أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ وَرَاقِِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلاَ تَعْصُوهُ، فَبِتَقْوَاهُ سُبْحَانَهُ تَزْكُو النُّفُوسُ، وَتَصْلُحُ الأَعْمَالُ، وَتُقَالُ العَثَرَاتُ، وَتُرْفَعُ الدَّرَجَاتُ، حَاسِبُوا أَنْفُسَكُم، وَزِنُوا أَعْمَالَكُم، وَتَزَيَّنُوا للعَرْضِ الأَكْبَرِ عَلَى اللهِ، وَتَزَوَّدُوا مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللهَ الذِي إِلَيهِ تُحْشَرُونَ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، الزَّوَاجُ مِنَ الأُمُورِ الفِطْرِيَّةِ الجِبِلِيَّةِ التي لاَ غِنَى لِكَائِنٍ حَيٍّ عَنْهَا إِذَا أَرَادَ الحَيَاةَ الكَرِيمَةَ الهَادِئَةَ المُطْمَئِنَّةَ لِنَفْسِهِ وَمُجْتَمَعِهِ، وَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى البَاهِرَةِ، ونِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِهِ العَظِيمَةِ، تَحْصُلُ بِهِ المَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ، والأُنْسُ وَالسَّكَنُ، وَالرَّاَحَةُ والطُّمَأْنِينَةُ؛ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
لَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الزَّوَاجَ لِمَصَالِحَ عَظِيمَةٍ، وَمَنَافِعَ جَلِيلَةٍ، وَحِكَمٍ كَثِيرَةٍ لاَ تُحْصَى، إِذْ بِهِ تُبْنَى الحَيَاةُ البَشَرِيَّةُ، وَيُحْفَظُ الجِنْسُ البَشَرِيُّ مِنَ الزَّوَالِ وَالانْقِرَاضِ، بَلِ الكَائِنَاتُ بأَسْرِهَا، وَتَعُمُّ السَّعَادَةُ اِلإنْسَانِيَّةَ، بِهِِ تُصَانُ الأَنْسَابُ عَنِ الاخْتِلاَطِ وَالضَّيَاعِ، والأَنْظَارُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الحَرَامِ، والفُرُوجُ عَنِ الوُقُوعِ فِيمَا لاَ يَحِلُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ قَاَل: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)) متفق عليه.
فَالزَّوَاجُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَعْظَمُ وَسِيلَةٍ لِصِيَانَةِ البَشَرِ عَنِ الوُقُوعِ فِي المُحَرَّمَاتِ مِنْ زِنًا وَغَيرِهِ؛ لاَ سِيَّمَا وَنَحْنُ نَعِيشُ في هَذَا العَصْرِ الذِي كَثُرَتْ فِيهِ الفِتَنُ، وَتَنَوَّعَتِ الشُّبُهَاتُ وَالشَّهَوَاتُ، وَكَثُرَ فِيهِ دُعَاةُ الرَّذِيلَةِ والفَاحِشَةِ والفَسَادِ، وَتَعَدَّدَتْ وَسَائِلُهُم وَجُهُودُهُم في سَبِيلِ نَشْرِ الفَاحِشَةِ في المُجْتَمَعَاتِ، وعَلَى الأَخَصِّ في الذِينَ آَمَنُوا.
فِي الزَّوَاجِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الذُّرِيَّةِ الصَّالِحَةِ التي يَنْفَعُ اللهُ تَعَالَى بِهَا الزَّوْجَينِ وَالمُجْتَمَعَ والأُمَّةَ بأَسْرِهَا؛ وَقَدْ قَالَ : ((تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ)) رواه النسائيُّ وأبو داود.
إِلَى مَا فِيهِ مِنْ كَفَالَةِ المَرْأَةِ، وَالقِيَامِ بِنَفَقَتِهَا، وَصِيَانَتِهَا وَإِعْفَافِهَا وَرِفْعَتِهَا عَنِ التَّبَذُّلِ، وَإعْزَازِهَا مِنَ المَهَانَةِ وَالذِّلَّةِ وَالعُنُوسَةِ في بَيتِ أَهْلِهَا، وَالقِيَامِ بِحَاجِيَّاتِ الرَّجُلِ وَخِدْمَتِهِ، وَإِغْنَائِهِ عَنِ الحَرَامِ.
عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ شَرَعَ الإِسْلاَمُ الزَّوَاجَ، وَرَغَّبَ فِيهِ، وَدَعَا إِلَيهِ، وَبَيَّنَ فَضْلَهُ وَمَكَانَتَهُ، وَشُرُوطَهُ وآَدَابَهُ وَأَحْكَامَهُ، وأَوْصَافَ المَرْأَةِ التي يُسْعَى لَهَا، وَالشَّابِ الذِي يُرْغَبُ فِيهِ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا رَكَّزَ عَلَيهِ الإِسْلاَمُ في هَذَا الجَانِبِ الدِّينُ وَالخُلُقُ؛ يَقُولُ : ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) متفق عليه، وَيَقُولُ : ((إِذَا خَطَبَ إِلَيكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)) رواه الترمذيُّ وابن ماجه.
وَسَعَى الإِسْلاَمُ بِشَتَّى الوَسَائِلِ إِلَى تَذْلِيلِ العَقَبَاتِ وَإِزَالَةِ العَرَاقِيلِ في طَرِيقِ الزَّوَاجِ، وَنَهَى عَنْ عَضْلِ النِّسَاءِ عَنِ الزَّوَاجِ؛ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:232].
