الثباتُ في الشدةِ والرخاءِ من صدقِ الإيمانِ وسلامتهِ"
قال تعالى { يثبتُ اللهُ الذينَ آمنوا بالقولِ الثابتِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ ويضلُ اللهُ الظالمينَ ويفعلُ اللهُ ما يشاء} وجاء عن النبي ضلى اللهُ عليهِ وسلم أنه قال "ليس الإيمانُ بالتمني وإنما قولٌ وعمل "
ومما يبينُ للمرئ صدق إيمانه وسلامته من مجرد تمنيه قولاً هي المواقف التي تطرأعليه في حياته وقد يظنُ البعض أن إختبارُ الأيمان وتمحيصِ قلب المرئ موقوفٌ فقط علي البلاء والنقم ، والصحيحُ أن الإختبار والتمحيص يكونً على القطبين والمضمارين الضر والنفع أو العطاء والأخذ كلاهما أو أحدهما
*فقد يبتلى المرئُ بالفقر والعوذ وقلة الحاجة فإن هو اشتكي فأين هو من عيسى ابن مريم عليه السلام فقد كان أفقرَ أهل الأرض مالاً وقوتاً فلم يشغله ذلك عن ذكر وطاعة ربه
*وقد يبتلى المرئُ بالغني فإن هو تحجج بكثرة الشواغل من التجارات والضيعات والمشروعات ، فأين هو من داوود عليه السلام وقد كان أغنى أهل الأرض مالاً وجاهاً وسلطاناً فلم يشغله ذلك عن ذكر ربه وعن طاعته وكذلك سليمان عليه السلام ،
*وقد يبتلى المرئُ في نفسه ويتجرع صبابة المرض فإن هو اشتكي وتلوى فأين هو من أيوبَ عليه السلام وصبره أعواماً طوالاً على المرض الذي لايطيقه عشرة من الرجال الأقوياء ، لكن لم يشغله ذلك عن ذكر ربه وطاعته ،
*وقد يبتلى المرئُ في ولده فإن اشتكي فاين هو من نوحٍ عليه السلام لما أهلك الله ولده وكان مع المغرقين في الطوفان وهو يسأل ربه أن ابني من أهلي ووعدك الحق فيقول له تعالى { إنهُ ليس من أهلك إنهُ عملٌ غيرُ صالح}
*وقد يبتلى المرئُ في زوجته فإن اشتكى فأين هو من لوط عليه السلام ونوح عليه السلام وكان لهما زوجتان كافرتانِ متمردتان تمكران وتعصيان وعليهما للعدو تحرضان.
ومنه: فليس للإنسان أن يشتكي ويهلع ويجزع عند الكروب والمصائبِ وإنما عليه أن يعرف قدر وقيمة الصبر والتفويض لله عز وجل وكذا عند المنح والعطايا والعز والرفعه أن يعلم أنه بقدر الله فلا ينبغي أن يتسلط بذلك على غيره من البشرأو أن ينسيه البهرج الدنيوي ربه وخالقه وواهب النعم . وسوف نطرح نموزجاً من النمازجِ المشرفة بذلك الصدد واحدٌ من الذينَ صبروا عند الشدة وثبتوا حتى الموت فلم ينافق ولم يداهن ولم يخشى في الله أحد
ألا وهو الصحابي الجليل (حُبيب ابن زيد ابن عاصم الأنصاري)رضي اللهُ عنه وقبل أن نخوض في موقفه فتعالوا بنا لنعرف أولاً من هو( حبيب) ؟وكيف تربى ونشأ ؟
أنه حبيب ابن زيد ابن عاصم ، أبوه من الأنصار ومن السابقين الأولين في الإسلام حضر بيعة العقبة الأولى والثانية وبايع رسول الله على الآسلام والنصرة وجاهد مع رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم وكا يصحب ابنه حبيب وهو صغير ألى مجلسِ رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم.
أمه: هي نسيبة بنت كعب الأنصارية وشهرتها (أُم عمارة) وهي من السابقات إلى الإسلام حسن اسلامها ولها في التاريخ الإسلامي شأنٌ عظيم فقد جاهدت بنفسها وخرجت إلى ساحات المعارك تقتل وتدافع عن الدين وعن رسول اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وأصيبت بجروحٍ كثيرة ومنها جُرحٌ غائرٌ في كتفها سالتها عنه أم سلمة رضي اللهُ عنها فقالت أصابن في غزوة أحد وأن متترسةٌ عند رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم أدفع بترسي عنه النبل والسهام وسيوف الأعداء فجاء ابن قمئةِ أقمئه الله فطعنني بحربته في كتفي فأصاب هذا الجرح الغائر
وأخوه عبد الله ابن زيد الذي كان مشهوراً بالمواقف الشجاعة في الحروب والمعارك وقد تولى المناصب في عهد أبي بكر وعمر
القصة
لما ظهرت الفتنه في عهد رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم وادعى مسيلمة الكذاب النبوة أراد أن يتكتم على أمره في بادئ الأمر لماذا؟ لأنه يعلم يقيناً أنه كذاب بل إنه ليس إلا مجرد ساحر وقد شهد عليه بذلك من المشركين والكفار عدد قليلٌ واعترف أمامهم بأنه كذاب وكان من بينه عمرو ابن العاص قبل اسلامه وكان صديقاً له يزوره أحياناً وذات مره قال لعمرو ابن العاص أتعلم يا عمرو أنني نبيٌ مثل محمد فتبسم عمرو ابن العاص وقال له وهل ينزل عليك قرءان كما ينزل على محمد من السماء فقال له نعم ينزلُ عليَّ قرءان كقرءان محمد فقال عمرو وماذا نزل عليك قال وماذا نزل على محمد فقال عمرو نزل عليه {والعاديات ضبحا فالمورياتِ قدحا فالمغيراتِ صبحا فأثرنا بهِ نقعا فوسطن به جمعاً....؟ الآيات } فقال مسيلمة وأنا قد نزل عليَّ والحاصدات قمحا فالعاجناتِ عجنا فالخابزات خبزا فضحك عمرو ابن العاص ثم قال لهُ واللهِ إنك لتعلم أنني أعلم إنك كذاب فضحك مسيلمةَ الكذاب .
