بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصداق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: هذا الدين الذي أكرمنا الله به منهج كامل ولا يفلح أحد في تدينه إلا إذا أحاطه من كل جوانبه فأحياناً تنمو المحبة على حساب العلم، وأحياناً ينمو العلم على حساب المحبة وأحياناً ينحرف الإنسان بالمحبة وأحياناً ينحرف الإنسان في طلب العلم، على كل لن يفلح إنسان تدين إلا إذا كان على ما كان عليه رسول الله وأصحابه، فالإسلام كل لا يتجزأ ولن نقطف ثماره إلا إذا أحطناه من كل جوانبه، أحياناً يصير الإسلام فكراً وثقافة وكتباً ومحاضرات ومؤلفات وندوات ويصير أدلةً وجدالاً وحواراً ونقاشاً وأحياناً يهيم الإنسان بحب الله، الحقيقة أن الثقافة جزء من الدين وأن المحبة جزأه الآخر ولن يستطيع الإنسان أن ينجو إلا إذا كان كما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام، والحقيقة يجب أن نفرق بادئ ذي بدئ بين المحبة الفطرية وبين المحبة الشرعية الإرادية كل إنسان يحب أهله يحب أولاده يحب أن يكون غنياً يحب المال يحب المرأة يحب الراحة يحب العلو في الأرض هذا الحب الذي فطرنا عليه ليس معنياً في هذا الدرس إطلاقاً.
لو ذهبت إلى مستشفى الأطفال تجد المرأة المحجبة وغير المحجبة والمستقيمة والفاسقة تحتضن ابنها وتبكي، فمحبة الأمهات لأبنائهن محبة فطرية، محبة الآباء لأبنائهن محبة فطرية، محبة الإنسان للمال محبة فطرية، قال تعالى:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ ﴾
[ سورة آل عمران: 14]
أنا حينما أتحدث عن المحبة لا أتحدث عن المحبة الفطرية هذه ميل أودعه الله فينا ابتداءً وأكاد أقول قد لا يكون لأحدنا أجر عند الله في هذه المحبة لأنها طبع وليست كسباً، ولكن حينما تحب شيئاً لا يتصل بميولك الفطرية، تحب أن تحفظ كتاب الله، تحب أن تفهم كلام الله، تحب أن تكون ناشراً لهذا الدين، داعياً إلى صراط الله المستقيم، تحب أن تنفق مالك، تحب العمل الصالح، تحب أن تكون في مجالس العلم، تحب البطولة، كل هذه المحبة لا تتصل اتصال مباشر بحاجاتك الفطرية، حاجاتك أن تستلقي على فراش في بيتك لا أن تجلس في المسجد على ركبتيك ولا في ضيافة ولا شيء، أنت حينما تحب أشياء لا تتصل اتصالاً مباشراً بحاجاتك الفطرية هذا موضوع هذا الدرس المحبة الشرعية الإرادية، الإنسان يحب بعض الأطعمة ولأن الطبيب حذره منها أشد التحذير يبغضها بغضاً عقلياً لا نفسياً، هو يحبها أشد الحب لكنه يبغضها لأنه يتوهم أو يتصور أنها تنتهي به إلى مرض عضال، لذلك فرق العلماء بين محبة عقلية ومحبة فطرية، في طعام يتعلق بها الإنسان كثيراً ومع تقدمه بالعمر هذه الأكلات قد تكون قاتلةً له يحظرها عليه الطبيب هو نفسه تطوق هذا الطعام لكنه يخاف أن يكون هذا الطعام سبباً لمرض عضال فلا يأكله.
