أوضح فضيلة الأستاذ الدكتور راغب السرجاني أن الروح العامة في تعامل الشريعة الإسلامية مع غير المسلمين من اليهود أو النصارى أو غيرهم تتلخص في الرفق والتكريم بغير المسلمين في المجتمع المسلم.
وأشار فضيلته أن هناك الكثير من هذه الحملات تروج للخوف من الإسلام واحتمالية سيطرة الإسلاميين على السلطة في مصر.
وحول هذه الشبهات كان رد الدكتور راغب السرجاني مفصلاً، وذلك في الدرس الأسبوعي لفضيلته بمسجد الرواس 31 مايو 2011م عقب صلاة العشاء والتي كان الدرس بعنوان "غير المسلمين في الإسلام".
فقد أوضح فضيلته أن الشريعة الإسلامية كلها رحمة وكلها عدل وكلها خبر ليس للمسلمين فقط بل لمن حُكم بها من المسلمين ومن غير المسلمين.
وأوضح فضيلته أن الشريعة الإسلامية دستور وقانون، وقد كفل حرة العقيدة كاملة بلا عدوان، فقد قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
وتساءل فضيلته: هل هناك من خوف على النصارى أو الأقباط في دولة تحكم بالإسلام؟
أجب فضيلته أن كل حق يقابله واجب، وكل من خالف عليه العقاب أيا كان هذا المخالف من المسلمين أو من غير المسلمين وهذا في الإسلام وفي غير الإسلام ففي كل قوانين الدنيا ثواب وعقاب وحدود وضوابط.
وأوضح فضيلته أن الروح العامة في تعامل القانون الإسلامي مع غير المسلمين من اليهود أو النصارى أو غيرهم تتلخص في كلمة واحدة وهي (الرفق)، والرفق كذلك سمة عامة في كل أمور التشريع الإسلامي فقد قال الرسول : "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"، وهذا على وجه العموم لا يقيده إلا الغلظة في بعض الأمور، ولكن يبقى الأصل في الرفق والغلظة هي الاستثناء في تعاملاتنا في الأمر كله.
وأضاف فضيلته أن النبي كان يراعي الرفق بغير المسلمين حتى وإن أخطأوا في حقه وهو قادر أن يأخذ حقه بالقوة ولكن كان الرفق عنوان تعاملاته مع غير المسلمين، وحكى فضيلته موقف الرسول مع اليهود والذي تحكيه السيدة عائشة -رضي الله عنها- تقول: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قالت عائشة: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : "مَهْلاً يَا عائشة؛ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ" -وفي رواية: "وَإيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ"- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟! قَالَ رَسُولُ اللهِ : "قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ"[1].
وأضاف فضيلته أنه لكي نفهم القانون الإسلامي في التعامل مع غير المسلمين يجب أن أفهم نظرة الإسلام إلى الإنسان بشكل عام، وقال فضيلته أن الإسلام ينظر بنظرة التكريم إلى الإنسان بشكل عام من أول خلق آدم u، فقد قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].
وأضاف فضيلته أن من صور تكريم الإنسان أن الله تعالى أمر ملائكته بالسجود لا لآدم u كآدم إنما لجنسه فقال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71- 72].
ودلل فضيلته على عظمة النظرة الإسلامية الحقيقية لكل البشر، وإنها نظرة التقدير والاحترام والتكريم بموقف الرسول عندما مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا"[2]، وهذا الاحترام لم يكن للحظة عابرة، بل طال وقوف رسول الله حتى اختفت الجنازة؛ ففي رواية مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "قَامَ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ حَتَّى تَوَارَت"[3]، ولما مرت السنوات ودخل المسلمون أرض فارس بلد المجوس عباد النار، أَنَّه َمَرَّتْ جَنَازَةٌ بقَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ. فَقَالا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا"[4].
وأوضح فضيلته أن على الحاكم المسلم أن يراعي في حكمه هاتين القاعدتين الهامتين في تعامله مع المحكومين وهما قاعدتا: الرفق والتكريم وذلك بشكل عام مع المسلمين وغير المسلمين.
واستنكر فضيلته أسلوب الوصاية على الشعب والتي يستخدمها البعض بحجة الأمن والاستقرار، موضحا أن الشعب قال كلمته من يوم 19 مارس عندما صوت بنعم للتعديلات الدستورية.
وأشار فضيلته أن هذه الأفواه التي تنادي بتأجيل الانتخابات يجب عليه أن تحترم إرادة الشعب وتحترم الديمقراطية التي أوجعوا أدمغتنا بها ثم هم أول من يخالفوها.
وأضاف فضيلته أن محاولات الالتفاف على إرادة الشعب بالكلام جريمة فما بالنا بمن يحاولون الالتفاف على إرادة الشعب بالقوة.
وتساءل فضيلته لمصلحة من خلق حالة الانشقاق في الشغب، وفي أي دولة يحدث فيها هذا الانقلاب على الشرعية الشعبية وأضاف أن هذا ليس في الإسلام وليس في غير الإسلام كذلك.
وعبر فضيلته عن حالة الحزن الشديدة التي تنتابه من جراء الحملات الإعلامية المشوشة على الشعب والتي تعبأ ضد إرادة الشعب لخلق الفوضى من جديد.
وأضاف فضيلته أن المخرج للأمة هو الاحتكام إلى الكتاب والسنة والاعتصام بهما فهما سبيل النجاة.
وختم فضيلته الدرس بقوله: "ما أعظم من دين وما أعظمها من شريعة وما أفخرنا نحن فخرًا عزيزًا بأنا ننتمي لهذا الدين الذي يطبق هذه الشريعة".
[1] البخاري: كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله (5678)، ومسلم: كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم (2165).
[2] البخاري: كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي (1250)، ومسلم: كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة (961)، واللفظ له.
[3] مسلم: كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة (960)، والنسائي (1928)، وأحمد (1928)، والبيهقي في سننه (6670).
[4] البخاري: كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي (1250)، ومسلم: كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة (961)، واللفظ له.