مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: أساليب تربوية فاشلة / الجزء الثالث والأخير الأربعاء يونيو 01, 2011 12:27 am | |
| فما زال حديثُنا عن الأساليب والأخطاء الشائِعة والطُّرق السيِّئة في التربية، وقد أشرْنا إلى بعضها في موادَّ سابقة، والآن نتابع الحديثَ بعونِ الله عن أساليبَ تربويةٍ سيِّئة جديدة:أسلوب المقارنة بالآباء والأجداد: بعضُ الآباء والمربِّين - بكلِّ أسف - لا حيلةَ لديهم لتربية أبنائهم سوى مقارنتهم بما كانوا عليه في طُفولتهم، أو ما كان عليه أجدادُهم في طفولتهم.وهذا أسلوب هزلي لا فائدةَ منه، لكنَّه شائع جدًّا بكلِّ أسَف، وقدْ نهى غير واحد مِن السَّلف - رضي الله عنهم - عن تربيةِ الأبناء على ما كان عليه الآباءُ والأجداد؛ لأنَّ الناس تتغيَّر، وكذلك العقول والأفْهام والأفكار، وتَكْرار الحديث عن حياةِ الأجداد ونمطِ معيشتهم، يُورِث النفور لدَى الولد مِن الأجداد، وربَّما يُنفِّره من الحديث عن إيجابياتهم.صحيح أنَّ هذا الأسلوب فاشلٌ في كل زمان ومكان، إلاَّ أنَّ فشَله يتأكَّد ويترسَّخ في زماننا هذا، حيث الإنترنت وشبَكات الاتِّصال ووسائل الإعلام الحديثة، مما يجعل التشابُهَ معدومًا بيْن جيل هذا العصْر وأفكاره، والأجيال السابِقة وأفكارها.ولا بأسَ مِن الاستشهاد ببعض القصص والأحداث التي حدَثَتْ مع الأب أو الجد في سِياق النُّصح والتوجيه للولَد، غير أنَّنا لا ندعو لجعلها مادةً أساسيَّة في مقرَّر تربية الأبناء وتوجيههم، ولا وجبةَ إجبارية على مائدةِ نُصح الولد وإرشاده.التربية العلمانية والابتعاد عن التربية الروحية: مرَضٌ جديدٌ بدأ بالانتشار بيْن المربِّين للأسف، حيث ينظر بعضُهم إلى التربية على أنها جلْب الطعام والشراب والكساء للولَد، والإنفاق عليه، وإهمال ما سوى ذلك مِن شؤون نفسيَّة وأخلاقيَّة وسلوكيَّة هامَّة.إنَّ بناء الإنسان هو أسْمى مهمة يُكلَّف بها الوالدان، وإنَّ وظيفة الأمومة والأبوة هي وظيفةٌ فطرية راقيةٌ لا بدَّ مِن صقلها بالعديد مِن المهارات والخبرات، التي تمكِّن الوالدين مِن تنشئة الأبناء على أساسٍ قوي وسليم مِن المبادئ والقِيَم.والتربية الرُّوحية تتمثَّل في خلْق علاقة صحيحة ومتوازِنة ومتكامِلة وقويَّة وعميقة مع الخالِق - عزَّ وجلَّ - ولا يكون هذا بالكلام، إنَّما بالفِعل والقُدوة الصالِحة مِن الآباء والمربِّين، ولا يكون ذلك بإرغامِ الأبناء على أداء العبادات والشعائِر في الصِّغر دون فَهم مغزاها وأثَرها الطيِّب في حياتهم، حتى لا ينصرفوا عنها في فترةِ المراهقةِ والشباب.ومدخل التربية الرُّوحية للطفل في مراحلِ عُمره الأولى يكون بما يَميل إليه وهو اللَّعِب والحرَكة بشكلٍ أكبرَ، فهو يحب القصصَ والحِكايات، والصور والألوان والرسم والأناشيد، وتَزيد حاجته للمناقشة الهادِئة والإقناع بالحوار الهادِف والجاد، وتقديم حقائق ومعلومات نظريَّة عندما يقترِب مِن مرحلة المراهقة.وهكذا عندما يكبر الطِّفل، تُصبح علاقتُه بالله تعالى قويةً عندما يعرِف قوَّة الله ورحمتَه، ويعرِف مراقبةَ الله ومحاسبته له، وفضْله - سبحانه وتعالى - في كلِّ حال ومآل.ومِن هذا كله سيُدرِك معيةَ الله - جلَّ وعلا - له ويتولَّد بداخله التوازنُ بين الخوف والرَّجاء، ويستقبل الرسائل الربَّانية بفَهم وإيمان ويقين، ممَّا يكون له أفضلُ الأثَر على حياته كلها.الأسلوب الحيواني : اعذروني فلم أجِد اسمًا مناسبًا لهذا الأسلوب الفاشِل، وهو كنايةٌ عن تشبيه الأولاد بالدوابِّ - أكرمكم الله - وسأبيِّن لكم ذلك: تربية الدواب أو المواشي كما تَعلمون هي عبارةٌ عن إطعامها ومُداواتها والعناية بجُسومها وتقديم العَلَف لها، على أمَل أن تكْبر وتسمن، فيبيعها صاحبُها، أو يُفيد من لبنِها وصوفِها ولحمها.وبكلِّ أسف فإنَّ بعض الآباء والمربِّين يعتقدون أنَّ تربية الأولاد تتمُّ بنفس الطريقة؛ إذ يبذل الآباءُ مالَهم وجهدَهم في سبيلِ تربية الولَد على أمَل أن تُردَّ لهم على شكلِ عوائد ماديَّة يردُّها الولد عندما يكبر ويَعمل وينتج.فإنْ طلَع الولد تاجرًا ذا مال، أو صانعًا ذا نفوذ، فهذا هو الولدُ (المرضي) الذي يستحقُّ الرِّضا والمثوبة والدُّعاء، أما إنْ طلع داعية أو عالِمًا أو أستاذًا، فهذا هو الولد (المغضوب) الذي لم (ينفعْ) أهله بشيء.وحتى يكون الابن (بارًّا ) بوالديه، يجِب أن يَشتري لهما أفخمَ الثِّياب، ويطعمهما أفخرَ الطعام، ويذهب بهما إلى باريس ولندن للسياحة والاستجمام.أما إنَّ قصَّر الولد في هذه الأمور الدنيويَّة التافِهة، فله الويلُ والثبور وعظائم الأمور، فعندَ ذلك يحقُّ للآباء والأمَّهات تسميتُه بالوالدِ العاقِّ والعاصي وناكِر المعروف!مَن يتبع هذا الأسلوب، هو شخصٌ ضعيف الإيمان، وضعيف الثِّقة بالله؛ إذ لا يَبتغي الأجْر والثواب مِن الله في تربيةِ الولَد، ولا يحتسب ما ينفقه مِن مالٍ وجهد في سبيلِ الله، حيث يقول ربُّنا - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا ماتَ ابنُ آدم انقطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِن ثلاث: صَدقةٍ جارية، أو عِلمٍ يُنتَفَعُ به مِن بعدِه، أو ولدٍ صالِح يَدْعُو له)).والأب إذا قام بتربيةِ أولاده على الوجه الذي أمَر الله به ورسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان على خيرٍ عظيم، وصار هؤلاء الأولادُ يدْعون له في حياته وبعدَ موته، وإذا كان بالعكس فأهْمَل تربية أولادِه أثِمَ بذلك، وصاروا عليه وبالاً في الآخِرة، حيث لم يحتسبْ ذلك ولم يفكِّر فيه! | |
|