(الآنسة تيفشولوجي)
بقلم لبنى ياسينيبدو لي أن لغتنا العربية قد ضاقت ببعضنا –على رحابة صدرها- حتى صرنا مضطرين إلى استعارة المصطلحات الهامة من اللغات الاخرى لنعبرعما يجول في خواطرنا، ولو أن أبو الأسود الدؤلي خرج من قبره في هذا الزمان، واستمع إلى بعض أحاديثنا دون ذكرالأخبار ومصائبها، لطفق جارياً إلى قبره وهو يحمد الله على العافية والموت.
وها هي صديقة لي أعرفها منذ زمن بعيد تصاب بعدوى العولمة اللفظية، فتصبح الثقافة في نظرها (لا تقل لي كم كتابا قرأت بل قل لي كم مصطلحاً حفظت)، فإذا بدماغي وهي تتحدث إلي - باستخدام مصطلحاتها المعقدة التي لا ناقة لي فيها ولا جمل- يحتاج إلى دعم لوجستي شديد اللهجة، وهي تحكي لي عن (بيوغرافيا والدها، او سيكولوجية والدتها، وطبوغرافية غرفتها، وإيديولوجيتها الخاصة في الحياة العامة، وحاجتها إلى معارضة الأحكام التعسفية الجائرة التي يحكمها بها أخوها، وبيروقراطية الحياة،) متطرقة إلى أدق التفاصيل بطريقة ليبرالية بحتة، متهمة اياي مرة بأنني فاشية ولا اؤمن بالتعددية إن أنا عارضتها في رأي، أو قطعت لها حديثا من أحاديثها اللا منتهية التي تشبه إلى حد كبير خطاب سياسي محنك طافح بالمصطلحات إلى حد التخمة يملأ صراخه الفضاء والفضائيات وأي شيء له ترددات في آن واحد، وأخرى بالدونكيشوتية إن أنا أخبرتها بأن الأمور قابلة للإصلاح، ولا داعي إلى السوداوية التي تغرقني بها كل مرة حتى أشعر بأن أفضل ما قد يحدث لي هو أن تصدمني سيارة في لحظة قدرية تنهي عذاباً لست أشعر به إلا من خلال أحاديثها اليائسة.
حتى أصبح مجرد رؤية رقمها يتصل على (موبايلـ وجي) الخاص، يثير في شعوراً شوفينياً خالصاً يجعلني أتجاهل صراخ الجهاز المحموم.
أخيرا قررت أن ألقن صديقتي درساً لا تنساه، فما كان مني إلا أن اخترعت مصطلحاً استقيته من معاناتي القاتلة لـ (الطفش) الذي أشعر به مع أحاديثها الديكتاتورية المعقدة، وكان (تيفشولوجيا) مصطلحي الذي حشرته بين الجملة وأختها، ووضعته مكان الفاصلة والنقطة وإشارة التعجب.
لكن صديقتي – ويا للمفاجأة- لم تبدِ أي نوع من الاستغراب ولم تحاول حتى الاستفهام عن معنى مصطلحي الجديد مما أشعرني بالخيبة بشكل راديكالي مر، ذلك أنها بكل بساطة لا تريد الاعتراف بأن هناك مصطلحاً لم يمر ويتسجل على قاموس كلماتها الخاص، وهذا ما جعلني بعدها أقسم ألا اتصل بها بعد أن وصل الامر إلى حده، ولم أستطع أن أنقل رسالة اعتراض بسيطة إلى شوفينيتها القاتلة، ذلك أنها لن تسمح لي بعلاقة فيدرالية واضحة تقوم على أساس الاعتراف بوجود حكم ذاتي، وتكون السلطة فيه مقسمة بالتساوي بين الحكومات الإقليمية التي هي ليست سوى شخصها العظيم وشخصي المتواضع.
الطريف هو ما حدث بعد ذلك..حيث صادفتها مع صديقات لها في زيارة لمنزل إحداهن، كانت تتحدث بطلاقتها المعروفة حاشرة كماً قاتلاً من المصطلحات في حديث لا تتجاوز بساطته كلمتي(كيف حالك؟)، وكان أكثر المصطلحات تردداً بين جملها وكلماتها مصطلحي العزيز،( لذا قررت أن أتقدم إلى الجهات المختصة لأحظى ببراءة اختراع له، خاصة بعد أن لاحظت سرعة تفشيه بين المعارف والصديقات)، حيث كانت تضعه عند كل منعطف حديث معتقدة أن معناه حالة تخاطر عالية بين الاشخاص المتواجدين، وكانت فخورة جداً بامتلاكها لقدر من التيفشولوجيا حتى أنها باتت تنقله بسبب طاقتها العالية إلى كل من حولها.
الحقيقة أن حالة رهيبة من (الدمعـ لوجيا القهقهية) غلبتني وانا أسمعها تتفاخر بالتيفشولوجيا التي تسببها لمن حولها حتى اضطررت إلى الهرب بحجة الحاجة إلى الحمام لئلا ينفضح أمري.
و الأطرف... أنها أصبحت تفتخر بلقب...(الآنسة تيفشولوجي)!!!.
لبنى ياسينكاتبة وصحفية سوريةعضو اتحاد الكتاب العربعضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات