صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صحبة الخير

منتدي اسلامي ثقافي دعوي اجتماعي عام
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
 
بسم الله الرحمن الرحيم

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
صدق الله العضيم


 

 المحرمات في الزواج 5

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
soft
مشرف عام
مشرف عام
soft


عدد المساهمات : 2125
نقاط : 5953
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 20/05/2011

المحرمات في الزواج  5 Empty
مُساهمةموضوع: المحرمات في الزواج 5   المحرمات في الزواج  5 Emptyالخميس يوليو 21, 2011 11:12 pm

- الجمع بين الأختين ومن في حكمهما:

اتفق الفقهاء على حرمة الجمع بين الأختين نسباً في الزواج في وقت واحد، سواء أكانتا أختين شقيقتين أو لأب أو لأم ، سواء بعقد واحد أو بعقدين متتابعين، إلا أنه إن تزوجهما بعقد واحد بطل العقد في حقهما معا لعدم المرجح، وإن بعقدين متتابعين مستوفين الشروط الأخرى، صح عقده على الأولى، لعدم المفسد، وبطل على الثانية، لأن به تم الجمع، فإذا كانا متتابعين ولم يعلم الأول منهما، أو علم ثم نسي، فسد العقدان، لعدم ما يرجح أحدهما على الثاني، وقلنا هنا بالفساد لا بالبطلان لعدم الجزم بالمحرم منهما على الخصوص، وهو شبهة ينزل العقد بها من باطل إلى فاسد، و ذلك لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ....... وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:23).

وقد ألحق عامة الفقهاء الأختين رضاعاً بالأختين نسبا،ً لعموم لفظ الآية الكريمة السابقة، ونص الحديث الشريف: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) رواه البخاري، وخالف في ذلك ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقصرا المنع على الأختين نسباً دون الرضاع.

كما ألحق عامة الفقهاء بالأختين في حرمة الجمع، المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، نسباً أو رضاعاً، وكذلك عمة الأم وعمة الأب، وإن علت، وخالة الأم وخالة الأب، وإن علت، لأنهما في اللغة عمة وخالة، وذلك أخذا بدلالة النص في الآية السابقة الكريمة، فإن حرمة الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها أولى من حرمة الجمع بين الأختين، لأن الخالة والعمة في مقام الأم، والجمع بين البنت وأمها محرم بالإجماع، فكذلك هاتين، ثم أخذا بالحديث الصحيح، وهو ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ مختلفة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا)، وفي رواية أبي داود: (لا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا وَلا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى).

وخالف الخوارج والجعفرية في الراجح من مذهبهم[28] في ذلك، وذهبوا إلى أن الجمع الممنوع هو الجمع بين الأختين فقط، لنص القرآن الكريم، أما الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، فجائز عندهم لعدم النص عليه في الآية الكريمة، ولدخوله في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) (النساء: من الآية24))، إلا أنهم اشترطوا لحل الجمع بينهما إذن الزوجة الأولى إذا كانت هي العمة أو الخالة، فإن كانت الأولى هي بنت الأخت أو بنت الأخ لم يشترطوا رضاها لحل الجمع.

هذا ودليل الجعفرية والخوارج هنا ضعيف جداً لأسباب، منها:

1- مخالفته للحديث الشريف الصحيح الذي يرتقي إلى المشهور، وهو ما تقدم مما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا).

2- مخالفته لما يقولون به مع سائر الفقهاء من حرمة الجمع بين المرأة وأمها، مع أنه غير وارد في الآية الكريمة السابقة.

هذا وحرمة الجمع بين الأصول والفروع محل اتفاق الفقهاء لم يخالف في ذلك أحد، ذلك أنه لو كانت البنت هي الزوجة الأولى، فالأم محرمة عليه مؤبدا، جمعاً وغيره،ً بنص القرآن الكريم، في قوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) (النساء: من الآية23) ، وإن كانت الأم هي الأولى أو تزوجهما معاً فالثانية، وإن كانت لا تحرم عليه مؤبداً إلا بعد الدخول بالأم بقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ)(النساء: من الآية23)، فإن الجمع بينهما محرم بدلالة النص في الآية الكريمة (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء: من الآية23)، فإن الجمع بين الأم وابنتها أفحش من الجمع بين الأختين بالاتفاق، فلا أقل من أن يكون محرما مثله.

هذا وقد وضع جماهير الفقهاء لحرمة الجمع بين المَحرمين قاعدة تجمع ما يحرم الجمع بينهما، وتخرج ما لا يحرم جمعهما، وهي: أن كل امرأتين لو فرضت كل منهما ذكراً لم تحل له الأخرى يحرم الجمع بينهما، فإذا كانت الحرمة من جهة واحدة وليست من الجهتين فلا يحرم الجمع بينهما، وكذلك غير المحارم أصلاً، وعلى ذلك يكون الجمع بين المرأة وزوجة أبيها مباحا، لأن الحرمة في هذه الصورة من جهة واحدة، ذلك أن بنت الزوج لو فرضت أنثى لم تحل لزوج أبيها باتفاق، ولو فرضت زوجة الأب ذكرا لكان أجنبيا عن تلك الفتاة، لعدم حل تزوجه من أبيها، وكذلك الجمع بين المرأة وأم زوجها للسبب نفسه.

