ومن جيوبنا تصدقوا

ومن جيوبنا تصدقوا

شيرين العدوى

من شرفة السماء يطل الآن وجه مصر، متوضئا بالشموس، ومستقبلاً القبلة لله على سجادة النجوم، حاضناً سواعد أبنائه الشرفاء من جيش دافع ببسالة عن مصر فى سلمها، وحربها ضد الفساد وإلى آخر قطرة من ضمير الشرف المقدس، وخير دليل على ذلك تدميره لعربتين محملتين بالأسلحة على الحدود الجنوبية لمصر بالأمس، بالتأكيد كان الهدف من دخولهما إشاعة الفوضى فى البلاد، من شباب أنحنى لأقبل أقدامهم أُجبروا على البطالة تحت وطأة الفساد، وخراب الضمائر، تعطلت مواهبهم، وطاقاتهم من أجل هدف واحد أن يحيا أبناء الطبقة العليا على حسابهم.

حينما وقف الجيش وقفته الباسلة مع الشباب فى التحرير، وآمن بهم، وبحقهم فى حياة كريمة يستحقونها، لم يكن يدرك حجم الفساد الذى استشرى فى البلاد، على حسب تصريح المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذى وصل 100 مليار جنيه سنوياً، جزء من هذا الفساد المالى وُجه إلى مشروعات خير أُريد بها باطل، (المجلس القومى للمرأة)، (مشروع 57357)، (مشروع مكتبة الإسكندرية).

حُشدت الجهود وكل الطاقات من أجل إنجاح هذه المشروعات، ولا أنكر جهود هذه المؤسسات الخيرية والثقافية والعاملين عليها بتفانٍ لا نظير له، ليس لشىء سوى لأن هذه هى الشخصية المصرية التى إذا ما وضعت فى مكانها الصحيح، وأتيحت لها الفرصة من إمكانيات أبدعت، وبذلت النفيس والغالى من أجل النجاح.

وكان يحزننى إذا ما ذكر أحد هذه المشروعات القول بى: (لا الطب فى مصر حاجة وفى هذا المكان حاجه تانية) وكأن مصر دولتان: دولة الأغنياء، ودولة الفقراء، أن توجه كل السواعد لمشروعات بعينها، ثم تصفى مشروعات أخرى، كانت هى كسرة خبز الفقراء، كمشروعات القطاع العام الذى اُغتيل من أجل المليارات توضع فى جيوب المنتفعين وأصحاب المصالح، هذا هو الظلم الاجتماعى بعينه، فإذا ما دخل أحد هذه المشروعات بهرت بمستوى الأداء، والنظافة، ومعطرات الجو فى كل مكان، بينما على مقربة منها مثلاً مشروعات أخرى كمعهد الأورام الذى يعانى من نقص فى الموارد والإمكانيات، ولا أنسى المستشفيات الحكومية فى الأقاليم والنجوع، وكنت على مقربة منها بحكم سكنى لمدة 15 سنة من عمرى فى أحد أقاليم مصر، كنت أشاهد بأم عينى آلام الناس، معاملتهم السيئة، تهالك الأبنية، الرائحة المقززة المنبعثة من دورات المياه غير الآدمية، وغالباً ما كانت دموعى تنساب، وينفطر قلبى من أجل أم ملهوفة على ابنها هدّه المرض وهى تعانى من الجهل والفقر، ولكنها مع ذلك تملك صفاء السريرة، وذكاء الروح، ونزاهة الفقر.

وجدنا طبقات اجتماعية حتى فى المرض، كنت أشجع هذه المشروعات وأنظر إليها بعين الإجلال، وأتمنى لمصر كلها أن تصبح بنفس القدر من التحضر والرقى والإمكانيات، فإذا بالزلزال الذى هدّ كيانى وكيان المجتمع، هناك حسابات سرية تودع فيها المعونات لتلك المشروعات، والمتصرف الوحيد فيها السيدة سوزان مبارك، أى نظهر أمام العالم كمتسولين، ثم تدخل هذه الأموال إلى مكان آخر.

الزلزال الآخر السيدة سوزان مبارك خريجة الجامعة الأمريكية، إذا هذه المشروعات جزء من تعليمها، لأن من برتوكول الجامعة الأمريكية أن تسهم بجهود ملموسة فى إعانة المجتمع، ليس لشىء سوى للحصول على درجات عليا فى تقديرها الكلى، حتى هذا الشرط أساسى للمنح التعليمية التى تقدم لطلاب مصر من الجامعة الأمريكية، ويبدو أن فكرة التقدير الدولى أعجبت السيدة سوزان مبارك، فطمحت إلى جائزة نوبل للسلام، كل هذا كان من أجل فرد واحد، وليس مهماً على الإطلاق باقى أفراد الشعب، ليس مهماً هل عُولج الأطفال أم لا؟ لكن المهم المشروع قائم، ليس مهماً كم فرداً استفاد من مكتبة الإسكندرية؟ وهل وصل المشروع إلى مستحقيه أم لا؟ المهم أن يرضى الغرب عن أداء السيدة، ويشاهد التلفاز المصرى وهو يسبح بحمد الأسرة الحاكمة وتفضلها علينا من أموالنا.

حصدت السيدة سوزان مبارك من الجوائز والتقديرات العالمية أكثر من 40 جائزة عربية وعالمية ودكتوراه فخرية من الجامعة المصرية، لكنها أبداً لم تحصد حب الجماهير وتعاطف الشعب، لأن الشعب أذكى من أن يخدع، دخلت نادى المليارات منذ عام 2000 وقالت وكالة NBC إن ثروتها تتراوح ما بين 3 إلى 5 مليارات دولار وقتها، ودخلت مصر فى المقابل عالم البطالة، وما تحت خط الفقر، وتدنى مستوى الأمومة والطفولة، لا تنظروا إلى وجه الكعكة، لكن انظروا إلى عمقها كيف عجنت من طحين النفوس، وعصير الدماء فى النجوع والأقاليم.

ذكرنى ما يحدث فى مصر الآن بما كان يحدث فى العصر المملوكى مع الفارق، فالأثرياء والطبقة الحاكمة كانت تنشئ الأسبلة للتكفير عن ذنوبهم، هكذا كانوا يفعلون من أموالنا يتصدقون علينا، وقد فعلت الطبقة الحاكمة فى مصر نفس الشىء، لكن ليس لتكفير الذنوب بل للبرستيج الاجتماعى وللنهب المنظم.

فهل يقبل الله المن على عباده؟ وهل يقبل الصدقة من المال الحرام؟ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (يأتى على الناس زمان لا يبالى المرء ما أخذ منه، أمن حلال أم من حرام) لقد شاهدنا هذا الزمان، فهل نتعلم من السحر الذى انقلب على الساحر فى مستقبلنا القادم، فلا نبنى إلا من أجل الوطن، ولا نقبل إلا المال الحلال الطيب من عرق دمائنا، ومن كد روحنا؟

بارك الله فيك اخى الكريم على الطرح الطيب
وعلى الموضوع المميز