الاختيار..
إن المرحلة الأولى في طريق الزواج هي مرحلة الاختيار، ولعل هذه المرحلة هي أشق المراحل ، ولا يزال الرجلُ يقلب أوراقه يبحث عن شطره الآخر، والمرأةُ تنتظر أن يأتيها رجل يبدد وحدتها وخوفها إلى عالم مليءٍ بالطمأنينة والأنس؛مع خوف من جانبها أن تصطدم بواقع مخيف ومستقبل مجهول0
وإن كان الأمر على مشقته سهلاً بالنسبة للرجل، فإنه صعب بالنسبة للمرأة ولذلك كان على أوليائها أن يعينوها على تحقيق مستقبل سعيد واختيار موفق0
ومن أجل ذلك نصَحَنا أنصحُ الخلق للخلق محمد صلى الله عليه وسلم بما ينير الطريق لكل راءٍ ، ويبصر كل ذي بصر، وعلَّمنا القواعد التي إن عملنا بها؛تحققت لنا السعادة العظيمةُ؛والهناءُ الدائم الذي لا يخبو نوره؛ولا تنسى لذته؛وبين لنا كيف نختار وكيف نوفق في الاختيار؛ فقال صلى الله عليه وسلم :" تنكح المرأة لأربع:لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"0
فهذا الحديث يحكي واقع الناس، واختلاف دوافعهم حين الاختيار، فكلٌّ يبحث في زواجه عن هدف، وبيّن لنا الهدف الأسمى الذي يستحق أن يُتعب عليه وهو: "الدين"، لأنه رأس الأمر؛وعنوان الصلاح؛وقائد لكل خير0
وهكذا الحال بالنسبة للمرأة، فالواجب عليها اختيار الرجل الصالح الذي يصلح معه حالها؛ وفي ذلك جاء الخطاب للناس من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله:"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"0
فالواجب على المرء أن يختار لمولّيته رجلاً صالحاً؛إنْ أحبها أكرمها؛وإن كان غير ذلك سرحها سراحاً جميلاً دون إهانة أو ظلم0
فهذه أمانة عظيمة لا بد أن يعرفها كل ولي يخاف الله ويرجوه؛وأن يعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :"من كان له أختان أو ابنتان فأحسن إليهما ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة كهاتين-وأشار بين إصبعيه-"0
وقيل للحسن البصري رحمه الله:"إن لي ابنة فمَن ترى أن أزوجها؟ قال :زوجها من يتقي الله تعالى،فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.."0
وسئل رجل من الحكماء: فلان يخطب فلانه؛ فقال: أموسرٌ من عقل ودين؟ قالوا:نعم. قال: فزوجوه إياها0
وقد قيل:
وأول خبث المــاء خبث ترابه
وأول خبث القوم خبث المناكح
وعلى الرجل أن يفتش عن زوجة تحمل معاني الوفاء في قلبها في سفر ربما يطول؛ وليعلم أن الزوجة صديق العمر،ولا بد لهذا الصديق أن يكون وفياً إنْ كتب الله وأكمل الدرب،أو إن تفرقا أن يستر العيب.
فلا بد أن تحسن الاختيار لهذا الصديق الذي سيشاركك أدق تفاصيل حياتك، حلوها ومرها؛ طويلها وقصيرها، فرحها وحزنها.
وحين تفكر في الارتباط بامرأة ما، ضع أمام عينيك هذا السؤال: لو حصل وحدث لك عائق من العوائق في هذه الحياة المليئة بالمفاجآت،هل ستكون عوناً لك أم أنها ستتخلى عنك للوهلة الأولى؟.
وضع أمام ناظريك سؤالاً آخر: لو لم يحصل الوفاق بينكما وطلقتها فما نوعية المجتمع الذي سيعيش فيه أولادك؟..
ومما يعينك على الاختيار أن تنظر إلى سلوك والدة المرأة التي ترغب في الارتباط بها، فإنه ومن خلال التجارب الطويلة؛تبين أن الغالب في البنت أنها تكتسب سلوك والدتها مهما كان مستوى البنت..جامعية..أو دكتورة.. أو غير متعلمة؛ وأمها على عكس ذلك!! لذلك اسأل جيداً عن والدتها.
وهذه ليست قاعدة لا تقبل الجدل، ولكن ربما كانت أغلبية..
