استبرق مشرف
عدد المساهمات : 306 نقاط : 639 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 15/03/2010 العمر : 37
| موضوع: مواجهة الأخطا ر....بالفرض أم بالأقناع؟ الأربعاء مايو 11, 2011 8:28 pm | |
| مواجهة الأخطا ر....بالفرض أم بالأقناع؟ من المناسِب أنْ نعلم أنَّ المُفرَدَتين الوارِدَتَين في العنوان لكلٍّ مِنهما أُسلُوبَه الخاص به في مواجهة الآفات والأخطار المُحدقة بالمجتمع, حتى من الممكن أنْ نعتبرهما مُفردتين مُتَضَادَّتَين في الأسلوبِ والنَّتائج، يتباين في الأخذ بِهِمَا خلقٌ كثير.هذا فرض ! الفرض لغة هو “الإجبار والإلزام والتقدير”, بمعنى توضيحي هو توجيه الفرد توجيهًا إجباريًّا إلزاميًّا في أمرٍ من أمورِ الحياة, بدون استشارة مَن أُلْزِمَ وأُجْبِرَ في أغلب الأحيان, وعليه الانصياع لهذا الأمر, وغالبًا ما تكون المناقشة ممنوعة بعد صدور الأمر وإخراجه إلى حيّز التنفيذ.وهذا الأمر ينتشر في مجتمعاتنا وفي بيوتنا, ويسير على طريقته كثير من أصحاب الشأن والمسؤولية, سواء أكانوا أولياء أمور, أو تربويين, والإداريين والمسئولين في مختلف الأماكن وعلى جميع المستويات.علينا أنْ نُناقشَ الدَّوافع وراء هذه السياسة, فإنَّه غالبًا ما يلجأ أفراد المجتمع إلى هذا المبدأ لأنَّه:
لا يحتاج إلى جهدٍ كبير, فهو ليس إلا أمر يصدر, ثم يُنَفَّذ بكلِّ بساطة, أي لا يحتاج غالبًا إلى أنْ يتفهّم المجتمع وأفراده هذا الأمر أو يناقشوه, معتقدين صحّته وفاعليّته. فيه يشعر بعض أصحاب السّلطة والنّفوذ, ممن يُصدرون الأوامر بقوَّةٍ ولذَّة عندما يرى أمرًا أصدره يدخل حيَّز التَّنفيذ ويرى في نفسِهِ وصيًّا على هذا المجتمع وأفراده, ومن هنا وتحديدًا من هذه النقطة دعونا نناقش صحة الأسلوب وسلامة النتائج لهذه السياسة.
فمن الواضح أنَّ سياسة الفرض بأسلوبها تُشعر المجتمع وأفراده بالوصاية, وأنَّه ليس مجتمعًا فاعلاً قادرًا على صُنع حياته الكريمة بذاته, بل يحتاج في ذلك إلى من يُملي عليه ما يجب فعله (الوصي), وفي هذا:
إسفاف بالغ بالعقل البشري. تهميش واضح لفكر الآخر ورؤيته الخاصَّة في الأمور. يُفقد المجتمع ثقته بنفسه وبقُدراته, ويجعل أفراده بلا فِكر ولا رُؤية. فيه تجاهل لنعمةٍ عظيمة منحنا الباري إيَّاها وهي نعمة العقل, وإن كنَّا جميعًا تحت مظلة السعي للأفضل والأكمل من وجهة نظر كل واحد منا, لكن تختلف الطرق والسبل إلى ذلك من فردٍ لآخر.
ومن المهم أنْ نُناقش سياسة الفرض من حيث قُدرتها على مواجهة الجديد الطَّارئ على المجتمع, والذي يعتقد البعض من أنَّ هذا الجديد قد يكون ضارًا بالمجتمع وبأفراده, وغالبًا ما تُستخدم سياسة الفرض في هذا الموضع وفي هذه الحالة, اعتقادًا من مستخدميها أنَّها تكفّ الشرّ بأقلّ الوسائل كلفة, ولكنّهم لو نظروا نظرة أبعد من ذلك لوجدوا أنَّ هذه السِّياسة تفتح للشرِّ أبوابًا في المستقبل, ولا يدركون أنَّ: “(سياسة الفرض) يشوبها ضعفٌ كبيرٌ في مواجهة الجديد وإنْ كان ضارًّا من وجهة نظر بعض الأفراد, فهي غير قادرة على مقاومته بفاعلية, ولا تلبث أن تنكسر أمامه وتستسلم أمام حيويته وانبهار المجتمع به, فبالرغم من أنَّ البعض أكثر من استعمالها, إلا أنها أثبتت أنها سياسة هزيلة, ولا يمكن أن تصنع حصانة للمجتمع ضد ما يعتقد أنَّه ضار”.
