الخطبة الأولى
أما بعد: فإن حياة المجتمع المسلم ترتكز على قواعد أساسية لا بدّ من المحافظة عليها حتى ينعم الجميع بالحياة الآمنة المستقرة، وقد جاء الإسلام بضرورة الحفاظ على ضرورات خمس، ألا وهي الدين والنفس والعقل والعِرض والمال، لذلك كانت الإباحة بقتل الصائل المعتدي الظالم الذي يريد الاعتداء عليها، كما ورد في حديث رسول الله ، وذلك بعد أن يدفعه المعتدَى عليه بما هو دون ذلك بإعاقته عن الإقدام على أيّ من تلك الضرورات التي يجب المحافظة عليها من قبل كل مسلم ومسلمة، دفع ذلك الصائل على أيّ منها بضربه بأي وسيلة في اليدين أو الرجلين في أيّ منها لئلا يتمكن مما يريد، ولا يُلجأ إلى قتل الصائل إلا إذا تمادى وأصرّ على الظلم والعدوان ولم يرتدع، فعند ذلك أبيح قتله، وأعيد الحديثين الواردين في الخطبة السابقة: عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخْذ مالي؟ قال: ((فلا تعطه مالك))، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: ((قاتله))، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: ((فأنت شهيد))، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: ((هو في النار)) رواه مسلم رحمه الله، وعن سعيد بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((من قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتِل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتِل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتِل دون أهله فهو شهيد)) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه رحمهم الله.
وقد ورد في الخطب السابقة بمجموعها ومضمونها بأنه لا يجوز الاعتداء على النفس البشرية بغير حق، وقد جاء الإيجاز في معنى قتل النفس بالحق والذي يعتبر من عدالة الإسلام التي ينعم ويأمن أي مجتمع مسلم يطبق تلك العدالة والشريعة السمحة، ومنها القصاص الذي وردت تفصيلاته في القرآن الكريم وفي سنة رسول الله وخلفائه الأربعة الراشدين رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.
القصاص الذي أوجب الله على حكام المسلمين تنفيذه من أجل صيانة دماء الناس والمحافظة على أرواح الأبرياء، والقضاء على الفتن في مهدها والضغائن والأحقاد التي تثيرها العصبية الجاهلية للانتقام من القاتل وأهله أيضًا، لأنه في كثير من الأحيان وفي الأماكن التي لا تطبق شرع الله لا يُكتفى بقتل القاتل، بل تذهب مئات الأرواح والأنفس من الجهتين والطرفين، وقد كانت البداية بقتل شخص واحد، لذلك جاءت العدالة الإلهية التي تحفظ حياة النفوس البشرية في أي مجتمع يطبق الإسلام في كلمات موجزة وفي اثني عشر حرفًا من كلام رب العزة والجلال: فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]، التي أعجزت مشاهير البلغاء العرب بعد أن قالوا أقوالاً عدة وعبارات متقاربة، وظنوا بأنهم بلغوا نهاية ما يمكن أن يصله البيان العربي، فقالوا: "قتل البعض إحياء للجميع"، وقالوا: "أكْثِروا القتل ليقلّ القتل"، إلى أن وصلوا إلى هذه العبارة التي اعتبروها أبلغ ما قالوه من العبارات وهو قولهم: "القتل أنفى للقتل". وعدد حروفها أربعة عشر حرفًا، ولكن كلام رب العزة والجلال جاء بأقل منها في عدد الحروف والذي يتضمن كلمة لطيفة جميلة معبرة عن القصاص في الحال الثاني وليس للقتل الذي يعتبر ابتداءً جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب، وإنما القصاص عدالة واضحة ومخالف للقتل السابق، وكذلك فيه الحياة للمجتمع أيضًا وليس للأفراد فقط كما ورد في بداية العبارة في قوله عز وجل: وَلَكُمْ، وفي نهايتها: حَيَاةٌ، تلك الحياة الحقيقية للمجتمع عندما يؤخذ الجاني بجنايته يرتدع كل من يهمّ بقتل أخيه المسلم أو يعتدي على أي نفس معصومة بغرض الإفساد في الأرض وإشاعة الفوضى وتقويض أمن المجتمع، لذلك يكف الظالم لنفسه ولغيره عن الإقدام على القتل، وفي كفّه وارتداعه عن الإقدام على القتل حياة حقيقية له ولمن أراد قتله ولأفراد المجتمع أيضًا.
