مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: دار الارقم بن ابي الارقم ومراحل الدعوة الأربعاء أبريل 21, 2010 10:16 am | |
| لقد مرت الدعوة النبوية بمرحلتين أساسيتين: مرحلة الدعوة السرية، وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة، ومرحلة الدعوة الجهرية وهي ما بعد ذلك. وكانت طبيعة المرحلة الأولى تتطلب سرية العمل الدعوي، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها، وكانت دار الأرقم، هي المكان المناسب لمثل هذه الظروف من أيام الدعوة. كانت هذه الدار - دار الأرقم - على جبل الصفا ، ذلك الجبل المنعزل عما يدور حوله ، فهي إذن بمعزل عن أعين الأعداء والمتربصين، وكانت - فضلاً عن ذلك - للأرقم بن أبى الأرقم بن أسد بن عبد الله المخزومي وكان اسمه عبد مناف ، وهو من السابقين الأولين الذين استجابوا لله والرسول، وباعوا عَرَض الدنيا لأجل الآخرة، وآثروا تحمل الأذى والعذاب على حياة الشرك والكفر، فقد توافرت - لهذه الدار - صفات عدة جعلت منها منطلقاً ومناراً لهذه الدعوة الناشئة. والذي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لاختيار هذه الدار عدة أسباب، منها : 1- أن صاحب هذه الدار وهو الأرقم لم يكن معروفا بإسلامه، فلم يكن يخطر ببال أحد من المشركين أن يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في هذه الدار. 2- أن الأرقم بن أبي الأرقم كان فتى عند إسلامه، ولم تفكر قريش أن هناك تجمع إسلامي عند أحد الفتيان، بل إن نظرها كان يتجه في الغالب إلى بيوت كبار الصحابة. 3-أن هذه الدار كانت قريبة من الكعبة المشرفة . وفي هذه الدار المباركة، التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم، وتلقوا عنه تعاليم الإسلام وتوجيهاته الكريمة، حيث كان صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم ما ينزل عليه من القرآن الكريم، ويعلمهم أمور دينهم ويباحثهم في شأن الدعوة، وما وصلت إليه ، وموقف المعرضين عنها والصادين عن سبيلها. كان يسمع شكوى أصحابه وما يلقونه من أذى المشركين وكيدهم، يتحسس آلامهم وآمالهم، ويطلب منهم الصبر والمصابرة، ويبشرهم أن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع المؤمنين ، وأن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لقد كانت رعاية الله وعنايته بالعصبة المؤمنة واضحة جلية لا تفارقهم بحال، على الرغم مما كان ينالهم من أذى المشركين، وكان من الحكمة البالغة في بداية أمر الدعوة الابتعاد بهذه العصبة المؤمنة عن كل ما يضر بها - قدر المستطاع -، وقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن تبقى دعوة الإسلام ضمن مجالها السري إلى أن هيأ الله لها من الأسباب ما مكنها من إشهار أمرها وإعلان رسالتها، { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف:21).
| |
|
مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: رد: دار الارقم بن ابي الارقم ومراحل الدعوة الأربعاء أبريل 21, 2010 10:18 am | |
| في بيئةٍ سادت فيها الوثنيّة بين القبائل العربيّة زمانا طويلاً ، وتربّى فيها أهلها على العصبيّة المقيتة والحميّة الجاهلية ، وضاعت فيها معالم الديانات السماوية ، وانتكست فيها الفطر والمفاهيم حتى صار الباطل حقّاً ، والفضيلة رذيلة ، لم يكن أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - تجاه هذا الواقع سوى أن يؤجّل الإعلان بدعوته على الملأ ، ويكتفي بدعوة من حوله سرّاً ، حتى لا يكون الصدام المباشر في أوّل الأمر سبباً في فشل مهمّته التي بعثه الله بها .
وكان من الطبيعي أن يبدأ - صلى الله عليه وسلم - بعرض الإسلام على أهله وأقرب الناس إليه ، وفي مقدّمتهم زوجته خديجة رضي الله عنها ، فكانت أوّل من آمن به على الإطلاق ، وأوّل من استمع إلى الوحي الإلهي من فم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأول من وقف على شهادة أهل الكتاب بصدق نبوّته من خلال عمّها ورقة بن نوفل .
