لا يكاد يميز الناس أخلاق بعضهم من بعض في لقاءات عابرة، بل يحتاج الإنسان إلى وقت طويل حتى يحُك المعدن ويظهر له بريق الذهب أو صدأ الحديد!..
إذ ليس للإنسان ميزة في تحسين أخلاقه مع من هو أعلى منه أو في مستواه، فهذا شيء يتجمل به الجميع في الغالب.. ولكن الفضل كل الفضل في تحسين أخلاقك مع من هو دونك، ومع من أساء إليك!
إن معنى حسن الخلق "أن يكون سمحاً لحقوقه لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب لغيره عليه منها، فإن مرض ولم يُعَدْ،أو قدم من سفر فلم يُزر، أو سلم فلم يُرد عليه، أو ضاف فلم يكرم، أو شفع فلم يجب، أو أحسن فلم يشكر، أوتكلم فلم ينصت له،... وما أشبه ذلك، ولم يغضب، ولم يعاقب، ولم يتنكر من حاله حال، وإنه لا يقابل كل ذلك إذا وجد السبيل إليه بمثله، ويقابل كلاً منه بما هو أحسن وافضل وأقرب منه إلى البر والتقوى، فإذا مرض أخوه المسلم عاده، وإن جاء في شفاعة شفعه، وإن احتاج منه إلى معونة أعانه، ولا ينظر إلى أن الذي يعامله كيف كانت معاملته إياه فيما خلا، إنما يتخذ الأحسن إماماً لنفسه" .
وإن شئت فقولي بعبارة أوجز حسن الخلق هو: "بذل المعروف قولا وفعلا، وكف الأذى قولا وفعلا" .
ولكن بالرغم من حاجتك للوقت الكافي حتى تتعرفي على أخلاق الآخرين، إلا أنك أحياناً تشعرين بذات الخلق الحسن... تحسين بوجودها وتميزينها سريعاً... مثلا في طريقة تحدثها مع المرأة المسنة.. في طريقة تعاملها مع الخدم.. في مواقفها مع من يسيء إليها أو يقصر في حقها عندما تتاح لها فرصة مناسبة جدا للنيل من الآخر دون حسيب أو رقيب بل قد تجد التشجيع كل التشجيع ممن حولها ولكنها تمتنع عن إلحاق الأذى بمسلم أو مسلمة حتى ولو بكلمة عابرة!...
ولسان حالها يقول: إني أعامل الناس بأخلاقي ولن أنقص قدري عند ربي لأتعامل معهم بأخلاقهم أبدا...
لقد ذهبت بكل خير... وسبقت كثيرات بمسافات شاسعة... وتركت القيل والقال، والمكر بالليل والنهار، وحمل الأضغان لأهله الحمقى!... فأراحت قلبها... وحافظت على حسناتها، وفرغت نفسها للعبادة، فهي مشغولة جدا بطاعة ربها، وليس لديها وقت زائد لتبعثره في مثل هذه التوافه، بل لو كان الوقت يباع لاشترته بأغلى الأثمان!!..
إنها باختصار كما قال صلى الله عليه وسلم: "ذهب حسن الخلق بكل شيء" إنها حقيقة وليس خيال! فلم لا تكونين أنت هي؟
سيكون هذا سهلا عليك... تدرين متى؟ عندما تحتسبين:
1. أن حسن خلقك إحسان منك لنفسك أولا، وللمسلمين ثانياً، فقد كففت الشر عنك وعنهم، وبذلت الخير لنفسك ولهم، فاحتسبي ثواب الإحسان الذي تولد عن تقواك لله والذي يترتب عليه المعصية الخاصة من الله قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (النحل:128).
هل تدركين ماذا يعني أن تحصل لك معية خاصة من الله؟
إنها معية تليق بجلال ربنا وعظمته، إنه العون من الله... النصر... التسديد... الثبات... لقــد فزت بشيء عظيم!.
فإذا شعرت به فاحفظيه كي لا تفقديه يوما ما!...
2. ثواب طاعة أمر الله سبحانه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (المؤمنون:96)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وخالق الناس بخلق حسن" .
3. ثواب إصلاح ذات البين بأخلاقك لتنالي الحظ العظيم...
قال الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (24) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت:34-35). إنها تلك التي تدفع بالحسنة السيئة، وتصبر على ذلك من أجل صلاح ذات البين، إنها ذات الخلق الحسن... ذات الحظ العظيم...
4. أن يكمل إيمانك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا" . إن الصالحين ليتنافسون على كمال الإيمان فتنافسي معهم بأخلاقك...
5. أما زلت تحلمين بأن تملكي بيتا جميلاً؟... اسمعي جيدا... هل تريدين بيتا رائعا لم يخطر ببالك قط؟... في الجنة..! في أعلاها..!
حسني أخلاقك واحتسبي أن يكون لك بإذن الله... قال صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" .
6. لئن ضعفت عن قيام الليل وصيام النهار، فلن تعجزي عن تحسين أخلاقك لتبلغي منزلتهم أليس كذلك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" .
7. أن يحبك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون مجلسك يوم القيامة قريبا منه جدا، قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، ..." .
8. احتسبي أن يكون حسن خلقك سبباً لدخول الجنة بإذن الله...
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال:"تقوى الله وحسن الخلق" وسُئل عن أكثر ما يدخل النار؟ فقال:"الفم والفرج" .
9. احتسبي أن يثـقل ميزانك يوم تخف الموازين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حسن،وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء" .
يا.. كل الصفات الحسنة
لقد أحسنت... وأطعت ربك ورسوله صلى الله عليه وسلم... لقد نلت الحظ العظيـم... وكمـل إيمانك... وبلغت درجة الصائم القائم... وأثـقلت ميزانك يوم وضع الموازين... فماذا أبقيت لنا؟ لقد ذهب كل شيء...!
قال أحد البلغاء: (الحسن الخلق من
نفسه في راحةٍ، والناس منه في
لطفا ضع رداٌ