فلما أنتشر خبره وجرأته على اللهِ وعلى رسوله ولك بأنه أرسل رساله إلى النبي يقول له فيها أنه نبي مثله وأنه يريد أن يقسم البلاد وما إلى ذلك ومن نص رسالته إلى النبى يقول فيها ( إلى محمدٌ رسول الله ، سلامٌ عليك ن أما بعد ، فإني قد أُشركت معك في الأمر وإن لنا نصف الأرض، ولقريشٍ نصفها ولكنَ قريشٌ قومٌ يعتذرون ) فغضب رسول الله وقال عجبت لجرأت هذا لكذاب على اللهِ وعلى رسوله فأراد النبي صلى اللهُ عليه وسلم أن يبعث له برسالة فلما كتبت الرساله نظر النبيُ في القوم يلتمس رجلاً قوياً فتياً شجاعاً فاختار حبيب ابن زيد ابن المجاهدة العالمة التقية الورعة نسيبة بنت كعب (أم عمارة) وأعطاه النبي الرسالة وانطلق بها يقطع الديار والبلاد والعباد والمسافات حتى وصل إلى أرض اليمامة في جنوب الجزيرة العربية ومنها إلى حيث دياربني حنيفة وكانوا قد ارتدوا وبايعوا مسيلمة الكذاب فاصطحبوه إلى مسيلمه فلما أخذ الرسالة وأمر بقرائتها وترجمتها وإذا فيها " بسم اللهِ الرحمن الرحيم ، من محمد رسول اللهِ إلى مسيلمة الكذاب
السلامُ على من اتبعَ الهدى.
أما بعد.
فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عبادة والعاقبةُ للمتقين "
فغضب مسيلمة الكذاب ومزق الرسالة وألقاها على الأرض وأمسك بخبيب وقال له يا حُبيب أتشهد أن محمداً رسول الله فقال خبيب نعم فقال وتشهدُ أني رسول اللهِ فسكت خبيب فردد عليه الأمر فقال خبيب أنا لم أسمع فقال أتشهدث أن محمدٌ رسول الله فقال حُبيب نعم قال وتشهدُ أني رسول الله فقال حبيب لم أسمع فنادى مسيلمة على السياف وقال أن لم تتكلم وإلا أمرت السياف أن يقطع لسانك فقال أتشهد أن محمد رسول الله فقال خبيب نعم قال مسيلمه وتشهدُ أني رسول الله فقال حُبيب لا اسمع فقال مسيلمة للسياف اقطع لسانه ففتح فاه وأخرج لسانه وقطعة وبينما يسيل دمه من فيه قال مسيلمه أتشهدُ أن محمداً رسول الله فأشار برأسه أي نعم قال وتشهدُ أني رسول الله فأشار أن لا فقال مسيلمة اقطعوا يده اليمنى فقطعت فقال أتشهد أن محمداً رسول الله فهز رأسه أي نعم قال وتشهدُ أني رسول الله فهز برأسه أن لا فقال اقطعوا يده اليسرى فقطعت فقال أتشهدُ أن محمداً رسول الله فأشار برأسه أي نعم قال وتشهدُ أني رسول الله فأشار برأسه أن لا فقال اقطعوا رجله اليمنى ثم قال أتشهدُ أن محمداُ رسول الله فهز برأسه أي نعم قال وتشهدُ أني رسول الله فهز برأسه أن لا فقطع رجله اليسرى ثم تركوه ملاقىً على الأرض يتلوى من شد الآلام حتى مات شهيداً رضي اللهُ عنهً .
كذا كان أصحاب رسول الله وحبهم لله و لدينهم ولرسولهم ولقرءانهم فصبروا على ذلك عاشوا عليه وماتوا عليه ويلقون ربهم يوم القيامة عليه ، وأسأل الله العظيم رب العرشِ العظيم أن لا يحرمنا أجرهم ولا يفتنا بعدهم وأن يلحقنا بهم غير مبدلين ولا خزايا ولا محرومين ......