الدستور ثانيا!
محمود الغنام
نعم.. الدستور ثانيا.. وسأقدم لك هنا أسبابا جديدة تماما ومختلفة تماما عن كل ما سمعته من علل وأسباب لضرورة تقديم الانتخابات على الدستور، وهو ما يجعل لي الحق في العرض الحصري لهذه الأسباب، وسأزعل منك جدا إذا وجدتُها على خمسمية موقع على النت دون احترام ملكيتي لها، لتتأكد أننا نختلف عن الآخرين خااالص!!
رقم واحد: الدستور ثانيا لأن التربية يجب أن يكون فيها قدر من القسوة، من باب "وقسا ليزدجروا ومن يك راحما فليقسُ أحيانا على من يرحم"، والذي فسّره بيت الشعر العظيم الآخر: "يا بخت من بكّاني وبكى عليّ ولا ضحّكني وضحّك الناس عليّ".. يجب أن تتربى معظم النخبة بالعصا أحيانا حتى تتعلم كيف تتصرف في مواقف كهذه، وحتى يشتد عودها وتصلب حيلها كالرجال، وتعلم أن الموضوع جد ومش حابّة هزار!
أكلما أرادت النخبة شيئا تحقق، وكلما شاءت هدفا لُبّي لها، كده هتتدلع وماحدش هيقدر عليها، يجب ألا نُفرِط في تدليل أطفالنا حتى يقدروا على تحمل المسئولية، والكلمة مسئولية، وقرار الشعب لا يصح الاعتراض عليه من أجل أهداف فئوية، لا بد أن يعلم أنصار "الدستور أولا" أن عليهم احترام الخلاف وأنه ليس بالضغط والإلحاح والزنّ على الودان يتحقق لكل أحد ما يريد، فالشعب أقوى من مجموع أجزائه.
رقم اتنين: الدستور ثانيا لأن السياسة لعبة، ومن أهم متطلبات اللعبة الحقيقية ألا يكون هناك رجوع في كل خطوة، لو بتلعب شطرنج ونقلت نقلة تضيع وزيرك ولا تموت ملكك هتقول هارجع في اللعبة دي! ده يبقى لعب عيال، فلا بد أن يعلم المطالبون بـ"الدستور أولا" أنه لا رجوع ولا undo ولا كنترول زد في لعبة مهمة وحساسة كمصائر الشعوب، وإدارة شئون دولة في مرحلة عصيبة لا تحتمل كل يوم كام طن ورق وكام جالون حبر فوسفوري، ورايحة فين يا فاطمة رايحة أدي صوتي، جاية منين يا فاطمة كنت بادي صوتي!!
على النخبة أن تتعلم أن تفكّر جيدا قبل أن تنقل قطعة الشطرنج، وتعلم أين ستقف من جديد، وما النتائج المترتبة على قرارها، قدّر لنفسك قبل الخطو موضعها، وإلا اتكفيت على وشك، وساعتها لا تلُمْ إلا نفسك!!
كنت سأحترم دعاة "الدستور أولا" إذا كانوا قاطعوا الاستفتاء من بدايته؛ لأنه لا يحقق لمصر ما تريده من وجهة نظرهم، أم إن العيوب الضخمة الرهيبة هذه في هذه الطريقة للتحول الديمقراطي عبر انتخابات فدستور فرئاسة لم تظهر إلا بعد أن اكتشفوا مدى حب الشارع لهم واقتناعه بأفكارهم وولائه لآرائهم، فأعطاهم 22% أصواتهم، كان يجب أن يقيسوا نبض الشارع ويتعاملوا على أرض الواقع بدلا من الأحلام والخيالات التي كان السابقون غطسانين فيها لشوشتهم.
رقم تلاتة: الدستور ثانيا لأن مستقبل البلاد والعباد لن يتحدد وفق هواجس وظنون وفار بيلعب في عب البعض تجاه البعض الآخر، كلنا نعلم أن سبب الدعوة للدستور أولا هو الخوف من تشكيل الإخوان لأغلبية قوية في البرلمان القادم تتيح لهم التدخل في اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور، بما يكفل دستورا يقوض المدنية أو الحرية، وهذه الهواجس نفاها الإخوان أكثر من مليون مرة، ولا يبقى إلا إنهم يعملوا قرود عشان يقنعوا التيارات الأخرى بأنهم لا يسعون لأغلبية تزيد على النصف، ويسعون لبرلمان توافقي ودستور يمثل جميع التيارات ولا يستثني أي فصيل وطني بيلعب في دوري المظاليم! فإذا كان الفار لا يزال يلعب في عبّ التيارات الأخرى فهذه مشكلتهم هم، وبدلا من أن يصدّعوا الشعب كله بشكوكهم ممكن يجيبوا سم فيران وخلاص!
