** رسائل عاجلة
لبعض فئات المجتمع
* رسالة إلى الأب الكريم :
أيها الأب الكريم .. ألا تحب أن يرزقك الله ذرية صالحة طيبة تحمل اسمك واسم آبائك على خير محمل ولا تذكر أنت ولاهم إلا بخير يطيعونك فى الصغر ويبرونك فى الكبر ويتقربون إلى الله بحبك والجلوس معك والاستئناس بك يرفعون أيديهم تضرعاً إلى خالقهم : رب اغفر لي ولوالدي ، ويكثرون الدعاء لك فى أفضل أوقات الإجابة وألسنتهم تلهج بالدعاء لك والثناء عليك ويتكدرون إذا رأوك مهموماً فيحزنون لحزنك ويفرحون لفرحك يطلبون رضاك لعلمهم أن ارتباط رضى الله برضاك ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم.
فيا أيها الأب الفاضل : تضرع إلى الله أن يرزقك ذرية صالحة طيبة ، كما قال زكريا عليه السلام
رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)(سورة آل عمران: من الآية38)
* رسالة إلى عاق :
يا من عق أمه وأباه ونسى المعروف الذى أسدي إليه وجحد فضل والديه ، فكم من والد لم يسمع كلمة طيبة من أولاده ، أو لم يرى فعلاً جميلاً لهم ، نكس رأسه عند القريب والبعيد ، وساءت سمعته بسبب أولاده ، تردت حالته الصحية ، لما يرى من العجائب والأهوال منهم.
ألم تسمع أخي الكريم : أن ابناً ضرب أباه والعياذ بالله ، وأن ابناً ترك أمه تعيش فى بيت لوحدها ، وهى تترجاه ، وتبكى وتقول اجعلوني خادمة عندكم ، المهم أن أجلس معكم ، فما كان رد هذا الابن إلا أن أخرج لها خمسمائة ريال وقال خذى هذا مصرف وسوف أزورك فى كل شهر ، فأنا مشغول ، ثم يخرج من عندها ، وتمر الشهور ، ولم ير أمه ثم يشم الجيران رائحة كريهة فى بيت الأم فلما نظروا فى البيت وجدوا الأم المسكينة قد فارقت الحياة منذ مدة ... ألم يقشعر جسمك لهذه القصة ؟!.
أيها الابن العاق ... تضرع إلى خالقك أن يرزقك التوبة الصادقة وارجع إلى مولاك قبل أن تجازى على فعلك فى الدنيا والآخرة وتندم ولات ساعة ندم والجزاء من جنس " بروا آباءكم تبركم أبناؤكم " .
*رسالة إلى شاب أعزب :
إلى من يريد العفاف .. أخى الشاب .. ألا تحب أن يرزقك الله زوجة صالحة تسرك بحضورك وتحفظك فى غيابك ؟ ألا تحب أن تعيش حياة طيبة لا نكد فيها ولا كدر؟ قال النبى صلى الله عليه وسلم : ( الدنيا متاع وخير المتاع المرأة الصالحة ). [ متفق عليه ].
تذكرك بالمعروف إذا نسيت وتنهاك عن المنكر إذا فعلت حالك وحالها. كما قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(سورة التوبة: من الآية71)
ألم تعلم أنه يوجد من يفتقد الزوجة الصالحة ، ويعيش فى بيت كلما ولج فيه بادرت إليه الهموم وانساقت إليه المشاكل جميعاً كل ذلك من فقد الزوجة الصالحة أظنك بل أعتقد أنك لا تحب أن تكون كذلك ، فالمرأة الصالحة هى شريكة الحياة ومربية الأجيال.
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
فهى نصف المجتمع والشطر الآخر المكمل للرجل بلا شك ولا ريب أنك تحب المرأة الصالحة التى توقظك لصلاة الليل ، تحب المرأة التى تدين الله بحبك والعمل لأجل سعادتك إذاً فتضرع إلى الله عز وجل واظفر بذات الدين تربت يداك ، ولا تنسى أن تقول : (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)(سورة الفرقان: من الآية74)
* رسالة إلى شاب حائر :
أخي الكريم .. هل جربت طريق الهداية ، أو فكرت به ؟ سؤال أحب أن تطرحه على نفسك.
