شعورك عندما يدق جرس المنبه عند صلاة الفجر، أو في الصباح؟ هل تشعر بأن هناك مغناطيساً يجذبك نحو السرير يمنعك من الجلوس؛ ويدفعك
لتغمض عينيك مرة أخرى، ويقنعك بأن النوم أفضل وسيلة لإنهاء اليوم؟
عندما ينتابك حب الهروب من الواقع مع الشعور بالكسل، وعندما لا ترى أي شعاع في يومك وعملك وعلاقاتك.. عندما تشعر بعدم الرغبة في الكلام، أو أنك لا تحب القيام بنشاط ما، وأنه ليس هناك فائدة من أي شيء.. اعرف أنك قد أصبت بالملل، وحتى تشعر ببعض الراحة اعلم أنك لست وحدك مَنْ يمر بهذه الحالة، فكلنا قد مررنا بها يوماً ما، في وقت ما.
الملل عملية معقدة وقد يكون لها أسباب كثيرة، سنتحدث عنها.. ولكن أهمها: أنك لا تدرك ماذا تريد أن تفعل، أو بالأصح أنت لا تعرف الهدف من وجودك في هذه الحياة، ولماذا خلقت؟
لو تابعت مع أبنائك منهج التربية الإسلامية من الصف الرابع الابتدائي إلى المرحلة الثانوية لوجدت مفهوماً واحداً يركز عليه دائماً القائمون على وضع المنهج، وهو سؤال: «لماذا خلقنا الله؟» ويستمر الطالب في إجابة هذا السؤال طوال هذه السنوات بجملة «لعبادة الله، ولتعمير الأرض»، بعضهم يدرك معنى هذه الجملة؛ فيعمل بها، وبعضهم يغيب عنه المعنى العملي لها فيدخل في دوامة الملل والاكتئاب؛ بل قد يتبنى بعض التصرفات الخاطئة، ويدمن بعض العادات السيئة، وكل هذا بسبب أنه لا يدرك معنى وجوده في هذه الحياة، ولا يدري ماذا يفعل، وماذا يريد؟
اتفقنا سابقاً أنك كأب أو أم، مدرس أو مدرسة، أخ أو أخت دائماً موضوع تحت المجهر من قِبل الآخرين، وخاصة أبناءك الصغار وطريقة تعاملك مع مجريات الحياة يتناقلها أبناؤك من حولك، ولهذا قبل أن تبدأ مع الصغار في تعليمهم كيفية وضع الأهداف وتحقيقها - وهو موضوعنا في العدد القادم إن شاء الله - فلْتتخلص من مشاعر الملل التي قد تنتابك في هذا الزمن السريع، بخطوات سنكتشفها معاً من أجل حياة أكثر اشراقاً.
أسباب الملل
1- البعد عن الحياة الاجتماعية: نعم، لقد أصبح من الممكن الاستغناء عن الناس؛ فأنت تستطيع أن تتسوق عبر الإنترنت.. تستطيع أن تحل مشكلاتك من خلاله.. تستطيع أن تقضي وقتك في القراءة.. وحتى حفظ القرآن وتلقي العلم تستطيع أن تقوم به وحدك بمساعدة أجهزة صغيرة تردد وراءها أو تستمع لها، ولكن هل انعزالك عن العالم أمر طبيعي؟
2- «النفس إذا كلّت ملّت» إذا كان الضحك والشعور بالسعادة يعد أمراً فيه تحدٍ بالنسبة لك، وتجد من الصعوبة الشعور به فلابد وأن تستشير أحد المختصين النفسيين؛ فالنفس التي خلقها الله وأكرمها تحتاج إلى ترفيه.
3- عدم الشعور بأهمية الوقت: وهذه النقطة قد تكون سبباً، وقد تكون نتيجة؛ فالملل قد لا يشعرك بأهمية الوقت، فاليوم مثل أمس مثل الغد، وقد يكون عدم تقديرك للوقت وأهميته سبباً للملل.
4- القيام بالعمل بشكل روتيني دون الشعور بأهميته للنفس، أو الغير دون إدخال التغيير عليه أو تطويره.
5- الغفلة عن الطبيعة من حولنا، وعدم التأمل في ملكوت الله، وبالتالي عدم الشعور بعظمة الكون وجماله، وعظمة النفس البشرية، والهدف من وجودنا.