فأنا أبحث لا عن محبة فطرية بل عن محبة عقلية، أحياناً تطوق نفسك إلى أن تكون شخصاً مهماً في الحياة هذا يحتاج إلى دراسة تنتسب للجامعة تداوم ساعات طويلة على مدرج خشبي ما في أي راحة وأستاذ قاس جداً درسه معقد والامتحان صعب وقد تسهر إلى الساعة الواحدة ليلاً وأنت تفكك رموز الكتاب فلا تفهمه هذا شيء لا يتصل لا بجسمك ولا بنفسك هذا شيء متعب لكنك تحب التفوق بالجامعة محبة عقلية لا محبة فطرية يجب أن تفرق بين المحبة الفطرية والعقلية نحن هنا نبحث في المحبة العقلية، يعني شيء في الأصل لا يحب لكنك تحبه بعقلك لأنه طريق سلامتك وسعادتك.
إذاً ما توافق عليه الناس من حب للطعام والشراب وسائر الشهوات وما توافق عليه الناس من محبة لأهلهم وأولادهم وزوجاتهم هذه أشياء لا تعنينا في هذا الدرس إطلاقاً، يعنينا أن يكون حبك كسبياً لا فطرياً أن يكون حبك عقلياً لا نفسياً، هذا الحب العقلي والحب الكسبي هو الذي يرقى بالإنسان، ألا لا إيمان لمن لا محبة له. عن عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ:
((عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآنَ يَا عُمَرُ ))
[ البخاري ]
هذا كلام سيد الخلق ولا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، إذاً لا يمكن أن تكون المحبة إلا كسبية تلك التي نرقى بها، المشكلة أيها الإخوة الكرام: أن الذي لا يحب الله يؤمن بوجوده فعنده إقرار على أن الله موجود وهو خالق السماوات والأرض وأنه خلق الجنة للمؤمنين والنار للكافرين وأن معظم أركان الإيمان يعتقد بها لكن لأنه يحب غير الله ويطيع غير الله يعد عند الله مشركاً الدليل قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾
[ سورة البقرة: 165]
الحقيقة لا تنتظر أن تستمعوا من إنسان هو عند الله مشرك أن يقول لكم هذا إله أعبده من دون الله هذا شيء لا يكون، ولكن المشرك هو الذي يعامل ما سوى الله كما يعامل الله، نحن في العيد نقول الله أكبر ولا سيما في عيد الأضحى المبارك، إنسان يغش المسلمين يوم العيد جاء إلى المسجد ورفع صوته بالتكبير، الحقيقة أنه ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة لماذا ؟ لأنه رأى أن هذا المبلغ الكبير الذي يجنيه من غش المسلمين أكبر عنده من الله، من أطاع زوجته في معصية ما قال الله أكبر ولا مرة لأنه رأى أن طاعة زوجته أكبر عنده من طاعة الله بشكل أو بآخر، من أطاع مخلوقاً وعصى خالق السماوات والأرض ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة.
أيها الإخوة الكرام: إذاً هو الشرك الذي يحذر منه شرك المحبة لأن المحبة تنتهي إلى الطاعة قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾
[ سورة البقرة: 165]
الآن ومما يؤكد أن انحراف الإنسان إلى الشرك هو انحراف في المحبة قول الله عز وجل:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾
[ سورة الأنعام: 1]
يعدلون عنه إلى غيره أو يعدلون به مخلوقاً بالمحبة فقط لذلك أنا مضطر أن أوضح معنيين دقيقين الحب في الله والحب مع الله، لأنك تحب الله عز وجل ينبغي أن تحب رسول الله فمحبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم حب في الله وينبغي أن تحب صحابته الكرام، محبة الصحابة الكرام حب في الله وينبغي أن تحب التابعين الأعلام والعلماء الربانيين وأن تحب كل داعية إلى الله وأن تحب بيوت الله وأن تحب كتاب الله وأن تحب الأعمال الخيرة وأن تحب الإنفاق في سبيل الله كل هذه الأنواع من المحبة فرع من محبة الله.