وليست قصة التلفزيون وغيرها ببعيدة عنا, وكيف أنه تم التعامل معها في بعض المجتمعات بمبدأ المنع بالفرض, وكيف أنَّ هذه المستجدات اخترقت سياسة الفرض لتصل إلى كل بيت, فلربَّما تجد بنايات متواضعة جدًا في أحياءٍ فقيرة, لكنك تشاهد بوضوح ذاك الصحن الدائري يعلو سطحها معلنا بلادة مبدأ الفرض, وعدم قدرته على استيعاب مستجدَّات العصر ووسائله الحديثة وقيمه الجديدة. والأب – مثلاً – الذي يفرض على ابنه عاداتٍ معيَّنَة, ويُلزمه بها, دون إقناع, سيجد نفسه مضّطرًّا في المستقبل أن يرى ابنه قد تمرَّد على هذه الأوامر الإجباريَّة السَّابقة, ليس بالضرورة لعقوق في الابن, ولكن لأنَّ القيمة التي أراد الأب أن يغرسها في ابنه لم تتغلغل في قلبه وعقله وبالتالي لم يتبنَّاهَا ولم يتشكَّل فِكْرَهُ على أساسها, وبالتالي لن تخرج إلى حيّز التنفيذ لأنَّها لم تستقر في العقل والفؤاد, وعندها لن يستطيع الأب أنْ يُبعده عن تلك العادة التي قد تكون سيئة من وجهة نظره والتي أخطأ في علاجها من عمر مبكَّرة مع ابنه بسياسة الفرض.
دعني أقنعك وهذا يقودنا إلى البحث عن بدائل مُجديَة حكيمة في التعامل مع العصر ومستجدَّاته في جميع المجالات, ويقودنا ذلك إلى ثقافة أكثر قوَّة وصُمُودًا وتَمكُّنًا من مواجهة ضرر الجديد, إنَّها “ثقافة الإقناع”, ويمكن مناقشة هذه الثقافة من عدة جوانب: فالإقناع لغة بتعريفه الأشهر هو: “الإقبال على الشيء, وأقنعه بالشيء إذا أرضاه به”, وهذا هو المعنى الذي يفيدنا هنا.
ويمكن القول أنَّ ثقافة الإقناع لها فوائد جَمَّة, منها:
يمكننا من خلالها أن نُكسِب الفرد والمجتمع مناعة ذاتيَّة ضدّ كلّ ما يحدق به من مخاطر, ونجعله يُقبل على ما هو حسن إقبالا ذاتيًّا بمحض فكره وإرادته, وبهذه الثقافة الحكيمة نستطيع أن نكون أكثر اطمئنانًا على المجتمع مما يواجهه من ضرر وأخطار. عندما توجد هذه الثقافة في المجتمع يكون الأفراد قد اكتسبوها وتشربوها بخلاف سياسة الفرض التي يجبر عليها المجتمع وأفراده إجبارًا, ولا يخفى على كل ذي لبّ أنَّ ما ينتج عن اقتناع يكون أثبت في النفس, ويجعل الفرد قويًّا فيما يعتقد, متميِّزًا في فكره, قادرًا على مجابهة كل ما يمكن أنْ يُشكّل خطرًا على نفسه وعلى القِيَم العادلة لمجتمعه.
ومضمون ثقافة الإقناع متواجد بقوّة في الحياة وفي تاريخ الإسلام العظيم, متمثّل في كثيرٍ من الشَّواهد, ومن أبلغها:
قصَّة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلم مع الشاب الذي أتاه طالبًا أن يأذن له بالزنا, فتعامل معه بأسلوب الإقناع, فكان قدوة في ذلك, ونجد أيضًا في نهاية القصة كيف انتهى هذا الشاب عن فعله المشين, واقتنع بما أورده له نبينا مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلم, ويمكننا بذلك أنْ نقولَ أنَّ ثقافة الإقناع هي منهج نبوي جليل, حريٌّ بنا الأخذ به والسير على هُداه, فقد كان بمقدور النبي صلَّى الله عليه وسلم – وهو قائد الدولة – أن يفرض على هذا الشاب عدم الاقتراب من فاحشة الزنا المشينة, ولكنَّه بعظمته أبى إلا أنْ يُجسّد لأمته منهجًا رائعًا في التعامل مع الحياة ومستجدَّات العصر. في قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم – عليه السلام – “لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي” في سورة البقرة, معنى من معاني الإقناع الظاهريَّة وأحد أشكاله, وهو اطمئنان النفس للأمرِ والرِّضا به حيث كانت النفس الحرّة لسيدنا إبراهيم – عليه السلام – تُؤمن بما تقتنع به بالمشاهدة لما يمكن للبشر أن يشاهده, وكيف استجاب ربنا سبحانه وتعالى لطلب سيدنا إبراهيم عليه السلام في قصة عظيمة دلت على أهمية الإقناع والاقتناع في الإيمان بالأفكار والرؤى. بالعودة إلى مثال الأب مع ابنه, نجد أنَّ القُرآن العظيم طَرَحَ لنا نموذجًا رائعًا في التعامل مع الأبناء وتربيتهم من خلال قصَّة سيدنا لقمان عليه السلام مع ابنه, وكيف أنَّ سيدنا لقمان كان لا يَأمُر ابنه بمعروفٍ ولا ينهاه عن مُنكرٍ إلا ويُتبع ذلك بسببٍ شرعي وعقلي وجيه, يدفع ذلك الابن للاقتناع بالرَّأي والنَّصيحة, وكيف أنًّ لُقمان – عليه السلام – جسَّدَ ثقافة الإقناع في حوارِه الرَّائِع مع ابنه, في نموذج تربوي قرآني رائع.
