بدأت يوم الأحد التاسع من يناير/كانون الثاني عام 2011م جريمة الاستفتاء على تقسيم السودان وتمزيقه وتفتيته؛ ليسهل التحكم به كما العراق وفلسطين واليمن والصومال والصحراء المغربية وغيرها.
يرافق هذا كله القتل المستحر بين المسلمين من أجل التقسيم والانفصال والفرقة والشرذمة ومزيدٍ من المعاناة بإشعال الحرائق والفتن والنعرات والطائفية في جسد الأمة الإسلامية الواحد، وتنقلها من مكان إلى آخر ضمن برامج سياسية خططها أعداء الأمة؛ لإبقائها في صراع تتأجج ناره في كل وقت وحين؛ خدمةً للأطراف الدولية المتصارعة الناهبة لخيرات الأمة ومقدراتها.
وفي اليمن مثلاً نرى كيف اشتعلت الحرب مع الحوثيين، وكيف أعطاها الإعلام طابعًا مذهبيًّا، كما هي المحاولة في العراق وتصوير الحرب أنها بين السُّنَّة والشيعة.
وفلسطين تم تقسيمها إلى (رام الله وغزة)، حتى مدينة الخليل تم تقسيمها لقسمين (H1-H2).
هل يدرك المسلمون بعامة والأطراف المتصارعة بخاصة أن ما يجري لا يخدم إلا أعداء الأمة الإسلامية، وأن المتقاتلين هم وقود هذه الحروب المستعرة هنا وهناك؟
إن الله
حذرنا من طاعة الكفار والسير في مخططاتهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: 149].
وإن الله
يأمرنا بالاعتصام بحبله والحفاظ على وحدة المسلمين وبلادهم {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].
إن الحفاظ على وحدة السودان واليمن وفلسطين والعراق وباقي بلدان العالم الإسلامي واجب شرعي، بل إن توحيد البلاد الإسلامية هو واجب شرعي، فلا يصح الانجرار وراء من يدعو إلى تقسيم البلاد بحجة فساد النظام، أو استخدام الأقليات العرقية في تقسيم السودان؛ فبدلاً من المطالبة بتقسيم البلاد إلى أجزاء متناثرة وإجراء الاستفتاء على التفتيت والتقسيم، يجب أن تتحرك الشعوب لمطالبة حكامها برفع الظلم عن الناس وتحصيل الحقوق، وإنكار منكرات النظام، وإجباره على رعاية شئون الناس رعاية صحيحة وفق أحكام الإسلام، كل ذلك واجب على المسلمين. ولا يصح بحال من الأحوال تمزيق بلاد المسلمين وجعلها مسرحًا ولقمة سائغة لدول الكفر، التي لا تعرف إلا الجشع والطمع ونهب الخيرات.
لا يصح تمزيق البلاد الإسلامية إلى مِزَقٍ وكيانات كرتونية يُنصَّب عليها من يكون تابعًا للأجنبي، ويطبِّق سياساته، ألا يكفي أن الكفار قد مزقوا العالم الإسلامي إلى أكثر من سبع وخمسين مِزقة!! فهل نريد زيادتها؟!
وهل نريد زيادة عدد الحكام المتسلطين على رقاب الأمة، يسومونها جميع أصناف الذل والهوان والعذاب، ناهيك عن تضييعهم للبلاد والعباد، والحيلولة دون عودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
اليوم تقسيم السودان، فأي بلدان العالم الإسلامي المرشح للتقسيم ليتمكن الكفار من الاستيلاء عليه وسرقته ونهب خيراته؛ فلا تقوم دولة الإسلام ولا عزة للمسلمين كما يطمح الغرب.
حين غزا نابليون مصر واحتلها، جمع ضباطه وأركان جيشه في غرفة واسعة وضع فيها سجادة كبيرة، ووضع في وسط السجادة قبَّعة, وقال لضباطه: من منكم يأتيني بالقبعة؟ فمشى ضابط لإحضارها، فقال له: لا تَدُس على السجادة. فحاول آخر أن يأخذ القبعة بعصا طويلة، فقال له: هاتها بيدك. وهكذا حاول عدة ضباط إحضار القبعة فلم يفلح أحد بإحضارها وفق الطريقة التي يريدها نابليون، فقال لهم: "نطوي السجادة ونتناول القبعة. ثم التفت إليهم وقال: هذه القبعة مثل الخلافة، وهذه السجادة مثل البلاد الإسلامية، فلا يمكن أخذ القبعة باليد إلا بطيِّ السجادة، ولا يمكن إزالة الخلافة إلا بأخذ البلاد الإسلامية بلدًا بلدًا كطيِّ السجادة، ثم يمكن إزالة الخلافة بكل يسرٍ، وها نحن أخذنا مصر، ثم نأخذ الشام، وهكذا حتى نزيل الخلافة".
الواجب يحتم على المسلمين أن يهتموا بأمر وحدتهم كما هو اهتمامهم بأي فرض من فروض الإسلام كالصلاة والحج؛ فأمر الوحدة داخل بلدان العالم الإسلامي من جهة وفيما بينها من جهة أخرى بحاجة إلى علاج جذري، وبيانه بشكل مفصل وعلى أساس شرعي يضمن استمراره؛ فالسودان بحاجة إلى وحدة واليمن وفلسطين وسوريا وكل بلد من بلدان العالم الإسلامي المترامي الأطراف؛ إذ إن كافة البلاد الإسلامية لا يُطبَّق فيها الإسلام، وهي مفتوحة للسفارات الأجنبية وكأنها الحاكم الحقيقي، فحوَّلت البلاد الإسلامية إلى مناطق صراع وأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية وفتن واقتتال داخلي يحصد الأرواح بأعداد هائلة ويهدر مقدرات الأمة وثرواتها، وما حرب العراق مع إيران، والعراق والكويت ببعيدة عن أذهاننا.
إن الإسلام يفرض أن يكون المسلمون جميعًا في دولة واحدة، وأن يكون لهم خليفة واحد لا غير، ويحرم شرعًا أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة، وأكثر من خليفة واحد، وهذا هو السبيل الوحيد لنجاة الأمة من هذه التقسيمات والحرائق والحروب الدامية، ومن كل المشاكل والأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية.
{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52].
منقول