وخالف في ذلك زفر من الحنفية وقال بالتحريم ولو من جهة واحدة فقط، وعلى ذلك يحرِّم زفر الجمع بين المرأة وزوجة أبيها، خلافاً لجماهير الفقهاء، أما الجمع بين بنتي العم وبنتي الخال فمباح بالإجماع، لعدم المحرمة بينهما أصلاً.

هذا في الجمع بين زوجتين محرمين كل منهما من الأخرى، فإذا طلق الأولى، فهل له أن يتزوج بالثانية، كمن كان عنده زوجة فطلقها، ثم أراد الزواج من أختها، فهل تحل له؟

اتفق الفقهاء على حل الأخت ومن في حكمها بعد فراق الأولى وانقضاء عدتها، لأن حرمة الجمع بين المحرمات المؤقتة التي تنتهي بانتهاء مسببها وهو الاجتماع في الزوجية، سواء كان فراق الأولى بطلاق بائن أو طلاق رجعي، ولكن: هل له أن يتزوج بالثانية في عدة الأولى؟

اتفق الفقهاء على المنع من الزواج بالثانية في عدة الأولى إذا كانت عدة طلاق رجعي، لأن المعتدة من طلاق رجعي زوجة حكماً، وذلك ليتمكن زوجها من العودة إليها بدون عقد جديد، فإذا تزوج بها في عدة الأولى كان جامعاً بينهما، فيحرم.

فإذا كان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو كبرى، فقد ذهب الحنفية والحنبلية[29] إلى المنع من التزوج بالثانية أيضا،ً مادامت الأولى في العدة، لأن المعتدة من طلاق بائن زوجة بالجملة، بدليل عدم تمكنها من الزواج من آخر، وبثبوت النفقة لها، وعدم خروجها من بيت الزوج، وهذه كلها من آثار الزوجية، فإذا تزوج بمحرمها وهي في العدة، كان جامعاً بينهما بالجملة، فحرم.

والشافعية والجعفرية على جواز الزواج بمحرم زوجته في عدة الطلاق البائن مطلقاً، بينونة كبرى كانت أو صغرى، لأن البائن يقطع الزوجية، بدليل عدم صحة العود إليها إلا بعقد جديد، فلا يكون جامعاً بينهما، فيجوز.



حكم عقد الزواج الذي جمع فيه بين محرمين:

من استعراض ما تقدم نرى أن الفقهاء اتفقوا على منع الجمع بين الأختين نسباً في الزواج، وبين الأصول والفروع كذلك، واختلفوا في الجمع بين الأختين رضاعاً، وبين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وبين كل امرأتين لو تصورنا إحداهما ذكرا لم تحل له الأخرى، فذهب الجمهور إلى المنع منه وخالف البعض، مثل الخوارج والجعفرية، ومثل ابن القيم وشيخه ابن تيمية، ومثل زفر به الهزيل على وفق ما تقدم، كما خالف الجمهور في الجمع بينهما إن كانت الأولى في العدة، وبناء على القواعد ينبغي أن نحكم ببطلان العقد في الحالات المتفق على حرمة الجمع فيها، وبفساده في الحالات التي جرى فيها اختلاف على حسب رأي من ثبتت الحرمة لديه، أما من يقول بالحل فالعقد صحيح في نظره، هذا ما لم تقترن بالعقد الباطل شبهة تخرج به عن البطلان، كجهل القرابة والمحرمة مثلاً، فإذا وجدت شبهة عد فاسداً، إلا أنني لم أر من فصل هذا التفصيل من الفقهاء، بل أن إن غالبيتهم ينصون على عد العقد فاسداً في كل تلك الأحوال، بدون تفريق بين حرمة متفق عليها وحرمة مختلف فيها، فليتنبه له فإنه خطير.

هذا وقد مشى قانون الأحوال الشخصية السوري في تحريم الجمع بين المحرمين على مذهب الجمهور، فنص في المادة (39) منه على حرمة الجمع بين امرأتين لو فرضت كل منها ذكراً لم تحل له الأخرى، فإن ثبت الحل على أحد الفرضين جاز الجمع بينهما، ولكنه سكت عن حكم الجمع بين المحرمين إذا كانت الأولى في العدة، فوجب الرجوع فيه إلى الراجح من مذهب الحنفية، وفقا ً للمادة (305) من القانون، وقد تقدم حكم هذا المذهب.