أخي .. إن السالك لطريق الغواية يعيش فى ضيق من حياته ، كما قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (سورة طـه:124) كل الأسباب جربها ليُفرح نفسه ، ولكنه لم يجد اللذة الحقيقية ، حياة تائهة متعبة المعاصي ليس لها نهاية ألم تسمع تضرع أهل النار لربهم (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) (سورة الزخرف:77) ونعوذ بالله من جهنم.
أخي الشاب ... اغتنم شبابك ، تضرع إلى الله عز وجل بأن يهديك بقلب خالص صادق ، فإذا فعلت ذلك فإنه أكرم الأكرمين ، وأجود الأجودين ، ولا نتمنى على الله الأماني.
نعم أخى الشاب : أتظن أن الهداية تأتى إليك فى بيتك أو أنك تستيقظ من النوم فإذا علامات الهداية ظهرت عليك ، إنما الهداية تريد عملاً ، تريد أن تدعو الله بقلب خالص صادق.
فالمعصية هى معصية الرب .. شقاء فى الدنيا وعذاب فى الآخرة ، حياة زائفة ، حياة براقة يعجب بها من يراها ، ويعلم حقيقتها من دخلها وجرّبها ، حياة إشكال لا حقيقة.
أخى الشاب ... أريد أن أطرح عليك سؤال ، وكن مع نفسك صريح وأجب عليه بوضوح .. الذى يصنع أى صناعة من جديد ، أو غيره ، ولنقول مثلاً صنع سيارة لها مميزات خاصة بها وأجهزة معقدة ألا يكون هو أعلم الناس بها فهو صنعها لعمل معين وأخبر من حوله بأن السيارة إذا استخدمت لشغل غير الذى صنعت له تتعطل .. ألا نأخذ بقوله ونعمل به حتى نستخدم السيارة استخداماً صحيحاً.
فالله عز وجل خالقك هو أعلم بك من نفسك ، حدد لك ، فنهاك عن أشياء وأباح لك أشياء فإن خرجت عما امرك به وقعت فيما نهاك عنه ، وإن خرجت عن طبيعتك عشت حياة غير طبيعية ، حياة تتلاطم فيها أمواج ، ربما أغرقتك فى يوم من الأيام.
* رسالة إلى صاحب مال :
أخي المسلم .. تضرع إلى الله عز وجل أن يرزقك المال الحلال ويغنيك عن الحرام ويغنيك بفضله عما سواه وتضرع إلى الله ألا يجعلك أسيراً لمالك مملوكاً وابتهل إلى الله بأن يجعلك من المنفقين فى السراء والضرّاء فى الليل والنهار سراً وعلانية من أصحاب إطعام الطعام ، لتدخل الجنة بسلام.
أخي المسلم.. تذكر كم إنسان يموت جوعاً ، وكم من أخ لك مسلم فى مشارق الأرض ومغاربها لا يجد مأوى له ، ولا شئ يلتحف به ، فالأرض تقله والسماء تظله ، وتذكر أن هناك أطفال يتضاغون من الجوع والأب ينظر إليهم بحسرة وحرقة ، ولكن لا جدوى ، وتذكر من يموت من الشبع والتخمة ، أتظن أن صاحب المال لا يسأل عن هؤلاء يوم القيامة ؟! بلى وربي .. بلي تضرع إلى الله عز وجل ألاّ يطغيك مالك ويلهيك عن ذكر الله عز وجل (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).
(سورة النور:37)
وأحذر أخي المسلم أن يكون مالك عدواً لك فى آخرتك.
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (سورة المنافقون:9) أخي المسلم .. واعلم أن المال يدخل صاحبه النار إذا أساء التصرف به ، ويدخل صاحبه الجنة إذا أحسن التصرف به .. فهذا المال قد أطغى قارون وأدخله الله به النار.
وإذا أخلص صاحب المال وابتغى به وجه الله عز وجل كان له خيراً فى الدنيا والآخرة ، فاقرأ ما ورد فى فضل إنفاق المال من القرآن والسنة.
واعلم أن هذا المال ما هو إلا عارية عندك ، فالمال مال الله ، وما أنت إلا مؤتمن عليه سوف تسأل عنه يوم القيامة ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، ....".
