مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: كتاب التوحيد- الاستغاثة الإثنين مايو 10, 2010 2:10 pm | |
| باب من الشرك أن يستغيث بغير الله، أو يدعو غيره (صالح بن عبد العزيز ال شيخ) قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: باب من الشرك أن يستغيث بغير الله، أو يدعو غيره وقول الله -تعالى-: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
وقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وقول الله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ .
وقول الله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا المنافق. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنه لا يُسْتَغَاث بي إنما يستغاث بالله .
قوله: باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره. من الشرك -كما ذكرنا فيما سبق- يعني: الشرك الأكبر أن يستغيث يعني الاستغاثة؛ لأن "أنْ" مع الفعل تؤول بمصدر، باب من الشرك الاستغاثة بغير الله أو استغاثة بغير الله ودعاء أو دعوة غيره أو دعاء غيره.
وهذا ظاهر في أن الاستغاثة كما ذكرنا طلب، والطلب نوع من أنواع الدعاء؛ ولهذا قال العلماء: إن في قوله: أو يدعو غيره بعد أن يستغيث بغير الله فيه عطفا للعام على الخاص؛ ومن المعلوم أن الخاص قد يعطف على العام، وأن العام قد يعطف على الخاص.
وقوله: أن يستغيث بغير الله، هذا أحد أفراد الدعاء، كما ذكرنا بأن الاستغاثة طلب والطلب دعاء. أو يدعو غيره، هذا عام الذي يشمل الاستغاثة ويشمل الاستعاذة ويشمل أصناف، يشمل أصنافا كثيرة من أنواع الدعاء.
أن يستغيث، الاستغاثة هي طلب الغوث والغوث يحصل لمن وقع في شدة وكرب يخشى معه المضرة الشديدة، أو الهلاك فيقال: أغاثه إذا فزع إليه وأعانه على ما به وخلَّصه منه، كما قال جل وعلا في قصة موسى فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ يعني: من كان من شيعة موسى طلب الغوث من موسى على من كان عدوا لهما جميعا؛ فأغاثه موسى عليه السلام.
فإذن الاستغاثة طلب الغوث، وطلب الغوث لا يصلح إلا لله؛ إلا من الله فيما لا يقدر عليه إلا الله -جل جلاله- لأن الاستغاثة يمكن أن تطلب من المخلوق؛ لأنه يقدر عليها.
بعض العلماء يقول: نضبط ذلك بقولنا: الاستغاثة شرك أكبر إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه ذلك المخلوق، وقال آخرون: الاستغاثة شرك أكبر إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهاتان مختلفتان والأصح منهما الأخيرة؛ لأن المرء إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، والمخلوق يعلم أن هذا لا يقدر عليه إلا الله، فإنه شرك أكبر بالله -جل وعلا- أو في حقيقة الأمر أنه لا يقدر عليه إلا الله.
أما قول من قال من أهل العلم: إن الاستغاثة شرك أكبر إذا استغاث بالمخلوق في ما لا يقدر عليه، فإن هذا يرد عليه أن ثمة أشياء قد يكون في الظاهر يقدر عليها المخلوق، ولكن في الحقيقة لا يقدر عليها؛ فإذن يكون هذا الظاهر غير منضبط، لأن -مثلا- مَن وقع في شدة، وهو في غرق مثلا.
وتوجه لرجل يراه بأنه يغثيه فقال: أستغيث بك، أستغيث بك، أستغيث بك، وذاك لا يُحْسِن السباحة، ولا يُحْسِن الإنجاء من الغرق، فهذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق، فهل يكون شركا أكبر؟ لا، لِمَ؟ لأن الإغاثة عادة من الغرق ونحوه يصلح أن يكون المخلوق قادرا عليها، فيكون الضابط الثاني هو الصحيح، وهو أن يقال: الاستغاثة شرك بغير الله شرك أكبر إذا كان استغاث فيما لا يقدر عليه إلا الله.
أما إذا استغاث فيما يقدر عليه غير الله من المخلوقين، لكن هذا المخلوق المعين لم يقدر على هذا الشيء، فإنه لا يكون شركا؛ لأنه ما اعتقد في المخلوق شيئا لا يصلح إلا لله -جل جلاله- فإذن نقول: الاستغاثة بغير الله إذا كانت فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهي شرك أكبر، وإذا كانت فيما يقدر عليه المخلوق، فهي جائزة كما حصل من صاحب موسى إذ استغاث بموسى عليه السلام.