4- المرأة التي لا تدين بدين سماوي في حق الرجل المسلم، والمسلمة في حق غير المسلم:

اتفق الفقهاء على حرمة زواج المسلمة بغير المسلم، كتابياًُ كان أو غير كتابي، كما اتفقوا على حرمة زواج المسلم بغير الكتابية، أما بالكتابية فجائز بالاتفاق، والكتابي هو غير المسلم الذي يؤمن بدين له كتاب سماوي، وهم اليهود والنصارى عند جماهير الفقهاء، وأدخل بعض الفقهاء، كالظاهرية -والجعفرية في قول- في الكتابي المجوس وعدوهم منهم، إلا أن الجماهير على خلاف ذلك، وأما غير الكتابي فهو كل من لا يدين بالإسلام ولا باليهودية ولا النصرانية، فيدخل في ذلك عباد الشمس والقمر، وعباد الأصنام والأوثان، ويدخل فيه المرتد عن الإسلام بعد اعتناقه، كما يدخل فيه الملحد، وهو من لا يؤمن بدين أصلاً.

وقد استدل الفقهاء لحرمة زواج المسلمة بغير المسلم مطلقاًُ، وكذلك حرمة زواج المسلم بغير الكتابية، بقوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة:221).

وأما جواز زواج المسلم بالكتابية، فلقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5).

فإن الآية الأولى تدل على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم مطلقاً، وعلى حرمة زواج المسلم من غير المسلمة مطلقاً أيضاً، إلا أن الآية الثانية استثنت من الحكم الأخير حالة زواج المسلم بالكتابية بالنص، لم تستثن من الحكم الأول أي حالة، فبقى على إطلاقه.

والحكمة من منع الزواج مع اختلاف الدين بين الزوجين الرغبة في إبعاد الزواج عن كل ما يمكن أن يثير بين الزوجين الخلاف والشقاق، تأميناً للسكن النفسي، وحسن تربية النشء، وأي اتفاق يمكن أن يكون بين زوجين أحدهما يعبد البقر ويسجد له والثاني يركبه ويأكل لحمه.

وأما حل الكتابية للمسلم، فلما فيه من بعض وجوه التقارب بينهما، فإن الكتابية تؤمن بالله تعالى، وتؤمن ببعض الرسل وبعض الكتب، وتؤمن باليوم الآخر، دون غير الكتابية، فإنها بعيدة عن ذلك كثيراً.

وأما حرمة الكتابي على المسلمة رغم وجود عناصر التقارب بينهما كالحالة السابقة، فإن حكمته أن الغلبة في الأسرة للرجال غالباً، فكان ذلك مظنة إيذائها والإضرار بها، وربما دفعها للارتداد عن الإسلام، وهو مفسدة كبرى، على خلاف المسلم مع الكتابية، فإن ضررها عليه محدود، واحتمال دفعها له إلى الارتداد عن إسلامه مغلوب، فكان جائزاً، إلا أنه مكروه على كل حال، وقد نهى عمر رضي الله عنه عن التزوج بالكتابيات.

هذا وحرمة غير المسلم على المسلمة، وحرمة غير الكتابية على المسلم، حرمة موقوتة ببقاء الوصف المحرِّم، فإذا زال الوصف المحرم زالت الحرمة، كما إذا أسلم غير المسلم، فإن المسلمة تحل له، وكذلك إذا أسلمت غير الكتابية، فإنها تحل للمسلم، إلا أن حل الكتابية للمسلم منوط بدوام هذا الوصف أيضاً، فإذا خرجت الكتابية بعد زواجها من المسلم إلى دين غير كتابي، كالإلحاد مثلاً، أو ارتدت الزوجة المسلمة، فإنها تحرم على زوجها، وذلك للقاعدة الفقهية الكلية: (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً).

وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري على حرمة زواج المسلمة بغير المسلم مطلقاً، وذلك في الفقرة (2) من المادة / 48 / منه، وسكت عن زواج المسلم بغير المسلمة الكتابية أو غير الكتابية، فوجب الرجوع فيه إلى مذهب الحنفية، وفقاً للمادة (305) منه، وقد تقدم تفصيله.



5-المرأة الملاعََنَةُ في حق ملاعِنِها:

الملاعنة هي المرأة التي قذفها زوجها بالزنا ثم عجز عن إثباته بالبينة أو إقرارها، ففي هذه الحال يلاعنها الزوج، ويفرق القاضي بينهما، وتحرم عليه.

وقد اختلف الفقهاء في نوع التحريم الذي يقوم بين المتلاعنين:

فذهب المالكية والشافعية والحنبلية والجعفرية وأبو يوسف من الحنفية، إلى أنه تحريم مؤبد، فلا تحل له بعد للعان أبداً.

وذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وهو الراجح في المذهب الحنفي، إلى أنه تحريم مؤقت، ينقضي بإكذاب الزوج نفسه أمام القاضي، فإذا حصل ذلك أمام القاضي أقام عليه حد القذف، وحلت له زوجته ثانية بعقد جديد.