وبعد أن فرض الله عقوبة القصاص رغّب في العفو عن القاتل والعدول إلى أخذ المال، وهو ما يُسمّى بالدية، أو إلى العفو عن القاتل والتنازل مطلقًا من قبل أولياء المقتول وورثته، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة المسلمة التي شرع لهم قبول الدية في القصاص، والتي لم تكن مشروعة ومباحة لبني إسرائيل. عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله لهذه الأمة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى، إلى قوله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، فالعفو أن تقبل الدية في العمد، فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، يتبع الطالب بالمعروف، ويؤدي إليه المطلوب بإحسان، ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، مما كتب على من كان قبلكم، فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ، قَتَلَ بعد قبول الدية، فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) رواه البخاري رحمه الله.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:178، 179].
نعم، إنها الحياة الحقيقية للجميع في القصاص، يعرفها ويفهمها أهل العقول السليمة كما أشار إلى ذلك ربنا تبارك اسمه وتعالى سلطانه؛ لأنه إذا اقْتُصَّ من القاتل تطيب نفوس أولياء القتيل، ويذهب البغض والغيظ من قلوبهم ونفوسهم، ولكن الواجب على ولي الدم الذي يمكّنه ولي الأمر من القصاص من القاتل بأن لا يعتدي ويظلم ويتجاوز الحدّ في قتل القاتل، بل يلتزم العدل والإنصاف وعدم التعدي، هذا إذا مُكّن من ذلك، مع أنه لا ينبغي أن يتولّى ذلك أي ولي لأي مقتول، بل كما هو حاصل في بلاد الحرمين الشريفين من تنفيذ القتل والقصاص من قبل أناس متخصصين في هذا العمل الذي لا يحتمله عامة الناس ولا يقدرون على مشاهدة الدماء وتلك المناظر التي تقشعرّ منها الأبدان، التي في حضورها من قبل الناس ما يثير في كوامن النفوس مشاعر الابتعاد والخوف من تلك المناظر التي لا يرغبها البشر كلّهم إذا علموا آثارها المترتبة على أرواحهم في الدنيا، وزيادةً على ذلك ما يشعر به المؤمنون من العواقب الوخيمة في الآخرة كما ورد في القرآن الكريم فيمن يقتل مؤمنًا متعمدًا.
أعود لأقول: بأن فهم القرآن مرتبط مع جميع الآيات في أي باب أو مسألة مع بعضها، وكذلك أحاديث رسول الله ، ووفق ما ورد في كتب التفسير المعتبرة والأصول الفقهية التي تجمع أطراف المسائل، وتبين الغامض الذي يعجز عنه عامة المسلمين غير المتخصصين، والذين لا يفهمون إلا الظاهر من الآيات، وبذلك يقعون في الخلط بين المفاهيم والاستنتاجات التي يصلون إليها، وفرق بين ما يفهمه هؤلاء وبين ما فهمه العلماء والفقهاء في القديم والحديث.
فعلى كل مسلم أن يعي ذلك جيدًا، وأن يعبد الله على علم وبصيرة، وإلا وقع فيما يستعيذ به عدة مرات في كل صلاة في آخر سورة الفاتحة، ولم يتبع الصراط المستقيم، بل اتبع طريق من يستعيذ بالله من أن يسلك طريقه، قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا [الإسراء:33].
هذا الذي ورد ذكره سابقًا هو حق أولياء المقتول وورثته، لهم أن يختاروا من الخيارات الثلاثة أيها شاؤوا مجتمعين ومجمعين على ذلك باختيارهم ودون إكراه من أحد، إما القصاص بقتل القاتل أو الدية أو العفو عن القاتل، وهذا الحق يُسقِط حق أولياء المقتول وورثته فقط، ولا يُسقِط حق المقتول ولا العذاب في النار ودخولها؛ لأن حق المقتول لا يملك أحد من البشر غيره التنازل عنه حيث قد فارق الحياة ولا أحد يعلم ما في نفسه.
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : ((أول ما يُقضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء)) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه رحمهم الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: ((يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأَوْدَاجه تَشْخَب دمًا يقول: يا ربّ، قتلني هذا! حتى يدنيه من العرش)). إذًا حق المقتول يكون التحاكم فيه بين يدي رب العزة والجلال يوم القيامة، وهو الذي يحكم فيه سبحانه، وينصفه من القاتل الظالم المعتدي.
وجزاء وعاقبة قاتل المؤمن متعمدًا في الآخرة كما ورد في سورة النساء في قول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93].
إن تطبيق عدالة القصاص والحدود الأخرى في بلاد الحرمين سبب الأمن الوارِف الذي يعيشه الجميع في هذه البلاد، وقد فقدته معظم دول العالم، ومَنَّ الله به عليها، ووفّق ولاة الأمر لتطبيق شرع الله على عباده وفي أرضه سبحانه، ونحمد الله عز وجل، ونسأله المزيد من فضله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وبحمده وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه.
