادى رضا الله، ومناداة صفات الله -جل وعلا- بـ يا النداء لا تجوز؛ لأن الصفة في هذا المقام غير الذات في مقام النداء؛ ولهذا إنما ينادى الله -جل وعلا- المتصف بالصفات، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على البكري، وغيرُهُ من أهل العلم على أن مناداة الصفة محرم بالإجماع، فإذا كانت الصفة هي الكلمة كلمة الله -جل وعلا- كان كفرا بالإجماع؛ لأن من نادي الكلمة يعني بها عيسي -عليه السلام- فيكون تأليها لغير الله -جل وعلا - ورضا الله -جل وعلا- صفة من صفاته، فلا يجوز نداء الصفة.
والملاحظة الثانية في تلك الكلمة أنه جعل رضا الوالدين مقرونا برضا الله -جل وعلا- بالواو، والأنسب هنا أن يكون العطف بثم، يقول: مثلا أسأل الله رضاه ثم رضا الوالدين، وإن كان استعمال الواو في مثل هذا السياق لا بأس به؛ لأن الله -جل وعلا- قال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وقال جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ؛ ولأن الواو هنا تقتضي تشريكا في أصل الرضا، وهذا الرضا يمكن أن يكون من الوالدين، أيضا فيكون التشريك بأصل المعنى لا المرتبة، نعم.
س: يقول: هل يجوز الذهاب للعلاج عند من يزعم أنه يعالج بمساعدة جن مسلمين، وهل هذه المساعدة إلى الجن للقارئ من الاستعانة جائزة أو محرمة؟
ج: الاستعانة بالجن سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين وسيلة من وسائل الشرك، والاستعانة معناها طلب الإعانة؛ ولهذا من المتقرر عند أهل العلم أنهم لا يطلبون الإعانة من مسلم الجن؛ فلم يطلب منهم الإعانة الصحابة -رضوان الله عليهم- وهم أولى أن تخدمهم الجن، وأن تعينهم.
وأصل الاستعانة بالجن من أسباب إغراء الإنس بالتوسل إلى الجن وبرفعة مقامه، وبالاستنفاع به، وقد قال جل وعلا: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ فحصل الاستمتاع -كما قال المفسرون- من الجن بالإنس بأن الإنسي يتقرب إليه ويخضع له ويذل، ويكون في حاجته، ويحصل الاستمتاع من الإنسي بالجني بأن الجني يخدمه، قد يكون مع هذا الاستمتاع ذبح من الإنسي للجني، وتقرب بأنواع العبادات، أو العياذ بالله بالكفر بالله -جل وعلا- بإهانة المصحف، أو بامتهانه أو نحو ذلك.
ولهذا نقول: إن تلك الاستعانة بجميع أنواعها لا تجوز، منها ما هو شرك وهي استعانة بشياطين الجن، ومنها يعني الكفار، ومنها ما هو وسيلة إلى الشرك، وهو الاستعانة بمسلمي الجن.
بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية قال: إن الجن قد تخدم الإنسي، وهذا المقال فيه نظر وتفصيل، ذلك أنه ذكر في آخر كتاب النبوات أن أولياء الله لا يستخدمون الجن إلا بما فعله معهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن أمرهم ونهاهم، أما طلب خدمتهم وطلب إعانتهم، فإنه ليس من سجايا أولياء الله، وليس من أفعال أولياء الله.
قال: مع أنه قد تنفع الجنُّ الإنسَ، وقد تقدم له بعض الخدمة، ونحو ذلك، وهذا صحيح. فحصل أن المقام فيه تفصيل، فإذا كان الاستخدام في طلب الخدمة فهذا وسيلة إلى الشرك إذا توجه إلى جني مسلم، ولا يجوز أن يؤتى لأحد يقرأ، يعرف منه أنه يستخدم الجن المسلمين.
وإذا كانت الجن تخدم بعض الناس بدون طلبه، فإن هذا قد يحصل، لكن لم يكن من خلق أولياء الله، ولم يكن مما سخره الله -جل وعلا- لخاصة عباده، فلا بد أن يكون عند هذا نوع خلل حتى كانت الجن تكثر من خدمته وإخباره بالأمور، ونحو ذلك.
