مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: كتاب التوحيد - لا يذبح لله بمكان يذبح به لغيره الإثنين مايو 10, 2010 2:02 pm | |
| باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير بسم الله الرحمن الرحيم
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب: لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله، وقول الله -تعالى-: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ وعن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- قال: نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. قال: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء بنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم رواه أبو داود، وإسناده على شرطهما.
قال الإمام -رحمه الله-: باب: لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله، وقوله هنا: "لا يذبح لله" هذا على جهة النفي المشتمل على النهي؛ لأن من أساليب اللغة العربية أنه يترك صراحة النهي إلى صريح النفي؛ ليدل بدلالة أبلغ على أن النفي والنهي جميعا مقصودان، فكأنه لا يصح أن يقع أصلا؛ ولهذا أتى بصيغة النفي باب: "لا يذبح لله…" وقال بعض أهل العلم: يحتمل أن تكون على وجه النهي باب: "لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله" وقوله: لله، لا يذبح لله، يعني: أن تكون النسيكة، أو أن تكون الذبيحة مراد بها وجه الله -جل وعلا- بمكان يذبح فيه لغير الله.
قال الإمام: بمكان، والباء هنا لها معنى زائد على كلمة في، وهذا المعنى الزائد أنها أفهمت معنى الطريقة، ومعنى المجاورة جميعا؛ لأن الباء تكون للمجاورة -أيضا- كما تقول: مررت بزيد يعني: بمكان قريب من مكان زيد، أو بمكان مجاور لمكان زيد، والظرفية في "في" تفيد أنه في نفس المكان، واستعمال حرف الباء يفيد أنه مجاور لذلك المكان، وهذان المعنيان جميعا مقصودان، وهو أنه لا يذبح لله بمجاورة المكان الذي يذبح فيه لغير الله، ولا في نفس المكان الذي يذبح فيه لغير الله؛ لأن الجميع فيها اشتراك مع الذين يذبحون لغير الله -جل وعلا.
قال هنا: باب: "لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله" صورة المسألة أن مكانا ما يذبح فيه لغير الله -مثلا- عند قبر، أو عند مشهد، أو عند مكان معظم المشركين، أو الترابيين اعتادوا أن يكون هذا المكان مما يتقربون فيه بالذبح لهذا الصنم، أو الوثن، أو القبر، أو البقعة إلخ، فإذا كانوا يتقربون لهذا المكان للقبر، أو نحوه، ويذبحون لصاحب هذا القبر يعني: من أجله، فإنه لا يحل أن يذبح المسلم الموحد في هذا المكان، ولو كانت ذبيحته مخلصا بها لله -جل وعلا-؛ لأنه يكون قد شابه أولئك المشركين في تعظيم الأمكنة التي يتعبدون فيها بأنواع العبادات، ويصرفونها لغير الله -جلا وعلا-.
فالذبح لله وحده دون ما سواه بإخلاص في المكان الذي يتقرب فيه لغير الله لا يحل، ولا يجوز بل هو من وسائل الشرك، ومما يغري بتعظيم ذلك المكان، وحكمه أنه محرم، ووسيلة من وسائل الشرك.
قال الشيخ -رحمه الله، ورفع درجاته في الجنة-: وقول الله -تعالى-: لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا هذا النهي عن القيام في مسجد الضرار الذي بناه المنافقون لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ مسجد الضرار أقيم إرصادا ومحادة لله ولرسوله، وتفريقا بين المؤمنين، فهو مكان أقيم على الخيانة، وعلى مضادة الإسلام وأهله؛ فلهذا لما كانت هذه هي غاية من أقامه، فإن مشاركتهم فيه بالصلاة لا تجوز؛ لأنه إقرار لهم، أو تكثير لسوادهم، وإغراء للناس بالصلاة فيه؛ فنهى الله -جل وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ونهى المؤمنين عن أن يصلوا في مسجد الضرار.
مناسبة الآية للباب ظاهرة، وهو أن الله -جل وعلا- نهى عن أن يصلي النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجد الضرار، ومعلوم أن صلاته -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة المؤمنين معه هي خالصة لله -جل وعلا- دون من سواه، ونهوا مع أنهم مخلصون، ليس عندهم نية الإغراء، ولا التفريق، ولا الإرصاد، لكن نهوا لأجل هذه المشاركة، والمشابهة التي تغري بإتيان ذلك المكان، وهذه هي الصورة الموجودة في من ذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله، فإنه وإن كان مخلصا لكن دعا إلى تعظيم ذلك المكان بفعله.