وهناك علاقة وثيقة جدا بين الإقناع والتأثير في الناس, فقد ورد ذلك في مبحث الدكتور إبراهيم بن صالح الحميدان, بعنوان (الإقناع والتأثير), وفيه عرّف الإقناع تعريفًا جميلاً مبسَّطًا قال فيه: “فعلٌ متعدِّد الأشكال, يسعى لإحداث تأثير أو تغيير معيّن في الفرد أو الجماعة”, وقد سَرَدَ الدكتور في هذا البحث دراسة جديرة بالقراءة فيما يتعلق بأهمية الإقناع في حياة البشر وفي دعوتهم, وكيف تكون أدلة الإقناع للتأثير في الناس، وعمومًا فكلما كان الكلام والحديث مقنعًا, كلما كان ذلك أدعى إلى أن يتأثَّر الفُؤاد والعقل به تأثُّرًا إيجابيًّا. “إنَّ ثقافة الإقناع والاقتناع هي التي تبقى وتدوم, وتكسب الفرد والمجتمع حصانة ذاتيَّة, وتُحيي الفِكر فيهم, وتُعمِل عقولهم ولا تتجاهلها, وتجعل المجتمع قويًّا ناضجًا في مواجهة ما يدور حوله, فهي تُكسب الفرد ثِقَته بنفسه وتجعله صاحب قرار ومؤثّر وتبعد عنه صفة التبعيَّة المقيتة, وتنتشله من غياهب مبدأ الوصاية للإنسان المكلّف”.
يا أولي الألباب وهنا من المهم أنْ نقول أنَّه قد يكون غرس ثقافة الإقناع أو (المناعة بالقناعة) في المجتمع عملاً يحتاج منَّا إلى جهدٍ كبير, ومجاهدة عظيمة, وتثقيف جيد للمجتمع، لكن فوائد هذه الثقافة وثمارها الطيبة وبقاءها الأكيد مع مرور الزمن، تستوجب منَّا العمل الجاد في العمل عليها وجعلها استراتيجية جديدة في التعامل كبديل جاد عن سياسة الفرض التي ربّما تكون سهلة, لكنَّها لا تلبث إلا أنْ تنهار بسهولة أمام مستجدات العصر ووسائله. نحنُ لا نَدعو لفتحِ الباب أمام الجديد أيًّا كان, بقدر ما نَدعو إلى التَّعامُل الحكيم مع الجديد, بحيث لا نندم بعد ذلك ونفاجأ بأنَّ الجديدَ قد اخترق أوامر المَنع, ولم نكن قد أكسبنا مجتمعنا مناعة ضدّه – إن كان ضارًّا. فالجديد (الضار) كالفيروس الممرض لا يمكننا أن نوقفه أو نمنعه من الوصول إلينا, لكن يمكننا وباقتدار أن نكسب أنفسنا مناعة ضدّه حتى إذا وصل إلينا وجد نفسه عاجزًا عن إصابتنا بضررٍ ما. ومن هنا ندعو علماءنا الأفاضل والدعاة الأكارم والمثقَّفين النَّاضجين والمفكِّرين المحترمين أنْ يسيروا قُدُمًا في التَّرويج والعمل على هذه الثقافة المُجدية ليُكسِبوا مجتمعنا منعة وقوة, فثقافة الإقناع لا يقتصر العمل فيها على جهةٍ واحدة, بل تحتاج إلى تكاتف الجميع في خدمة هذا الهدف النبيل. فالنهضة الرشيدة لا تكون إلا بمجتمعٍ راشدٍ قوي, ينهضُ بنفسِهِ ويُعمِل عقله وَيَرْقَى بِفِكْرِه م ن ق و ل | |
|
أم عبد الرحمن عضو ملكي
عدد المساهمات : 1760 نقاط : 2851 السٌّمعَة : 9 تاريخ التسجيل : 28/08/2010
| موضوع: رد: مواجهة الأخطا ر....بالفرض أم بالأقناع؟ الأربعاء مايو 11, 2011 8:53 pm | |
| كم انت رائعة في اختياراتك اختي استبرق
كلمات ثقيلة في ميزان العقل
كلمات في اشد الحاجة الي تطبيقها
حتي نصل الي ما نربو اليه من تغيير
حتي يكون تواصلنا مثمر لابد من الاقناع والاقتناع
ومن يملك الحجة عليه اظهار الدليل
فاجمل الاشياء ما نؤديه عن اقتناع لا عن فرض واجبار | |
|
جلال العسيلى مشرف عام
عدد المساهمات : 5415 نقاط : 7643 السٌّمعَة : 13 تاريخ التسجيل : 16/05/2010 العمر : 62
| موضوع: رد: مواجهة الأخطا ر....بالفرض أم بالأقناع؟ الخميس مايو 12, 2011 6:04 am | |
| بارك الله فيك على موضوعك القيم وجزاك الله خيرا | |
|