أما بعد: فإن من أعظم الحقوق المتعلقة بالقاتل حق الله عز وجل الذي خلق القاتل والمقتول وأولياءه وورثته، وخلق الخلق أجمعين من الجن والإنس ليعبدوه سبحانه وبحمده، فحق الله على القاتل هو الذي غلط في فهمه كثير من المسلمين، حيث لم يفرقوا بين الحقوق الثلاثة، وأخذوا الآية على ظاهرها، ولم يجمعوا بينها وبين الآيات الأخرى عن التوبة والأحاديث الواردة في هذا الباب، وبين الآيات والأحاديث الواردة أيضًا في القتل، لذلك فإن باب التوبة مفتوح أمام أي قاتل لأي نفس وخاصة قاتل المؤمن متعمدًا، والتوبة ليست مشروعة في حقه وفي حق غيره فقط، بل هي واجبة على جميع المسلمين من أي ذنب من الذنوب صغر أو كبر، وهذا لا يعني أن توبة الشخص من الذنوب والمعاصي أنها تُسقِط حقوق الآخرين دون استباحتها وطلب العفو منهم، فالسرقة مثلاً يتوب منها الشخص، وقد يستطيع استباحة الشخص في الدنيا وقد لا يستطيع، واختلاس الأموال العامة أو الخاصة يستطيع التخلص منها في الدنيا، ويستطيع استباحة أصحابها وقد لا يستطيع، ولكن أقل ما يجب عليه هو التخلص منها بإرجاعها لأصحابها بأي وسيلة والتوبة من ذلك، والغيبة والنميمة وغيرها مما يتعلق بحقوق الآخرين من المظالم والتعدي عليهم في استطاعة الإنسان الوصول إلى إرضاء صاحب الحق وإرجاع الحق إليه واستباحته أيضًا، أما الدماء وقتل المسلم ظلمًا وعدوانًا فالحقوق ثلاثة: ما كان لورثة المقتول فلهم خيارات ثلاثة كما سبق توضيحها، وحق للمقتول لا يستطيع الوفاء به وقضاء صاحبه إلا يوم القيامة، يوم لا يكون هناك إلا الحسنات والسيئات، والاقتضاء منها بالأخذ من حسنات الظالم للمظلوم أيًا كان، وإذا انتهت حسناته أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه وطرح في النار، وحق الله عز وجل فهذا واجب على الفور من بعد الجريمة، وذلك بالتوبة الصادقة والإنابة إلى الله عز وجل، والندم على ما ارتكبه الشخص، وعدم الإصرار على ذلك فيما لو أُطلق سراحه وعُفي عنه أو تم القصاص منه، مع الرضا والتسليم بحكم الله فيه وعدم وجود الحرج عند إقامة الحد عليه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
التوبة واجبة على الجميع من كل الذنوب والخطايا لعموم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8]، وقال سبحانه وبحمده مرغّبًا العباد في مغفرة الذنوب مهما عظمت وكثرت: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، وقال عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:68-71]، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في باب التوبة، والتي لا يتسع مقام الخطبة هنا إلى ذكرها، وسوف يأتي الكلام عنها في حينها إن شاء الله من أجل توضيح وبيان ذلك، خاصة عندما أغلق بعض الجهال حسب زعمهم وعلى حد علمهم المقرون بالجهل أغلقوا أبواب التوبة عبر الوسائل الإعلامية المختلفة أمام الساعين في الأرض بالفساد، سواءً من أقدم على القتل والتدمير أو تعاون مع المنفّذين أو خطط أو أفتى، ولم يفرقوا بين التوبة الواجبة على الجميع، وبين تنفيذ حكم الله فيهم في الدنيا والآخرة، وبين الحقوق المتعلقة بجرائمهم والمتمثلة في حق الله عز وجل وحق أولياء المقتولين أنفسهم وغيرهم ممن وقعت عليهم الاعتداءات والظلم والعدوان وحق المجتمع وولي الأمر المتمثل في المحافظة على الأمن وتحقيقه للجميع في الدولة المسلمة، كل هذا يأتي بيانه بإذن الله عز وجل؛ لأن اللَّغَطَ قد كَثُر، وتدخّلت الأهواء والآراء المبنية على الجهل والبعد عن كتاب الله وسنة رسوله محمد .
وما تمّ ذكره سابقًا هو حول قتل المسلم لمسلمٍ مثله في الحالات العادية والمتعارف عليها، أما ما يتعلق بالأحداث الأخيرة فالكلام عنه في خطبة أخرى، وإن كان هناك عوامل مشتركة في الأحكام والحقوق في الحالين فإنه يجب البيان والتوضيح حتى تتضح الرؤية الشرعية للجميع، خاصة عندما دخلوا في مسائل شائكة يتداولونها في مجالسهم ومنتدياتهم وجميع لقاءاتهم وكتاباتهم وحواراتهم العلنية والسرية.
وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [سورة العصر].
(1/4838)