فإذا كان ذلك بطلب منه فهذا لا يجوز، وهو نوع من أنواع المحرمات؛ لأنه نوع استمتاع، وإذا كان بغير طلب منه فينبغي له أن يستعيذ بالله من الشياطين. ويستعيذ بالله من شر مردة الجن؛ لأنه قد يكون بعد ذلك فيه يعني فيما فعل في قبوله ذلك الخبر واعتماده عليه.
قال: مع أنه قد تنفع الجن الإنس، وقد تقدم له بعض الخدمة، ونحو ذلك، وهذا صحيح، فحصل أن المقام فيه تفصيل، فإذا كان الاستخدام بطلب الخدمة، فهذا وسيلة إلى الشرك إذا توجه إلى جني مسلم، ولا يجوز أن يؤتى لأحد يقرأ يعرف منه أنه يستخدم الجن المسلمين، وإذا كانت الجن تخدم بعض الناس بدون طلبه، فإن هذا قد يحصل، لكن لم يكن من خلق أولياء الله، ولم يكن مما سخره الله -جل وعلا- لخاصة عباده فلا بد أن يكون عند هذا نوع خلل، حتى كانت الجن تكثر من خدمته وإخباره بالأمور، ونحو ذلك، فإذا كان ذلك بطلب منه فهذا لا يجوز، وهو نوع من أنواع المحرمات؛ لأنه نوع استمتاع.
وإذا كان بغير طلب منه فينبغي له أن يستعيذ بالله من الشياطين فيستعيذ بالله من شر مردة الجن؛ لأنه قد يكون بعد ذلك فيما فعل في قبوله هذا الخبر واعتماده عليه وأنسه به بما كان تعلمه الجن، يكون فيه فتح لأبواب على قلبه بأن يتوسل بالجن أو أن يستخدمهم.
إذا تبين ذلك فإن خبر الجن عند أهل العلم ضعيف، لا يجوز الاحتجاج به عند أهل الحديث، وذكر ذلك أيضا الفقهاء، وهذا صحيح؛ لأن البناء على الخبر وتصديق الخبر هو فرع عن تعديل المخبر، والجني غائب، وعدالته غير معروفة، وغير معلومة عند السامع، فإذا بنى الخبر عمن جاء به له من الجن، وهو لم يرهم، ولم يتحقق عدالتهم إلا بما سمع وهي لا تكفي فإنه يكون قد قبل خبر فاسق، ولهذا قال الله -جل وعلا-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ والذين يقبلون إخبار الجن وإعلام الجن لهم ببعض الحوادث حصل منهم مفاسد متنوعة كثيرة، حيث إنهم جزموا بصحة ما أخبرتهم به الجن، فربما حصل منهم قيل وقال، يعني: من الناس في ذلك الذين أخبروا بذلك.
ويحصل بعد ذلك من جرائها مفاسد، وقد تفرقت بعض البيوت من جراء خبر قارئ جاهل بأن هذا الذي فعل كذا هو فلان، باعتبار الخبر الذي جاء، ويكون الخبر الذي جاءه من الجني خبر كذب، ويكون هو اعتمد على نبأ هذا الذي لا يعلم عدالته، وبنى عليه، وأخبر به، وصار من جرائه فرقة واختلاف، وتفرق وشتات في البيوت.
ونعلم أنه قد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم -رحمه الله- إن إبليس ينصب عرشه على الماء ويبعث سراياه فيكون أحب جنوده إليه من يقول له: فرقت بين المرأة وزوجها .
وهذا في جملة التفريق، والتفريق بين المرأة وزوجها؛ لأنه هو الغالب، وأحب ما يكون إلى عدو الله أن يفرق بين المؤمنين، ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أيضا مسلم وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم .
فهذه المسألة يجب عليكم -كطلبة علم- أن تسعوا في إنكارها، وأن تبذلوا الجهد في إقامة الحجة على من يستخدم الجن، ويتذرع أن بعض العلماء أباح ذلك.
وهذا وسيلة من وسائل الشرك بالله -جل وعلا-واقرءوا أولا كتاب تاريخ نجد لابن بشر حيث قال: إن سبب دخول الشرك إلى قرى نجد أنه كان بعض البادية إذا أتى وقت الحصاد، أو أتى وقت خرف النخيل، فإنهم يقطنون بجانب تلك القرى ومعهم بعض الأدوية، ومعهم بعض الأعشاب، فإذا كانوا كذلك، ربما سألهم بعض جهلة تلك القرى حتى حببوا إليهم بعض الأفعال من جراء سؤالهم، حببوا إليهم بعض الشركيات أو بعض البدع، ثم شيئا فشيئا حتى فشا ذلك.