ثم عرض - صلى الله عليه وسلم - الإسلام على ابن عمّه علي بن أبي طالب ، فسارع إلى الإجابة على الرغم من صغر سنّه ، ثم أسلم مولاه زيد بن حارثة ، وأسلمت بناته زينب وأم كلثوم وفاطمة ورقيّة رضي الله عنهنّ ، وبذلك حاز بيت النبوّة على شرف الأسبقيّة في الإسلام .
وبعد ذلك انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى دائرة أصحابه ومعارفه ، فدعا أبا بكر رضي الله عنه ، الذي لم يتردّد لحظةً في تصديقه والإيمان به ، وقد حفظ النبي - صلّى الله عليه وسلم - له هذا الفضل فقال : ( ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ، وتردّد ونظر ، إلا أبابكر ) رواه ابن إسحاق .
وكان في إسلام أبي بكر رضي الله عنه فاتحة خيرٍ على الإسلام ودعوته ، فقد كانت قريشٌ تحبّه لسعة علمه وحسن ضيافته ، ومكانته كرجلٍ من كبار التجّار الذين لهم ثقلٌ في المجتمع المكّي ، ولذلك استجاب له الكثير من الناس ، ومنهم : عثمان بن عفّان ، و طلحة بن عبيد الله ، و الزبير بن العوّام ، و سعد بن أبي وقاص ، و عبدالرحمن بن عوف ، و عثمان بن مظعون ، و أبو سلمة بن عبد الأسد ، و أبو عبيدة بن الجراح ، و الأرقم بن أبي الأرقم ، و خبّاب بن الأرت ، و عمار بن ياسر وأمّه ، رضي الله عنهم أجمعين .
وسارع كل واحدٍ من هؤلاء إلى دعوة من يطمئنّ إليه ويثق به ، فأسلم على أيديهم جماعة من الصحابة ، حتى وصل عدد الذين أسلموا في تلك الفترة - وفقاً لمصادر السيرة - ما يزيد على الأربعين ما بين رجلٍ وامرأة ، وهؤلاء هم السابقون الأوّلون الذين ذكرهم الله عزّوجل في قوله : { والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار } ( التوبة : 100 ) .
وقد يبدو هناك شيء من التعارض في الروايات التي تحدّد أوائل من أسلم ، وهذا الاختلاف يرجع سببه إلى كتمان هؤلاء الصحابة خبر إسلامهم . وبمراجعة أسماء أوائل من أسلم من الصحابة نلاحظ انتماءهم إلى قبائل من داخل قريشٍ وخارجها ، فقد كانوا من "بني أميّة وبني أسد وبني عبد الدار وبني جمح وبني زهرة ومذحج ودوس " وغيرها ، وفيه دلالةٌ واضحةٌ على معالم هذه الدعوة الجديدة ، وبعدها عن الدعوات العصبيّة الجاهليّة ، ولو كانت كذلك لكان بنو هاشم قوم النبي - صلى الله عليه وسلم - أوفر الناس حظّاً ، وأكثرهم أتباعاً لهذه الدعوة الجديدة .
ومما يُشار إليه هنا أيضاً أن أغلب من أسلم في تلك الفترة كان من وجهاء قومه ومن أشرافهم، ولم يكن بينهم من الموالي سوى ثلاثة عشر رجلاً ، مما يدل على أن دعوة الإسلام لم تكن مجرّد ثورة على الأغنياء والوجهاء ، أو هروباً من حياة العبودية والفقر ، وإنما كانت رسالةً قائمة على إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وعقيدة صافيةً تصحّح علاقتهم مع خالقهم ، ومنهجاً ربّانيّاً ينظّم حياتهم .
واستمرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الدعوة السرّية أكثر من ثلاث سنوات ، ظلّ فيها يعلّم حقائق التوحيد ، ويغرس معاني الإيمان ومحاسن الأخلاق ، وتمّ اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم لهذه المهمّة .
وفي هذه الفترة شُرعت الصلاة ركعتين في الصباح ، وركعتين في المساء ، وذلك في قوله تعالى : { وسبح بحمد ربك بالعشيّ والإبكار } ( غافر : 55 ) ، وكان الصحابة يستخفون بصلاتهم في الوديان والشعاب لئلا يفتضح أمرهم .
