كيف تحاور؟
المحاور الناجح هو الذي يجيد استخدام أساليب الحوار الجيدة ومن هذه الأساليب:
1. التزام القول الحسن، وتجنُّب منهج التحدي والإفحام:
إن من أهم ما يتوجه إليه المحاور في حواره، التزام الحسنى في القول والمجادلة، وتجنُّب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث، وتعمُّد إيقاع الخصم في الإحراج. فإن كسب القلوب مقدَّمٌ على كسب المواقف، وقد تفحم الخصم ولكنك لا تقنعه، وقد تسكته بحجة ولكنك لا تكسب تسليمه وإذعانه.
2. استعد بشكلٍ جيد حتى لا تكون ــ وأنت تحاور ــ كحاطب ليل أو كضالٍ في صحراء، لذلك يجب على المحاور أن يُعد مادته إعداداً جيداً، وأن يحضِّر لها تحضيراً شاملاً، حتى لا يظهر بمظهر الضعيف، ولا يكون كلامه لا قيمة له.
3. لاتبقَ على طرازٍ واحدٍ، فالبعض لا يراعي مستوى من يخاطبهم، ويتعامل مع جميع الناس على أنهم طراز واحد، فيكون كلامه غير مقنع، وردوده غير مجدية، وربما تكون غير مفهومة، فتزيد الطين بلة، وتفسد أكثر مما تصلح، لذلك روي عن علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: ((خاطبوا الناس على قدر عقولهم، أتحبون أن يُكذب الله ورسوله)).
4. وعليك أن تدرك أن الناس تستخدم أساليب مختلفة من (لغة الحواس) فمنهم من يستوعب بعينه، أو بإذنه، أو بمشاعره، فلو استخدم الطرف الآخر ألفاظاً خاصة بالرؤية مثل (( أترى ماذا أقول)) أو (( لننظر معاً إلى هذه النقطة ))، فحاول أن تتجاوب معهم باستخدام عبارات متشابهة، مثل((إني أرى وجهة نظرك )) أو (( أستطيع أن أتصور ما تحاول أن تقوله ))، ولو أنهم يعتمدون أكثر على ألفاظ سمعية، مثل: (( أصغ إلي)) فعليك أن ترد قائلاً: (( أنا أسمعك ))، وإن كانت لغتهم تركز على المشاعر مثل: (( لا أشعر أنَّ ذلك أمر سليم )) فباستطاعتك أن ترد بالقول: (( أنا أيضاً لا أشعر بالراحة لذلك ))، فأفضل طريقة للوصول إلى الآخرين هي أن تستخدم اللغة التي يجيدون فهمها، وأن تتعرف عليهم وعلى طبيعتهم وعلى خصائصهم وعلى أحوالهم.
5. كن ربَّاناً ماهراً: ((الحوار يموج ويضطرب، وأشدُّ من موج البحر في يومٍ عاصف، فإن لم يكن المتحاوران أو أحدهما ربَّاناً ماهراً يمنع الاستطراد والاستئثار بالحديث، غرقَتْ سفينةُ الحوار في بحر النقاش العقيم. إن المحاور الذكي هو الذي يتجنَّب الاستطراد والاستئثار بالحديث من أجل الوصول إلى نتيجة من حواره دون تضييعٍ لوقته ووقت غيره)).
6. عليك بالعقل والمنطق: من الأساليب المهمة للحوار أسلوب العقل والمنطق كما بينتها لنا السنة النبوية، وسار عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم جميعاً.
7. اجعل الأفعال دائماً أقوى من الكلمات: إن التعبير الجسمي الصحيح يضع النقاط فوق الحروف للكثير مما تقدم من الطرف الآخر، حيث نقاط التأكيد.. ونقاط عدم الاهتمام.. ونقاط التأثير في الدوافع.. فأنت تصنع بصوتك وتعبيراتك فواصل، ونقاطاً وعلامات تعجب... وتؤِّثر في الطرف الآخر مستخدماً يديك، ومستخدماً تعبيرات الجسم. . ويعتقد الكثيرون أن التعبير هو الصياغة الطبيعية لدرجة حماسك في مواجهة الطرف الآخر، إذ إن تعبيرات الجسم وحركاته هي التي توضح درجة اهتمامك به، وكلما ظهرت علامات الخوف والتردد على وجهك فأنت في الطريق إلى عدم تمكُّنك من إقناع الطرف الآخر.
8. احملْ رايةَ الرفق والحنان: جاملِ الناسَ تكسب ود الجميع، وهذا الأسلوب غاية في تهيئة النفوس لتلقي العلم وحسن الانتفاع بالمناظرة.. يوضح (( دايل كارنيجي )) ذلك في أسلوب تصويري جميل فيقول: (( إن قطرة عسل تجذب ذباباً من جالون علقم.. والأمر كذلك بالنسبة للناس.. فإن أردت أن تجذب الشخص الآخر إلى وجهة نظرك.. أقنعه أولاً أنك صديقه المخلص.. وسيكون بعد ذلك قطرة العسل التي تجذب قلبه وبالتالي تفكيره)).