قال: أو يدعو غيره. الدعاء -كما ذكرت لك- هو العبادة، والدعاء نوعان: دعاء مسألة، ودعاء عبادة. نعني بدعاء المسألة ما كان فيه طلب وفيه سؤال يرفع يديه لله -جل وعلا- ويدعو، هذا يسمى دعاء مسألة، وهو الذي يغلب عند عامة المسلمين في تسمية الذي إذا قيل: دعا فلان يعني سأل ربه جل وعلا.
والنوع الثاني: دعاء العبادة كما قال -جل وعلا-: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا يعني: لا تعبدوا مع الله أحدا، أو لا تسألوا مع الله أحدا، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الدعاء هو العبادة .
دعاء المسألة غير دعاء العبادة، دعاء العبادة كحال من صلى كحال من زكى، كل صنف من أصناف العبادة يقال له: دعاء، ولكنه دعاء عباده، قال العلماء: دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة. يعني أن من سأل الله جل وعلا شيئا فهو داعٍ دعاء مسألة وهذا متضمن أنه يعبد الله؛ لأن الدعاء دعاء المسألة أحد أنواع العبادة. فدعاء المسألة متضمن للعبادة؛ لأن الله جل وعلا يحب من عباده أن يسألوه.
دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة يعني: أن من صلى فيلزم من أنه أنشأ الصلاة أنه يسأل الله القبول، يسأل الله الثواب، فيكون دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، إذا تقرر ذلك فهذا التفصيل أو هذا التقسيم مهم جدا في الحجة في القرآن، وفي فهم الحجج التي يوردها أهل العلم؛ لأنه قد حصل من الخرافيين والداعين إلى الشرك أنهم يؤولون الآية التي في الدعاء بالمسألة، أو الآية التي في المسألة بالدعاء.
وإذا تبين لك ذلك يعني: ما ذكرنا فإنه لا انفكاك في الحقيقة بين دعاء المسألة ودعاء العبادة، فهذا هو ذاك إما بالتضمن أو باللزوم، ومعلوم أن دلالات التضمن واللزوم دلالات لغوية واضحة، جاءت في القرآن وجاءت في السنة.
ثم ساق الشيخ -رحمه الله- بعض الأدلة على أن الدعاء إنما يتوجه به إلى الله، وأن الاستغاثة إنما يتوجه بها إلى الله -جل وعلا- فيما لا يقدر عليه إلا الله.
قال: وقول الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
قال في أولها: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ وَلَا تَدْعُ هذا نهي، والنهي توجه إلى الفعل "تدع" وإذا كان كذلك فإنه يعم أنواع الدعاء، وقد ذكرت لك أن الدعاء منه دعاء مسألة، ومنه دعاء عبادة؛ لأن النكرة إذا جاءت في سياق النهي، أو في سياق النفي، أو في سياق الشرط فإنها تعم، و"تدع" نكرة لأنها فعل مشتمل على مصدر، والمصدر حدث نكر. فإذن هذا يعم نوعيْ الدعاء، وهذا مراد الشيخ، أو أحد مراداته من الاستدلال بهذه الآية.
ولا تدع من دون الله يعني: نهى الله -جل وعلا- أن تتوجه لغير الله بدعاء المسألة أو بدعاء العبادة يعني: بالطلب أو بأي نوع من أنواع العبادات، فلا طلب يصلح فيما لا يقدر عليه إلا الله إلا منه جل وعلا، يدخل في ذلك الاستعاذة، يدخل في ذلك الاستغاثة التي هي طلب الغوث، كذلك دعاء العبادة بأنواعه من الصلاة والزكاة والتسبيح، والتهليل، والسجود، وتلاوة القرآن لا تصلح إلا لله، كذلك الذبح، النذر.
وأعمال القلوب: التوكل، محبة العبادة، رجاء العبادة، خوف السر، أي كل أنواع العبادات هي من أنواع دعاء العبادة، فهذه الآية دلت على النهي أن يتوجه أحد إلى من هو دون الله -جل وعلا- بدعاء مسألة أو بدعاء عبادة، وكان أعظم هذا النهي أنه وُجِّهَ إلى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي هو إمام المتقين وإمام الموحدين.
