عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
موضوع: الرحمن علي العرش استوي السبت أبريل 17, 2010 8:37 pm
الرحمن على العرش استوى
بعض الناس اليوم إذا خلا بنفسه في مكان ما، ورأى الجدران من حوله والسقف من فوقه ظن أنه ليس هناك أحد يراه، وينسى الله عز وجل الذي يعلم السر وأخفى، وقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ليزرع في قلوب الناس مراقبة الله عز وجل، حتى يطيعوه في السر كما يطيعونه في العلانية.
عظمة الله
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض، ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، واتخذوا من دون الله آلهةً لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، صلى الله عليه وسلم ما هطل المطر، وما غرد البلبل على الشجر، وما اتصلت عينٌ بنظر، وما تألقت أذنٌ لخبر، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
يا من يرى مد البعوض جناحـها في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النحل
اغفر لعبدٍ تاب مـن زلاتـه ما كان منه في الزمان الأول
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62] من هو الله؟ وما هي أسماؤه؟ وما هي صفاته؟ وما هي آثاره في الأرض؟
سأل موسى عن ربه فقال: الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50].
وسأل إبراهيم عن مولاه، وعن مميته ومحييه، فقال: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [الشعراء:78] وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [الشعراء:81] والله يقول لرسولنا عليه الصلاة والسلام في سورة بالغة التأثير: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:1-8].
يعرف الله بنفسه لرسوله صلى الله عليه وسلم، أنه الله الذي لا إله إلا هو هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:6] ما هي آياته؟ وما هي بيناته؟ وما هي علاماته؟
الكون كل الكون، السماء، والأرض، والجبال، والزهرة، والغدير، والجدول، والشجرة، والهواء، والضياء، والسناء تشهد أن لا إله إلا الله.
طه [طه:1] من هو طه؟
حرفان متقطعان وليس اسماً له صلى الله عليه وسلم، ليس من أسمائه طه [طه:1] ولكن طه [طه:1] كـحم [الأحقاف:1] وكأن المراد من هذه الحروف نسج الله القرآن، ومن هذه الحروف تكلم الله بالقرآن، فتعالي يا أمة الضاد، يا أمة الشعر الرقراق، ويا أمة البيان البراق، تعالي أيتها العرب العرباء! تعالي فانسجي من مثل طه [طه:1] كلاماً؛ كما يأتي بعد طه [طه:1].
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى يخرجك بالقرآن من الظلمات إلى النور، ونخرج أمتك بالقرآن؛ من الظلمات إلى النور، ونرفع رءوسكم بالقرآن من أمة كانت تسجد للوثن، وتعبد الصنم، وتقدس الخرافة، وتسجد للوثنية، وتتقلد التقليد، وتركن للأمم، وتقاد بالحبال كما تقاد الشياه، إلى أمة ترفع رءوسها وتسجد لله.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبـادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى لكن والله لتسعد، وليشرح بالك، وليستنير قلبك، وليرتفع رأسك.
وكل مخلوق لا يهتدي بهذا القرآن فهو ملعون القلب، خائن الضمير، فاشل الإرادة، مهزوم العقيدة، متخلف الركب، يتردى في نار جهنم.
وقلب بلا إيمان كتلة لحمٍ ميتة، وعينٌ بلا إيمان مقلةٌ عمياء، وأذنٌ بلا إيمان إشارةٌ خاطئة، ومجتمع بلا إيمان قطيع من الضأن.
كنا أمة عربية ضائعة، لا تعرف شيئاً؛ إنما تعرف الوثن والصنم والزنا والسرقة، والخنا، والغدر، والخيانة، والفحش، والتفلت على أمر الله، فأتى محمد عليه الصلاة والسلام بالقرآن فبعثها من جديد:
أتطلبون من المختـار معجـزة يكفيه شعبٌ من الأموات أحياه
أتى ليقول: إن الربا حرام، والزنا حرام، والكذب حرام، والغناء حرام، وضياع الوقت حرام، والانهزام حرام، والتخلف والتبعية لأعداء الله حرام، وإعطاء الولاء لغير الله حرام.
