تضمين الولي إذا باع أو اشترى بأنقص أو أكثر من القيمة
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : أن يكون ذلك بغبن فاحش ( ):
إذا باع الولي مال اليتيم بدون قيمته ، أو اشترى بأكثر من قيمته ، وكان ذلك بغبن فاحش.
فيضمن باتفاق الأئمة ( ).
قال شيخ الإسلام : "وإن اشترى بزيادة لا يتغابن الناس لمثلها كان عليه ضمان ما أداه من الزيادة الفاحشة " ( ).
وحجته : ما تقدم من الأدلة على حرمة مال اليتيم، ووجوب النظر بالأصلح لماله.
والبيع بغبن فاحش ليس من الأصلح لـه.
ولأن الظاهر أنه مفرط .
مع إمكانه الفسح بخيار الغبن .
المسألة الثانية : أن لا يكون بغبن فاحش
كأن يبيع بأقل من ثمن المثل ، أو يشتري بأكثر من ثمن المثل يسيراً.
فاختلف العلماء في تضمين الولي على قولين :
القول الأول : أنه إذا اجتهد وتحرى فلا ضمان عليه ، وإن فرط ضمن.
وبه قال شيخ الإسلام ( )، وهو ظاهر اختيار الشيخ عبدالرحمن السعدي( ) رحمه اللَّه تعالى .
وحجته في ذلك :
1 – ما رواه أسامة بن زيد رضي اللَّه عنه قال : " بعثنا رسول اللَّه في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة ، فأدركت رجلاً ، فقال : لا إله إلا اللَّه فطعنته فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي ، فقال رسول اللَّه : أقال لا إله إلا اللَّه وقتلته ؟ " ( ).
وجه الدلالة : أن النَّبِيّ لم يضمن أسامة بن زيد رضي اللَّه عنه بدية ولا كفارة ؛ لأنه مجتهد غير مفرط ( ).
2 – قال شيخ الإسلام : " وهو شبيه بما إذا قتل في دار الحرب مَنْ يظنه حربياً، فبان مسلماً ، فإن جماع هذا : أنه مجتهد مأمور بعمل اجتهد فيه وكيف يجتمع عليه الأمر والضمان ؟ هذا الضرب هو خطأ في الاعتقاد والقصد لا في العمل ... " ( ).
3 – أنه مأذون لـه في البيع والشراء ، وما ترتب على المأذون غير مضمون( ).
القول الثاني : أنه إذا باع بأقل من ثمن المثل ، أو اشترى بأكثر من ثمن المثل ، فإن كان مما يتغابن به الناس عرفاً فلا يضمن ، وإن كان مما لا يتغابن به الناس عرفاً ضمن.
وهو مذهب الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة ( ).
وحجته : أن إطلاق البيع ينصرف إلى ثمن المثل ، فيضمن إذا نقص في البيع، أو زاد على ثمن المثل في الشراء.
ولأن تصرفه مقيد بالنظر في حق الصغير ، ولا نظر فيما لا يتغابن به الناس( ).
وما يتغابن فيه الناس جرى العرف بالتسامح فيه .
ولأن اليسير لا يمكن التحرز عنه، ويكثر وقوعه، ففي اعتباره تعطيل لمصالحه ( ).
القول الثالث : أنه لا يجوز البيع إلا بأزيد من الثمن ، إلا إذا كان هناك حاجة فيجوز بالثمن ، ولا يشتري إلا بثمن المثل.
وهو مذهب المالكية ( ).
ولعل مأخذه الاحتياط لليتيم .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – القول الأول ، وأن الولي مع الاجتهاد وعدم التفريط لا يضمن ، لقوة دليله ؛ لأنه مأذون لـه في البيع والشراء ، وما ترتب على المأذون غير مضمون ، ولأنه أمين والأمين لا ضمان عليه مع عدم التعدي والتفريط ( ).