يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ...} الآية. [1].
أخبرنا أبو سعيد النَّصْرُوبِيُّ، قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي، قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا أبو معاوية، قال: حدَّثنا أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد الله الثَّقَفِي، عن سعد بن أبي وقَّاص، قال:
لما كان يوم بدر قتل أخي عُمَير، وقَتَلْتُ سعيد بن العاص، فأخذت سيفه، وكان يسمى ذَا الكِيْفَة، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب فاطرحه في القَبَضِ، قال: فرجعت وبي مالا يعلمه إلا الله، من قتل أخي، وأخذ سَلَبي، فما جاوزت إلا قريباً حتى نزلت سورة "الأنفال"، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فخذ سيفك.
وقال عكرمة، عن ابن عباس: لما كان يوم "بدر" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَ كذا وكذا فله كذا وكذا، فذهب شبان الرجال وجلس الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنيمة جاء الشبان يطلبون نَفَلَهُم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرَّايات، ولو انهزمتم لكنا لكم رِدْءاً فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ} فقسمها بينهما بالسوية.
أخبرنا أبو بكر [ابن] الحارث، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: حدَّثنا أبو يحيى، قال: حدَّثنا سهل بن عثمان، قال: حدَّثنا يحيى بن [أبي] زائدة عن ابن أبي الزِّناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن سليمان بن موسى الأَشْدق، عن مَكْحُول، عن أبي سلام الباهلي، عن أبي أَمامة البَاهِلي، عن عُبادَةَ بن الصَّامِت، قال:
لما هزِم العدو يوم "بدر" واتبعتهم طائفة يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله عليه السلام، واستولت طائفة على العسكر والنهب. فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم، قالوا: لنا النفل نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم [الله] وهزمهم، وقال الذين أحْدقُوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما أنتم بأحق به منا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينال العدو منه غِرَّة، فهو لنا؛ وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: والله ما أنتم بأحقَّ به منا، نحن أخذناه واستولينا عليه فهو لنا. فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ} فقسمه رسول الله عليه السلام بالسوية.
{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ}. [17].
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن محمد البَيّاع، قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشَّعْرَاني، قال: حدَّثني جدي، قال: حدَّثنا إبراهيم بن المنذر الجِزَامِي، قال: حدَّثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عُقْبَة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال:
أقبل أبيّ بن خَلَف يوم "أحد" إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده، فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله عليه السلام فخلوا سبيه، فاستقبله مُصْعَب بن عُمَيْر - أحد بني عبد الدَّار- ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبيّ من فُرْجَة بين سابِغَة البَيْضة والدرع، فطعنه بحربته، فسقط أبيّ عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، وكسر ضلعاً من أضلاعه، فأتاه أصحابه، وهو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أعجزك! إنما هو خدش، فقال: والذي نفسي بيده، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المَجَازِ لماتوا أجمعين. فمات أُبَيٌّ إلى النار، فسحقاً لأصحاب السعير، قبل أن يقدم مكة. فأنزل الله تعالى في ذلك: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ}.
وروى صَفْوَان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جُبَير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم "خيبر" دعا بقوس، فأُتِيَ بقوس طويلة، فقال: جيئووني بقوس غيرها. فجاءوه بقوس كبداء فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم [على] الحصن فأَقبل السهم يهوي حتى قتل كِنانة بن أبي الحُقَيق وهو على فراشه فأنزل الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ}.
وأكثر أهل التفسير [على] أن الآية نزلت في رمى النبي عليه السلام القَبْضَة من حَصْبَاءِ الوادي يوم "بدر" حين قال للمشركين: شاهت الوجوه، ورماهم بتلك القبضة، فلم تبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء.
قال حَكِيم بن حِزَام: لما كان يوم "بدر" سمعنا صوتاً وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طَسْت، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحصاة فانهزمنا. فذلك قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ}.
{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }
قوله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ}. [19].
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد [بن الحسن] الحافظ، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى، قال: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدَّثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، قال: حدَّثني عبد الله بن ثعلبة بن صُعَيْر، قال: كان المستفتح أبا جهل، وإنه قال حين التقى بالقوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم، وأتانا بما لم نعرف - فأَحِنْه الغداة. وكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله تعالى [في ذلك]: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ} إلى قوله تعالى: {وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن القطيعي، عن ابن حنبل، عن أبيه، عن يعقوب.
وقال السُّدِّي والكَلْبي: كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، وأهْدَى الفئتين، وأكرم الحزبين، وأفضل الدينين. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: قال المشركون: الله لا نعرف ما جاء به محمد عليه السلام، فافتح بيننا وبينه بالحق. فأنزل الله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ} الآية.