* رسالة إلى مريض :
أخي المريض .. شفاك الله قبل كل شيء .. اعلم بارك الله فيك أن هذا المرض مكتوب عليك ومقدر عليك ، فلا تجزع من هذا المرض ولا تكون من الذين يؤمنون بالقضاء والقدر ، وتذكر أحد السلف الذي يقول : والله أني إذا أصبت بمصيبة أحمد الله عز وجل على تلك المصيبة.
هكذا كانوا يعيشون حياة لله كاملة خالصة..
أخي المريض .. أنت لا تعلم الغيب ؟! فربما أن مرضك هذا خير لك فى دنياك وأخراك ، إما لتكفير السيئات وأنت مأجور عليه ، كما ثبت فى الحديث الصحيح : " حتى الشوكة يشاكها " .
فمتى استشعرت واحتسبت ذلك فأنت مأجور عند الله عز وجل. وقد حدثني أحد الأخوة أن جدته من أمه أصيبت بمرض ألزمها الفراش سنين طويلة ، يقول : كلما دخلت عليها لأزورها أسمع منها التسبيح والتهليل والشكر لله على هذه البلوى ، وتعدد نعم الله عليها.
يقول صاحبى : فأنظر إليها متعجباً من هذا الاحتساب والتأدب مع الله عز وجل.
أخى المريض .. كثيراً من المرضى يتوكلون على علاج الطبيب وينسون أن الطبيب ما هو إلا مخلوق من خلق الله إن شاء الله وفقه للعلاج وإن شاء لم يوفقه للعلاج ، فلماذا يا أخوتى لا نتوكل على الله فمن الناس من يذهب إلى الطبيب ولسان حاله يقول : الطبيب عنده الدواء. ونسى هداه الله أن الذهاب إلى الطبيب وسيلة وسبب ، وليست غاية ، وليعتقد المريض أن الشفاء بيد الله وأن الله قد يوفق الطبيب للعلاج ، وقد لا يوفقه ، وهذا حقيقة مدخل فى العقيدة ، فعلينا أن ننتبه لذلك وننبه إخواننا.
أخي المريض.. هل جربت الاستشفاء بالقرآن ، قد تقول : القرآن هو كلام الله نقرأه فى الصلاة ونتعبد الله فيه . أقول : ليس هذا أردت ، إنما أن تستشفي بالقرآن ، أي تداوي نفسك بكتاب الله فهو شفاء كما قال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(سورة الإسراء: من الآية82) فلماذا لا تجرب ذلك ؟ ولماذا لا تعود إخوانك وأولادك على الرقى الشرعية الصحيحة؟
يقول ابن القيم : " وإنه ليمر بي فى بعض الأوقات أمراض تخور قواي لها ، ثم أرقي نفسي بالرقى الشرعية فأجد نشاطاً وعافية ". فلا نكون أزهد الناس بكتاب الله.
قال تعالى : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (سورة الفرقان:30) وذكر ابن القيم عنده هذه الآية أنواع هجر القرآن وذكر منها : هجر الاستشفاء به.
ومن الناس من يشتكي إلى الناس ولا يشتكي إلى ربه ولا يفزع إليه ، ولا ينزل حوائجه عند ربه فإذا حصل الأذى عليه والمصيبة لا يرجع إلى نفسه ويلومها.
أمَّا قوي الإيمان فإن الله منحه السكينة فى قلبه والرضا واليقين ، ولعلنا نأخذ بعض الأمور التى قد تكون ظاهرة لنا فى ابتلاء المريض بمرضه :
1- ليعلم العبد أنه ابتلاء من الله عز وجل ، وكلُ يبتلى على قدر دينه ، الأنبياء ، فالأمثل والأمثل.
2- ليتضرع العبد إليه وليسمع الله صوت عبده ويبث إليه حزنه وشكواه.
3- ليتعظ الناس ويخافون من الله عز وجل.
4- ليرى العبد فضل الله عليه إذا رأى غيره من المرضى.
5- تعظيم الأجر والمثوبة للمريض حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.
6- ليعلم الخلق صفة من صفات الخالق أنه يُمرض ويشفي ، كما قال إبراهيم عليه السلام : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (سورة الشعراء:80) فدل على قوة العقيدة الراسخة فى القلب وارتباطه بالله.