ترى طالباً دخل جامعة يحب قرطاسية جيدة دفاتر أنيقة، يحب مكتب يدرس عليه، يحب إضاءة جيدة، يحب غرفة مكيفة في الصيف، يحب التكييف والتدفئة والطاولة والقرطاسية الجيدة والورق الجيد، ويحب أن يكون أكله يتناسب مع جسمه من أجل الدراسة،هذه كلها محبة فرعية ناتجة عن محبة الدراسة والعلم لذلك الحب في الله عين التوحيد بينما الحب مع الله عين الشرك أنت مؤمن وتحب فاسقاً، غني أحياناً يدعوك إلى طعام نفيس جداً تحبه وتعلم أنه ليس على الحق هذا حب مع الله، الحب مع الله عين الشرك والحب في الله عين التوحيد وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، قال تعالى:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾
[ سورة الأنعام: 1]
الآن كيف ننحرف في المحبة ؟ الآية الكريمة أيها الإخوة الكرام قال تعالى:
﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) ﴾
[ سورة نوح: 23]
هذه كلها آلهة تعبد من دون الله في الجاهلية ما أصل هذه الآلهة كما قال عليه الصلاة والسلام ؟ رجال صالحون مؤمنون أحبهم أقوامهم ثم ألهوهم ثم عبدوهم من دون الله هذا انحراف في المحبة، فلذلك سيدنا الصديق رضي الله عنه لما انتقل النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى ماذا قال ؟ قال من كان يعبد محمداً، محمداً فقط ما على وجه الأرض إنسان يحب إنساناً كما يحب الصديق رسول الله، في حياته كلها يا رسول الله يا سيدي يا رسول الله يا حبيب الله بعد أن مات، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
معنى ذلك أن الإنسان أحياناً ينحرف فيعبد الذي ينبغي أن لا يعبده وقد قال الله عز وجل:
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
[ سورة التوبة: 31]
وأنا أقول لكم الآن مسلمون كثيرون ينسون الله ويعبدن شيوخهم من دون الله دون أن يشعروا لعلهم قلة لكن حينما تؤذي إخوانك وترضي شيخك، حينما لا تقيم أمر الله في بيتك لكنك تلمع نفسك أمام شيخك هذا شرك وهذا نوع من العبادة أما المؤمن طاعته لله لا تتأثر لا في خلوته ولا في جلوته ولا أمام الناس بل إن بعض مقاييس الإخلاص أن عملك لا يزيد في المدح ولا يقل في الذم، ولا يزيد أمام الناس ولا يقل إذا كنت بعيداً عنهم، خلوتك كجلوتك وسرك كعلانيتك، هذا الإخلاص.
طبعاً في موضوع يجب أن يكون بين أيديكم واضحاً هو أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))
[ متفق عليه ]
حلاوة الإيمان شيء نفيس جداً، حلاوة الإيمان تنسيك الدنيا وما فيها، حلاوة الإيمان تجعلك بطلاً، حلاوة الإيمان تجعلك تبذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس، حلاوة الإيمان تجعلك إنساناً بعيداً عن تفاهات الأرض وعن سفاسف الأمور وعن وحل الأرض، هذه الحلاوة لها ثمن باهظ من بنود ثمن هذه الحلاوة:
((أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))
وشيء بديهي أنك لو سألت مليار مسلم ألا تحب الله ورسوله أكثر من أي شيء آخر ؟ لما تردد ثانيةً واحدة لكن المعنى ليس هذا أن يكون الله في قرآنه يعني الأوامر في القرآن، وأن يكون رسوله في سنته السنة النبوية المطهرة أحب إليك مما سواهما عند التعارض، يعني بضاعة ربحها في المئة ثلاثمئة ويمكن أن تأخذ ربحاً بالملايين لكنها محرمة شرعاً فإذا قلت معاذ الله الغني ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه وركلت هذه الصفقة بقدمك وفوت على نفسك بضعة ملايين فأنت دفعت ثمن حلاوة الإيمان، أن يكون الله في قرآنه والنبي في سنته أحب إليك من الدنيا وما فيها عند التعارض حينما تتعارض مصالحك مع النص الشرعي، في بالبضاعة كحول مادة كحولية دعيت إلى أن تكون وكيلاً لشركة عملاقة تبيع بيرة بلا كحول، أخي ما فيها شيء مكتوب بلا كحول لكن فيها شبهة ولعل الشبهة في اسمها، يعني مثلاً كثيراً صفقات أرباحها طائلة لكن فيها شيء محرم فيها مادة محرمة فيها شبهة بطريقة البيع والشراء فحينما يكون الله في قرآنه والرسول في سنته أحب إليك من أي شيء آخر أي حينما يتعارض النص الشرعي مع مصلحتك وتضع مصلحتك المتوهمة تحت قدمك وتنحاز إلى النص الشرعي الآن دفعت ثمن حلاوة الإيمان.
