بر الوالدين:
الأمر ببر الوالدين تكرر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الصحيحة، وجاء بعد الأمر بعبادة الله تعالى.
قال تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36].
وقال سبحانه: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ}[الإسراء: 23].
ويجعل النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى فهو يأتي في المرتبة الثانية في ترتيب الأعمال المحببة إلى الله تعالى. عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: "ثم أي؟"، قال: «بر الوالدين»، قلت: "ثم أي؟"، قال: «الجهاد في سبيل الله قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني» [رواه البخاري ومسلم].
الولد يشكر الله على نعمه على والديه:
قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [الأحقاف: 15].
الولد يشكر والديه على تربيته:
لذلك لا يتأفف منهما ولا ينهرهما مهما كلفاه أو شقا عليه.
قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
الولد يتواضع لوالديه:
قال سبحانه: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].
النفقة على الوالدين:
قال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 215].
وفي الحديث الذي يرويه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنت ومالك لأبيك» [رواه ابن ماجه وأحمد وصححه الألباني].
تجنب ما يؤدي إلى سب الوالدين:
فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه»، قيل: "يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟"، قال: «يسب الرجل فيسب أباه ويسب أمه» [أخرجه البخاري ومسلم]، فيجب أن نتجنب سب آباء الآخرين حتى لا يسبوا آباءنا.
الإخلاص في بر الوالدين:
عقب الأمر بالإحسان إلى الوالدين وبرهما في سورة الإسراء يقول سبحانه وتعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25].
بر الوالدين من صفات الأنبياء:
فمن دعاء نوح عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح: 28].
ومن دعاء إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41].
وكان يدعو لأبيه مع علمه بضلاله وذلك قوله: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 86].
وقد أطاع إسماعيل أباه عندما هم بذبحه فقال: }يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين{ [الصافات:102]
وأحسن يوسف استقبال والديه وإخوته فقال: {قَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99].
وقال سليمان عليه السلام : {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19].
وامتن الله على يحيى عليه السلام بقوله : {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} [مريم: 14].
وقال صلى الله عليه وسلم عن عيسى عليه السلام : {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم: 32].
بر الوالدين سبيل إلى الجنة:
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة» يقول أبو الدرداء معلقا على الحديث فأضع ذلك الباب أو احفظه والحديث صحيح. [رواه الترمذي وابن ماجه والمقصود بالوالد الجنس أي الأب والأم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة» [رواه مسلم].
ومعنى رغم أنف: أي التصق بالرغام وهو التراب كناية عن خيبته وخسرانه لأنه لم يحسن إلى والديه فيدخل بذلك الجنة.
بر الوالدين يستمر بعد موتهما:
فعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: "يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟"، فقال: «نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما» [رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وابن حبان].
أخي المسلم
إن البذرة الطيبة تنبت نباتا طيبا يشاكل أصله ويستمر بعده، وقد ذكر الله تعالى الأجيال المتعاقبة على الصلاح فأثنى عليهم ومدحهم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [33] ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة آل عمران: 33-34].
وقال صلى الله عليه وسلم حكاية عن قول يوسف عليه السلام لرفقاء السجن: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [37] وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف: 37-38].
إن صلاحك أيها الأخ المسلم ودعاءك لوالديك امتداد لحياتهما وزيادة في حسناتهما فأنت صنيعهما وثمرة تربيتهما ولن تستطيع أن توفيهما حقهما فأكثر من الدعاء لهما ومن برهما في أهلك من أقاربهما وأصدقائهما فحقهما عليك عظيم.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» [رواه البخاري ومسلم].
ودعاؤك لهما يرفع درجتهما عند الله ويكتب في سجلهما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
وزارة الأوقاف الكويتية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]