قال: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وذكرت لك من قبل أن قوله: مِنْ دُونِ اللَّهِ تشمل مع الله أو من دون الله في استقلاله. قال: مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ يعني: الذي لا ينفعك ولا يضرك، و"ما" تشمل العقلاء وغير العقلاء يعني: تشمل أن يدعى بها أن يعني بها الملائكة الأنبياء والرسل، ويعني بها الصالحون، أو يعني بها ما لا يعقل كالأصنام والأحجار والأشجار هذا من جهة دلالة اللغة.
قال الله -جل وعلا- لنبيه فَإِنْ فَعَلْتَ يعني: إن دعوت من دون الله أحدا وذلك الأحد موثوق بأنه لا ينفعك ولا يضرك فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وهذا إذا كان في حق النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي كمَّل الله له التوحيد، إذا حصل منه الشرك فإنه يصبح ظالما، ويصبح مشركا، وحاشاه عليه الصلاة والسلام من ذلك، فهذا تخويف لمن هو دونه ممن لم يُعْصَم ولم يُعْطَ العصمة من ذلك.
قال: فَإِنْ فَعَلْتَ يعني إن دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فَإِنَّكَ إِذًا يعني بسبب تلك الدعوة مِنَ الظَّالِمِينَ والظالمون جمع تصحيح للظالم، والظالم اسم فاعل الظلم، والظلم المراد به هنا الشرك كما قال -جل وعلا- إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
ثم قال: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ الغرض من أن يسأل أحدٌ غيرَ الله فيه إنجاء ما به طلب كشف الضر، الغرض من أن تستغيث بغير الله طلب كشف الضر، الغرض من أن يستغيث بغير الله طلب كشف الضر؛ ولهذا ذكر الله -جل وعلا- القاعدة العامة في ذلك التي تقطع عروق الشرك من القلب حيث قال: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ إذا مَسَّكَ الله بضر فمن يكشف الضر؟ يكشفه من قدره ومَن قضاه عليك.
فهذا يقطع التوجه لغير الله -جل وعلا- ولكن ما دام أنه علم فيما يقدر عليه البشر فيما يقدر عليه المخلوق أن يتوجه إليه بطلب الغوث، أو بطلب الاستسقاء، أو طلب السقيا أو نحو ذلك؛ فإنه يكون مما رخص فيه، والحمد لله.
قال: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ "بضر" هنا أيضا نكرة جاءت في سياق الشرط فيعم جميع أنواع الضر، سواء كان ضرا في الدين، أو كان ضرا في الدنيا، سواء كان ضرا في الدنيا من جهة الأبدان، أو من جهة الأموال، أو من جهة الأولاد، أو من جهة الأعراض، أو من أيّ شيء فإن يمسسك الله بضر بأيّ نوع من أنواع الضر فلا كاشف له إلا هو.
في الحقيقة الذي يكشف الضر هو الله -جل وعلا- لا يكشف البلوى إلا الله -سبحانه وتعالى- وإذا كان المخلوق يقدر على ذلك الكشف فإنه من جهة أنه سبب جعله الله سببا يقدر على أن يكشف بإذن الله -جل وعلا- وإلا فالكاشف حقيقة هو الله -جل وعلا- والمخلوق، وإن كان يقدر، فإنما قدر بإقدار الله له؛ إذ هو سبب من الأسباب، فإذن لا يكشف على الحقيقة إلا الله -جل وعلا- وإذا تبين ذلك ظهر لك وجه استدلال المصنف بهذه الآية، ومناسبة الآية للترجمة من عدة جهات كما ذكرت.
قال: وقوله تعالى: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ الاستغاثة أو الدعاء من أعظم ما يتعلق به الخلق؛ إذا كان من جهة طلب الرزق؛ لأن طلب الرزق أعظم أسباب الحياة، فإذا لم يكن عنده رزق؛ فإنه يوشك على الهلاك؛ ولهذا ذكر الإمام هذه الآية التي فيها توحيد طلب الرزق، لم؟ لأن معظم حال المستغيثين إنما هي لطلب الرزق.
