الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. .أما بعد.
فقد أمرنا الله تعالى بأداء الأمانة فقال: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} النساء 158.
وحذرنا تبارك وتعالى من خيانتها فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} الأنفال 27.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خيانة الأمانة من صفات المنافقين فقال: {آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان} متفق عليه.
وقال كعب بن زهير رضي الله عنه : أرعى الأمانة لا أخونُ أمانتي إن الخؤون على الطريق الأنكب
• فلماذا كل هذا الاهتمام بالأمانة؟إن الأمانة هي التي تقوم عليها الدنيا. فهل تتصور حياة بلا أمانة؟ فمن أراد تزويج ابنته حرص على أفضل الرجال ، حفظا لهذه الأمانة. وإذا أراد الرجل اللبيب الزواج حرص على ذات الدين ، التي يأمنها على عرضه وأولاده وبيته.
ولذلك كلما قلَََت الأمانة فسدت الحياة ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن زمان تقل فيه الأمانة حتى تندر فقال : {فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا} متفق عليه.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم عن فساد الدنيا عندما يذهب خيار الناس ويبقى شرارهم الذين فسدت عهودهم وأماناتهم فقال: {كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة، ثم تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم} رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وهكذا كلما فسدت أمانات الناس فسدت الدنيا، حتى إذا ضيعت الأمانة لم تصلح الدنيا للحياة فتقوم الساعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة: {فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة} رواه البخاري.
• أعظم الناس أمانة :فلا عجب أن تكون الأمانة من أخص صفات الحاملين لأعظم أمانة، وهي أمانة التبليغ عن الله تبارك وتعالى ، فالله يختار من خلقه أكثرهم أمانة على ذلك، فالوحي {نزل به الروح الأمين} وهو أمين الوحي جبريل عليه السلام ، والله يريد للناس الإيمان برسالاته فيبعث في أهل القرى الرجال الأمناء منهم ، ففي سورة الشعراء يخبرنا الله عز وجل أن كل رسول مذكور فيها كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام، كل رسول منهم قد قال لقومه: {إني لكم رسول أمين}، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان في قومه قبل الرسالة وبعدها مشهورا بينهم بأنه الأمين، وكان الناس يختارونه بسبب أمانته لحفظ ودائعهم عنده ، ولما هاجر وكل علي بن أبي طالب رضي الله عنه برد الودائع والأمانات إلى أصحابها ، فقد كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس أمانة ، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله أعظم الناس أمانة ، لأنهم يحملون أعظم أمانة ، وهي رسالة الله إلى عباده.