مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: إن الابرار لفي نعيم الأربعاء أبريل 21, 2010 8:45 am | |
| إن الأبرار لفي نعيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فحديثي إليكم هو عن نعيم الأبرار، والأبرار هم القائمون بحقوق الله، وحقوق عباده، الملازمون للبر في أعمال القلوب، وأعمال الجوارح(1)، المنقادون لأوامر الله، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء قد أخبر الله في آيتين كريمتين في كتابه بأنهم في نعيم، نعيمٍ في القلب، والروح، والبدن، في دار الدنيا، وفي دار البرزخ، وفي دار القرار(2). ولكني لن أتحدث عن النعيم في دار البرزخ في القبر، حيث يُفسحُ للمؤمن في قبره مدُّ بصره، ويفتح له باب إلى الجنة، ولا عن النعيم في دار القرار، حيث الخلود في الجنان عند المليك الرحمن.
1- نعيم الدنيا ولكن حديثنا سيكون عن نعيم الأبرار في دار البوار، في هذه الدار الفانية؛ لأن بعض الناس قد يسمع ويرى ما يصيب كثيرًا من أهل الإيمان والإسلام في الدنيا من المصائب، وما هم فيه من الفقر، وما يحرمونه من متاع بعض الدنيا، مما يتلذذ به الكفار، أو الفجار، وما يصيب كثيرًا من الكفار والفجار في الدنيا من الرياسة والمال، وسعة الرزق، ولذة العيش، وغير ذلك؛ فيعتقد أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا لأهل الكفر والفجور، وأن المؤمنين ليس لهم في الدنيا ما يتنعمون به إلا قليل(3). وإذا كان كل حي إنما يعمل لما فيه تنعمه ولذته، فالتنعم هو المقصود الأول من كل قصد، فمن شأن الإنسان العاقل، الذي يحس ويتألم ويتلذذ، أن يطلب التنعم والتلذذ، وأن يتذوق طعم النعيم، وهل يمكن أن يبقى محرومًا في الدنيا من النعيم لأنه مسلم، أو مؤمن؟ هل يكتب على المتقين والمستقيمين أن يُحرموا من نعيم الدنيا؟! وأن يروا الناس من حولهم يتنعمون، وهم يتنغصون؟!! هل من المعقول أن تبقى حياة المؤمن في الدنيا بلا نعيم، وبلا لذة؟!! كيف يخبر الله في هذه الآية بأن الأبرار في نعيم، ويؤكد هذا الخبر بـ(إن)، وبـ(اللام) في (لفي)، ثم يكون الواقع بخلاف ذلك؟!! ألا يوجد نعيم في الدنيا يتنعم به المؤمن، قبل نعيم الآخرة؟!! هل كان يوسف عليه السلام في نعيم حين آثر السجن على موافقة أهواء النسوة؟ كيف لو أنه سايرهن، وعاش في أحضانهن؟ ألم يكن سيشعر بالنعيم؟ وهل سينال تلك العاقبةَ الحميدة؟ هل كان بلال وعمار، وأمه سمية، وأبوه ياسر، وصهيب، وغيرُهم من ضعفاءِ المسلمين في نعيم، وهم يعذبون عذابًا لا يمكن تصوره، ولا يطاق تحمله؟ هل كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يعشن في نعيم، وقد كان يمر الشهر والشهران، ولا يوقد في بيوتهم نار؟ أيُّ نعيم كُنَّ فيه، حتى اختاروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدنيا وزينتِها حين قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)} [سورة الأحزاب 33/28-29]. وهل من انحرف عن الصراط، وغرِقَ في زينة الحياة، يعيش في نعيم؟ وإذا لم يكن متنعمًا، فما هو النعيم في الدنيا إذًا؟
2- ما هو النعيم؟! النعيم كلمة واحدة، لكنها تظم معاني كثيرة، فالنعيم هو الفرح والسرور، والدعة والمال، والمسرة والترفُّه، وحسن العيش والغذاء، والعطية أو الهدية الحسنة، وليونة الشيء(4). هذه معاني النعيم في لغة العرب، وقد تناولتْ كل مظاهر التنعم في الدنيا، ما كان منها في القلب، أو البدن. لكن النعيم يشترط له شرط مهم، حتى يكون نافعًا وحقيقيًا، وهو أن تكون نهايته سعيدةً ومثمرة، فلو عَرَضَ لك شخصٌ أنواعًا لذيذة من المطاعم والمشارب، وقال لك: كل ما شئت، ولكن ستكون نهايتُك الإصابةَ بمرضين خطيرين: ارتفاعِ الضغط، والسكر. فهل ستقدم على الأكل والشرب؟ يختار العقلاء أن يأكلوا ويشربوا قليلاً، ويعيشوا بسلام وصحة، على أن يأكلوا ويشربوا كثيرًا، ويمرضوا بأمراض خطيرة. ولو أن امرأة جميلة، تتصاغر أمام جمالها الورود والأزهار في الحديقة الغناء، ويذِل لها من حسن منظرها البدر، لم تتصنع في جمالها بالزينة المزيفة في عصرنا، لو أن هذه المرأة عرضت على رجل نفسها، لكنها قالت له: إني مصابة بمرض خطير، يصيب كل من يعاشرني؛ فهل سيقدم على مواقعتها، حتى وإن تنعم وتلذذ بمنظرها، ولَثْمِ ثغرها؟! ألا تشبه الدنيا هذه المرأةَ الجميلة، والطعامَ والشرابَ الفاخرين؟ ما هي نهاية الدنيا؟ وماذا يكون بعدها؟ أليس هذا سؤال يحتاج منا إلى التفكر؟ والجواب الذي نجد دليله، ونحس بموافقته للفطرة والعقل أن الدنيا دارُ ممر لا مقر، وأنها ظلٌ زائل، كما قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)} [سورة الحديد 57/20] وأن النعيم التام هو في الدين الحق، فأهل الدين الحق هم الذين لهم النعيم الكامل؛ لأنهم مع استمتاعهم بالدنيا وزينتها الظاهرة، فهم ينتقلون عنها إلى خيرٍ منها، حيث يكون مصيرُهم رضوانَ الله وجنته، وعفوَه ومغفرتَه، كما أخبر الله بذلك في كتابه في غير موضع، كقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)} [سورة الفاتحة 1/6-7]. وقوله عن المتقين المهتدين: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} [سورة البقرة 2/5]، وقوله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)}(5). لكن وقع الجهل والظلم في بني آدم؛ فعمدوا إلى الدين الفاسد، والدنيا الفاجرة طلبوا بهما النعيم، وفي الحقيقة فإنما فيهما ضدُّه. قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ (56)}. وقال تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)} [سورة الأنعام 6/44] وفي الحديث: ((إذا رأيت الله يُنعم على العبد مع إقامته على معصيته فإنما هو استدراج يستدرجه))(6).
| |
|
مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| |
مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: رد: إن الابرار لفي نعيم الأربعاء أبريل 21, 2010 8:52 am | |
| 6- مظاهر النعيم إذا كان النعيم الذي نتحدث عنه يتناول نعيم البدن، والقلب؛ فإن المؤمن في هذه الحياة يتمتع بكل أنواع النعيم الظاهرة والباطنة. 1- معرفةُ الله معرفةَ إقرار، وتصديق وإيمان، وانقطاع إليه، وأنس به، وطمأنينة بذكره، قال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له: وما هو؟ قال: معرفة الله عز وجل. وقيل لبعضهم: ألا تستوحش وحدك؟! فقال: كيف أستوحش، وهو يقول ((أنا جليس من ذكرني))!. وقيل لآخر: نراك وحدك؟ فقال: من يكن الله معه كيف يكون وحده؟ وقيل لآخر: أما معك مؤنسٌ؟! قال: بلى، قيل له: أين هو؟ قال: أمامي، ومعي، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، وفوقي.
إذا نحن أدلجنا وأنت أمَامَنا *** كفى لمطايانا بذكراك هاديً(14).
2- انشراح الصدر، يقول الله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (125)}. ويقول جل وعلا: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)} [سورة الزمر 39/22]. إن انشراح الصدر هو اتساعه وانفساحه، بسبب استنارته بنور الإيمان، وحياته بضوء اليقين، فتطمأن بذلك النفس، وتحب الخير، ويطاوعه البدن على فعله، متلذذًا به، غير مستثقل، ولا متكاسل، ولا متوان. أما من أضله الله؛ فهو ضيق الصدر، يحس بالحرج والعنت، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، ولا ينشرح لفعل بر. فهل يستوي من كان منشرح الصدر، قرير العين، يعرف بدايته ونهايته، مرتاح النفس، هادئ البال، إن أعطي شكر، وإن مُنِع صبر، ومن كان قاسي القلب، ضيق الصدر، لا يعرف إلا دنياه، ولا يبصر إلا نعيم بدنه، إن أُعطِي بطَرَ وكفَرَ، وإن مُنِع سخِط وضجِر؟ {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة الملك 67/22]. وبهذا الانشراح يحيى المؤمن حياة طيبة، يشكر ربه فيها عند السراء والنعماء، ويصبر عند البأساء والضراء، ويعمل الخير يرجو ثواب الله، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)} [سورة النحل 16/97].