وقد استدل الجمهور لمذهبهم:

بما رواه سهل بن سعد في قصة المتلاعنين، قال: (قَالَ فَطَلَّقَهَا ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَا صُنِعَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ قَالَ سَهْلٌ حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) رواه أبو داود.

واستدل أبو حنيفة لمذهبه:

1- بأن سبب الحرمة هو فقدان الحد الأدنى من الثقة اللازمة لحسن المعاشرة بين الزوجين بسبب القذف والملاعنة، فإذا كذَّب الزوج نفسه أمام القاضي وتحمل الحد، كان ذلك دليلاً على ندمه وتوبته وعودة الثقة ثانية بين الزوجين، فتزول الحرمة بذلك، وتحل له بعقد جديد.

2- بأن ذلك يغريه بإزالة الضرر عنها وتبرئة ساحتها إن كان فعلاً قد كذب عليها، وفي ذلك مصلحة كبرى لها وللمجتمع وللحقيقة، وهي مصلحة يُحرص عليها، فإذا تزوجها الملاعن قبل أن يكذب نفسه، كان عقده باطلاً للاتفاق على حرمتها عليه، وإذا تزوجها بعد ما أكذب نفسه، فالعقد صحيح عند الحنفية، فاسد عند الجمهور، لخلاف الحنفية فيه.

هذا وقد سكت قانون الأحوال الشخصية السوري في هذا الموضوع، فوجب الرجوع فيه إلى الراجح من مذهب الحنفية، تنفيذا للمادة /305/ منه، وقد تقدم تفصيل هذا المذهب.

أما شروط اللعان ونوع الفرقة الثابتة به ونسب الطفل إن كانت الملاعنة حاملاً، فمحله بحوث انحلال الزواج، وسوف تأتي فيه إن شاء الله تعالى.



6- الخامسة في حق من عنده أربع زوجات:

اتفق الفقهاء على أن للرجل الجمع بين أربع زوجات في وقت واحد، واختلفوا في حل الجمع بين أكثر من أربع منهن، فذهب الجماهير إلى حرمة الجمع بين أكثر من أربع، وذهب الروافض إلى جواز الجمع بين تسع زوجات، وذهب الخوارج إلى جواز الجمع بين ثماني عشرة امرأة.

الأدلــة:

استدل الجمهور على جواز الجمع بين أربع وتحريم الجمع بين أكثر من ذلك، بأدلة، منها:

1- قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) (النساء:3)

2- ما رواه ابن عمر رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان الثقفي حين أسلم وعنده عشرة زوجات أسلمن معه: (أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ) رواه مالك في الموطأ.

3- ما روي عن قيس بن الحارث قال: (أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا) رواه ابن ماجه وأبو داود

واستدل الروافض على جواز الجمع بين تسع زوجات بالآية السابقة، إلا أنهم جمعوا بين المذكورات، فجمعوا اثنين إلى ثلاث إلى أربع، فكان المجموع تسعا، وهو غريب ومخالف للأسلوب العربي.

أما الخوارج فقد ذهبوا مذهب الروافض في جمع الأعداد، إلا أنهم ضاعفوها، لأنهم قالوا: معنى (مثنى) أي اثنين اثنين، وكذلك لفظ ثلاث ولفظ رباع، وهو بعيد عن الأسلوب العربي، إلا كان معنى قول إنسان لخادمه: (أعط الفقراء درهمين درهمين) أي أربعة دراهم لكل واحد، وهو غريب لا يقول به أحد.

فإذا كان عند الرجل أربع زوجات حرم عليه الزواج بأي زوجة أخرى معهن حرمة مغياة بتغيير وصفه ذلك، فإذا طلق إحداهن وانقضت عدتها أو ماتت، حل له التزوج بواحدة بدلاً منها، لزوال وصف الجمع بين أكثر من أربع زوجات عنه بذلك.

وهل له التزوج بأخرى في عدة الرابعة؟

ذهب الحنفية والحنبلية[30] إلى أن المطلقة كالزوجة حكماً، فإذا تزوج بأخرى في عدتها كان جامعاً بين أكثر من أربع زوجات حكماً، فلا يجوز، سواء في ذلك المطلقة بائناً أو رجعياً أو المفسوخ زواجها.

وذهب المالكية والشافعية والجعفرية، إلى أن الطلاق إذا كان رجعياً حرم عليه التزوج بخامسة حتى انقضاء عدة الرابعة المطلقة، لأن المطلقة رجعياً في العدة زوجة حكماً، فإذا كان الطلاق بائناً، حل له التزوج بغيرها في عدتها، لأن البائن يقطع الزوجية فوراً، على خلاف الرجعي.