وليعلم المريض أن ليس هناك كما يقال مرض ليس له دواء ، فهذا غير صحيح. لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أنزل الله داء إلا أنزل دواء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله "( ).
* رسالة إلى عقيم :
أخي وفقك الله .. لا شك أنك تريد أن يهبك الله ذرية صالحة ، وكم أعيش معك الهم وبودي أن أبدي لك رأياً أسأل الله عز وجل أن يكون سديداً ، وقبل أن أطرح الرأي عليك أعلم أنك ذهبت إلى المستشفى وبحثت عن العلاج مراراً وتكراراً ، فقطعت المسافات الطويلة ، للبحث عن العلاج ، وكم من مرة حزنت لكلمة سمعتها من قريب أو بعيد ، حينما يتكلمون معك عن الموضوع دونما إحساس أو شعور منهم ، وقد تكون أنت حساساً وتؤل كلمة لا تحتمل التأويل ، وذلك من شدة ما تجد فى نفسك ، وربما فى يوم من الأيام كادت حياتك الزوجية أن تنتهي بسبب هذا الشيء ، وربما إذا رأيت طفلاً صغيراً معه حلوى أو طفلة صغيرة تركض خلف أبيها وتناديه " بابا بابا " [ مع التحفظ على اللفظ ] ، وتنقطع أنياط قلبك ، وربما خرجت دمعة من عينك مثل رأس الذبابة.
أخي حفظك الله .. اعلم وفقك الله أن هذا مكتوب ، وأنك لا تدري أين تكون الخيرة ، فالخيرة مخفية ، فربما لو رزقك الله ذرية لكانوا عاقين. وهذه من الأمور التي لا تعلمها فهو حكيم عليم.
قال تعالى : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )(سورة البقرة: من الآية216)
حدثني أحد الأخوة أن امرأة لم تنجب لفترة طويلة ، فقالت : اللهم ارزقني ولداً حتى لو كان يضربني. فرزقها الله ولداً ، فلما كبر ضربها ، وأراها الويل والعقوق والعياذ بالله.
أمَّا رأيي لك فهو أن تتضرع إلى الله عز وجل ، فهل جربت بارك الله فيك في منتصف الليل عندما تنام العيون وتهدأ الحركة ، أن تقوم من فراشك وتحسن الوضوء وتصلى ركعات لله خاشعاً لا تحدث فيها نفسك وتشكو حالك وتبث همك إلى مولاك إلى مَن إذا أراد أن يقول للشيء كن فيكون. فاسأل بما تريد بعد أن تثني عليه بالصلاة والسلام على نبينا محمد ، ثم تدعوه وتستمر فى دعائك حتى ينزل الله الفرج ، وكم سمعنا أن شخصاً رزقه الله ذرية بعد سنين طويلة من زواجه ، فالأمر بيد الله والفرج قريب. فهل جربت ذلك؟
* رسالة إلى مسلم جريح :
إن المسلم ليحزن حينما يرى ويسمع عن واقع الأمة الإسلامية الجريحة ، وهوانها على الناس ، ويبكي حينما يرى تخاذل المسلمين عن نصرة إخوانهم ، ولكن لله فى ذلك حكمة ، وأتصور أيها الأخوة بل أعتقد أن العلاج لواقع الأمة الإسلامية ليس بالبكاء والحزن ، وإنما بالعمل والدعاء ، فسهام الليل مدفع قوي ، ننسى فى كثير من الأحيان أن نرمى به ويجسد واقع الأمة قول الشاعر :
أمتي هانت وذلت
حين ولت عن هداها
حين يا قوم استكانت
حين حادت عن علاها
وارتضت كل خسيس
وتمادات فى هواها
يقول ابن القيم :
إن ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم ، وقهرهم ، وكسرهم لهم أحياناً فيه حكمة عظيمة ، لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل.
فمنها : استخراج عبوديتهم وذلهم لله ، وانكسارهم له ، وافتقارهم إليه ، وسؤاله نصرهم على أعدائهم ، ولو كانوا دائماً منصورين قاهرين غالبين لبطروا وأشروا.
ولو كانوا دائماً مقهورين مغلوبين منصوراً عليهم عدوهم لما قامت للدين قائمة ، ولا كانت للحق دولة.
فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن صرّفهم بين غلبهم تارة ، وكونهم مغلوبين تارة ، فإذا غلبوا تضرعوا إلى ربهم ، وأنابوا إليه ، وخضعوا له ، وانكسروا له ، وتابوا إليه ، وإذا غلبوا أقاموا دينه وشعائره ، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وجاهدوا عدوه ، ونصروا أولياءه ، ومنها : أنهم لو كانوا دائماً منصورين ، غالبين ، فاهرين ، لدخل معهم من ليس قصده الدين ، ومتابعة الرسول ، فإنه إنما ينضاف إلى من له الغلبة والعزة ، ولو كانوا مقهورين مغلوبين دائماً لما يدخل معهم أحد.
فاقتضت الحكمة الإلهية أن كانت لهم الدولة تارة ، وعليهم تارة ، فيتميز بذلك بين من يريد الله ورسوله ، ومن ليس له مراد إلا الدنيا والجاه. ومنها : أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء ، وفي حال العافية والبلاء ، وفى حال ادالتهم والإدلة عليهم.
فلله سبحانه على العباد فى كلتا الحالتين عبودية بمقتضى تلك الحال ، لا تحصل إلا بها ، ولا يستقيم القلب بدونها ، كما لا يستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد ، والجوع والعطش ، والتعب ، والنصب ، وأضدادها .
فتلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني والاستقامة المطلوبة منه ، ووجود الملزوم بدون لازمة ممتنع.
ومنها : أن امتحانهم بإدالة عدوهم عليهم يمحصهم ، ويخلصهم ويهذبهم ، كما قال تعالى فى حكمة إدالة الكفار على المؤمنين يوم أحد :
(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ *وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (سورة آل عمران 139 : 144) فذكر سبحانه أنواعاً من الحكم التي لأجلها أُديل عليهم الكفار ، بعد أن ثبتهم وقواهم وبشّرهم بأنهم الأعلون بما أعطوا من الإيمان ، وسلاهم بأنهم وإن مسهم القرح فى طاعته وطاعة رسوله ، فقد مس أعداءهم القرح فى عداوة رسوله. ثم أخبرهم أنه سبحانه بحكمته يجعل الأيام دولاً بين الناس فيصيب كلاً منهم نصيبه منها ، كالأرزاق والآجال. ثم أخبرهم أنه فعل ذلك ليعلم المؤمنين منهم وهو سبحانه بكل شيء عليم قبل كونه وبعد كونه ، ولكنه أراد أن يعلمهم موجودين مشاهدين يعلم إيمانهم واقعاً ، ثم أخبر أنه يحب أن يتخذ منهم شهداء ، فإن الشهادة درجة عالية عنده ، ومنـزلة رفيعة لا تُنال إلا بالقتل فى سبيله ، فلولا إدالة العدو لم تحصل درجة الشهادة التي هي من أحب الأشياء إليه ، وأنفعها للعبد.
ثم أخبر سبحانه أنه يريد تمحيص المؤمنين ، أي : تخليصهم من ذنوبهم بالتوبة والرجوع إليه واستغفاره من الذنوب التي أديل بها عليهم العدو ، وأنه مع ذلك يريد أن يمحق الكافرين ببغيهم وطغيانهم وعدوانهم إذا انتصروا ، ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم دخول الجنة بغير جهاد ولا صبر ، وأن حكمته تأبى ذلك ، فلا يدخلونها إلا بالجهاد والصبر ، ولو كانوا دائماً منصورين غالبين لما جاهدهم أحد ، ولما ابتلوا بما يصبرون عليه من أذى أعدائهم.
فهذا بعض حِكَمه فى نصرة عدوهم عليهم ، وإدالته فى بعض الأحيان.
الخاتمة
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ، اللهم يا حيّ يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام إنا نسألك أن لا تدع لنا فى مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته ، ولا هماً إلا فرجته ، ولا ذنباً إلا غفرته ، ولا والداً إلا رحمته ، ولا والداً إلا أصلحته ، ولا مجاهداً إلا نصرته ، ولا ظالماً إلا خذلته ولا مريضاً إلا شفيته ، ولا عقيماً إلا رزقته ذرية صالحة ، ولا شاباً إلا هديته وأصلحته ، ولا ديناً إلا قضيته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا هى لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها لنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.