فماذا فعل؟
في خمسٍ وعشرين سنة ترك أمة رائدة، يأتي علمها ويرفرف على المحيط الأطلنطي بقيادة عقبة بن نافع ، وعلمها الآخر يدخل كابول مع قتيبة بن مسلم ، والثالث مع محمد بن القاسم في الهند والسند ، والرابع مع طارق بن زياد في أسبانيا .
من الذي أخرج العرب؛ أمة الشاة والماعز، وأمة البقر والإبل، وأخرجهم الله من الظلمات إلى النور.
الذي يقرأ القرآن، ويعمل بالقرآن، ويعيش مع القرآن، هو الذي يخشى ويسعد، أما من يعرض عن القرآن ويستبدله بالأغنية الماجنة، وبالمجلة الخليعة، وبالتخلف في سمرات اللهو على الشواطئ، وفي الساعات الحمراء، وفي البلوت والزفير والشهيق والتشجيع والتطبيل؛ فهذا مجتمع مدمر، وهذا شباب متخلف، وهذا جيلٌ ما عرف الله ولا عرف مهمته في الحياة.
تعال يا من حالـه في وبـال ونفسه محبوسةٌ في عقال
يا راقـداً لم يستفـق عنـدما أذن في صبح الليالي بلال
روض النـبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال
هذا الجيل الذي بعثه -سُبحَانَهُ وَتَعَالى- من الظلمات إلى النور هو الذي يهتدي، لكن قل لي بالله، في جيلٍ ما عرف الله؛ لا يعرف القرآن، لا يحفظ من القرآن شيئاً، تلاوته الأغنية الماجنة، ومصحفه مجلةٌ خليعة، وسواكه السيجارة، يتشبه بأعداء الله الكفرة، بأذناب الشعوب، بأقزام المعمورة، بمدمري البشرية، فكيف يسعد؟ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى [طه:3-4] ألا سألت الأرض من خلقها، والسماء من رفعها، والجبال من أرساها، والزهرة من جملها، والنسيم من أجراه، والليل من كساه، والتل من غطَّاه، والغدير من أجراه ووسعه، والمجتمع من حماه؟ إنه سوف يقول: الله.
يقول الله للرسول في أول سورة: اقْرَأْ [العلق:1] وهو أميٌ فأين يقرأ قال أهل العلم: يقرأ في الشمس الساطعة، وفي السماء اللامعة، وفي النجوم المتوهجة، وفي التل، وفي الجدول والغدير، وفي الماء النمير؟!
وفي كل شيء له آيـة تدل على أنه واحد
فيا عجباً كيف يُعصـى الإله أم كيف يجحده الجاحد ......
الإيمان بأن الله مستوٍ على العرش
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] انظر إلى القرآن كيف يصل القلوب بالرحمن، عقيدة لا تعقيد فيها، ولا أحاجي، ولا ألغاز، ولا صعوبات.
جاء عمير بن وهب إلى صفوان بن أمية -جاهليان، مشركان قبل أن يسلما- جلسا عند الكعبة تحت الميزاب، والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة ، وهما في مكة ، جلسا يدبران جريمة اغتيال المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ أكبر جريمة في تاريخ الإنسانية، جلسا تحت الميزاب عند الكعبة يتشاوران في قتله صلى الله عليه وسلم، لكن الذي على العرش استوى مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] وخطتهم، فكشف مخططاتهم، وأخبر رسوله في المدينة صلى الله عليه وسلم.
قال صفوان لـعمير بن وهب : اذهب إلى المدينة فاقتل محمداً، دمك دمي، وهدمك هدمي، وأنا أتولى أطفالك ومالك.