وعلى هذا فإذا تزوج خامسة مطلقاً، أو في عدة الرابعة من طلاق رجعي، كان عقده باطلاً، للاتفاق على حرمتها عليه، ولا عبرة بخلاف الروافض والخوارج، لسقوط دليلهم.

فإذا تزوج الخامسة في عدة المطلقة بائناً أو من فسخ، صح زواجه عند الجمهور، وفسد عند الحنفية والحنبلية، ولم يعد باطلاً عندهم، لخلاف الجمهور فيه، فإذا مضت عدة الرابعة فتزوج بغيرها، صح زواجه بالاتفاق، لعدم الجمع بين أكثر من أربع أصلاً.

وقد أخذ القانون الأحوال الشخصية السوري في هذا بمذهب الحنفية والحنبلية، ونص عليه في المادة /37/ منه، ونصها: (لا يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلق إحدى زوجاته الأربع وتنقضي عدتها).



حكمة إباحة تعدد الزوجات:

هذا ولا بد هنا من إشارة عابرة إلى حكم تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية وحكمته، وذلك بياناً للدافع، ورداً على شبهات تثار بين الفينة والفينة:

اتفق الفقهاء على جواز جمع المسلم بين أربع زوجات، لصراحة نص القرآن الكريم وهو قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) (النساء:3) لم يخالف في ذلك أحد، وقد تقدم أن البعض أجاز الجمع بين تسع أو ثماني عشرة، إلا أنه شاذ لا يعول عليه لضعف دليله.

ولكن هل لهذا الجمع شروط لا بد من توافرها، ثم ما هي الحكمة منه؟

لقد أشارت الآية الكريمة في آخرها إلى شرط واحد لا بد من توافره لحل التعدد، فإذا انعدم هذا الشرط حرم التعدد، وهو انتفاء الخوف من عدم العدل بين الزوجات، قال تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)، وقد بين الفقهاء أن العدل المشروط هنا هو العدل في النفقة والمسكن والمبيت وحسن المعاشرة، وهو العدل الظاهر المقدور للإنسان، وأما ما وراء ذلك من الميل القلبي فليس مشروطاً، وليس داخلاً في العدل المطلوب بالاتفاق، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة) (النساء: من الآية129)، فقد نفى سبحانه إمكان العدل القلبي ورخص في التغاضي عنه لذلك، واكتفى ببذل الجهد بعدم الإغراق فيه، وذلك تطبيقاً للقاعدة الفقهية الكلية: (التكليف بما لا يطاق ممنوع) وهي مضمون قوله سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (الحج: من الآية78).

كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يبذل الجهد في العدل بين نسائه، ثم يناجي ربه قائلاً: (اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ) رواه أَبُو دَاوُد.

ويؤيده أيضاً إقدام الصحابة على تعديد الزوجات، وكذلك التابعون، وهو محل إجماع المسلمين إلى يومنا هذا، ولو كان العدل المطلوب للتعدد هو العدل الذي قرر الله تعالى استحالته، لعُدَّ كل أولئك المعددين آثمين، وهو محال، وبذلك يرد على من يدعي أن الله تعالى حرم التعدد بطريق غير مباشر، حيث جعل العدل شرط التعدد، ثم قرر بعد ذلك أن العدل مستحيل، وذلك لأن العدل المشروط هو غير العدل المحال كما تقدم.

ولكن أيعد العقد على الثانية والثالثة والرابعة غير صحيح إذا اقترن بخوف عدم العدل، أم هو شرط دياني لا يؤثر فواته في صحة العقد؟

اتفق الفقهاء على أنه شرط دياني لا يؤثر فواته في صحة العقد، ذلك أن العدل أمر قلبي خفي لا إطلاع لأحد عليه، وما كان كذلك لا يكون مناطا لصحة العقد، ولهذا قرر الفقهاء جميعاً أن العقد على الثانية والثالثة والرابعة صحيح وأن خيف عدم العدل، إلا أن الزوج آثم إذا أقدم على الزواج هذا وهو يخشى عدم العدل، ثم إن خوف عدم العدل المشروط هو الظن وهو دون اليقين، فإذا تيقن عدم العدل فكذلك يعد آثما من باب أولى، إلا أن العقد صحيح، فإذا شك في ذلك شكا فقط، صح العقد ولا إثم عليه، لأنه دون الظن المطلوب.

وقد نص بعض المحْدَثين من الفقهاء على أن للتعدد شرطاً ثانياً، وهو القدرة على الإنفاق على أكثر من زوجة، مستدلين بقوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور: من الآية33)، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري.

إلا أن ذلك في الواقع شرط في الزواج عامة، وليس خاصاً بحالات التعدد، فلا ينبغي ذكره هنا، ثم إنه على الاعتداد به فهو شرط دياني وليس شرطاً قضائياًَ تتوقف عليه صحة العقد، مثله في ذلك مثل خوف عدم العدل، وذلك لعدم انضباطه من جهة، ولأن العاجز عن النفقة اليوم قد يكون قادراً عليها غدا، والقادر عليها اليوم قد يكون عاجزاً عنها غداً أيضاً، ولهذا عده الفقهاء شرطاً ديانياً لا قضائياً.