3- موافقة الفطرة والعقل. الناس مفطورون على معرفة الحسن والقبيح، ومحبة الخير، وكراهية الشر، ومحبة الحق والبحث عنه، والأحكامُ الشرعية جاءت موافقة لذلك، وقد وضع الله في القلوب الميلَ إلى أحكامه وشرائعه، وإيثارَ الحق على الخلق، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30)}. فمن آمن بالله فقد أدرك الحقيقة على وجهها، وأبصر الحق الموافق للعقول، ومن أعرض عن الله، وتطلب الحقيقة عند البشر، لم يستقرَّ على رأي، وتناقض واضطرب، يقول الإمام مالك: أكلما جاءنا رجلٌ أجدلُ من رجل، تركنا له ما جاءنا عن محمدٍ عن جبريلَ عن اللهِ جلَّ وعلا؟!!! لكن قد يحال بين الإنسان وبين الشعور بذلك بسبب ما يراه من زينة الدنيا الظاهرة، لما في النفس من الميل إليها، كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} [سورة آل عمران 3/14]، فحوادث الدنيا حسية طبيعية، فأنت تراها وتحس بها، ولهذا تنجذب إليها، أما أمور الآخرة فإنها غيبية يقينية، تعتمد على الإيمان واليقين، فمن غلب إحساسُه بالمشهودات يقينَه بالغيبيات ركن إلى الدنيا، واطمأن بها ورضي. ولهذا قال تعالى بعد تلك الآية مباشرة: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} [سورة آل عمران 3/15] حتى صبيان المسلمين يشعرون بذلك، فقد حُكي أن رجلًا من اليهود يعلم صبيان المسلمين؛ فأراد أن يفسد عليهم دينهم، ويطعن في نبيهم صلى الله عليه وسلم، فقال: يزعم نبيكم أن المؤمنين في الجنة لا يتغوطون، ولا يبولون، وهل يتصور عاقل هذا الكلام؟ وكيف يمكن أن يعيش إنسان دون أن يُخرج فضلاته؟ فقال أحد الصبيان النبهاء: يا أستاذ! أين يذهب ما نأكل ونشرب في هذه الحياة؟ فقال اليهودي: بعضه يذهب في الغذاء، وبعضه يخرج غائطًا وبولاً. فقال الصبي: أوليس الذي قدَرَ(15) على صرف بعض الطعام إلى الغذاء في الحياة الدنيا بقادر على أن يصرفه كله إلى الغذاء في الجنة! فبهت اليهودي وسكت.
4- الشعور بالقوة، وذلك حين يعلم المسلم أن الله معه، يسدده ويقويه، ويؤيده وينصره، أوليس الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128)} [سورة النحل 16/128]، ولما رأى قوم موسى العدو من ورائهم والبحر من أمامهم قالوا: إنا لمدركون، فقال موسى عليه السلام بلسان الواثق بالله، المتقوي به، الموقن بالنصر والظفر: كلا، إن معي ربي سيهدين. إن القوة ليست بسلامة البدن من الأمراض، ولا بالقدرة على التغلب على الأشخاص، ولا بقوة السلاح، إنما القوة في القلب، ولهذا قال بَعْضُ السَّلَفِ: قُوَّةُ الْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ، وَضَعْفُهُ فِي جِسْمِه، وَقُوَّةُ الْمُنَافِقِ فِي جِسْمِهِ، وَضَعْفُهُ فِي قَلْبِهِ. 5- زينة الحياة الدنيا مباحة للمؤمن، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [سورة الأعراف 7/32]، فالله في هذه الآية ينكر على من تعنت وحرم ما أحل الله من الطيبات، من أنواع اللباس على اختلاف أصنافه، والطيبات من الرزق، من مأكل ومشرب بجميع أنواعه، فمن هذا الذي يُقدِمُ على تحريم ما أنعم الله به على العباد، ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسعه الله؟!! ثم إن هذه الإباحة خاصة بالمؤمنين، جعلها الله ليستعينوا بها على عبادته، فمن لم يؤمن بالله؛ فإن هذه الزينة ليست خالصة له، ولا مباحة، بل يعاقب عليها، وعلى التنعم بها، ويسأل عن النعيم يوم القيامة(16). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل ويلبس ما يتيسر له، لم يكن يرد موجودًا، ولا يتكلف مفقودًا، بل إنه يخبر أنه حبب له من الدنيا الطيب والنساء(17)، وكان يحب أنواعًا من المطاعم، وكانت ترفع له، وكان حسن الملبس، ناعم الملمس، طيب الرائحة، يداعب أهله، ويلاعبهم، وكان صلى الله عليه وسلم ينام على الفراش تارة، وعلى النطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة. وكذلك كان أصحابه؛ فيهم التاجر، صاحب المال، والنساء والولد، وفيهم الفقير، قليل ذات اليد. فهذا النعيم مما يشترك فيه البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وربما كان حظ الكافر منه أكثر من حظ المؤمن. | |
|
مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| |