فأخذ عمير سيفه، فسمه بالسم الأزرق شهراً كاملاً، ثم ذهب إلى المدينة ، ولكن الله يحمي الله رسوله؛ لأنه على العرش، فلما وصل المدينة رآه عمر مقبلاً فيه خيانة وغدر، وحقد دفين، وموت أحمر، فأخذه بتلابيب ثيابه وبسيفه، وأدخله المسجد بالقوة وبالجبروت، وبالصمود والتحدي، وأجلسه عند الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول! الله هذا الشيطان أتى لأمر، فقال صلى الله عليه وسلم، وهو يتبسم: {ما جاء بك يا عمير بن وهب ؟ قال: جئت لأسلم على إخواني من أسارى بدر وأفديهم بالمال، فتبسم صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذي على العرش استوى أعلمه، قال: بل جلست أنت وصفوان تحت ميزاب الكعبة ليلة كيت وكيت في الليل، وقال لك: كذا وكذا، وقلت له: كذا وكذا، وأتيت لتقتلني وما كان الله يسلطك عليّ قال عمير : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، وأسلم }.
ذهب فضالة أحد العرب، وأخذ خنجراً ليقتل المصطفى عليه الصلاة والسلام، فطاف معه في الطواف، وظن أن الذي على العرش لا يعلم رسوله، لكنه أخبره وقال له: انتبه من فضالة ، غادرٌ يريد قتلك، فأتى عليه الصلاة والسلام إلى فضالة وهو يطوف، قال: {ماذا تقول يا فضالة ؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه، أسبح وأهلل، قال: تب إلى الله يا فضالة ، بل أتيت بخنجرك لتقتلني، وما كان الله ليسلطك عليّ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله }.
جاءت امرأة أوس بن الصامت تشكو زوجها، دخلت على المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو في بيت عائشة ، فأخذت تخفض صوتها لئلا تسمع عائشة الصوت، ولكن الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] سمع الصوت، قالت عائشة : [[والله ما سمعت صوتها، ولا أدري ما قالت، وهي بطرف البيت بجانبي ]] وأنزل الله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1].
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] يراك وأنت وراء الحيطان، والجدران:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها: إن الذي خلق الظلام يرانِ
أتى أحد الأدباء إلى الإمام أحمد ، فقال له الإمام أحمد : من أنت؟
قال: أنا أديب أحفظ أشعار العرب، قال: أسمعني بعض الأبيات، الإمام أحمد ؛ إمام أهل السنة والجماعة ، الذي إذا جلس في الغرفة وحده كفكف جسمه، وتهيأ، وانضبط في جلسته، وخشع لله.
فيقول له أبناؤه: إذا جلست مع الناس جلست مستريحاً منبسطاً، وإذا جلست وحدك كفكفت نفسك، قال: أما يقول الله: {أنا جليس من ذكرني فهو معي }.
قال له الأديب هذا، اسمع يا إمام، يقول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
فترك كتبه ومحفظته وقلمه وقام، وأغلق غرفته، قال هذا الأديب: والله لقد سمعت بكاءه من وراء الباب، وهو يردد البيت:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
مراقبة الله لعباده
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وحجة الله على الناس أجمعين، خيرة المتقين، وصفوة الأولياء الصادقين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أمَّا بَعْد: فكما يقول الناظم:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب
أورد أهل العلم أن رجلاً خلا في غابةٍ بمعصية، وظن أنه لا يراه أحد، رأى الشجر قد غطَّاه فنسي الله، ورأى الليل قد حماه وتكنفه وآواه ونسي الله، فيقول في نفسه وقد أقبل على المعصية: لا يراني أحد، ولا يعلم بي أحد، فسمع هاتفاً يقول: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه براعي غنم في طريق المدينة ، راعٍ يرعى ضآن لكنه يحمل عقيدة الإيمان ويخاف الرحمن، قال له عمر : [[بعني شاةً من غنمك؟ قال: الغنم لسيدي، وأنا مولىً عنده، قال: إذا سألك عن الشاة فقل: أكلها الذئب -يريد أن يختبر إيمانه- قال: لا إله إلا الله، كيف أقول: أكلها الذئب، فأين الله؟!! فجلس عمر يبكي ويقول: أين الله ]].