وبهذا نستطيع القول بأن التعدد مباح بدون أي شرط قضائي، وكل ما يهتف به بعض الناس بين الفينة والفينة من إخضاع التعدد لرقابة القضاء أو لشروط معينة فلا دليل عليه مطلقاً، وهو خروج عن مدلول الأدلة السالفة.



وأما الحكمة من هذا التعدد، فلبيانها أشير إلى ما يلي:

إن الحسن في الأشياء غالباً نسبي، فليس هناك شيء هو خير كله، ولا شيء هو شر كله، إلا نادرا، ولهذا كان دائماً الحكم للغالب.

فالجهاد مثلاً ذروة سنام الإسلام، مع أن فيه إزهاق الأرواح وإتلاف الأموال. ... إلا أن جانب الحسن فيه ظاهر، وهو تثبيت الدين وحفظ الملة وحماية الوطن. ... وهو حسن غالب دون شك، فكان مشروعاً لذلك.

والخمرة في مقابل ذلك مفاسدها كثيرة، بل هي أم المفاسد، إلا أن فيها جانبا حسنا، فهي نوع غذاء، وفي إعدادها والاتجار بها منافع مالية لبعض الناس، إلا أن جانب المفسدة فيها راجح، فكانت حراماً لذلك، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى، فقال سبحانه: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) (البقرة: من الآية219).

وكذلك تعدد الزوجات، فإن فيه محاسن ومساوئ، إلا أن جانب المحاسن فيه هو الراجح، فكان مباحاً لذلك.



فمن مساوئ التعدد:

1- أنه يؤذي مشاعر الزوجة الأولى، وهو أمر فطر الله تعالى النساء عليه، ولا تتنزه عنه واحدة منهن.

2- ويثير الحساسيات والأحقاد بين الضرائر، ويثير بينهن الشحناء والبغضاء أحياناً، وهو أمر مكروه لا يرضى به العقلاء.

3- يثير بين أولاد الضرائر الحساسيات أحياناً أيضاً، وقد ينجم عنه قطع الرحم بين الإخوة.



أما محاسن التعدد، فمنها:

1- أنه يتيح الزواج لكل النساء، أو لأكبر مجموعة ممكنة منهن، ذلك أن الإحصائيات الدولية تدل على زيادة عدد النساء على عدد الرجال في كل المجتمعات والأزمنة، وهذه الزيادة النسبية تزيد وتنقص بحسب الأحوال والظروف، إلا أنها موجودة دائماً، وهو أمر لا جدال فيه، ولا يمكن استقطابهن جميعاً في دائرة الزواج مع اختلال النسبة إلا بإباحة التعدد، فإذا منع التعدد -كما لجأت إليه بعض الأنظمة الأخرى- نتج عن ذلك خطران كبيران حتماً، وهما:

آ - شيوع الزنا، ذلك أن قدرة الإنسان على كبت مشاعره وغرائزه وميوله، وبخاصة ميوله الجنسية، محدودة بحدود ضيقه جداً، وفي أغلب الأحوال تتجاوز هذه الغرائز الحدود وتنطلق بهوج مخربة الحضارات ومهدمة الأخلاق، وما وصل إليه الأمر في أوربا خير شاهد على ذلك، وقد نوه بذلك كثير من علماء الغرب، ومنهم (شوبنهور الفيلسوف الألماني) حيث قال: (ولقد أصاب الشرقيون -وهو يعني المسلمين – مرة أخرى في تقريرهم لمبدأ تعدد الزوجات، لأنه مبدأ تحتمه وتبرره الإنسانية، والعيب أن الأوربيين في الوقت الذي يستنكرون فيه هذا المبدأ نظرياً يتبعونه عملياً، فما أحسب أن بينهم من ينفذ مبدأ الزوجة الواحدة على وجهه الصحيح ) [31].

ومنهم (جوستاف لوبون) حيث قال: (إن تعدد الزوجات المشروع عند الشرقيين أحسن من عدم تعدد الزوجات الريائي عند الأوربيين وما يتبعه من مواكب أولاد غير شرعيين) [32].

ومنهم كاتبة غربية كتبت فقالت: (لقد كثرت الشاردات من بناتنا، وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك -وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزناً-: وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني وتوجعي وتفجعي وإن شاركني الناس فيه جميعاً؟ لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة السيئة، ولله در العالم الفاضل (تومس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الشافي وهو إباحة التزوج بأكثر من واحدة، وبهذه الإباحة يزول البلاء لا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوربي على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة، أي ظن وخرص يحيط بعدد من الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين الذين أصبحوا كلاً وعالة وعاراً على المجتمع الإنساني؟ فلو كان تعدد الزوجات مباحاً لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هن فيه من العذاب الهون، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين) [33].