والرزق اسم عام يشمل كل ما يصلح أن يُرْزَق يعني أن يُمْنَح ويُعْطَى فيدخل في ذلك الصحة والعافية، يدخل في ذلك المال، يدخل في ذلك الطعام، يدخل في ذلك البيت، يدخل في ذلك الدواب، ويدخل في ذلك أنواع ما يحتاجه المرء.
قال: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ أصل تركيب الكلام: فابتغوا الرزق عند الله؛ و "ابتغوا" فعل أمر، والرزق مفعول و"عند الله" الأصل أن يتأخر على المفعول فابتغوا الرزق عند الله، قال علماء المعاني من علوم البلاغة: إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ واجعلوا ذلك الابتغاء مختصا بالله -جل وعلا-.
هكذا يفهم العربي هذه الآية فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ يعني: فليكن ابتغاؤكم الرزق من عند الله وحده فلا تستغيثوا بغيره في طلب رزق، ولا تستنجدوا بغيره في طلب رزق، وإنما ذلك لله -جل وعلا- ثم قال: "واعبدوه" ليجمع أصناف السؤال بما يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
ثم قال: وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ دلالة الآية ظاهرة في الدعاء؛ لأن الله قد قال: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ فهذا ظاهر بأن ثَمَّ داعٍ، وثَمَّ مَدْعُو، وذاك المدعو غير الله -جل وعلا- وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ .
وجه الدلالة من الآية أنه استعمل كلمة "يدعو" فجاء الوصف بأبشع الضلال على من دعا من دون الله أمواتا غير أحياء؛ والدليل على أنه أراد الأموات؛ ولم يرد الأصنام والأحجار والأشجار أنه قال: مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فجعل غاية الاستجابة إلى يوم القيامة المنع من الإجابة إلى يوم القيامة.
وهذه في الأموات؛ لأن الميت إذا كان يوم القيامة نشر وصار يسمع، وربما أجاب طلب من طلبه؛ إذ هو حي يكون في ذلك المقام حيا، وربما كان قادرا؛ وأما الميت مَن هو في البرزخ فهو الذي يصدق عليه وصف الله -جل وعلا- بقوله: مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
ولفظ "مَن" في اللغة الأصل فيها أنها للعقلاء؛ هكذا يقول النحاة، وتقول: إن الأصلح الأصح أن يقال: "من" الأصل فيها في اللغة لمَن يُعْرَف، يعني: عند علماء النحو يقولون: مَن للعقلاء، و"ما" لغير العقلاء، والأحسن أن نقول: مَن لمن يُعْلَم؛ لأنها يدخل فيها الله -جل وعلا- في بعض الآيات، فإذن مَن لمَن يصح أن يعلمه، وهؤلاء هم، مَن كانوا بشرا يخاطِبون ويخاطَبون ويَعلمون ويُعلم منهم.
قال: إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وهذا الوصف ليس في الأصنام، وإنما هو في الأموات، ثم قال: وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ولذلك قال -جل وعلا- في سورة النحل أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ .
قال: وقوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ هذه الآية من سورة النمل فيها أن إجابة المضطر في الدعاء إنما هي لله -جل وعلا- قال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ فهذا في دعاء المسألة. قال: وَيَكْشِفُ السُّوءَ وكشف السوء يكون تارة بالاستغاثة، وتارة بغير ذلك.
ولهذا يكون هذا القدر من الآية يصلح لما ترجم به المؤلف -رحمه الله- من اللفظين لفظ الاستغاثة، ولفظ الدعاء في قوله: وَيَكْشِفُ السُّوءَ هذا في الاستغاثة وفي قوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ هذا في دعوة غير الله معا، قال بعدها: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ وهذا الاستفهام إنكاري أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ينكر عليهم أن يتخذوا إله مع الله بأي شيء بأن يدعوا غير الله، أو يتوجهوا في كشف السوء لغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ .
قال: وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم -بعضهم هنا هو أبو بكر الصديق كما جاء في بعض الروايات-: قوموا بنا نستغيث برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا المنافق فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يُسْتَغَاث بي، وإنما يُسْتَغَاث بالله .