فهل سأل كلٌ منا نفسه أين الله؟
هل سأل المسئول نفسه في الدائرة، وفي العمل، وفي المؤسسة أين الله؟
فحاسب نفسه على الساعات، وحاسب نفسه على المعاملات، وحاسب نفسه على الإجراءات، وهل سائل نفسه عن الناس الذين أوقفهم، وعذبهم على معاملاتهم، وقطع أوقاتهم، وأتعب أحوالهم، أتوا من القرى والبوادي فترك معاملاتهم وإجراءاتهم، وأوراقهم، عذبهم؛ لأنه نسي الذي على العرش استوى.
وهل سأل الموظف نفسه، يوم يأخذ مالاً حراماً، ومرتباً حراماً، ويكدس معاملات الأمة، فيخون الله، ويخون ولاة الأمور، ويعذب الناس والشعب، هل تذكر أن الرحمن على العرش استوى سوف يسأله عن هذه المعاملات، وعن هذه المسئوليات، وعن هذه المرتبات، وعن هذه الأوقات؟ يخرج من على كرسيه فيهيم في السكك والشوارع، أو يأخذ انتداباً فيزيد في الأيام، ويأكل الحرام، ويأتي وما أدى عمله؛ فيطعم زوجته حراماً، وأطفاله حراماً، ويبني بيته من الحرام، ويشتري سيارته من الحرام، هل تذكر أن الرحمن على العرش استوى؟
ويأتي الأستاذ إلا من رحم ربك فيدخل على طلابه، لا يحمل رسالةً، ولا يحمل إيماناً، ولا يحمل مادةً علمية؛ فيزجي الحصص، ويضيع السنة، ويفسد في المادة، ويضيع القلوب، ويخرج وهو لم يقدم لأبناء المسلمين إيماناً ولا علماً ولا نفعاً ولا فائدة، فلماذا لا يتذكر أن الرحمن على العرش استوى.
وقد يوجد من القضاة من يرى الباطل يدندن في محكمته، والزور يُعمل في قضائه، والرشوة تتناول، والظلم والحيف، والاعتداء على الضعفاء والمساكين منتشر، فهل تذكر أن الرحمن على العرش استوى.
ويأتي البائع فينسى الرحمن الذي يعلم السر وأخفى فيغش في بيعه، ويدجل في أخذه وعطائه، مرابٍ، مدلسٍ، مزور، ظن أنه فات عن الله، فوالله ما ذهب عن قبضة الله.
ومقصود رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام أن تعلم الأمة بباريها تبارك وتعالى، وأن تقود القلوب إلى فاطرها، وأن تقيم العدل والحق والسلام في العالم.
وإذا تذكر الناس مولاهم، وتذكروا أنه يراهم، وأنه يعلم سرهم ونجواهم؛ صلح الحال، لكن غابت مراقبة الله وخشيته؛ فأكل الحرام والربا، ووجد الزنا، وانتشر الغناء، وغش في البيع والشراء، وخان الموظف -إلا من رحم ربك- في وظيفته، ودجل في عمله، ونقّص الأستاذ من مهمته، وتفلت الطالب على حصته ودراسته، وذهبت العيون إلى المحرمات، وكثر الفساد، وضاع العباد، وقحطت البلاد.
سددنا ما بيننا وبين السماء بالمعاصي، ثم قلنا: يا رب! يا رب! يا رب! اسقنا، فما كان لدعائنا رداً، وما كان لدعائنا نجاحاً وفلاحاً؛ لأن معاصينا تغدو وتروح، ولأن ذنوبنا تفوح، فنشكو حالنا إلى الله، إلى الرحمن الذي على العرش استوى.
عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم بالصلاة والسلام عليه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً } اللهم صلَّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.
وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانك إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وما ترضاه.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، ووفقنا للحق، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، ولا فاتنين ولا مفتونين، ولا مضيعين ولا مفرطين يا رب العالمين.
اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك.
اللهم انصر المجاهدين الأفغان؛ اللهم ثبتهم، وانصرهم، وارفع كلمة الحق بهم.
اللهم انصر المجاهدين في فلسطين ؛ اللهم انصرهم على اليهود، أعدائك وأعداء المرسلين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، كفِّر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، وتقبل منهم أحسن ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.