وعليه يكون من أسباب انتشار الشرك في هذه الديار يعني: في نجد وما حولها بحسب ما ذكر ابن غنام من جهة المتطببين الجهلة، أو من جهة القراء المشعوذين، أو القراء الجهلة.
وقد حصل أيضا في هذا -ولو أطلنا بعض الشيء- أن بعض من يستخدم الجن كَثُر عنده الناس، ولما كثُر عنده الناس سار يعالج علاجا نافعا، وبعد ذلك تسخرت له فئات من الجن أكثر حتى ضعف تأثيره، فلما ضعف تأثيره، وعرف أن ما عنده من الحالات التي تأتيه للقراءة أو للعلاج أنه لم يستطع معها شيئا صار تعلقه بالجن أكثر.
ولا زال ينحدر ما في قلبه من قوة اليقين، وعدم الاعتماد بقلبه على الجن حتى اعتمد عليهم شيئا فشيئا ثم حرَّفُوه -والعياذ بالله- عن السنة، وعما يجب أن يكون في القلب من توحيد الله وإعظامه، وعدم استخدام الجن في الأغراض الشركية، فجعلوه يستخدم الجن في أغراض شركية وأغراض لا تجوز بالاتفاق.
إذن فهذا مما يجب رفضه، ووسائل الشرك يجب علينا أن ننكرها وسائل الغواية يجب علينا أن ننكرها، ووجود من يستخدم الجن ويعلن ذلك ويطلب خدمتهم في الإخبار هذا مبني على جهل في الحقيقة بالشرع، وعلى جهل بوسائل الشرك، وما يصلح المجتمعات، وما يفسدها والله المستعان. نعم، قرأتَ الباب؟.
باب قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وقوله: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ .
ذكرنا لكم بالأمس أن هذا الباب مع الباب الذي يليه مناسبته لكتاب التوحيد أن هذين البابين هما برهان للتوحيد، برهان لاستحقاق الله -جل وعلا- العبادة وحده، وعلى بطلان عبادة ما سواه، وهذا البرهان هو بتقرير أن الله -جل وعلا- واحد في ربوبيته، ودليل ذلك الفطرة، ودليل ذلك العقل، ودليل ذلك أيضا النص من الكتاب والسنة.
فلا أحد ينكر أن الله -جل وعلا- هو مالك الملك، وهو الذي بيده تصريف الأمر كيف يشاء، إلا شرذمة قليلة من الناس -كما قال الشهرستاني وغيره- لا يصح أن تنسب لهم مقالة؛ فالناس مفطورون على الإقرار بالرب، وعلى الإقرار بأنهم مخلوقون.
وإذا كان كذلك فإن الحجة عليهم في وجوب توحيد الألوهية أن الله جعل في فطرهم الإقرار بأن الله واحد في ربوبيته، ولهذا المشركون لا ينكرون أن الله -جل جلاله- واحد في خلقه، واحد في رزقه يعني: أنه هو الخلاق وحده، وأنه هو الرزاق وحده، وأنه جل وعلا هو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يجير ولا يجار عليه، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو الذي ينبت النبات، وهو الذي ينزل الماء إلى آخر أفراد تدبيره جل وعلا للأمر، وأفراد توحيد الربوبية.
فالبرهان على أن الله هو المستحق للعبادة وحده أنه جل وعلا هو مالك الملك وحده، وهو الذي يدبر هذا الملكوت وحده، وهو الذي خلق العباد، والعباد صائرون إليه، أما الآلهة التي توجه إليها العباد بالعبادة من الأنبياء والأولياء، أو الملائكة فإنما هم مخلوقون مربوبون لا يخلقون شيئا، وهم يخلقون، وأيضا لا يستطيعون نصرا لمن سألهم، وإنما ذلك لله جل وعلا.
فإذا كان أولئك ليس لهم من الأمر شيء، وليس لهم من الملك شيء، وليس لهم من الخلق شيء، وليس لهم من تدبير الأمر شيء، وإنما تدبير أمر السماوات، وتدبير أمر الأرض بيد الله وحده دون ما سواه، فإن الذي يستحق العبادة وحده هو الذي يفعل تلك الأفعال، وهو الذي يتصف بتلك الصفات هو الذي وَحَّدَهُ العباد في ربوبيته.