رقم أربعة: الدستور ثانيا لأن ممارسة الضغط وتكوين الحملات وجمع التوقيعات واستقطاب الأسماء البارزة لا يجب أن يغير من حقيقة الأمر شيئا، موافقة معظم وجوه المثقفين والسياسيين وتأييد د. عصام شرف ود. يحيى الجمل، وحتى لو أيّد المجلس العسكري نفسه -وهذا افتراض مستحيل- فهذا لا يجب أن يغير من قرار الأغلبية شيئا؛ لأن الاستفتاء هو الحقيقة الوحيدة وسط كل هذا، لأنه بتوقيع 18 مليون مصري كل واحد منهم ذهب وهو في كامل قواه العقلية ووقف في طابور في عز الحر وهو ليس مضطرا لتحمل حرارة الشمس وطول الطابور وزحمة الواقفين ورغيهم.. ليقول في معظمه "نعم" لهذا الشكل في إدارة الأمور.. أما تأييد هذا وموافقة ذاك فهو موقف إن احترمنا وجهة نظر قائليه فإنه يكشف عن محاولة تجاوز غير مقبولة من أطراف تريد الافتئات -بلاش الافتئات دي- تريد الاستبداد بمستقبل الوطن، وتجاهل قرار أغلبية الشعب..
دعاة "الدستور أولا" هم بالتأكيد من صوّتوا بـ"لا" في الاستفتاء، وإن أجمعوا جميعا على هذه الدعوى فهم 22% من الشعب لا يجب أن يحددوا وحدهم مصير الوطن، ويتعدّوا على أغلبية أيّدت خلاف ما يريدون هم..
رقم خمسة: إذا تغيّرت الأمور وقرر القائمون على إدارة شئون البلاد التعدي على قرار الشعب، فإنني وقتها أطالب وفورا بتسليم السلطة للدكتور محمد البرادعي رئيسا منتخبا لمصر؛ لأنه حصل على أعلى نسبة في التصويت الإلكتروني على صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهذا معناه أن الشعب يريده، أم إن الشعب الذي يقول "الدستور أولا" على فيس بوك وتويتر ليس هو الشعب الذي يصوّت للبرادعي في استفتاء المجلس الأعلى..
الإنترنت لا يمثل ثلث المصريين، وفي الصحافة أتخن جرنان بيوزع مليون نسخة، وفي التليفزيون تكسب قنوات الأفلام والمسلسلات والأغاني أضعاف ما تكسبه قنوات الأخبار والتحليلات والتوك شو، ولذا فالحملات الإنترنتية، والصحفية، والتليفزيونية لا تعبّر عن الشعب، ولا تستحق أن تمثل إرادته، ولو أثّرت على من يدير الأمور -وهذا خطأ لن أقبله- فمن بيده الأمور مضطر أن يصدر أحكاما مشابهة في قضايا مشابهة، منها على سبيل المثال تولية الدكتور البرادعي الرئاسة، وربما يجد نفسه يوما مضطرا لتغيير العلم والنشيد حسب جروب رامي الاعتصامي!
إذا أثّر الضغط في اتجاه عصيان إرادة أغلبية الشعب لأجل طلبات أقلية تبحث عن مصالحها، فإنني كفرد مجرد فرد -لست سوبر ستار في كل برامج التوك شو، ولا أملك صحيفة أشنّ منها حملات توجيهية، ولا قناة تليفزيونية تتبنى وجهة نظر واحدة- لن أقبل بتصرف يزدري إرادتي بهذا الشكل، ليس لأنني ضد "الدستور"، ولكن لأنني أرفض أن يقوم طرف بتسخير وطن بكامله من أجل مصالحه، لن أقبل بانتصار تيار قبل أن يقدّم شيئا للوطن سأل عن نصيبه منه..
والذي عايز نصيبه ييجي ونتحاسب!!