ولذلك فإن إطلاق التعليقات الساخرة والاستهزاءات المنفرة من قبل أناس على والدات زوجاتهم؛فبات الناس يتداولونها وتعيش في عقولهم هذه الفكرة،ما كان ذلك إلا لأنهم ابتُلوا ( بحموات سيئات..) ؛ ومن الخطأ أن يعمم هذا الحكم؛ فإن من الحموات من كانت عوناً للرجل على ابنتها، تكتم السر؛وتبني البيوت ولا تهدم، وتجعل القليل من زوج ابنتها كعظم الجبال؛ وهذا الصنف من أعظم النساء، فهي بذلك تبني بيت ابنتها، وتخفف الحمل عن زوجها، بل ويصل الزوج إلى درجة من الراحة بحيث إنه لو ترك زوجته عند والدتها سنة كاملة لم يبال بذلك؛لأنه يعرف أنها سترجع أفضل حالاً مما كانت عليه؛ عفةً وحياءً وديانةً وخبرةً في الحياة0
وإننا نقول هذا إنصافاً لبعض الحموات؛ممن يتمتعن بصفات الخير،ويتجنبن الحسد والغيرة من بناتهن؛وكأنهن عدوات ولسن ببنات0
ولذا انتبه جيداً إلى والدة زوجتك؛فإنها المؤثر الفعلي في الغالب على سلوك زوجتك التي ستضمها بين جدار بيتك ؛ وقد قيل:
إذا تزوجـت فكـن حاذقـاً
واسأل عن الغصـن وعن منبته
واسمع هذه الحكاية الجميلة شاهد ما نقول:
قال شريح القاضي: خطبت امرأة من بني تميم؛فلما كان يوم بنائي بها أقبلت نساؤها يهدينها حتى دخلت علي؛فقلت : إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين،ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها؛فتوضأْتُ فإذا هي تتوضأ بوضوئي؛وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي؛فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناحيتها؛فقالت: على رسلك يا أبا أمية؛ ثم قالت :الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله؛أما بعد..فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك؛فبين لي ما تحب فآتيه،وما تكره فأجتنبه،فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك، ولكنْ إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً؛وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله تعالى به "إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
فقلت الحمد لله أحمده وأستعينه،وأصلي وأسلم على محمد وآله وصحبه ،أما بعد.. فإنك قلت كلاماً إن ثبتِّ عليه يكنْ ذلك حظاً لي، وإنْ تدعيه يكن حجةً عليك، أحب كذا وأكره كذا؛وما رأيت من حسنة فبثيها،وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري،قالت: من تحب مِن جيرانك أن يدخل دارك آذن له،ومَن تكره أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون،وبنو فلان قوم سوء، قال: فبت معها بأنعم ليلة ،ومكثت معي حولاً؛ لا أرى منها إلا ما أحب ، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء؛وإذا بعجوز تأمر وتنهى فقلت: مَن هذه؟ قالوا: فلانة أم حليلتك، قلت: مرحبا وأهلا وسهلا، فلما جلسْتُ أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية ،فقلت: وعليك السلام ومرحبا بك وأهلا ،قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة وأوفق قرينة، لقد أدبتِ فأحسنت الأدب، وريضتِ فأحسنت الرياضة؛فجزاك الله خيراً ،فقالت: يا أبا أمية،إن المرأة لا يُرى أسوأ حالاً منها في حالتين: إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشرّ من الروعاء المدللة0
قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت: ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية،فمكثَت معي عشرين سنة لم أعب عليها شيئاً؛وكان لي جارٌ يفزع امرأته ويضربها فقلت في ذلك:
رأيت رجالاً يضـربون نساءهم
فشلت يميني يوم أضـرب زينبا
أأضـربها في غير جرم أتـت به
إليّ فما عـذري إن كنت مذنبا
فأين الحماة( والدة الزوجة) التي هي كوالدة زينب ؛خلقاً.. وسلوكاً..وبعد نظر؟!!
كما يجب أن تختار في زواجك البيت الطيب؛ذا السمعة الطيبة والذكر الحسن؛فأنهم سيكونون أخوالاً لأولادك..
فتأمل جيداً في خالة أولادك التي ستدخل على أختها متى شاءت، وانظر إلى أخوال أولادك كيف هي أخلاقهم..
فلعل من الضروري بعد السمعة الطيبة: -دينا ودنيا- أن يكونوا أقوياء الشخصية؛ حتى لو قُدِّر وحصل نزاع؛أن تجد أمامك (رجالا) تستطيع أن تخاطبهم، لا يعملون بعقول النساء ولا يملكون خيارا، فكم كان لرجل قوي الشخصية موقف تجاه ابنته أو أخته حين يحصل بينهما خلاف أدى إلى عودة المياه إلى مجاريها،وقد كان الطلاق قريباً جداً0
أما بالنسبة للصفات الذاتية للفتاة التي سترتبط بها،فيجب أن تسأل عنها أدق الأسئلة من جميع الجوانب لأنك سترتبط بها ارتباطا وثيقاً، الأصل أنه سيبقى إلى حين رحيل أحدكما عن الدنيا، فابحث عن المرأة العفيفة في دينها ونفسها- لأنها ستكون مستودع أسرارك ورجولتك، والعفة مما يشتهر خبرها بين الناس، فتجد الثناء عليها على كل لسان؛وأول العفة اللباس الساتر، واللسان الطاهر، والباطن يدل عليه الظاهر والله يتولى السرائر.
فلا تبحث عن الساقطة ومَن كان ظاهرها الانحراف وأمام عينيك الأفواج المتكاثرة من الحرائر العفيفات،فأنت تريد زوجة لا عشيقة0
واعلم أنك بإعراضك عن العفيفة المتدينة وذهابك إلى المتردية، قد فوّت عليها الفرصة وعرَّضت نفسك للهلكة ؛فبيتُك رأس مالك؛ فانظر في يد مَن تضعه؟
وابحث عن المرأة التي ستكون على طريقك في جميع أحوالك- في طاعة الله؛فتمسك بها؛وعض عليها بالنواجذ؛ فإنها كنـزٌ مدخر؛وفواتها خسارة لا تعوض.