واستمرّ الناس في الانضمام تحت لواء الدين الجديد حتى تكوّنت الجماعة الإسلاميّة الأولى واشتدّ عودها ، وحان الانتقال إلى مرحلة المواجهة والجهر بالدعوة ، بما قد تحمله من أذى وتعذيب وتضحيات ، وكانت البداية عند نزول قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين } ( الشعراء : 214)
| |
|
مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: رد: دار الارقم بن ابي الارقم ومراحل الدعوة الأربعاء أبريل 21, 2010 10:19 am | |
| كانت الدعوة الإسلامية في بداية أمرها تنتهج السرية في تبليغ رسالتها، لظروف استدعت تلك الحال، واستمر الأمر على ذلك ثلاث سنين، ثم كان لابد لهذه الدعوة من أن تعلن أمرها وتمضي في طريقها الذي جاءت من أجله، مهما لاقت من الصعاب والعنت والصد والمواجهة.
فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم -وقد بعثه رسولاً للناس أجمعين- أن يصدع بالحق، ولايخشى في الله لومة لائم فقال: { فَاصدع بِما تؤمر وأعرض عن المشركين } (الحجر:94) وأخبره أن يبدأ الجهر بدعوة أهله وعشيرته الأقربين، فقال مخاطباً له { وأنذر عشِيرَتَك الأقربين } (الشعراء:214) فدعا بني هاشم ومن معهم من بني المطلب، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما نزل قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: ( يا بني فهر يا بني عديٍّ - لبطون قريش - حتى اجتمعوا فجعل الذي لم يستطع أن يخرج يرسل رسولاً لينظر ما هو الخبر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصِّدقي؟ قالوا ما جربنَّا عليك كذباً، قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال له أبو لهب: تباً لك إلهذا جمعتنا ) متفق عليه .
فكانت هذه الصيحة العالية بلاغاً مبيناً، وإنذاراً صريحاً بالهدف الذي جاء من أجله، والغاية التي يحيا ويموت لها، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم ووضََّح لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو الرابط الوحيد بينه وبينهم، وأن عصبية القرابة التي ألِفوها ودافعوا عنها واستماتوا في سبيلها، لاقيمة لها في ميزان الحق، وأن الحق أحق أن يتبع، فها هو يقف مخاطباً قرابته -كما ثبت في الحديث المتفق عليه بقوله: ( يا عباس بن عبد المطلب يا عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت رسول الله سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا ً) .
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يبالي في سبيل دعوته بشئ، بل يجهر بالحق ويصدع به لا يلوي على أعراض من أعرض، ولا يلتفت إلى استهزاء من استهزأ، بل كانت وجهته إلى الله رب العالمين { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} (الأنعام:162) وكانت وسيلته الجهر بكلمة الحق { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف:108). وقد لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم جراء موقفه هذا شدة وبأساً من المشركين، الذين رأوا في دعوته خطراً يهدد ما هم عليه، فتكالبوا ضده لصده عن دعوته، وأعلنوا جهاراً الوقوف في مواجهته، آملين الإجهاز على الحق الذي جاء به { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف21).
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه يدعو إلى الله متلطفاً في عرض رسالة الإسلام، وكاشفاً النقاب عن مخازي الوثنية، ومسفهاً أحلام المشركين.فوفق الله تعالى ثلة من قرابته صلى الله عليه وسلم وقومه لقبول الحق والهدى الذي جاء به، وأعرض أكثرهم عن ذلك، ونصبوا له العداوة والبغضاء، فقريش قد بدأت من أول يوم في طريق المحاربة لله ولرسوله، متعصبة لما ألِفته من دين الآباء والأجداد، كما حكى الله تعالى عنهم على سبيل الذم والإنكار فقال: { إنا وجدنَا آباءَنا على أمة وإنا على آثَارهم مهتدون} (الزخرف:22).
وخاتمة القول : إن الجهر بالدعوة كان تنفيذاً لأمر الله تعالى، وقياماً بالواجب، وقد صدع النبي صلى الله عليه وسلم بالحق كما أراد الله، ولاقى مقابل هذا الإعلان ما قد علمنا من عداوة المشركين له وللمؤمنين من حوله، والتنكيل بهم، ولكن كان البيع الرابح مع الله تعالى، والعاقبة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به فملكوا الدنيا ودانت لهم، وهدى الله بهم الناس إلى الصراط المستقيم، وفي الدار الآخرة لهم الحسنى عند الله تعالى.
| |
|