وَإِنَّهُ مَعَ فُشُوِّ الجَهْلِ في المُجْتَمَعَاتِ الإِسْلاَمِيَّةِ وَطُغْيَانِ النَّظْرَةِ المَادِيَّةِ البَحْتَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَالتَقْلِيدِ الصِّرْفِِ للآخَرِينَ وَتَلْبِيَةِ مَطَالِبِ ضِعَافِ العُقُولِ وَالسُّفَهَاءِ أَصْبَحَ الزَّوَاجُ في بَعْضِ المُجْتَمَعَاتِ وَالأُسَرِ مِنْ أَصْعَبِ الصَّعْبِ وَأَنْوَاعِ المُسْتَحِيلاَتِ، بَلْ جَعَلَهُ بَعْضُهُم صَفْقَةً تِجَارِيَّةً، كُلٌّ يَسْعَى للتَّكَسُّبِ مِنْ وَرَائِهَا، مِمَّا أَدَّى إِلَى وَضْعِ العَرَاقِيلِ الشَّاقَّةِ وَالعَقَبَاتِ الكَأْدَاءِ في طَرِيقِ الزَّوَاجِ، وَعُزُوفِ الشَّبَابِ وَالشَّابَاتِ والرَّاغِبِينَ في الزَّوَاجِ عَنِْهُ.
وَتَعَدَّدَتْ تِلْكَ العَرَاقِيلُ وَالعَقَبَاتُ والتَّكَالِيفُ التي مَا أَنْزَلَ اللهِ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، حَتَّى أَلِفَهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَجَعَلُوهَا مِنْ ضَرُورَاتِ الزَّوَاجِ التِي لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِهَا، وَهِي مُبَايِنَةٌ لِشَرْعِ اللهِ تَعَالَى، وَمُخَالِفَةٌ لِِهَدْي رَسُولِهِ الكَرِيمِ ، وَِهَدْي سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ رَحِمَهُم اللهُ، أَزْكَى الأُمَّةِ وَأَبَرِّهَا وأَقْرَبِهَا إِلَى كِتَابِ رَبِّهَا وَسُنَّةِ رَسُولِهَا وَأَبْعَدِهَا عَنِ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَمُّقِ وَالإِسْرَافِ.
وَقَدْ صَاحَبَ تِلْكَ العَرَاقِيلَ وَالعَقَبَاتِ مُنْكَرَاتٌ قَبِيحَةٌ وَمُخَالَفَاتٌ عَظِيمَةٌ، زَادَتِ الأَمْرَ سُوْءًا وَتَعْقِيدًا، وَأْحْدَثَتْ مِنَ الفَسَادِ في حَيَاةِ النَّاسِ وَمُجْتَمَعَاتِهِم مَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى.
عِبَادَ اللهِ، وَمِنْ هَذِهِ العَرَاقِيلِ التي وُضِعَتْ في طَرِيقِ الزَّوَاجِ العَقبَةُ الكَأْدَاءُ المُتَمَثِّلَةُ في التَّكَالِيفِ البَاهِظَةِ للزَّوَاجِ؛ مِنِ ارْتِفَاعِ المُهُورِ وَالمُبَاهَاةِ بِهَا، حَتَّى بَلَغَتْ حَدًّا لاَ يُطَاقُ، وَكَأَنَّ الشَّبَابَ يَنْحِتُونَ الدَّرَاهِمَ مِنْ عُرْضِ الجِبَالِ، وَصَارَتِ الفَتَاةُ عِنْدَ بَعْضِ الأُسَرِ وَكَأَنَّهَا سِلْعَةٌ تِجَارِيَّةٌ في يَدِ وَلِيِّهَا، يُسَاوِمُ عَلَيهَا النَّاسَ في سُوقِ الحَرَاجِ، عَلَّهُ يَظْفَرُ بِمَنْ يَزِيدُ في مَهْرِهَا عَمَّا أُعْطِيَ مِنْ قَبْلُ دُوْنَ خَجَلٍ أَو حَيَاءٍ. وَكَمْ عُضِلَ بَعْضُهُنَّ عَنِ الزَّوَاجِ بِسَبَبِ الطَّمَعِ في وَظيفَتِهَا وَمُرَّتَّبِهَا. نَاهِيكَ عَمَّا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ المُبَاهَاةِ في إِقَامَةِ الحَفَلاَتِ والمُنَاسَبَاتِ، وَاسْتِئْجَارِ القُصُورِ وَالاسْتِرَاحَاتِ وَالفَنَادِقِ وَالقَاعَاتِ بَأَغْلَى الأَثْمَانِ، وَالإِسْرَافِ في وَلاَئِمِ الأَفْرَاحِ، وَتَجْهِيزِ العَرُوسِ بأَغْلَى الأَلبِسَة وَالمُجَوْهَرَاتِ، مِمَّا لاَ مُبَرِّرَ لَهُ، إِلاَّ السَّعْيُ لإِرْضَاءِ السُّفَهَاءِ وَالنِّسَاءِ وَنَاقِصِي العُقُولِ، وَمُجَارَاةُ المُبَذِّرِينَ وَالشَّيَاطِينَ، حَتَّى زَادَ الأَمْرُ الآنَ؛ فأَصْبَحَ العَقْدُ الذِي هُوَ مُجَرَّدُ إِيجَابٍ وَقَبُولٍ في الأَصْلِ يُقَامُ في قُصُورِ الأَفْرَاحِ وَالاسْتِرَاحَاتِ، وَكَأَنَّهُ زَوَاجٌ حَقِيقِيٌّ.
