الولايات العربية المتحدة: حتمية التحقيق الآن..
د. مسعود إغبارية
الآن
وبعد نجاح الثورة العربية في مصر وتونس في خلع الأنظمة الفاسدة واحتمال
كبير لنجاحها في مناطق أخرى في العالم العربي، مثل ليبيا واليمن، نستطيع
القول إننا نشهد وضع اللبنة الأولى لبناء دولة "الولايات العربية المتحدة".
الاستعداد لبذل هذه الجهود اليوم أكبر من أي وقت كان في تاريخ العرب
المعاصر واحتمال النجاح ليس قليلاً. عند سماعنا "فإذا الحلم حقيقة" نتذكر
هذه المسيرة، ونحن لسنا وحدنا. التغيير حتمية ونشاهد اليوم تغييرات إيجابية
كبيرة في نفوسنا جميعا وهو شرط أساسي للتغيير العام الذي نصبو إليه. لذا،
الأمر ليس معقدا إن حسنت النوايا وفجرت الطاقات. مع هذا، التحدي كبير
وصعوبات المخاض متوقعة، وأبرز عوائق قيام الولايات العربية المتحدة هو
استمرار تربع هؤلاء الحكام الفاسدين العرب على كراسي الحكم وبناء طبقة
زبائنية من حولهم حتى بعد أن سقط قسم منهم، وآخرون بانتظار الخلع
والاندثار. ونحن هنا نميز بين حكام أو أنظمة مرتبطة بتحالفات مع الولايات
المتحدة وإسرائيل وبين أنظمة وطنية ممانعة لعبت دورا مهما في فرملة مشاريع
الهيمنة الامبريالية على المنطقة بعد دعم المقاومة، ولكن جميع الأنظمة يجب
أن تخضع للتغيير الجذري.
تجربة إقامة دول مكونة من اتحاد ولايات ليست فريدة وقد مرت بها شعوب
أكثر اختلافا وتنوعا فيما بينها في الكثير من المواصفات من الأمة العربية
وأحرزت تقدما باهرا، كان من أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية المكونة من
50 ولاية وسلطة محلية واحدة، والهند المكونة من 28 ولاية وسبعة اتحادات
اقليمية ودستورها لا ينص على لغة رسمية للدولة وإنما تستطيع كل ولاية تحديد
هذا الامر على انفراد، والصين المكونة من 23 ولاية (من بينها تايوان) وخمس
مقاطعات ذات استقلال ذاتي وأربع بلديات من بينها بكين وشنغهاي ويصل عدد
اللغات فيها حوالي 300 لغة، والبرازيل المكونة من 26 ولاية، وما نواكبه
اليوم في أوروبا حيت تسير دول الاتحاد الأوروبي نحو ولايات لدولة الاتحاد
الأوروبي. لم يكن لتلك الدول أن تصبح دولا عظمى أو تسير بهذا الركب لولا
اتحاد ولايات تجمعها، تتكامل فيما بينها في إطار دستوري واضح وشفاف يعتمد
المواطنة والمساواة المدنية أساسا هاما، به يزيد الانتماء للوطن الذي يشكل
نقطة انطلاق نحو الإبداع الخاص والجماعي.
حين نطالب بتغيير تسمية "الدول العربية" إلى "الولايات العربية" من
اليوم فصاعدا نضع أقدامنا ونحقق ولو في نفوسنا، خطوة أولى في الطريق الصحيح
نحو إقامة "الولايات العربية المتحدة،" حيث نبدأ بالابتعاد عن واقع عربي
كان وما زال في أغلبه بائسا ومشرذماً حيث هناك دول تحكمت وما زالت تتحكم في
أغلبها أنظمة فاسدة، وكان وما يزال اتحادها في إطار جامعة الدول العربية
هزيلا بل معيبا يزيد الواقع مرارة لأنه نتاج وتحقيق لأهداف قوى استعمارية
وأعوانها في تفرقة وهدر طاقات العرب من الخليج للمحيط لتبقى الأمة تحتل
أدنى الدرجات على سلم التنمية والتطور في العالم.
مع التغييرات المباركة التي نعيشها هذه الايام في العالم العربي حيث
"قطار التغيير" يسير بسرعة وبيقين، لا نجد مخاطر كبيرة في تغيير هذه
"الدول" بل أصبح التغيير أمرا حتميا. فهي لم تكتمل بعد التعريف المتعارف
عليه للدول والتي تضم كل من الشعب والجغرافية والحكومة والسيادة والاعتراف،
لأنها تتجاهل وجود الشعب وهو ليس مغيبا فحسب، وإنما لا تقوم بتقديم
الخدمات الأساسية المتوقع من كل دولة عادية غير فاشلة القيام بها ( الدول
الفاشلة مصطلح أتى به كثيرون من بينهم الكاتب الأمريكي المعروف نوعام
تشومسكي في كتابه "الدولة الفاشلة).