فإذا كان كذلك فيجب أن يكون إذن واحدا في أفعالهم بأن لا يتوجهوا بالعبادة إلا إليه وحده، وهذا كثير في القرآن جدا، فإنك تجد في القرآن أن أعظم الأدلة والبراهين على المشركين في إبطال عبادتهم لغير الله، وفي إحقاق عبادة الله وحده دون ما سواه أنهم يقرون بتوحيد الربوبية، فالإقرار بتوحيد الربوبية برهان توحيد الإلهية، فالله -جل وعلا- احتج في القرآن على المشركين بما أقروا به من توحيد الربوبية على ما أنكروه من توحيد الإلهية.
ولهذا قال جل وعلا: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ يعني أتقرون بذلك فلا تتقون الشرك؛ لأني ذكرت لكم أن الفائدة إذا أتت بعد الهمزة فهي تعطف ما بعدها على جملة محذوفة دل عليها السياق.
أَفَلَا تَتَّقُونَ يعني: أتقرون بأن الله واحد في ربوبيته، فلا تتقون الشرك به، فذلكم الله ربكم الحق باعترافكم وبإيقانكم، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وهذا نوع احتجاج بما أقروا به، وهو توحيد الربوبية على ما أنكروه، وهو توحيد الإلهية.
كذلك الآيات العظيمة في سورة النمل قال جل وعلا: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ هنا إنكار عليهم، أنكر لماذا؟
لأن ما سبق يقرون به أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ يقرون بأن الذي خلقها هو الله؛ فإذن كيف يتخذون إلها مع الله؟ كان هذا إنكارا، من الذي أنزل لهم من السماء ماء فأنبت لهم به حدائق ذات بهجة؟ هو الله، فإذن كيف يتخذون إلها معه ؟!
لهذا قال -جل وعلا-: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ هذا إنكار عليهم بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ يعني: يعدلون بالله غيرَه، أو يعدلون غير الله -جل وعلا- به يعني: يساوون هذا بهذا، أو يعدلون يعني: يصرفون عن الحق، وينصرفون عنه إلى غيره، فكيف يعدلون عن الحق إلى غيره؟ أو كيف يعدلون بالله غيره من الآلهة؟
وهكذا الآية التي بعدها: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا جواب المشركين على هذا السؤال أم من؟ جوابهم هو الله، قال جل وعلا: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .
ثم قال جل وعلا: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ رجع من الآيات التي في الآفاق، وفيما حولهم إلى الشيء الذي يعلمونه علم اليقين: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ .
ثم قال جل وعلا: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
وفي الحقيقة أنه لا برهان لهم، ولهذا قال في آية المؤمنون: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ لا برهان له به، فكل إله لا برهان له، لَا بُرْهَانَ لَهُ يعني: لا حجة قائمة على أنه إله، وإنما اتخذه البشر بالطغيان وبالظلم وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ .
فهذا الباب قائم على هذه الحجة، ولهذا من أعظم الحجة على المشركين، وعلى الذين توجهوا إلى الأموات، توجهوا إلى المقبورين بطلب تفريج الكربات، وطلب إغاثة اللهفات، وطلب إنجاح الحاجات، وسؤال ما يحتاجه الناس، أعظم الحجة عليهم أن تحتج عليهم بتوحيد الربوبية.
وهؤلاء المشركون في هذه الأزمنة زادوا كما قال الشيخ -رحمه الله- في القواعد الأربع، زادوا على مشركي الجاهلية بأنهم اعتقدوا أن لتلك الأموات أن لهم تصرفا في الكون أيضا، فنسبوا إليهم شيئا من الربوبية، ولم يجعلوا توحيد الربوبية أيضا خالصا.
وهذا البرهان برهان عظيم ينبغي لك أن تتوسع في دلائله، وأن تعلم الحجة في القرآن منه؛ لأن القرآن كثيرا ما يحتج بهذا البرهان، وهو توحيد الربوبية على ما ينكره المشركون، وهو توحيد الإلهية.
من ذلك ما ساقه الشيخ -رحمه الله- في هذا الباب قال: باب قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ هذا إنكار وتوبيخ لهم، كيف يشركون الذي لا يخلق شيئا وهم يخلقون، ومن الذي خلقهم، هو الله -جل وعلا- هو الذي خلق من عُبِدَ، وهو الذي خلق العابد أيضا، فالذي يستحق العبادة وحده دونما سواه، إنما هو الله ذو الجلال والإكرام.