كيف نتخلص من الملل؟
خطوات التخلص من الملل ستصيبك بالاندهاش؛ لبساطتها وسهولة تطبيقها، وكل ما ستفعله هذه الخطوات أن تقربك من فهم الهدف الذي خلقت من أجله: «عبادة الله، وتعمير الأرض».
1- اكتشف لماذا تشعر بالملل، إذا كان السبب هو قيامك بالعمل نفسه بشكل متكرر، فأضف إليه بعض الأشياء الجديدة، أو قم به بشكل مختلف.
- فمثلاً العمل المنزلي الذي تقوم به ربة المنزل يمكن أن يكون ممتعاً إذا استمعت أثناء أدائها له إلى بعض الأشرطة الصوتية التي تحمل المعلومات الممتعة، أو قامت به بشكل حركات رياضية؛ فيصبح الهدفُ هو القيام بالأعمال المنزلية، بالإضافة إلى المحافظة على لياقة الجسم.
- إذا كان الملل بسبب الكسل فاحصل على كفايتك من النوم، وعش حياة صحية منظّمة.
- إذا كان الملل بسبب الخوف من القيام بعدد من الأعمال الكثيرة المتراكمة، فقم بتقسيم الأعمال إلى خطوات وأهداف بسيطة.
- إذا كان الملل بسبب عدم وجود ما تفعله، فمارِس بعض الرياضة أولاً؛ فهي ستساعدك على التفكير السليم، وستجد ما تقوم به، أو تحدث مع صديق مقرّب عمّا يضايقك، فمجرد الحديث يمكن أن يفتح أمامك أبواباً مغلقة.
2- لا تبتعد عن الحياة الاجتماعية، فالاندماج مع العالم الخارجي أمر مهم، ولن تشعر بأهميته إلا عندما تزيح عنك الغطاء، وترتدي ملابسك وتذهب لمقابلة صديق أو تصل القُربى، أو تجلس مع كبار السن.. حاول أن تتعلم من الكل، وتعرف على ما قد يملأ حياتك بالمتعة والحكمة.
3- الترفيه أمر مهم؛ ولكنه ترفيه بما يرضي الله تعالى من تغيير وسفر ومزاح وضحك، وكل هذه الأمور أباحها الله لنا لكي تعيننا على طاعته؛ فالنفس المشرقة المستبشرة تستطيع أن تختار من الدنيا ما يزيد من همتها ويرتفع بها، فتفيد وتستفيد، وتجد المتعة في الإنجاز، وتقديم العون للآخرين.
4- التعامل بشكل صحيح مع الوقت؛ ولهذا عليك أولاً أن تشعر بأهميته؛ بل وتحمد الله على هذه النعمة، التي إن عرفت استغلالها بالشكل الصحيح فزت في الدنيا والآخرة.
5- التأمل في الكون، فعندما نندمج مع العالم من حولنا نكتشف ما يشعرنا بالمتعة والإلهام، وتظهر أمامنا الفرص التي لم نكن ندري أنها أصلاً موجودة، ونضع أيدينا على مواطن الإبداع في داخلنا.
6- غيّر أفكارك تتغير حياتك، فالأفكار تتحكم في التصرفات.. ضع لنفسك أهدافاً تشعرك بالحياة، فمن المستحيل أن تشعر بالملل وأنت تسعى لبناء حياتك وتحقق أهدافك.
7- استخدم خيالك بالشكل الصحيح، حاول أن ترسم صورة لنفسك في المستقبل تكون معالمها هي التي تطمح أن تكون عليها، والشيء الجميل في الخيال هو أنك تستطيع أن تضع كل شروطك، وتجرب كل ما تحب تجربته.
8- استخدم الحركة لمكافحة الملل.. قم ببعض المشي.. اكتب عشرة أشياء تستطيع القيام بها، وابدأ في ممارستها للتغلب على مشاعر الاستسلام في داخلك.
9- أشْعِل الفضول داخلك، فضول المعرفة والاكتشاف، وغذِّ هذا الفضول بالقراءة ومشاهدة البرامج التي تكشف لك الغطاء عن الكثير من الحقائق العلمية المدهشة، وسافر عبر الزمن وعبر المسافات مع برامج الرحلات والتاريخ، وتأكد أن الدنيا مازال بها الكثير الذي لم تعرفه أو تكتشفه بعد.
10- اكتشف تعاليم دينك، كما حاولت أن تكتشف العالم من حولك، وأتقن عباداتك؛ ففي هذا الدين الكثير الذي لم تدرسه في المدارس، ولم تكتشفه بعد، ومن ثم اكتشف الإعجاز في خلقك، وشارك مَنْ حولك فيما اكتشفته وما تعلمته.