9. استخدم الوسائل التعليمية والأساليب الحسَّية، يقول المثل العربي: (( ليس من سمع كمن رأى))، ويقول المثل الياباني(( الرؤيةُ خيرٌ مئة مرة من الاستماع ))وقد أثبتت الدراسات الحديثة التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية ــ وبطريقة علمية ــ جدوى وضرورة استخدام الوسائل من خلال بيانها أن الإنسان يمكن أن يتذكر:
10% مما قرأه، 20% مما سمعه، 30% مما شاهده، 50% مما شاهده وسمعه في نفس الوقت، 70% مما رواه أو قاله، 90% مما رواه أثناء أدائه لعمل معين.
10. ابدأ بنقاط الاتفاق: عند البدء في الحوار تجنب عرض نقاط الاختلاف، لأنه يوقف الحوار من أوله. يقول دايل كارنيجي: (( اجعل الطرف الآخر يوافقك الرأي، وحاول أن تثنيه عن التفوُّه بكلمة: (لا) ))، فما أحرى بنا أن نهمل خلافنا، ونهمله شيئاً من الوقت حتى لا نقع في شرك كلمة ( لا )، ومن ثم أين المخرج ؟ .. يقول أوفر ستريت في كتابه: ( التأثير في الطبيعة الإنسانية ): (( إن كلمة (لا) عقبة كؤود يصعب التغلُّب عليها، فمتى قال أحد (لا) أوجبت عليه كبرياؤه أن يظل مناصراً بنفسه أن قول (لا) أكثر من مجرد التفوُّه بكلمة مكونة من حرفين، إن كيانه جميعاً بغدده وأعصابه وعضلاته يتحفز ليناصره باتجاه الرفض ))، لذا فلتبدأ عند الحوار بالنقاط المتفق عليها.
استراتيجيات الحوار الخاصة :
هناك استراتيجيات ذكية يستحسن للمحاور اصطحابها والعناية بها والتزامها أثناء الحوار؛ لكي يكون محاوراً ناجحاً ومتميزاً وهي :
1) التعبير عن شعورك بـ (أنا) و ليس بـ (أنت)، في أثناء تعبيرك عن رأيك فإن احتمال استفزاز الطرف الآخر سيصبح أقل لو أنك تحدثت عن نفسك أنت بدلاً عن الحديث عنه هو.
2) أعد صياغة (أنا) و(أنت) لتصبح (نحن)، فكلمة (نحن) تخلق وضعاً جديداً من التكاتف بين الطرفين بتوجيه اهتمامهما معاً للمصالح والأهداف المشتركة.
3) اجعل الطرف الآخر يظن أن الفكرة فكرته.
4) التشبث بشعرة معاوية: ونعني بذلك المرونة و الحكمة، ويقصد بهذه العبارة أن يتعامل الإنسان مع الآخرين بشيء من المرونة والحكمة بحيث يشد تارة ويرخي تارة أخرى.
5) إقفال المناقشة: وهو أصعب جزء في الحوار و أكثره احتياجاً للمهارة، فعندما يكون النقاش مع آخرين تضييعاً للوقت و تبديداً للجهد، عند ذلك يفضل إقفال المناقشة بطريقة لبقة وذكية، تُشعِر الآخرين أنه لم ينسحب عجزاً أو يترك المناقشة هزيمة.
6) القدوة: كن قدوة حسنة فيما تدعو إليه من أفكار وآراء حتى تكون ذا تأثير على الآخرين.
7) النهاية المؤثرة: لَخِّص عناصر موضوعك، والدعوة إلى عمل شيء ما مع إحياء المشاعر القلبية، و تقديم الشكر للمستمعين، و من الروعة أن تترك المستمعين ضاحكين، و ذلك بعد اختيار اللحظة المناسبة.
تحيَّن الظرف المناسب: يحسن بالمتحاور أن يلقي نظرة فيما حوله قبل أي حوار، ثم يحدد تلاؤم الحال للحوار، فإن وجده ملائماً استعان بالله وبدأ، وإلا سكت وتريث.
9) راقب نفسك وقيَّمها؛ هل أنت مستمع جيد وهل صوتك مناسب؟ وهل أنت ملتزم بما سبق أن هيأته من أفكار؟ هل أدَّبت نفسك بآداب الحوار؟ كذلك على المحاور الحكيم أن يراقب نفسه بنفس الدرجة من اليقظة والانتباه التي يراقب بها الآخرين.
10) عوّد نفسك على الابتسامة واجعلها لا تفارق ثغرك أثناء حوارك مع الآخرين، وكم يسّر الجلساء حين يرون محاورهم لا تفارقه الابتسامة، وهذا الأدب هو أدب نبينا ــ صلى الله عليه وسلم ــ في محادثته لأصحابه وفي ملاحظته لجلسائه، وقد روى الإمام أحمد عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: كان أبو الدرداء إذا حدَّث حديثاً تبسَّم، فقلت: لا، يقول الناس: إنك أحمق!! أي بسبب تبسمك في كلامك، فقال أبو الدرداء: ما رأيت أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حديثاً إلا تبسم، فكان أبو الدرداء إذا حدث حديثاً تبسم اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
11) التركيز على الرأي لا على صاحبه. فيركز المحاور على الرأي والمخالفة بغض النظر عن صاحبهما، فإذا كان الحوار مشافهة فينفي التجريح إلا لضرورة ملحة، وإن كان الحوار غير مشافهة فينفي التجريح والتعيين إلا للضرورة نافياً.