من بين هذه الدول التي نتحدث عنها دولة الإمارات العربية المتحدة حيث
بلغ عدد السكان فيها عام 2010 حوالي 8.26 مليون شخص، بينما بلغ عدد
المواطنين فيها 948 ألفا حوالي 11.5% من عدد الساكنين في الإمارات. يسكن في
أمارة ابو ظبي وحدها حوالي 42% من الإجمالي الكلي. وقد زاد عدد القادمين
الجدد غير المجنسين في عامي 2006 وعام 2007 حوالي 3 مليون شخص جديد.
حدد على سبيل المثال تقرير التنمية الإنسانية لعام 2009 حول الوطن العربي
أن الإصلاح أمر ضروري في المنطقة العربية بسبب وجود نواقص ... وأشار
التقرير إلى "انعدام أمن الإنسان في البلدان العربية وهو ما أدى إلى عرقلة
مسيرة التقدم فيها... وأن الدولة في العالم العربي تشكل مصدرا يهدد أمن
الانسان بدلا من أن يكون سندا له..." مع هذا نشر في آذار 2011 أن حجم
استثمارات الأنظمة العربية على التسلح خلال النصف قرن الماضي وصل 700 مليار
دولار. فأين هذه الأسلحة وما هي الدوافع التي أدت إلى مثل هذه
الاستثمارات؟ وهل لم يكن استثمارها في التنمية البشرية وبناء البنيات
التحية خير بكثير؟
كما نحب الخير لغيرنا نحبه لأنفسنا أيضا. في الوقت الذي نطالب شعب مصر
وشعب تونس العظيمين اعتبار مصر وتونس ولايات، والعمل على جمع ليبيا معهما،
وإن استمرت نظم الدولة في كل منها حالياً بشرط أن لا تعمل على منع إنشاء
اتحاد ولايات بينها لتصبح دولة موحدة مكونة من ثلاثة ولايات وقد تنضم اليها
في القريب اليمن وهي مؤهلة لمثل هذا، فإننا نطالب ومن الأساس بإقامة ولاية
فلسطينية وليس دولة فلسطينية وإن أخذت في بدايتها، لاعتبارات بروتوكولية،
شكل دولة مستقلة كباقي الدول لتكون جسراُ ذهبيا ومحطة الترانزيت الأساسية
بين غرب دولة الولايات العربية المتحدة وشرقها. بدأت امريكا دولتها بإتحاد
اولي ل 13 ولاية ليصل عددها لاحقا إلى 50 ولاية.
بعد تفكير عميق ثم تحديد الهدف وهو إقامة الولايات العربية المتحدة
ليكون هدفا أساسيا يضعه كل عربي يعيش في هذا العالم لتحقيقه مهما تطلب
الأمر من جهود، لا بد من وضع خطط عملية.
اقترح أن نحدد ما يلي:
1)
الإيمان بحتمية إلغاء الحدود القائمة التي رسمها الاستعمار وأعوانه لأنها
تشكل عقبة كبيرة أمام إقامة الولايات العربية المتحدة. فما الفائدة من وجود
حدود مانعة بين مصر وليبيا وبين ليبيا وتونس حين نعرف أن ارتباط هذه الدول
الثلاث يشكل عاملا هاما في حتمية تطورها جميعا مهما كانت العوامل التي
نأخذها بعين الاعتبار
2) الشروع في بناء بنية سليمة لنظام تعليمي يرتكز على مناهج ومؤسسات
تعليمية على كافة المستويات تساعد على اللحاق والإمساك بحبال التقدم العلمي
الذي هو أحد اسس التقدم الراسخ.
3) إنشاء وبناء بنية اقتصادية شاملة شفافة بعيدة عن الفساد والتبذير عابرة للحدود المصطنعة الحالية تبدأ ب:
أ) استرجاع الأموال الطائلة التي تم تهريبها من قبل حكام العرب الفاسدين
واستثمارها في البنية التحتية للولايات العربية المتحدة بدون تمييز اللهم
إن كان الأمر يعجل في تحقيق إقامة الاتحاد العام للولايات. وملقاة على
الولايات التي تمت سيطرة الشعوب عليها وبالتحديد مصر وتونس عبء البدء في
هذه المسيرة الضرورية. الشرعية أصبحت بيد الشعب وأصبحنا بكل فخر نتحدث عن
"الشعب يريد..." وله الاعتبار الاول في حسم مستقبل الأمة العربية.
