آداب الدعاء : ( عدمية أو ثبوتية )
الآداب العدمية :
1. عدم الاعتداء في الدعاء ومن صوره :
أ. الشرك بالله في الدعاء فإن أعظم العدوان هو الشرك ، فصرف الدعاء الذي هو من أهم العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى إلى التقرب به لعبد فقير لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فهذا الصرف من أعظم الاعتداء والعدوان والذي والهوان .
ب. ومن الاعتداء الابتداع في الدعاء .
ج. ومن الاعتداء سؤال الله مالا يجوز سؤاله مثل:
ـ سؤاله مالا يليق به مثل منازل الأنبياء .
ـ التنطع في الدعاء فهذا عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال : أي بني ، سل الله الجنة وتعوذ بالله من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(سيكون أقوام في هذه الأمة يعتدون في الطهور والدعاء ) رواه أحمد .
ـ سؤال الله المعونة على الحرام : فالله لا يحب الحرام ولا الفحشاء فكيف يطلب معاونته على ذلك ؟ قال صلى الله عليه وسلم ( لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم مالم يستعجل ...)
ـ. ومنها الدعاء على المؤمنين فيما لا يحل ومنها الدعاء على النفس والمال قال صلى الله عليه وسلم ( لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقون من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ) رواه مسلم .
ومنها التحجير في رحمة الله وتضييقها ( اللهم ارحمني ومحمدا ...) لقد حجرت واسعا .
ومنها الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا فقد روى مسلم أنه النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضا قد صار كالفرخ من الضعف فسأله ( هل كنت تدعو بشيء ) فقال نعم : كنت أقول ( اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ) قال صلى الله عليه وسلم ( سبحان الله إنك لا تطيقه . أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )
ومنها الدعاء على النفس بالموت .
ومن الاعتداء أن يدعو الله بما يناقض حكمته أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره وإليك بعض صوره.:
1. الدعاء بالمحال كدعاء بدخول إبليس وأبي جهل الجنة .
2. الدعاء بما لا مطمع فيه كمن يدعو بالخلود في الدنيا أو رفع حاجة الطعام والشراب .
3. الدعاء أن لا يقيم الله الساعة .
ومن الاعتداء سوء الأدب في خطابه مع الله عز وجل ومناجاته : ومن صوره :
1. رفع الصوت بالدعاء والنداء في الدعاء والصياح .أما ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جهر في أدعية فإما خطبة الجمعة أو الاستغاثة أو التعليم .
2. دعاء الله بدون تضرع في دعائه وخطابه كأنه مستغني ومدل على ربه وهذا من أعظم الاعتداء لمنافاته دعاء الذليل فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد .
3. تكثير الكلام الذي لا حاجة إليه .
4. تكلف السجع في الدعاء وتكلف صنعة الكلام له . قال ابن عباس ( فانظر السجع في الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب ) .
وينقل كلام ابن الهمام الحنفي ( ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والاشتهار لتحريرات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس فكأنه قال : اعجبوا من حسن صوتي وتحريري ولا أدري أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وماذاك إلا نوع لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل في حاجة من ملك أو لى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والترطيب والترجيع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان .
2. عدم التلبس بالحرام :
من أهم آداب الدعاء أن يكون الداعي مجتنبا للتلبس بالحرام أكلا وشربا ولبساوتغذية فلهذا ينبغي له أن يتحرى ويجتهد إذا أراد أن يكون مجاب الدعوة فللحلال سر عجيب في قبول الأعمال عند الله تعالى والحرام له منع وسد وشؤم على متناوله فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك )
وقال في الحديث ( وأطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة )
3. عدم الاستعجال :
فلا يستعجل الداعي في دعوته فيستحسر ويسأم ويترك الدعاء واللائق بالعبد أن يلازم الطلب ولا ييأس ولا يستعجل فإن العبد لا يعرف المصلحة هل هي في وقوع المطلوب أو في غيرها أو تأجيله في الآخرة وادخار الأجر له في الآخرة ومع هذا فالدعاء عبادة عظيمة ، قال صلى الله عليه وسلم ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي ) وفي لفظ لمسلم ( لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم مالم يستعجل قيل يارسول الله مال الاستعجال ؟ قال يقول : قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ) .
والحكمة من المنع :
1. هذا يدل على تضجر قائله وملله فينقطع عن الدعاء ويتركه وفي ذلك ترك لأهم العبادات .
2. فيه اتهام لله وتبخيل للكريم وتنقيص للجواد .
3. الاستعجال والتضجر من التأخر فعل من له حق عند آخر يقتضيه وليس لأحد حق عند الله حاصل متأخر عنه فيستعجل به وإن إجابة الدعاء فضل من الله تعالى على العبد الداعي يعطيه إذا شاء تفضلا وتكرما.
4. عدم التعليق :
فعلى العبد أن يعزم في الدعاء ويجد ويجتهد ويلح في الطلب من غير ضعف ولا تردد . قال صلى الله عليه وسلم ( لا يقولن أحدكم : اللهم اغفرلي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له )
قال ابن عيينة ( لا يمنعن أحدا من الدعاء ما يعلم في نفسه من التقصير فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال ( رب أنظرني إلى يوم يبعثون ) الحكمة والسر في النهي عن التعليق هو أن عدم العزم في السؤال لا يليق بالبائس الفقير ذي الحاجة الشديدة وإنما يليق بمن يمكنه الاستغناء له ، ولا أحد يستغني عن فضل الله وجوده وكرمه وأما المضطر فإنه يجزم ويسأل سؤال الفقير المضطر إلى ما سأله ) والداعي إلا لم يكن جازما لم يكن رجاؤه صادقا قويا لأن الباعث على الدعاء هو الرجاء .