قال: وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا لأن النصر في الحقيقة إنما هو من عند الله -جل وعلا- لو أراد الله أن يمنع نصر الناصر لمنعه. قال وقوله: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ الآيات.
قال: مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ وهذا موطن الشاهد قوله: مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ حتى هذا القطمير، وهو غلاف النواة، أو الحبل الواصل من أعلى النواة أي: ظاهر الثمرة، هذا لا يملكونه، فغيره مما هو أعلى منه من باب أولى وأولى، فحتى هذا الشيء الحقير لا يملكونه مما لا يحتاجه الناس، ولا يطلبونه فكيف إذن يطلبون منهم أشياء لا يملكونها، قال جل وعلا هنا: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الذين هذا اسم موصول يعم كل ما دعي من دون الله: الملائكة أو الأنبياء والرسل، أو الصالحين من الأموات، أو الصالحين، أو الجن أو الأصنام والأشجار والأحجار كل مَن دُعِيَ وما دُعِيَ فإنه لا يملك ولو قطميرا، لا يملك هذا فإذن لِمَ يُسْأَل، فالواجب أن يتوجه بالسؤال لمن يملك ذلك.
ذكر الشيخ -رحمه الله- بعد ذلك عدة أحاديث في هذا الباب، وهذه الأحاديث مدارها على بيان قول الله -جل وعلا-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ووجه الاستدلال من هذه الأحاديث وإيراد هذه الآية أن هذا النفي توجه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو -عليه الصلاة والسلام- سيد ولد آدم، ليس لك يا محمد من الأمر شيء.
واللام في قوله: "لك" لام الاستحقاق، أو لام الملك يعني: لا تستحق شيئا، أو لا تملك شيئا، يعني: لا تستحقه بذاتك، وإنما بما أمر الله -جل وعلا- وبما أذن به، فتعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومحبة النبي -عليه الصلاة والسلام- هي فرع عن محبة الله، وعن تعظيم الله -جل وعلا- فما هو أبعد أو أعظم مما أذن الله به، فليس له ذلك، أو كذلك الملك، ملك الأشياء، أو ملك شيء من الأمر، فإنه ليس له عليه الصلاة والسلام ذلك، قال الله -جل وعلا-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ .
ولو كان له عليه الصلاة والسلام من الأمر شيء لنصر نفسه وأصحابه يوم أحد، ولكن في يوم أحد حصل ما حصل، فأنزل الله -جل وعلا- قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ كذلك الحديث الآخر لما لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قنوت الفجر فلانا وفلانا من الناس الذين آذوا المؤمنين نزل قول الله -جل وعلا-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ .
يعني: لست تملك شيئا من الأمر، وهكذا في الحديث الذي بعده، وهذه الأحاديث دالة على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفى عنه أن يملك شيئا من ملكوت الله، وإذا كان كذلك، فإنه عليه الصلاة والسلام قد بَلَّغَ ذلك وبَيَّنَه، ومَن هو دونه عليه الصلاة والسلام من باب أولى.
فالملائكة أولى أن ينفى عنهم ذلك، والأنبياء أولى أن ينفى عنهم ذلك، وكذلك الصالحون من أتباع الرسل، وأتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- كذلك أولى أن ينفى عنهم ذلك.
فإذا كان كذلك بطلت كل التوجهات إلى غير الله -جل وعلا- ووجب أن يتوجه بالعبادة، وبأنواع العبادة من الدعاء والاستغاثة والاستعاذة، والذبح، والنذر، وأنواع التوجهات إلى الحق -جل وعلا- وحده دونما سواه.
الحديث الأخير لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا .
وهذا ظاهر في أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يستطيع أن يفعل شيئا بما ينفع به الأقربين، إلا ما جعل الله له من الرسالة والبلاغ وأداء الأمانة. وأما أنه يغني عنهم من الله شيئا، يغني عنهم العذاب، يغني عنهم النكال، يغني عنهم العقوبة، فالله -جل وعلا- لم يجعل لأحد من خلقه من ملكوته شيئا، وإنما هو سبحانه المتفرد بالملكوت والجبروت والمتفرد بالجمال بالكمال والجمال والجلال، | |
|