وَيَتَبَاهَى بَعْضُهُم بِكَثْرَةِ المَدْعُوِّينَ وَالحَاضِرِينَ الذِينَ تَضِيقُ بِهِم قُصُورُ الأَفْرَاحِ وَقَاعَاتُ المُنَاسَبَاتِ عَلَى كِبَرِهَا وَسَعَتِهَا، وَكَانَ بِإمكَانِ الإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ مِمَّنْ يَحْصُلُ بِهِم إِعْلاَنُ النِّكَاحِ وَتَمَامُ الفَرْحَةِ، عَلَى وَلِيمَةٍ مُخْتَصَرَةٍ في بَيتِهِ، أَو بَيتِ نَسِيبِهِ، فَيُرِيحُ وَيَسْتَرِيحُ، وَيَسْتَنُّ بِهَدْيِ الإِسْلاَمِ وَهَدْي سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
لَقَدْ نَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ اِلإسْرَافِ وَجَعَلَهُ مِنَ الكَبَائِرِ وأَعْمَالِ الشَّيَاطِينِ وإِخْوَانِهِم؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء:26، 27]، وَقَالَ : ((أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيسَرُهُنَّ مَئُونَةً)) رواه أحمد، وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : ((عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟)) قَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ غَاضِبًا مُسْتَنْكِرًا: ((عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ)) رواه مسلم في صحيحه، وَقَالَ الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَلاَ لاَ تُغَالُوا فِي صُدُقِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ الله كَانَ أَوْلاَكُمْ بِهَا رَسُولُ اللهِ ؛ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلاَ أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ فَوْقَ اثْنَتَي عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، أَلاَ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُغَالِي بِصَدَاقِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَبْقَى لَهَا فِي نَفْسِهِ عَدَاوَةٌ، حَتَّى يَقُولَ: كَلِفْتُ إِلَيكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ أَوْ عَرَقَ الْقِرْبَةِ) رواه أهلُ السُّنن.
اللهُ أَكْبَرُ يا عِبَادَ اللهِ، أَينَ هَذَا المَهْرُ وَالتَّكَالِيفُ لأَفْضَلِ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ؛ زَوْجَاتِ النبيِّ وَبَنَاتِهِ مِنْ مَبَالِغِ المُهُورِ وَتَكَالِيفِهَا التي تَعْلَمُونَهَا اليَوْمَ، والتِي أَثْقَلَتْ كَاهِلَ الشَّبَابِ، بَلِ الأُمَّةِ بأَسْرِهَا، وَأَلْصَقَتْهَا بالدُّيُونِ، مِمَّا أَدَّى إِلَى العُزُوفِ عَنِ الزَّوَاجِ، وَالبَحْثِ عَنِ الطُّرُقِ المُحَرَّمَةِ، وَالسُّبُلِ المُلْتَوِيَةِ لإشْبَاعِ الشَّهَوَاتِ البَشَرِيَّةَ الفِطْرِيَّةَ.
وَيَا سُبْحَانَ اللهِ! مَا الذِي يُرِيدُهُ الإِنْسَانُ إِلاَّ سَعَادَةَ بِنْتِهِ أَوْ أُخْتِهِ؟! فَكَيفَ تَكُونُ هَذِهِ السَّعَادَةُ إِذَا أَثْقَلَ كَاهِلَ زَوْجِهَا بالتَّكَالِيفِ وَالدُّيُونِ التي تَقُودُهُ إِلَى الفَقْرِ والإِفْلاَسِ في مُسْتَقْبَلِ حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ؟!
وَإِنْ اَنْتَهَتْ عَقَبَةُ المَهْرِ بِسَلاَمٍ وَلاَ تَكَادُ فَلَنْ يَسْلَمَ الزَّوْجُ مِنَ التَّكَالِيفِ الأُخْرَى المُتَمَثِّلَةِ في السَّكَنِ وَالفَرْشِ واَلتَّأْثِيثِ وَالمَلاَبِسِ وَالذَّهَبِ وَالمُجَوْهَرَاتِ التي يَكْفِي بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، وَالتِي قَدْ تَكْفِي أَحْيَانًا لِتَجْهِيزِ العَشَرَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، فَاللهُ المُسْتَعَانُ.
نَاهِيكُمْ ـ عِبَادَ اللهِ ـ عَمَّا يُحْدِثُهُ بَعْضُ الفَتَيَاتِ في لَيلَةِ الزَّوَاجِ مِنْ تَغْيِيرٍ لِخَلْقِ اللهِِ تَعَالَى بالأَصْبَاغِ وَالأَلْوَانِ والنُّقُوشِ عَلَى الذِّرَاعَينِ وَالقَدَمَينِ، بَلْ حَتَّى العَوْرَاتِ أَحْيَانًا، وَالمَلاَبِسِ المُخْتَلِفَةِ التي تُشْرَى أَوْ تُسْتَأْجَرُ بآَلاَفِ الرِّيَالاَتِ لِلَيلَةٍ وَاحِدِةٍ فَقَطْ، وَالَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الفَتَاةُ وَحْدَهَا أَنْ تَمْشِيَ بِهَا إلاَّ بِفَتَيَاتٍ أُخْرَيَاتٍ مِنْ صِغَارِ السِّنِّ يَحْمِلْنَ زَوَائِدَهَا وَمُلْحَقَاتِهَا خَلْفَهُنَّ، وَحَتَّى إِنَّ بَعْضَ أَقَارِبِهِنَّ لاَ يَعْرِفُهُنَّ تِلْكَ اللَّيلَةِ؛ لِمَا أَحْدَثنَ في أُنْفُسِهِنَّ مِنْ تَغْيِيرٍ وَأَصْبَاغٍ وَأَلْوَانٍ، نَاهِيكُم عَنِ الذَّهَابِ للكوَافِيرَاتِ وَالنَّقَّاشَاِتِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، وَقَدْ تَمْكُثُ الفَتَاةُ وَحْدَهَا عِنْدَ بَعْضِهِنَّ نِصْفَ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَ، وَاللهُ وَحْدَهُ أَعْلَمُ بِمَا يَجْرِي لَهَا، وَمَا تَتَعَرَّضُ لَهُ بَعْضُهُنَّ مِنِ انْتِهَاكَاتٍ للأَعْرَاضِ، أَو الْتِقَاطِ الصُّورِ وَهِي لاَ تَشْعُرُ، وَكَمْ في عَالَمِ الوَاقِعِ مِنَ القصَصِ المُبْكِي المُحْزِنِ، يَجْرِي كُلُّ ذَلِكَ تَقْلِيدًا للغَيرِ، أَوْ بِحُجَّةِ أَنَّ هَذِهِ لَيلَةُ العُمِرِ، وَنَحْو ذَلِكَ مِنَ المُبَرِّرَاتِ اللاَّمَقْبُولَة شَرْعًا وَلاَ عَقْلاً.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ، وَمِنَ المُنْكَرَاتِ المُحَرَّمَةِ في الأَفْرَاحِ وَالتِي تُصَاحِبُ لَيلَةَ الزَّوَاجِ مَا يَحْدُثُ في قُصُورِ الأَفْرَاحِ مِنَ الغنَاءِ وَالطَّرَبِ وَاللَّهُوِ وَإِحْضَارِ الفِرَقِ الغِنَائِيَّةِ، يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تُحْيِي الفَرَحَ، وَهِي في الحَقِيقَةِ تُمِيتُهُ وَتَجْعَلُهُ مَأْوى للشَّيَاطِينِ؛ وَبَعْضُهُم يُحْضِرُ شُعَرَاءَ العَرْضَةِ ـ كَمَا يُسَمُّونَهُم ـ أَتْبَاعِ الشَّيَاطِينِ، الذِينَ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَسُبُّونَ وَيَشْتُمُونَ، وَقَدْ يَتَعَرَّضُونَ لِغَيرِهِم أَو لِبَعْضِهِم بِفَاحِشِ القَوْلِ، ثُمَّ حَدّثْ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَّا تُحْدِثُهُ تِلْكَ اللَّيَالِي مِنَ الإِحَنِ وَالبَغْضَاءِ والعَدَاوَاتِ وَالتَّهْدِيدَاتِ وَالتَّوَعُّدَاتِ.
وَهَذِهِ في الغَالِبِ لَيسَتْ بالمَجَّانِ، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ المُطْرِبِينَ وَالرَّاقِصِينَ وَالمُغَنِّينَ لاَ يَحْضُرُونَ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ إِلاَّ بأَغْلَى الأَسْعَارِ، وَهَذِهِ عَقَبَةٌ مِنْ عَقَبَاتِ الزَّوَاجِ، وَسِلْسلَةٌ مِنَ العَرَاقِيلِ المَوْضُوعَةِ في طَرِيقَهِ؛ لإِرْضَاءِ النَّاسِ وَمُجَارَاتِهِم، وَقَدْ يَسْتَدِينُ بَعْضُهُم للوَفَاءِ بِهَا.
وَمَنْ لَمْ يُحْضِرْ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ جَلَبَ أَشْرِطَةَ الغِنَاءِ وأَجْهِزَةَ التَّسْجِيلِ وَمُكَبِّرَاتِ الصَّوْتِ، وَفَتَحَهَا عَلَى مِصْرَاعَيهَا، إِلَى أَوْقَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيلِ، وَقَلِيلَةٌ هِي الزَّوَاجَاتُ التي تَخْلُو مِنْ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ، وَتُسْتَغَلُّ في ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَالدَّعْوَةِ إِلَيهِ.
وَإِنَّ المَرْءَ لَيَتَسَاءَلُ في تَعَجُّبٍ لاَ يَنْقَطِعُ: مَا الدَّاعِي لِكُلِّ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ؟! وَلِمَاذَا يَتَحَمَّلُ الإِنْسَانُ مِنَ الدُّيُونِ مَا لاَ يُطَاقُ، وَيُبَذِّرُ أَمْوَالَهُ التي سَيُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ في المُحَرَّمَاتِ مِنْ أَجْلِ إِرْضَاءِ النَّاس الذينَ إِرْضَاؤُهُم مِنَ الغَايَاتِ التي لاَ تُدْرَكُ؟! وَلِمَاذَا يَسْتَنْكِفُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ هَدي الإِسْلاَمِ وَشِرْعَتِهِ في أَمْرٍ خَطِيرٍ كأَمْرِ الزَّوَاجِ، الذِي يُعَدُّ فَاتِحَةً وَنَواةً للأُسْرَةِ المُسْلِمَةِ؟!
رَوَى مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء:64] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (صَوْتُ الشَّيطَانِ هُوَ الغِنَاءُ وَالمَزَامِيرُ وَاللَّهُو). وَقَدْ حَلَفَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ قَوْلِِ اللهِ تَعَالَى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6]، حَلَفَ باللهِ الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَّ لَهْوَ الحَدِيثِ هُوَ الغِنَاءُ. وَقَدْ قَالَ : ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ)) رواه البخاريُّ.
فَانْظُرْ ـ أَخِي بَارَكَ اللهُ فِيكَ ـ كَيفَ قَرَنَ النبيُّ هَذِهِ المُحَرَّمَاتِ العَظِيمَةِ ـ الزِّنَا وَلبْسَ الحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَشُرْبَ الخَمْرَ ـ بالمَعَازِفِ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا سَتُسْتَحَلُّ آَخرَ الزَّمَانِ، كَمَا هُو وَاقِعٌ هَذِهِ الأَيَّامِ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَظِيمٌ عَلَى شِدَّةِ تَحْرِيمِ الغِنَاءِ وَآلاَتِ اللَّهْوِ وَالمَعَازِفِ بِشَتَّى أَلْوَانِهَا وأَشْكَالِهَا، وَهِي مُحَرَّمَةٌ في كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي الزَّوَاجِ أَوْلَى؛ لأَنَّ الزَّوَاجَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ الجَلِيلَةِ التي تَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ، فَكَيفَ تُقَابَلُ بالمَعْصِيَةِ وَالنُّكْرَانِ؟! وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
إِنَّ الذِي أَبَاحَهُ الإِسْلاَمُ في الزَّوَاجِ هُوَ الضَّرْبُ بالدُّفِّ للنِّسَاءِ فَقَطْ، مَعَ الغِنَاءِ المُعْتَادِ الحَسَنِ الذِي لَيسَ فِيهِ دَعْوَةٌ إِلَى مُحَرَّمٍ، وَلاَ مَدْحٌ لِمُحَرَّمٍ، وَلا مُصَاحِبَةٌ لآلاَتِ اللَّهْوِ المُحَرَّمَةِ، في وَقْتٍ مِنَ اللَّيلِ؛ لإِعْلاَنِ النِّكَاحِ، وَالتَّفْرِيقِ بَينَهُ وَبَينَ السِّفَاحِ، كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الخَبَرُ عَنِ النبيِّ ، وَذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ شَرْعِيَّةٍ؛ أَهَمُّهَا أَنْ يَكُونَ بَينَ النِّسَاءِ خَاصَّةً، وأَنْ يَكُنَّ في مَعْزِلٍ عَنِ الرِّجَالِ، وأَنْ لاَ تَكُونَ أَصْوَاتُهُنَّ عَالِيَةً؛ لِمَا في ذَلِكَ مِنَ الفِتْنَةِ بِصَوْتِ المَرْأَةِ.
عِبَادَ اللهِ، وَمِنْ تِلْكَ المُحَرَّمَاتِ التِي تُصَاحِبُ الزَّوَاجَ بِكَثْرَةٍ خُصُوصًا في قُصُورِ الأَفْرَاحِ خُرُوجُ النِّسَاءِ مِنْ بُيُوتِهِنَّ مُتَطَيِّبَاتٍ مُتَبَرِّجَاتٍ وَهُنَّ في أَكْمَلِ زِينَتِهِنَّ وأَبْهَى حِلْيَتِهِنَّ، وَمُرُورُهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ الأَجَانِبِ عَنْهُنَّ، بَلْ خُلُوهُنَّ أَحْيَانًا مَعَ السَّائِقِينَ الأَجَانِبِ عَنْهُنَّ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ وأَمَرُّ؛ وَقَدْ قَالَ المُصْطَفَى : ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ)) رواه النسائيُّ وأحمدُ والدَّارِمِيُّ.
فَتَأَمَّلْ أَخِي ـ رَعَاكَ اللهُ وَحَمَاكَ ـ كَيفَ شَبَّهَ النبيُّ فِعْلَ المَرْأَةِ ذَلِكَ بالزِّنَا؛ لِشَنَاعَتِهِ وَقُبْحِهِ؛ لأَنَّهَا هَيَّجَتِ بالتَّعَطُّرِ شَهَوَاتِ الرِّجَالِ، وَفَتَحَتْ عُيُونَهُم التي هِي بَرِيدُ الزِّنَا.
لَقَدِ انْتَشَرَ بَينَ النِّسَاءِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ في مُنَاسَبَاتِ الأَفْرَاحِ أَنْوَاعٌ مِنَ الأَلْبِسَةِ العَارِيَةِ وَشِبْهِ العَارِيَةِ، التِي تُبْدِي الأَيدِي كَامِلَةً والصُّدُورَ والظُّهُورَ، وَالضَّيِّقَةِ المُحَدِّدَةِ للأَجْسَامِ وَالعَوْرَاتِ، والمَفْتَوحَةِ مِنَ الصَّدْرِ أَو الظَّهْرِ، وَالمَشْقُوقَةِ مِنَ الأَسْفَلِ إِلَى الرُّكْبَةِ أَو أَبْعَدَ مِنْهَا، وَالرَّقِيقَةِ التي تَصِفُ البَشَرَةَ، وَالأَدْهَى مِنْ ذَلِكَ والأَمَرُّ البِنْطَالُ والجِنْزُ بأَشْكَالِهِ المَمْقُوتَةِ الخَطِيرَةِ، ومَا فِيهَا مِنْ تَشَبُّه بالكَافِرَاتِ وَالسَّافِلاَتِ.
بَلْ إِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ إِذَا أَرَادَتِ الخُرُوجَ مِنْ بَيتِهَا لِمِثْلِ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ تَصَنَّعَتْ وَتَطَيَّبَتْ، وَلَبِسَتْ أَجْمَلَ مَلاَبِسِهَا وَكَأَنَّهَا هِي العَرُوسُ، في حِينِ إِنَّهَا في بَيتِ زَوْجِهَا لاَ تَلْبَسُ إِلاَّ أَرْدَى الثِّيَابِ، ولاَ تَبْدُو إِلاَّ بأَقْبَحِ هَيئَةٍ وَمَظْهَرٍ، وَهَذَا مِنِ انْتِكَاسِ المَفَاهِيمِ، وَنُقْصَانِ العَقْلِ وَالدِينِ الذِي أَخْبَرَ عَنْهُ المُصْطَفَى كَمَا في الصَّحِيحِ؛ لأَنَّ زَوْجَهَا أَوْلَى بِحُسْنِ تَجَمُّلِهَا وأَحَقُّ، وَلَكِنَّ العَجَبَ أَنَّهُنَّ لاَ يَجِدْنَ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيهِنَّ في ذَلِكَ، لاَ مِنَ الأَزْوَاجِ وَلاَ مِنَ الأَقْرِبَاءِ.
لَقَدْ شَكَا بَعْضُ النِّسَاءِ الصَّالِحَاتِ مَا يُوَاجِهْنَهُ في حَفَلاَتِ الزَّوَاجِ مِنْ لِحُومٍ عَارِيَةٍ وأَجْسَادٍ مَكْشُوفَةٍ بَادِيَةٍ وَعْوَراتٍ ظَاهِرَةٍ وَمَوْضَاتٍ فَاضِحَةٍ، بِحُجَّةِ أَنَّ لُبْسَهَا إِنَّمَا هُوَ بَينَ النِّسَاءِ فَقَطْ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ أَقْبَحُ مِنْ ذَنْبٍ، فَإِنَّ فَتَاوَى العُلَمَاءِ الأَجِلاَّءِ في بَيَانِ ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ مَعْلَومَةٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَقَدْ تَوَعَّدَ النبيُّ أَمْثَالَ هَؤُلاَءِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)) رواه مسلمٌ وأحمدُ، واللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُ: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بُخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31].
وَكَمْ يَحْدُثُ في انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنْ تِلْكَ القُصُورِ مِنْ مُنْكَرَاتٍ تَتَفَطَّرُ لَهَا الأَكْبَادُ، وَتَرْتَعِدُ لَهَا الفَرَائِصُ مِنْ هَوْلِ مَا تَرَى؛ حِينَ تَخْرُجُ المَرْأَةُ حَاسِرَةً ذِرَاعَيهَا، مُبْدِيَةً لِعَينَيهَا، أَو كَاشِفَةً لِوَجْهِهَا، أَو تَخْرُجُ بِتِلْكَ العَبَاءَاتِ المُطَرَّزَةِ المُزَرْكَشَةِ المَفْتُوحَةِ، وَرَائِحَةُ العُطُوُرِ تَعُجُّ مِنْهَا، أَمَامَ مَرْأَى الرِّجَالِ وَمَسْمَعِهِم الذِينَ يَنْتَظِرُونَ نِسَاءَهُم عَلَى أَبْوَابِ القَصْرِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، وَمِنْ أَخْطَرِ مُنْكَرَاتِ الأَفْرَاحِ مَا يَحْدُثُ في كَثِيرٍ مِنَ الزِّيجَاتِ وَالأَعْرَاسِ مِنَ الاخْتِلاَطِ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، أَو دُخُولِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَمَامَ النِّسَاءِ وَالنَّصَّةِ القَبِيحَةِ أَمَامَهُنَّ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الفِتْنَةِ مَا لاَ يَخْفَى؛ حَيثُ يَرَى الزَّوْجُ في لَيلَةِ فَرَحِهِ كَثِيرًا مِنَ النِّسَاءِ وَهُنَّ مُتَزَيِّنَاتٍ مُتَبَرِّجَاتٍ، وَقَدْ يَكُونُ بَينَهُنَّ وَلاَ شَكَّ مَنْ هِي أَفْضَلُ وأَجْمَلُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَأَحْسَنُ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى ضَعْفِ مَكَانَتِهَا في نَفْسِهِ وَتَلاعُبِ الشَّيطَانِ بِقَلْبِهِ وَعَقْلِهِ، وَمِنَ الجَانِبِ الآَخَرِ يَرَى هَؤُلاَءِ النِّسْوَةُ الزَّوْجَ وَهُوَ في أَبْهَى زِينَتِهِ وَجَمَالِهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَجْمَلَ مِنْ أَزْوَاجِ بَعْضِهِنَّ، فَتَقَعُ الفِتْنَةُ وَالعِيَاذُ باللهِ، نَاهِيكَ عَمَّا يَحْدُثُ في بَعْضِ قُصُورِ الأَفْرَاحِ مِنْ دُخُولِ الخَدَمِ الذِينَ لاُ يُؤْبَهُ بِهِم عَلَى النِّسَاءِ.
لَقَدْ حَرَّمَ الإِسْلاَمُ الاخْتِلاَطَ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُسْلِمِينَ بِغَضِّ أَبْصَارِهِم رِجَالاً وَنِسَاءً؛ لِيَحْفَظَ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ مَكَانَتَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ، وَلِتَسْلَمَ المُجْتَمَعَاتُ مِنَ الفَسَادِ وَالفُحْشِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَزْكَى للقُلُوبِ وأَطْهَرُ للنُفُوسِ.
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَحْفَظَنَا جَمِيعًا مِنَ الوُقُوعِ في الفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَاْن يُجَنِّبَنَا المُوْبِقَاتِ، وأَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا مِنْ أَدْرَان المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وأَنْ لاَ يُؤَاخِذَنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، إِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرٌ، وَبالإِجَابَةِ جَدِيرٌ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي ولَكُم ولِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وتُوبُوا إِلَيهِ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَالصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَاشْكُرُوهُ، وَرَاقِبُوهُ وَلاَ تَعْصُوهُ.
ثُمَّ اعْلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ مِنَ المُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ المُصَاحِبَةِ لِكَثِيرٍ مِنَ الأَفْرَاحِ السَّهَرُ إِلَى هَزِيعٍ مُتَأَخِّرٍ مِنَ اللَّيلِ، بَلِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ أَحْيَانًا، سِيَّمَا النِّسَاءُ، فَتَضِيعُ صَلاَةُ العِشَاءِ وَالفَجْرِ أو تُؤَخَّرُ عَنْ مَوْعِدِهَا، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنِ انْتِكَاسِ الفِطَرِ؛ حَيثُ السَّهَرُ فِيمَا لاَ ضَرُورَةَ إِلَيهِ، وَلاَ فَائِدَةَ مِنْهُ. وَمِمَّا يَزِيدُ الأَمْرَ سُوْءًا أَنَّ هَذَا السَّهَرَ إِنَّمَا هُوَ للنِّسَاءِ فَقَطْ، أَمَّا الرِّجَالُ فَيَنْصَرِفُونَ قَبْلَ مُنْتَصَفِ اللَّيلِ، فَيَذْهَبُ أَحَدُهُم، وَيَتْرُكُ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ في قُصُورِ الأَفْرَاحِ إِلَى الفَجْرِ، لاَ يَدْرِي مَا يَفْعَلْنَهُ إِلَى آخِرِ اللَّيلِ، وَلاَ مَا يَعْرِضُ لَهُنَّ هُنَاكَ، وَقَدْ تَعُودُ مَعَ السَّائِقِ الخَاصِّ، أَو مَعَ سَيَّارَاتِ الأُجْرَةِ، وَكَمْ حَصَلَ بِسَبِبِ ذَلِكَ مِنْ مَفَاسِدَ لاَ تَخْفَى.
عبَادَ اللهِ، وَمِنَ المُنْكَرَاتِ الشَّنِيعَةِ التي بَدَأَتْ تَحْدُثُ في كَثِيرٍ مِنْ مُنَاسَبَاتِ الزَّوَاجِ وَتَجَمُّعِ النِِّسَاءِ التَّصْوِيرُ؛ حَيثُ يَتِمُّ الْتِقَاطُ صُوَرِ النِّسَاءِ وَهُنَّ في أَبْهَى جَمَالِهِنَّ وَحِلْيَتِهِنَّ، وبَعْضُهُنَّ عَارٍ بِتِلْكَ المَلاَبِسِ المَفْضُوحَةٍ العَارِيَةِ الفَاتِنَةِ، وَبْعضُهُنَّ يَتَمَايَلْنَ وَيَرْقُصْنَ طَرَبًا، لاَ يَعْلَمْنَ بِذَلِكَ التَّصْوِيرِ. ثُمَّ تَنْتَقِلُ هَذِه الصُّوَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَرْبَابِ الفَسَادِ وَدُعَاةِ الرَّذِيلَةِ، الذِينَ لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلاً وَلاَ ذِِمَّةً، يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الذِينَ آمَنُوا، فَيَسْتَخْدِمُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ في أَغْرَاضِهِمِ الدَّنِيئَةِ، وَيَسْتَغِلُّونَهَا للتَّشَفِّي مِنْ بَعْضِ مَنْ يَكْرَهُونَهُم، وَيَنْشُرُونَهَا في مَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ والفَسَادِ، كَمَا حَدَثَ مِِمَّا سَمِعْتُمْ بَعْضَهُ وَمَا خَفِي كَانَ أَعْظَمُ، بَعْدَ أَنْ يَتَفَنَّنُوا في تَغْيِيرِهَا وَتَبْدِيلِهَا لِتُوَافِقَ رَغَبَاتِهِم ومَقَاصِدِهِم القَبِيحَةِ.
وَفِي هَذَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَخْطَارٌ عَظِيمَةٌ تُهَدِّدُ الأُسَرَ وَالبُيُوتَ، وَتُؤْذِنُ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الفَسَادِ والخَرَابِ الأُسَرِيِّ عَلَى مَصَارِيعِهَا، فَمَا هُوَ شُعُورُكَ ـ أَيُّهَا الأَبُّ أَو الزَّوجُ أَو الأَخُ ـ إِذَا الْتَقَطَ هَؤُلاَءِ السُّفَهَاءُ الذِينَ يَحْمِلُونَ آلاتِ التَّصْوِيرِ صُورَةً لِبِنْتِكَ أَو زَوْجَتِكَ أَو أُمِّكَ أَو أُخْتِكَ أَو إِحْدَى قَرِيبَاتِكَ لاَ سَمَحَ اللهُ، فَنُشِرَتْ وَتَلاقَفَتْهَا الأَيدِي، فَأَصْبَحَتْ مَثَارًا للفِتْنَةِ وَالعِيَاذُ باللهِ.
اللهُ أَكْبَرُ يَا عِبَادَ اللهِ، كَمْ حَصَلَ بِهَذا المُنْكَرِ مِنْ فَضَائِحَ وَمَفَاسِدَ، وَكَمْ تَهَدَّمَتْ بِهِ مِنْ أُسَرٍ، وَكمْ تَفَرَّقَ بِهِ مِنْ أَزْوَاجٍ، وَكَمْ سُفِكَ بِهِ مِنْ دِمَاءٍ، وَاغْتِيلَ بِهِ مَنْ كَرَامَاتٍ، وَظُلِمَ بِسَبَبِهِ مِنْ نِسَاءٍ مُؤْمِنَاتٍ غَافِلاَتٍ عَمَّا يُرَادُ بِهِنَّ وَمَا يُحَاكُ ضِدَّهُنَّ مِنْ أَرْبَابِ الفَسَادِ.
لَقَدْ تَفَنَّنَ أَعْدَاءُ الأُمَّةِ المَغْضُوبُ عَلَيهِم وَالضَّالُِّونَ في تَطْوِيرٍ أَجْهِزَةِ التَّصْوِيرِ وآلاتِه وَوَسَائِلِهِ، كَيفًا وَكَمًّا وَنَوْعًا وَحَجْمًا، في صُورَةِ أَقْلاَمٍ صَغِيرَةٍ وأَجْهِزَةٍ لاَ تُرَى بِسُهُولَةٍ، وَفِي أَجْهِزَةِ الجَوَّالاَتِ التي أَصْبَحَتْ في مُتَنَاوَلِ أَيدِي النِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ وَالخَدَمِ وأَشْبَاهِهِمْ، وفي السَّاعَاتِ وَغَيرِهَا، وَبعْضُهَا يُسَجِّلُ أَفْلاَمَ الفِيدْيُو، وَلاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
وَقَدْ سُجِّلَتْ مِنْ بَعْضِ الأَعْرَاسِ وَالحَفَلاَتِ والأَفْرَاحِ أَفْلاَمُ رَقْصٍ وَغِنَاءٍ وَسَهَرَاتٍ، وَالْتُقِطَتْ صُوَرٌ لِنِسَاءٍ عَارِيَاتٍ، وَبِيعَتْ بَأغْلَى الأَثْمَانِ، وَتَنَافَسَ المُفْسِدُونَ الذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الذِين آمَنُوا في بَيعِهَا وَنَسْخِهَا وَتَوْزِيعِهَا وَنَشْرِهَا عَلَى شَبَكَاتِ الإِنْتَرْنِتْ وَغَيرِهَا مِنْ وَسَائِلِ الإِعْلاَمِ، فَصَارَتْ أَعْرَاضُ المُسْلِمِينَ فُرْجَةً وَفَاكِهَةً لِمَجَالِسِ السُّوْءِ، وَالضَّحِيَّةُ الأُوْلَى والأَخِيرَةُ هِي المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ الغَافِلَةُ المُحَارَبَةُ مِنْ دُعَاةِ الفَسَادِ وأَرْبَابِ الرَّذِيلَةِ.
وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى لَهُم بالمِرْصَادِ، وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ؛ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19].
أَلاَ فَلْتَعْلَمُوا ـ رَعَاكُمُ اللهُ ـ أَنَّ الزَّوَاجَاتِ والأَعْرَاسَ وَالمُنَاسَبَاتِ المُشْتَمِلَةَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ لاَ يَجُوزُ للإِنْسَانِ أَنْ يَحْضُرَهَا وَلاَ أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ فِيهَا وَلَوْ كَانَتْ لأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إِزَالَةِ المُنْكَرِ المَوْجُودِ بِهَا، أَمَّا إِذَا كَانَ عَنْ ذَلِكَ عَاجِزًا فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ الذَّهَابُ إِلَيهَا، وَلاَ أَنْ يَأْذَنَ لِنِسَائِهِ بِحُضُورِهَا؛ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعَاصٍ وَمُنْكَرَاتٍ، وَمَا يُخْشَى عَلَيهِ مِنَ الفَسَادِ وَالفِتْنَةِ وَالإِثْمِ وَالوزْرِ.
كَمَا أَنَّ الوَاجِبَِ عَلَينَا جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ ـ أَنْ نَعُودَ بِحَفَلاَتِ الزَّوَاجِ وَمُنَاسَبَاتِ الأَفْرَاحِ إِلَى هَدْي الإِسْلاَمِ وآدَابِهِ العَظِيمَةِ؛ فَنَقْتَصد فِيهَا، وَنَحْذَر مِنَ الإِسْرَافِ وَتَوَابِعِهِ، يَقْتَصِرُ الإِنْسَانُ عَلَى دَعْوَةِ أَقَارِبِهِ الخَاصِّينَ المَوْثُوقِ بِهِم، وَيَجْعَلُهَا في بَيتِهِ، وَيَمْنَعُ نِسَاءَهُ وَقَرِيبَاتِهِ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى قُصُورِ الأَفْرَاحِ، وَيُلْزِمُهُنَّ ـ إِنْ ذَهَبَنْ إِلَيهَا ضَرُوْرَةً ـ بالحِجَابِ وَالحِشْمَةِ واللِّبَاسِ السَّاتِرِ المُحْتَشِمِ، والإِنْكَارِ عَلَى المُخَالَفَاتِ والمُنْكَرَاتِ المُتَفَشِّيَةِ فِيهَا أَو الخُرُوجِ مِنْهَا.
إِنَّ الأَمْرَ خَطِيرُ جِدُّ خَطِيرٍ، يَتَعَلَّقُ بأَعْرَاضِكُم وَنِسَائِكُم وَأُسَرِكُمْ وَبُيُوتِكُمْ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، فَإِمَّا أَنْ تَتَضافَرَ جُهُودُنَا يَدًا بِيَدٍ للقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الخَطِيرَةِ وَمُحَارَبَتِهَا وَإِنْكَارِهَا بِشَتَّى الوَسَائِلِ قَبْلِ انْتِشَارِهَا وَعُمُومِ فَسَادِهَا، وَإِمَّا الخِزْيُ وَالعَارُ وَالفَضِيحَةُ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ أَجَارَكُمُ اللهُ وَحَمَاكُمْ.
كَمْ يَفْرَحُ الإِنْسَانُ ـ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ـ وَهُوَ يَرَى كَثْرَةَ مُنَاسَبَاتِ الزَّوَاجِ سِيَّمَا في الإِجَازَاتِ الصَّيفِيَّةِ، مِمَّا يَعُودُ بِإِعْفَافِ الشَّبَابِ وَتَحْصِينِ الفَتَيَاتِ وَتَكْثِيرِ الأُمَّةِ، لَكِنَّ الفَرْحَةَ مَا تَلْبَثُ أَنْ تُصَابَ بالكَدَرِ وَهُوَ يَرَى غَالِبَ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ تُحَاطُ بِكَثِيرٍ مِنَ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ والمُنْكَرَاتِ المُحَرَّمَةِ وَالتَّكَالِيفِ البَاهِضَةِ، والتِي تَزِيدُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، وَتَتَنَوَّعُ في أَشْكَالِهَا وأَلْوَانِهَا، مِمَّا يَقُودُ إِلَى الطَّلاَقِ وانْتِشَارِ الخِلاَفَاتِ الزَّوْجِيَّةِ وَتَهْدِيمِ البُيُوتِ والأُسَرِ؛ لأَنَّ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ لَمْ تُبْنَ عَلَى القَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَمْ تُحَطْ بِطَاعَةِ اللهِ وَشُكْرِهِ وَالاعْتِرَافِ بِفَضْلِهِ وَالبُعْدِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ؛ وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ إِذْ يَقُولُ: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].
أََلاَ فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ، والْزَمُوا صِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ، وَاسْتَنُّوا بِسُنَّةِ رَسُولهِِ الكَرِيمِ، تَفُوزُوا وَتُفْلِحُوا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيهِ في قَوْله عَزَّ مِنْ قَائلٍ عَلِيمٍ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ الأحزاب:56]، وقَالَ : ((مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا)) رواه مسلم.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِِكَ وَرَسُولِِكَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِِ اللهِِ، وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ...
(1/4814)