ومنهم كاتبة أخرى وهي (مس آن رود) نشرت مقالاً في جريدة (ألا يسترن ميل) في العدد الصادر في 10/5/1901 م قالت فيه: (ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف والطهارة) [34].

ب- كبت الغريزة والميل الجنسي في نفوس أولئك النساء اللواتي لا يجدن زوجا، نظرا لزيادة عدد النساء على عدد الرجال، تلك الزيادة التي ترفعها الحروب والفتن أحياناً إلى درجات عالية جداً، فتمنع هؤلاء من حق إنساني طبعي فطرهن الله تعالى عليه، هو أمر ينافي الفطرة الإنسانية، وينافي العدالة التي تقضي بأن تكون فضائل الله تعالى ونعمه متاحة للجميع على حد سواء.

وهذان أمران لا يرضى بهما عاقل، ولا يقبل بهما مؤمن عادل، ولا مناص للتخلص منهما من إباحة تعدد الزوجات.

2- كثير من الرجال لا تندفع شهوتهم بزوجة واحدة، إما لفرط شبق فيهم، وإما لعذر في الزوجة، من حمل أو مرض أو برود جنسي .... أو لأنها تمكث في الحيض نصف عمرها أو ثلثه، وتمكث في النفاس أربعين يوماً عند كل مولود، وعندها لا مندوحة من الحكم بإباحة التعدد له، أو أن ينطلقن في الصلات غير المشروعة مع الأخريات، وعندها تكون الطامة.

3- بعض الزوجات يتعطلن عن الإنجاب، أو عن القيام بأعباء الزوجية أصلاً في سن معينة، ويكون الزوج في حاجة إلى الاستمرار في حياته على نهجه السابق، وهنا لا مناص من الإذن بالتعدد أو اللجوء إلى طلاق الزوجة، والتعدد أرحم بهذه الزوجة الأولى من طلاقها دون شك، كما لا يضر الزوجة الثانية الجديدة أيضاً لأنها عالمة بالأمر وراضية به من سابق، وربما يشير إلى هذا المعنى ما حصل من تفضيل السيدة سودة بنت زمعة أم المؤمنين رضي الله عنها أن تبقى زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتنزل عن قسمها في المبيت لعائشة رضي الله عنها على أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم.

4- إذا كان في الزواج من ثانية وثالثة ورابعة إساءة إلى الزوجة الأولى، فإن في تركه إساءة أكبر إلى أولئك النساء اللواتي لا يجدن زوجاً، نظراً لكثرة عددهن على عدد الرجال، ذلك أن حصول المرأة على نصف زوج (إن صح التعبير) أهون من عدم الحصول على زوج أصلاً، والقاعدة الفقهية الكلية تقول: (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف) [35].

5- في إباحة التعدد إكثار النسل، وهو مطلب من طالب الشريعة الإسلامية، ومصلحة من المصالح التي تحرص عليها، وقد أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث شريف، من ذلك: ما رواه معقل بن يسار رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلا أَنَّهَا لا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ) رواه النسائي وأبو داود.



من استعراض ما تقدم نرى أن محاسن التعدد أكثر من مساوئه بكثير، ولهذا جعله الإسلام مشروعاً، لغلبة المحاسن هذه، هذا إلى جانب أن الإسلام فرض على الأزواج المعدّدين العدل بين الزوجات في كل ما يستطاع العدل فيه، مما يقلل من المساوئ وينزل بها إلى الحد الأدنى، فتصبح هدراً لا قيمة لها ولا أثر أمام تلك المحاسن والمصالح المشار إليها.

وقد اتجه قانون الأحوال الشخصية السوري اتجاه الفقهاء في إباحة التعدد إلى أربع زوجات، إلا أنه أشار في المادة (17) منه إلى أن للقاضي أن لا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي، وكان الزوج قادراً على نفقتهما، وهذه القيود وإن كانت لا دليل عليها ولا مسوغ لها، إلا أنها في الحقيقة أمور إجرائية شكلية لا تمس جوهر الموضوع، ذلك أن موافقة القاضي وإذنه بالعقد في الأصل أمر شكلي، فالعقد صحيح بدون هذه الموافقة، وإنني أرى أن يلغى هذا القيد، ويبقى الأمر في نصابه الشرعي بدون قيد ولا شرط، إلا ذلك الشرط الديني المتروك لضمير الزوج وخلقه، وهو خوف عدم العدل، ذلك لأن هذا الشرط الشكلي بدأ بدفع الأزواج إلى عقد الزواج خارج المحكمة، وهو ما يسمى بالزواج العرفي، وفي ذلك مفسدة لا أعتقد أن المشرع السوري يرضى بها.