5. عدم الغفلة والتكاسل :
فالدعاء دواء نافع مزيل للداء ولكن غفلة القلب تبطله قال صلى الله عليه وسلم ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ) .
آداب الدعاء الثبوتية :
1. الإخلاص في الدعاء : أهم هذه الآداب وأوكدها لأن عدم إخلاص الدعاء لله تارة يكون شركا صريحا مخرجا عن الملة وقد يكون شركا أصغر فيكون الدعاء محبطا لا يمكن قبوله واستجابته . وقد أمر الله بالإخلاص في الدعاء فقال ( فادعوه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ) ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين ) .
قال ابن مسعود ( إن الله لا يقبل من مسمع ولا مرائي ولا لاعب ولا داع إلا داعيا دعاء ثبتا من قلبه ) ولذا قيل ( إجابة الدعاء تكون عن صحة الاعتقاد وعن كمال الطاعة لأنه عقب آية الدعاء بقوله(فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ) .
2. التوبة والرجوع إلى الله تعالى :
فإن المعاصي من الأسباب الرئيسية في منع قبول الدعاء قال نوح( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ... ) .
3. التضرع والخشوع والتذلل والرغبة والرهبة :
قال تعالى( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ) وقد وصف الله زكريا بالرغبة ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) وهذا التضرع حقيقة الدعاء.
4. الإلحاح والتكرار وعدم الضجر والملل:
ويحصل الإلحاح بتكرار الدعاء مرتين وثلاثا ولكن الاقتصار على الثلاث مرات أفضل اتباعا .فقد روى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا ) فكل ما أكثر العبد من الدعاء وطوله وأعاده وأبداه ونوع جمله كان ذلك أبلغ لعبوديته وإظهار فقره وتذلُله وكان ذلك أقرب له من ربه وأعظم ثواباً هذا بخلاف المخلوق .
فالله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب .
5. الدعاء في الرخاء والإكثار منه في وقت اليسر والسعة :
العبد الصالح يلازم الدعاء في حالتي الرخاء والشدة وأما غير الصالح فإنه لا يلتجئ إلى الله تعالى إلا في وقت الشدة ثم ينساه . ( وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أوقاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ) . ( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ) ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله .... )
وفي حديث ابن عباس (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) وعن أبي هريرة مرفوعا ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثرلاالدعاء في الرخاء ) رواه الترمذي .
6. خفض الصوت بالدعاء :
( أدعوا ربكم .. ) روى أبو موسى أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم ) .
وعند النظر إلى كثير من الآيات أنه يقدم بين يدي حاجة الثناء .
أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فعن فضالة بن عبيد قال ( سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجل هذا ثم دعاه فقال له ولغيره
إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء ) وروي أنه قال ( كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ) .
12. رفع اليدين : فقد بلغ حد التواتر حتى وصلت قرابة مائة حديث ومسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء ( بدعة لضعف الأدلة ).
13. تحري الأوقات الفاضلة :
فهي أرجى من غيرها :
أ- الأسحار ( وبالأسحار هم يستغفرون ) ( كانوا قليلا ... ) ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر . يقول ( من يدعوني ...)
ب- يوم الجمعة ( فيه ساعة لا يوافقها بعد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ) .
ج- شهر رمضان وخصوصا العشر الآواخر .
د- يوم عرفة يوم عظيم يستجاب فيه الدعاء . ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة )
ه- ما بين الأذان والإقامة .
14. تحري الأماكن الفاضلة :
كالمساجد والمشاعر لمقدسة كعرفة والمشعر الحرام والجمرتين وجوف الكعبة والصفا والمروة لأن هذه المواضع قد شرفها الله وتعبدنا بتعظيمها .
15. أن يتحرى الأحوال الفاضلة .
فشرف الأوقات والأماكن راجع إلى شرف الأحوال فوقت السحر وقت حصول الصفاء والإخلاص والفراغ من المشوشات ووقت رقة القلب والخشوع . وعرفة والجمعة وقت اجتماع الهم وتعاون القلوب على ذكر الله تعالى وعبادته من الأحوال حال الاضطرار (أمن يجيب المضطر إذا دعاه .... ) ومنها حال السجود ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء ..)
إجابة الدعاء :
الاستجابة نوعان :
1. استجابة دعاء الطالب بإعطائه سؤاله .
2. استجابة دعاء المثني بالثواب .
والدعاء له نوع آخر من الإجابة وهو زيادة الإيمان والتوحيد عند من يدعو فالدعاء يزيد في الإيمان والتوحيد والمعرفة وحياة القلب ويقوي الفطرة وهذا الأمر مجرب يعرفه من وقع في مشكلة فاضطره ذلك إلى الإلتجاء إلى الله والرغبة إليه والانطراح بين يديه التملق له .
فإكثار الدعاء لله تعالى والتوجه إليه في كل وقت يزيد الإيمان ويقويه وينمي الفطرة ويصقلها ويجعلها مما شابها ويجعل القلب متعلقا بالله محبا راغبا راهبا ويفتح له هذا بابا عظيما من لذيذ المناجاة وحلاوة الإيمان وبشاشته وبرد اليقين ولذيذ المناجاة وطمأنينة النفس مما هو أحب إليه من تلك الحاجة التي يقصده أولا ولكنه لم يكن يعرف ذلك أولا حتى يطلبه ويشتاق إليه .
ومنها الإجابة على السؤال .:
عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من مسلم يدعو دعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله أحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يكف عنه من الشر مثلها قالوا إذا نكثر قال : الله أكثر )