11- تعلم التكنولوجيا الحديثة، وما تقدمه لك من خدمات، وتابع تطور الأجهزة، فآلة التصوير قد تريك الكثير من جمال الطبيعة من حولك، وأسراراً لم تكتشفها بعد.
12- فكِّر فيما تحب أن تقوم به، وليس فيما لا تحب.. أتقن هواية أو نشاطاً - وخاصة تلك الأنشطة التي تحتاج إلى مهارات يدوية - وإذا أتقنت هوايتك فعلّمها غيرك، وشجعهم على التخلص من الملل.
13- تجنب الأشخاص المملين والذين ينظرون للعالم من خلال نظارة سوداء.. حاول أن تأخذ بأيديهم إذا كانت لك المقدرة؛ أما إذا كنت تحتاج إلى من يمد لك يد العون فابتعد بهدوء، وتعامل مع نفسك أولاً، ثم ساعد الآخرين.
14- مارس الرياضة الجماعية والفردية، واشعر بالفخر بإنجازاتك.
15- ابحث عن وظيفة ثانية مؤقتة تزيد دخلك، واستفد من هذا الدخل الإضافي لدراسة علم جديد، أو شراء ما يساعدك على اكتشاف العالم من حولك، أو ما تمارس به هواياتك الجديدة.
16- دخول المطبخ وتقديم وجبة جديدة للأسرة قد يعني الكثير لك ولهم، ومع تقدم العلم والتكنولوجيا أصبح الطهي علماً في حد ذاته، وخاصة إذا أخذت في البحث عن الطعام الصحي والمفيد.
17- اتّصل بالأصدقاء القدامى، حاول أن تجمعهم اجتماعا دورياً تعرف على ما أنجزوه، وتحدث عن إنجازاتك.
18- لا تلجأ للأكل هرباًً من الملل، وإن كان لابد فتناول الخضراوات والفواكه.
19- تذكّر دائماً أن الملل مسألة نحن الذين نزرعها في عقولنا، ونحن أيضاً من نستطيع أن نتخلص منها، ولا تحاول أن تتخلص من الملل بمشكلة أكبر منه، فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، ولا تنتظر أن يحدث شيء معين، أو أن يظهر شخص معين ليعيدك للحياة؛ بل ابدأ في ممارستك حياتك الآن وحارب الملل.
أكثرنا مرّ برغبة الخروج من ملعب الحياة ليجلس على المدرج، ليس مع المشجعين، ولكن مع المشاهدين الذين يراقبون اللاعبين دون أن يكون لهم أي رغبة في المشاركة في أحداث الملعب، تأتي هذه الرغبة عندما يشعر الإنسان أنه لا يريد أن يقوم بما عليه القيام به.
وكيفية التعامل مع هذا الشعور وتلك الرغبة هي التي تفرق ما بين الأشخاص الناجحين وغيرهم.
بعض النقاط سنذكرها، وهي مجربة من البعض، وأفادت كثيراً في إيجاد الحافز للقيام بواجباتك، حتى وإن بدأت تفقد الرغبة في ذلك:
1- إذا شعرت بعدم الرغبة في القيام بأي نشاط فاستمع إلى نداء جسمك؛ فقد يكون في حاجة ماسة إلى الراحة، فلا تبخل عليه بتلك الراحة؛ حتى يستعيد نشاطه، ويتشوق للقيام بما عليه القيام به من نشاط.
2- إذا شعرت بعدم الرغبة في العمل فلا تتركه فجأة لمدة طويلة؛ فبدلاً من القيام بالعمل ككل قم بجزء بسيط منه؛ فهذا يجعلك مرتبطاً بالعمل، ويبعدك عن حلقة عدم الرغبة في العمل.
3- إذا شعرت بعدم الرغبة في العمل فامنح نفسك مكافأة إذا قمت به، والمكافأة يختلف شكلها حسب ظروفك، فقد تكون مجرد نزهة على الأقدام، أو زيارة أصدقاء قدامى.
4- إذا شعرت بعدم الرغبة في العمل فاربط هذا العمل بالمتعة وليس بالألم، فمثلاً إذا شعرت بعدم الرغبة في ممارسة الرياضة أو الذهاب للطبيب للفحص الدوري فاقرن هذا العمل بالتحسن في الصحة أو العيش بشكل سليم؛ وليس بألم الممارسة أو الفحص.