المحرمات على التوقيت:
1 - زوجة الغير أو معتدته.
2 - المطلقة ثلاثاً في حق مطلقها.
3 - الجمع بين الأختين، أو بين المرأة وعمتها، أو المرأة وخالتها.
4 - المرأة التي لا تدين بدين سماوي في حق المسلم، والمسلمة في حق غير مسلم.
5 - الملاعَنة في حق ملاعِنها.
6 - الخامسة للمتزوج بأربعة.
وتفصيل ذلك كما يلي:
المحرمات على التوقيت سبب تحريمهن مرتبط بعلَّة موقوتة تنقضي بانقضاء الزمان، على خلاف المحرمات على التأبيد، فإن سبب تحريمهن لا ينقضي، وتطبيقاً للقاعدة القائلة: (الحكم يدور مع علته وجودا وعدما) [26] نقرر أن سبب التحريم إذا انقضى انتفى التحريم وعاد الحل المنصوص عليه في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) (النساء: من الآية24).
وأسباب التحريم المؤقت متعددة، اتفق الفقهاء في بعضها واختلفوا في بعضها الآخر على الشكل الآتي:
1- زوجة الغير ومعتدته:
اتفق الفقهاء على تحريم زوجة الغير ومعتدة الغير مادامت متحققة بوصفها هذا فإذا طلقها الغير أو مات عنها وانقضت عدتها ، زال الوصف المحرم عنها فحلت.
أما تحريم زوجة الغير فلما فيه من الاعتداء على هذا الغير مما يثير الشحناء والأحقاد، ولما فيه من اختلاط الأنساب، وأما معتدة الغير فتحريمها لما يحصل فيه من اختلاط الأنساب في كثير من الأحوال، لأن لزوجها العود إليها في العدة ما لم تكن البينونة كبرى، فكان في زواجها من غيره تفويت حقه عليه، وهو نوع اعتداء عليه فكان محرما لذلك، ودليل تحريم زوجة الغير هنا لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيما، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:23/24).
وقد أجمع الفقهاء على أن المحصنات هنا المتزوجات، على خلاف المحصنات في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:4، فإن معناه العفيفات.
أما تحريم معتدة الغير فدليله قوله تعالى: (والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة: من الآية228)، وقوله سبحانه (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (البقرة: من الآية235)، وقوله جل من قائل: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة:234)، وقوله تعالى: (وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق:4).
هذا ومعتدة الغير محرمة على من لم تعتد منه، ما دامت في العدة، مهما كان نوع العدة، عدة وفاة، أو طلاق رجعي، أو طلاق بائن، أو فسخ، وكذلك الموطوءة بشبهة بدون عقد أصلاً، وذلك لحرمة الماء والولد.
أما الموطوءة بنكاح باطل لا شبهة فيه، والمزني بها فلا تحرم على من زنى بها أو وطئها عند الجمهور، وخالف الحسن البصري رضي الله عنه وقال: لا يصح زواج الزاني منها.
فإذا عقد عليها جاز له الدخول بها حاملاً كانت أم حائلاً، فإذا ولدت لستة أشهر فأكثر فالولد له، وإن ولدت لأقل من ستة أشهر فالولد ليس له، ما لم يقر به دون التصريح بأنه من زنا، أما غير الزاني بها فكذلك عند الجمهور، لا تحرم عليه ما لم تكن حاملاً، ويجوز له الدخول بها مباشرة، وقال محمد بن الحسن: يكره له الدخول بها قبل استبرائها بحيضة، مخافة أن تكون حاملاً، وقال: مالك: الزواج بها فاسد حتى تستبرأ بثلاث حيضات أو ثلاثة أشهر، فإذا كانت حاملاً صح العقد عليها أيضا،ً عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي.
إلا أنه لا يحل للعاقد عليها الدخول بها قبل الولادة، وذهب أبو يوسف وزفر ومالك وأحمد بن حنبل في رواية إلى أن العقد عليها لا يصح قبل الولادة.
فإما صحة العقد عليها من الزاني أو غيره عند الجمهور، فلأنها لم تذكر في المحرمات، فتدخل في عموم قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) (النساء: من الآية24)، ولأن الزنا لا حرمة له، حيث لا يثبت به النسب، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) رواه البخاري، فإذا لم يكن له حرمة فلا يكون مانعاً من الزواج.
وأما حرمة الدخول بها، فلئلا يؤدي إلى أن يسقي ماؤه زرع غيره، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: (لا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى) رواه أبو داود .
واستدل المانعون من العقد على الحامل من الزنا، بأن الحمل يمنع من الدخول بها، فيكون مانعاً من العقد، لأن العقد لا يراد إلا للدخول.
فإذا عقد الرجل على زوجة غيره أو معتدته خلافاً لما تقدم، كان عقده باطلاً، لا يترتب عليه أثر ما، للاتفاق على تحريم زوجة الغير ومعتدته.
وقد نص بعض المُحْدَثين على أنه فاسد يترتب عليه المهر والعدة والنسب بعد الدخول، وهو خطأ يجب التنبه إليه[27].
2- المطلقة ثلاثاً في حق مطلقها:
اتفق الفقهاء على أن من طلق زوجته ثلاثاً بانت منه بينونة كبرى، وحرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً ويدخل بها، ثم تبين من ذلك الزوج الثاني وتمضي عدتها، فإذا حصل ذلك حلت له ثانية بعقد جديد، وملك عليها ثلاث تطليقات جديدة، وذلك لقوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (البقرة:230)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجة رفاعة القرظي التي طلقها زوجها ثلاثاً فتزوجت بآخر وأرادت الرجوع بذلك إلى زوجها الأول قبل أن يدخل بها الثاني: (لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك) أخرجه البخاري ومسلم.
فإذا كان الزواج الثاني فاسداً لم تحل به الأول، وكذلك إذا طلقها الثاني أو مات عنها قبل الدخول بها، فإنه لا تحل للأول بالاتفاق، للنصوص المتقدمة، والحكمة من حرمتها على زوجها الأول بالثلاث ثم حلها له بعد زواجها من آخر ودخوله بها، تأديب الزوج الأول المطلق من ناحية، لئلا يعود إلى طلاقها بعد ذلك، وتأديب الزوجة أيضا، لئلا تثير زوجها وتدعوه بذلك إلى طلاقها، لأنَّ توقف إحلالهما إلى بعضهما بعد الطلقة الثالثة على خوض تجربة جديدة كاملة كاف لثني ذوي العقول والكرامة عن الإقدام على الطلاق بعده، بل هو أفضل عقوبة لذلك.
ما تقدم كله محل اتفاق جماهير الفقهاء، وإن كانوا قد اختلفوا فيما يكون به الطلاق ثلاثاً، وسوف يأتي بيانه في بحوث الطلاق، كما اختلفوا في شروط العقد الثاني الذي تحل به للأول، وقد تقدم حكم زواج المحلل وشروطه.