هذه أحب إليه أن يكون الله في قرآنه والنبي في سنته أحب إليه مما سواهما، لكن الآية التي أنا أسميها أحياناً قاصمة الظهر هي قوله تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾
[ سورة التوبة: 24]
الآباء والأبناء، الآباء أصول والأبناء فروع، وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها، ماذا بقي ؟ آباء أبناء أخوة أزواج عشيرة أموال بيوت تجارات.
﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
[ سورة التوبة: 24]
الآية تحير، يعني إذا حملك حبك لأبيك على أن تكون جاهلياً مثله آثرت طاعته على طاعة الله هذا بدافع الحب أحببته ولو كان مشركاً، أحببته ولو كان فاسقاً، أحببته ولو كان دخله حراماً، وإذا حملك حبك لابنك تحب أن يكون ابنك في أعلى مستوى ودخلك محدود مددت يدك إلى الحرام من أجل ابنك الله ما كلفك، قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾
[ سورة التوبة: 24]
من هو مثيل لك من أجل أن تكون قوياً عنده محبوباً من أجل أن تبذل لهم كل شيء من أجل أن يلتفوا حولك كسبت المال الحرام وأنفقته عليهم، وأزواجكم، الزوجة لك عندها مصلحة كبيرة جداً، الزوجة هي الدنيا فإذا أردت أن ترضيها بمعصية الله يعني أحببتها أكثر من الله قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾
[ سورة التوبة: 24]
أحياناً في طرق لكسب المال لا تعد ولا تحصى كلها صفقات مشبوهة مواد محرمة طرائق في التعامل، مرة أخ كريم توفي رحمه الله قال لي أخذنا محضر قال لي بثلثين ثمنه قلت له كيف ؟ قال هو في دعوى إزالة شيوع أتينا بعشرين إنسان ليدخل في هذه المزاودة ولكن بشكل خلبي يرفعوا السعر بشكل بسيط وحققنا أن الإعلان لم يكن منتشراً كما ينبغي فجاء للمناقصة رجال قلة وهذا الجمع الغفير ممن جاءوا شكلاً ورفعوا السعر قليلاً قليلاً المحضر يساوي فرضاً مئتي مليون رسى سعره على مئة وخمسين مليوناً قال وفرنا خمسين مليون بهذه الطريقة قال نعمره يربح ملايين مملينة، قلت له: من يملك هذا المحضر ؟ قال سبعين ثمانين شخص معظمهم أيتام، قلت له أنت أكلت المال الحرام دون أن تشعر أنت بأسلوب تمثيلي دخلت في مزاودة ولم تعط أصحاب الأرض حقهم ماذا تقول لربك حينما تدفن تحت الأرض ؟ هنا بصحن الجامع. قال والله هذه ما جاءت في بالي، ثاني يوم انسحب، قلت له إما أن تنسحب أو تدفع لأصحاب المحضر الثمن الطبيعي هذا عملية احتيال، والله قبل أيام رأيت ابنه قال لي توفي والدي رحمه الله.