مَن طلب مِن الصحابة الاستغاثةَ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- هذا طلب جائز؛ لأنهم طلبوا الإغاثة من النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يقدر عليه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام في هذا المقام يقدر أن يغيث بالأمر بقتل المنافق، أو الأمر بسجنه أو بتأديبه أو بأخذ عقوبة عليه؛ لأنه كان يؤذي المؤمنين بتعزير أو بغيره، فإذن استغاثتهم إنما هي في قولهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله .
استغاثة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يقدر عليه، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- علمهم الأدب في ذلك، وعلمهم الأكمل في ذلك حيث قال: إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله .
وحقيقة الاستغاثة على وجه الكمال إنما هي بالله -جل وعلا- لا بنبيه -صلى الله عليه وسلم- فكأنه حصل منهم نوع التفات للنبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يقدر عليه، فبين لهم أن الواجب عليهم أن يستغيثوا بالله -جل وعلا- أولا، فقال: إنه لا يستغاث بي و لا يستغاث بي هذا نفي فيه معنى النهي، يعني: لا تستغيثوا بي إنما استغيثوا بالله في هذا الأمر، وإذا أغاثهم الله -جل وعلا- كف شر ذلك المنافق عنهم.
هذا الحديث بعض العلماء قال: إن في إسناده ابن لهيعة، وحاله معروف، وإيراد الأئمة، أئمة الحديث للأحاديث التي قد يكون في إسنادها بعض المقال، هذا هو الصواب إذا كان ما في الحديث من المعنى قد عرضته الأدلة من القرآن، أو من السنة، وما في هذا الحديث من قوله -عليه الصلاة والسلام-: أنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله قد دلت عليه آيات سلفت.
وهذا صنيع أهل الحديث، صنيع الراسخون في العلم من أهل الحديث، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلام له في الفتاوى قال: "أهل الحديث لا يستدلون بحديث ضعيف في أصل من الأصول، بل إما في تأييده يعني في تأييد ذلك الأصل أو في فرع من الفروع". وهذا هو صنيع الشيخ -رحمه الله- في هذا الكتاب.
فإنهم يستدلون بأحاديث هي من جهة المعنى الذي اشتملت عليه صحيحة، وقد ساق شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الحديث مستدلا به في رده على البكري المعروف بالاستغاثة كتاب "الاستغاثة الكبرى" أو "الرد على البكري" وقال: إن هذا الحديث هو في معنى ما جاء في النصوص فقوله عليه الصلاة والسلام: إنه لا يستغاث بي يعني: لا تستغيثوا بي، وإنما استغيثوا بالله؛ لأن لا يستغاث نفي ومنفي، وهنا يراد منه النهي.
هذا الباب ظاهر في المناسبة لما قبله، ولما بعده أيضا في أن الاستغاثة بغير الله نوع من أنواع الدعاء، وأن الدعاء عبادة، وأن الاستغاثة عبادة، وصرف العبادة لغير الله -جل وعلا- كفر وشرك.
يدل على أن الدعاء عبادة قول الله -جل وعلا-: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي وقوله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ الإجابة إجابة الدعوة يكون في السؤال يعني إذا سأله أجابه، ويكون أيضا بالعطاء والإثابة فيما إذا عُبِدَ فيجيب الدعوة؛ لإعطاء السائل سؤله، ويجيب أيضا الدعاء بإثابة الداعي العابد على عبادته.
ولهذا يفسر الآية التي فيها إجابة الدعاء، ونحو ذلك بأن فيها إعطاء سؤل السائل، وإثابة العابد بأن الصحابة والسلف يعلمون أن الدعاء يشمل هذا وهذا، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فهنا "دعان" يعني: سألني أو عبدني مع أنها في السؤال ظاهرة وفي الدعاء بينة.
والآيات في مثل ذلك كثيرة كقوله -جل وعلا- في سورة إبراهيم قال إبراهيم -عليه السلام-: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا قال الله -جل وعلا- بعدها فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إبراهيم -عليه السلام- قال: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ قال الله: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ فدل على أن الدعاء هو العبادة، والعبادة هي الدعاء.
والدعاء فُسِّرَ تارة بدعاء مسألة، ودعاء العبادة، وهذا حاصل من أولئك أصنامهم وأوثانهم. | |
|