هنا إشكال أو إيراد، وهو أنه جاء الإذن عن الصحابة بالصلاة بالكنيسة، وقد صلى عمر -رضى الله عنه- في كنيسة بيت المقدس، والصحابة -رضوان الله عليهم- منهم من صلى في بعض كنائس البلاد، فصلاتهم في الكنائس لله -جل وعلا- أليست مشابهة للصلاة في مسجد الضرار؟ أو للذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله ؟.
الجواب: أن هذا الإيراد ليس بوجيه، ذلك أن النهي عن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجد الضرار، وعن الذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله هذا لأجل أن صورة العبادة واحدة، فصورة الذبح من الموحد، ومن المشرك واحدة، وهي إمرار السكين آلة الذبح على الموضع، وإزهاق الدم في ذلك المكان، وهذا يحصل من الموحد، ومن المشرك غير الموحد، فالصورة واحدة؛ ولهذا لا يميز بين هذا وهذا، كذلك صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لو صلى، والصحابة في مسجد الضرار، صلاتهم مشابهة من حيث الصورة لصلاة المنافقين، فرجع الاختلاف إلى اختلاف ما في القلب، والنيات ومقاصد القلوب لا تشرح للناس بهذا تقع المفسدة، ولا تحصل المصلحة.
وأما الصلاة في الكنيسة فإن صورة الفعل مختلفة؛ لأن صلاة النصارى ليست على هيئة وصورة صلاة المسلمين، فيعلم من رأى المسلم يصلي أنه لا يصلي صلاة النصارى، وليس فيه إغراء بصلاة النصارى، ومشاركتهم فيها، فهذا الفرق بين المسألتين.
قال: وعن ثابت بن الضحاك -رضى الله عنه- قال: نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء بنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم رواه أبو داود، وإسناده على شرطهما.
هذا الحديث فيه أن رجلا نذر أن ينحر إبلا ببوانة، بوانة: اسم موضع نذر أن ينحر في هذا الموضع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استفصله؛ لأن المقام يقتضي الاستفصال، يتبادر إلى الذهن لِمَ خص هذا الرجل بوانة بأن ينحر فيها الإبل؟ لِمَ؟ قد يكون لأن فيها عيدا من أعيادهم؛ أو لأن فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد، أو كان في ذلك الموضع؛ لأن التخصيص في الغالب يكون لغرض العبادة، بهذا استفصله النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا هذا السؤال يدل على أنه لو تخلف هذا الوصف لم يجز، لو وجد هذا الوصف، وهو أنه كان ثم وثن من أوثان الجاهلية يعبد لم يجز النحر في ذلك الموضع، وهو المراد من إيراد هذا الحديث في الباب هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا نستفيد من ذلك أنه لو كان فيها وثن لمنع ذلك الرجل من النحر، وهو دلالة الترجمة.
قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم العيد هو المكان، أو الزمان الذي يعود، أو يعاد إليه، فالعيد يكون مكانيا؛ لأنه اسم للمكان الذي يعتاد المجيء إليه، ويرجع في وقت معتاد؛ ولهذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في المكان: لا تجعلوا قبري عيدا يعني: هذا المكان لا تجعلوه مكانا تعتادون المجيء إليه، وكذلك الأزمنة تكون أعيادا؛ لأنها تعود في وقت معين، فقوله: هل كان فيها عيد من أعيادهم يعني: عيد مكاني؛ لأنه قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم فيحتمل -أيضا- أن يكون عيدا زمانيا، وأعياد المشركين من جهة الأمكنة، أو الأزمنة معلوم أنها راجعة إلى أديانهم، ودينهم شركي.
فإذن يكون المعنى أنهم يتعبدون في تلك الأعياد بعباداتهم الشركية، ومن تلك الأعياد، أو مما يفعل في أعياد المشركين، وأعظم ما يفعل التقرب بالذبح وإراقة الدماء؛ فدل على أن مشاركة المشركين في مكان يتقربون فيه لغير الله بصورة مشابهة لفعلهم ظاهرا أن هذا لا يجوز؛ لأنه مشاركة لهم في الفعل الظاهر، ولو كان مخلصا لا يذبح إلا لله، أو لا يصلي إلا لله -جل وعلا-.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله قال العلماء: قوله: هنا فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ترتيب ما بعد الفاء على ما قبلها بالفاء، يدل على أن سبب الإذن بالوفاء بالنذر أن ما قبله ليس بمعصية، والاستفصال يدل على أن الذبح لله في مكان فيه وثن يعبد، أو في عيد من أعياد المشركين يدل ذلك على أنه معصية لله -جل وعلا-، وبهذا يستقيم ما أراده الشيخ -رحمه الله- من الاستدلال والاستشهاد بهذا الحديث تحت ذلك الباب | |
|