مليون طريق لكسب المال احتيال تزوير وإيهام ومادة محرمة وأسلوب محرم وكذب وتدليس وغش والله بمئات الألوف في أساليب فلذلك قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾
[ سورة التوبة: 24]
ممكن بضاعة كاسدة نجري لها دعاية عن طريق نساء فاضحات شبه عاريات، وشيء حصل، بضاعة كاسدة دعاية كلفت مبالغ طائلة عن طريق نساء شبه عاريات والناس أقبلوا على هذه البضاعة ونفذت بأكملها.
﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾
[ سورة التوبة: 24]
بيت مؤجر الآن التغى الموضوع أما قبل قانون الإيجار الجديد بيت مؤجر قبل عام ستين أجرته مئة ليرة ثمنه أربعين مليوناً مثلاً، يقول بحكم القانون أنا، لكن صاحب هذا البيت ألم تستنفذ ماله ظلماً وعدواناً ؟ الآية تشمل قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾
[ سورة التوبة: 24]
يعني من كتابه وسنة رسوله، قال تعالى:
﴿وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾
[ سورة التوبة: 24]
لكن مفتاح الآية في قوله تعالى:
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
[ سورة التوبة: 24]
كيف ؟ يعني إذا حملتك محبتك لأبيك أن تفسق، إذا حملتك محبتك لابنك أن تفسق، إذا حملتك محبتك لإخوانك أن تفسق، إذا حملتك محبتك لزوجتك أن تفسق، إذا حملتك محبتك لعشيرتك أن تفسق، إذا حملتك محبتك لأموال طائلة أن تفسق عندئذ عد لأن الطريق إلى الله ليس سالكاً. إذا حملتك محبتك أيضاً للتجارة التي تخشى كسادها أن تفسق، إذا حملتك محبتك لبيت جميل تغتصبه أن تفسق قال تعالى:
﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) ﴾
[ سورة التوبة: 24]
هذه الآية أيها الإخوة الكرام والله تقصم الظهر وهذا كلام الله عز وجل والإنسان حينما يحب الله المحبة التي أرادها الله يعني مقاييسه تنعكس بين أن تحب أخذ المال تحب إنفاقه، بين أن تحب أن تتلقى خدمات الناس تحب أن تؤدي لهم الخدمات، من علامة المحبة الصادقة أن المقياس ينعكس مئة بالمئة بين أن تحب أن تأخذ تحب أن تعطي، بين أن تحب أن تستعلي تحب أن تتواضع، بين تحب أن تتلقى خدمات الآخرين تحب أن تؤدي لهم هذه الخدمات فلذلك تجد مجتمع المؤمنين فيه خصائص قد لا تصدق قال تعالى:
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾
[ سورة الحشر: 9]
أيها الإخوة الكرام: طريق محبة الله واضح جلي إنك أن أطعت الله عز وجل وأقبلت عليه تحبه لأنه من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه، مستحيل وألف ألف مستحيل.
تعصي الإله وأن تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب يطيـع
***
وسيدنا عمر يقول: تعاهد قلبك. الواحد يحتاج إلى أن يستبطن قلبه، ما وضع قلبك هل أنت محب لله ؟ هل أنت تؤثر أن تؤدي شيئاً لله ؟ قال تعالى:
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9)﴾
[ سورة الإنسان: 9]
أم أن الدين أصبح عندك ثقافة وأن مصلحتك فوق كل شيء، وأن الإنسان إذا مسك بأقل خدش تقيم الدنيا ولا تقعدها، إذا خلى الدين من المحبة كما يخلو الجسم من الروح، يصبح جثة هامدة، لذلك الإنسان الذي يعرف الله والذي لا يعرفه كالحي والميت وهذا الدين روحه الحب، طبعاً الحب مع العلم أما إذا أغفلنا جانب الحب أغفلنا ركناً ركيناً من أركان الدين.
والحمد لله رب العالمين