ب) ننطلق من أننا كعرب نمتلك ثروات وطاقات هائلة من بينها مساحات واسعة
وطاقة البترول والغاز والشمس وثروات طبيعية كثيرة ومياه وفيرة، وإن شحت في
مناطق متعددة.
ج) نعتمد على العوامل الذاتية بالأساس لكن يجب الا نتردد
في خلق شراكات مع العالم من منطلق الندية بمعنى نأخذ ما نريد ونعطى ما نملك
بدون منة من أحد وبدون عقبات، وحين نثق أن الاستفادة صادقة في مساهمتها
نحو تحقيق الهدف. على سبيل المثال، التشابك التركي العربي الإيراني في
المنطقة الذي يتحدث عنه كثيرا المفكر العربي أنيس النقاش أمر هام يساهم
بزيادة إمكانية نجاح مشروع الولايات العربية المتحدة، ويصبح المشروع
بالنسبة لإيران وتركيا مشروع خير به وجب تنافس المتنافسين، ويمنح كل منها
حماية بل وقاية من الاعتداءات الخارجية المتربصة.
د) العمل على مد طرق سريعة وشبكات سكك حديدية توصل بين مختلف الولايات
العربية ليتم التواصل والتنسيق ونقل السلع والمواد الخام بتكاليف قليلة،
وتسهل العمل المشترك في هذا السياق.
هـ) تطوير شبكات الاتصال الفضائية
لتغطي الوطن العربي الكبير وإن كانت صعوبات فنية فيمكن تغطية ولايات على
انفراد مع ضمان التواصل السهل فيما بينها مثل ولايات شمال وشرق شمال
أفريقيا أو ولايات الجزيرة العربية أو ولايات الشام والعراق على سبيل
المثال والعمل على تخفيض أسعار وسائل الاتصالات والحواسيب كي تكون متاحة
لكل المواطنين. في نفس الوقت علينا الاهتمام والمحافظة وتطوير اتساع شبكات
التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفيسبوك وشبكات التلفزة الموضوعية وعلى
رأسها الجزيرة بسبب دورها الهام في تعميق التفاهم وتفجير الحوار وزيادة
التنافس نحو الخير.
و) على الطاقات المهنية العربية القاطنة في العالم العودة إلى ولاياتها
العربية الأصلية لتساهم بكل ما يستطيع من قدرات في بناء دولة الولايات
العربية المتحدة. وقد تستمر المساهمة للأماكن التي تقطن فيها في نفس الوقت.
وإذا كان الانتقال صعبا، وهذا أمر متوقع لاعتبارات مختلفة، فالمساهمة يمكن
أن تكون من بعيد. العالم أصبح قرية صغيرة ووسائل الموصلات والاتصالات سهلة
ومرشحة أن تكون أسهلا في المستقبل القريب.
حين يرى ويلمس الكثيرون ايجابية وأهمية إقامة الولايات العربية المتحدة
وأنها ستكون بمثابة سدا مانعا أمام محاولات تقسيم الوطن العربي من المحيط
إلى الخليج لأنها وصفة للتقدم والازدهار الجماعي فسوف يزداد تأييد الفكرة.
سيرى الكثيرون ان هذا التحول سيخفف النزاعات الإقليمية ويطرح آلية لإدارة
الصراعات وقد يزيد، على سبيل المثال، قوة من يطالب من الجنوبيين في السودان
التاريخي باستعادة وحدة السودان وجنوبه من جديد.
لم يعد أمامنا سوى رؤية الأمور من منطلق مصلحة الأمة العربية واتحاد
دولها الحالية في إطار ولايات مستقبلية. التطورات الأخيرة في العالم العربي
والتي مازلنا نعيشها بثا حيا، غيرت الكثير من المعايير والتوقعات. التركيز
على "الولاية" وليس "الدولة"، وإن أخذت شكل دول في المدى القصير، حيث بها
يحكم الشعب مباشرة او عن طريق ممثلين حقيقيين يتم انتخابهم عبر انتخابات
شفافة وسرية ومتساوية ومراقبة الأجهزة القضائية المستقلة، يزداد قوة مع
الوقت وثمارها عذبة تخلق سعادة في حياة الإنسان والأمة العربية بل ربما في
حياة أغلب شعوب العالم.