وقد نص مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية في المادة /31/ منه على جواز التعدد إلى أربع زوجات، بشرط إذن القاضي، وقد اشترط لإذن القاضي بذلك شروطا، وهي :

1- أن تكون هناك مصلحة.

2- أن تكون للزوج كفاءة مالية لإعالة أكثر من زوجة.

3- أن تشعر المرأة بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها.

4- أن تخبر الزوجة بأن زوجها يرغب في الزواج عليها.

وهذا في نظري تحكم بغير دليل، إلى جانب أن فيه دفعاً للأزواج للجوء للعقد العرفي، ثم إن فيه إثارة الفتن والأحقاد، وإلغاء مبدأ تعدد الزوجات من أصله، وقد تقدم أنه مصلحة راجحة لا غنى عنها في كثير من الحالات.

ولا بد لي في الختام من أن أقول: إن عامة الفقهاء على أن الزواج من واحدة فقط هو الأصل والعزيمة، وأما التعدد فهو رخصة على الرجل أن لا يلجأ إليها إلا عند الحاجة أو المصلحة، مع ظن العدل بين الزوجات، وأن لا يجعله طريقاً للذة المحضة أو اللعب بأعراض الناس والعبث بها ، لأن للتعدد محاظيره ومساوئه كما تقدم، فلا ينبغي اللجوء إليه إلا عند غلبة محاسنه بتوافر المصلحة فيه، إلا أن ذلك أمر ديني لا يجوز أن يكون لأحد الرقابة عليه.

ثم إنني هنا أستحث السلطات القضائية المعنية، والسلطات المنظمة، أيضاً إلى اقتراح عقوبات مناسبة في حق الأزواج المعديين الذين يتهاونون في أمر العدل المطلوب بين الزوجات، وأن يحملوهم على التزامه بكل الطرق الممكنة، فإنه حق للسلطة وواجب عليها، وبه وحده تنتظم الأمور، وتنزل مآخذ تعدد الزوجات إلى حدها الأدنى، وتتوفر المصالح المرتبطة به على وجهها الأكمل.



[1] المغني 7/41.

[2] المصباح المنير ومختار الصحاح مادة (صهر).

[3] ابن عابدين 3/32-33. والمغني 7/42-44.

[4] انظر المصباح المنير ومختار الصحاح مادة (رضع).

[5] أبو زهرة ص83.

[6] الصابوني، بتصرف قليل 1/174.

[7] فتح القدير 3/5.

[8] الشرح الكبير في هامش الدسوقي عليه 2/503، وانظر الفقه على المذاهب الأربعة 4/253.

[9] بدائع الصنائع للكاساني 4/6.

[10] ابن عابدين 3/223

[11] ابن عابدين 3/224 الطبعة الجديدة نقلاً عن البحر والخانية وكافي الحاكم والهداية والبزارية.

[12] منح الجليل 2/429

[13] الدسوقي 2/506-507

[14] المغني 8/161

[15] مغني المحتاج 3/424

[16] المغني مع الشرح الكبير 9/228

[17] مغني المحتاج 3/424.

[18] ابن عابدين 3/224-225 الطبعة الجديدة.

[19] المغني 8/161.

[20] المنهاج 3/425 , والمغني مع الشرح الكبير 9/.224

[21] المنهاج 3/425.

[22] انظر المغني مع الشرح الكبير 9/224.

[23] انظر مغني المحتاج 3/423.

[24] ابن عابدين 3/224 الطبعة الجديدة .

[25] ونقل الترخيص فيه عن سعيد بن المسيب، وأبي مسلمة بن عبد الرحمن, وسليمان بن يسار, وعطاء, والنخعي, وأبي قلابة, وروي ذلك عن ابن الزبير وجماعة من أصحاب رسول الله r غير مسمَّين, لأن الرضاع من المرأة لا من الرجل, انظر : المغني لابن قدامة الحنبلي 7/477 طبعة الشرح الكبير.

[26] انظر المدخل الفقهي ص154.

[27] انظر أحكام الأسرة في الإسلام للأستاذ محمد مصطفى شلبي ص 208.

[28] انظر الفقه على المذاهب الخمسة لمحمد جواد مغنية ص309 والمغني 7/36-37.

[29] المغني 7/45 .

[30] المغني 7/8.

[31] انظر مقالات الكوثرى نقلاً عن مجلة ( العرب ) المشهورة في بومباي عام / 1364هـ.

[32] انظر شلبي ص 241 نقلاً عن (الإسلام والحضارة العربية) لمحمد كرد علي 1 / 81.

[33] انظر شعبان ص 191- 192 نقلاً عن تفسير المنار 4 / 360.

[34] انظر شعبان ص 191- 192 نقلاً عن تفسير المنار 4/360.

[35] انظر المادة / 27/ من جملة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المحرمات في الزواج 5
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
صحبة الخير  :: الاقسام الدينية :: «۩۞۩ الفقه الاسلامي ۩۞۩»-
انتقل الى: