سلاح المؤمن

موضوع: سلاح المؤمن الثلاثاء يوليو 05, 2011 7:35 am

سلاح المؤمن

سلاح المؤمن

في هذا المقال سأنحى منحى جميلاً، وأكتب حديثًا لطيفًا له من الروعة والجلال والجمال ما له، حديث لا تسئمه النفوس، ولا تمل منه الأسماع.
كيف لا؟ وهو حديث يعرفنا على طريق من طرق الوصول إلى ربِّ العزة والجلال والكبرياء والعظمة، بل هو باب عظيم من أبواب الاتصال بالخالق الجليل الذي من دخله عز، ومن تركه ذل، وأغضب منه مولاه.
فأعطيني يا أخي قلبك، ودعني آخذ بيدك لنحلق في آفاقها، ونعيش في رحابها، علَّ هذه اللحظات تكون من أروع لحظات حياتك، وأسعد ساعات أيامك.
أخرج الإمام البيهقي رحمه الله في شعبه عن سلمانَ رضي الله عنه أنه قال: لما خلقَ اللهُ آدم عليه السلام قال: واحدةٌ لي، وواحدةٌ لك، وواحدةٌ بيني وبَيْنَكَ. فأما التي هي لي: فتعبدني لا تشرك بي شيئًا، وأما التي هي لك: فما عملتَ من شيء جزيتُكَ به، وأنا أغفر وأنا الغفور الرحيم، وأما التي بيني وبينَك: فمنك المسألةُ والدعاءُ، ومني الإجابةُ العطاءُ. [شعب الإيمان للبيهقي].
هذا الكرمُ الإلهي، والوعد الصادق الرباني قد أخبر عنه جلَّ وعلا بقوله: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . [غافر 60].
إنه الدعاء مخ العبادة وسرها، الدعاء سلاح المؤمن في كل وقت وحين، الدعاء منحة الباري لعباده المؤمنين، الدعاء يجلب الخيرات والرحمات، ويدفع الآفات الكربات، الدعاء أنيس المؤمن في خلوته، الدعاء طريق يعرفك حقيقة العبودية، الدعاء ليس شيء أكرم على الله منه، الدعاء الذي وعدك الله الكريم على إجابته.
جاء عن رجلٍ أنه عَبَدَ الله سبعين سنة، فكان يقول في دعائه: ربِّ اجْزِني بعملي، فمات فأُدخل الجنة فكان فيها سبعين سنةً، فلما استكملها قيل له: اخرج فقد استكملت عملك، فأُسقط في يديه فجعل يقول: أي شيء كان أوثق في الدنيا؟ فلم يجد شيئًا كان أوثق في الدنيا من دعاء الله والتضرع إليه فجعل يقول: ربِّ إني سمعتك -وأنا في الدنيا- أنت تُقيل العثراتِ، فأقِلِ اليوم عثرتي، فترك فيها. [شعب الإيمان للبيهقي].
فيالله ما أعظمه من كرم! ومن هنا تدرك معي أيها المؤمن أهمية ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ). [رواه الترمذي].
قال أهل العلم: أي ليس شيءٌ أكثرَ كرامةً وشرفًا وأعلى قدرًا من دعاء الله عز وجل. [انظر مشكاة المصابيح ج7/708].
فما أن ترفعَ يديك إلى السماء وتقول: يا رب، إلا وأبواب السماء تفتح لك، لتنهالَ عليك الرحمات الإلهية والأعطيات الربانية.
قال النعمان بن بشير رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ الدعاءَ هو العبادةُ)، ثم قرأ: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . [رواه البيهقي في الشعب].
فقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الدعاء هو العبادة) "أي: أن الدعاء هو خالص العبادة كما في حديث أنس عند الترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء مخُّ العبادة)، والمعنى: أن العبادة لا تقوم إلا بالدعاء، كما أن الإنسان لا يقوم إلا بالمخِّ". [تطريز رياض الصالحين ج2/274].
أرأيت معي أيها المؤمن هذا المعنى اللطيف، وهذه الإشارة الجميلة، فأنت حين تستجيب لأمر الله بدعائه وحده، وتعلم أن نجاح أمورك منه وحده لا شريك له، فإنك حينئذ تنقطع عمن سواه، وتفرده وحده بقضاء الحاجات وتنفيس الكربات؛ لأنك تعلمُ يقينًا أنه لا قاضي للحاجات ولا مفرج للكربات إلا هو سبحانه، فحينها تكون مصيبًا لمراد الله جلَّ وعلا من العبادة. [انظر سبل السلام ج7/268].
جاء عن إسحاق بن عباد البصري أنه قال: رأيت في منامي ذات ليلة قائلاً يقول: أَغِثِ الملهوفَ، فانتهبتُ، فقلت: انظروا هل في جيراننا محتاج؟ فقالوا: ما ندري، قال: فنمت ثانيا، فعاد إلي، فقال: تنامُ ولم تغثِ الملهوف، فقمتُ، فقلت للغلام: أسرج البغل، وأخذت معي ثلاثمائةٍ درهم، ثم ركبت البغل فأطلقت عنانه _وذكر الحديث في سيره_ حتى بلغ مسجدًا يُصلى فيه على الجنائز، قال: فوقف البغل هناك، فنظرت فإذا رجل يصلي، فلما أحسَّ بي انصرف، قال: فدنوت منه، فقلت: يا عبد الله، في هذا الوقت، في هذا الموضع ما أخرجك؟ قال: أنا رجلٌ خوَّاص[أي: تاجر]، كان رأس مالي مائة درهم، فذهبت من يدي، ولزمني دين مائتي درهم، قال: فأخرجت الدراهم وقلت: هذه ثلاث مائة درهم، خذها، قال: فأخذها، قلت: تعرفني؟ قال: لا، قلت: أنا إسحاق بن عباد، فإن نابتك نائبة فأتني، فإن منزلي في موضع كذا وكذا، فقال: رحمك الله، إن نابتنا نائبةٌ فزعنا إلى من أخرجك في هذا الوقت حتى جاء بك إلينا. [شعب الإيمان للبيهقي].
قال أبو يعقوب النهرجوري: "من كان شَبَعُهُ بالطعام لم يزل جائعًا، ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرًا، ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل محرومًا، ومن استعان في أمره بغير الله لم يزل مخذولاً". [شعب الإيمان للبيهقي].
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنِ انْقَطَعَ إِلَى اللهِ كَفَاهُ اللهُ كُلَّ مُؤْنَةٍ وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، وَمَنِ انْقَطَعَ إِلَى الدُّنْيَا وَكَلَهُ اللهُ إِلَيْهَا). [رواه البيهقي في شعبه].
وعن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ نَزَلَتْ بِهِ حَاجَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى، إِمَّا أجلٍ عاجلٍ، وَإِمَّا غِنًى عاجلٍ). [المرجع السابق].
فينبغي على المسلم أن يكن على حذر من إنزال حاجته بالبشر ويترك رب البشر فيغضب عليه، بل كن مع الله، وأدع الله، ولا تؤمل غيره، فهو سبحانه كافيك، قال أبو هريرة فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لا يسأله يَغْضَبُ عليه). [المرجع السابق].

لا تسألنَّ بُنَيُّ آدمَ حاجـةً .. وسَـلِ الذي أبوابُهُ لا تُحْجَبُ
اللهُ يغضبُ إنْ تركتَ سُؤالَهُ .. وبُنَيُّ آدمَ حينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

بارك الله فيكم اخي في الله جلال

وجزاكم الله خيرا

تقبل الله منا ومنكم صالح اعمالنا

دمتم في حفظ الرحمن