مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " الجمعة أبريل 02, 2010 11:32 am | |
| يقف المسلم المتدبر في آيات القرآن الكريم عند كلمة " الحيوان " فى قوله تعالي " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " (العنكبوت 64 ) ويقول في نفسه : ما علاقة "الحيوان" الذى يمشى على أربع بالدار الآخرة ؟ فيقرأ الآية مرة ثانية " فيجد المولى سبحانه وتعالى يختم الآية الكريمة بقوله " لو كانوا يعلمون " وفى ذلك إشـارة ضمنيــة إلى البحــث في هذه الكلمة ، فيرجع إلى كتب التفاسير، فيجد تفسيرا للكلمة تأتى فى بعضها على النحو التالى : (1)( الطبري ) الحيوان: حياة لا موت فيها. (2)( ابن كثير ) الحيوان: أى الحياة الحق التي لا زوال لها ولا انقضاء، بل هى مستمرة أبد الآباد. (3)( القرطبى ) الحيوان : أى دار الحياة الباقية التى لا تزول ولا موت فيها ، وزعم أبو عبيد أن الحيوان والحياة والحي بكسر الحاء واحد . (4)( البغوى ) الحيوان: أى الحياة الدائمة الباقية، والحيوان بمعني الحياة، أى: الحياة الدائمة. (5)( البيضاوي ) الحيوان: مصدر حي، سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واواً وهو أبلغ من الحياة لما فى بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة. (6)( فتح القدير ) قال ابن قتيبة وأبو عبيدة: إن الحيوان الحياة، وقال الواحـــدي ( وهو قول جميع المفسرين) ذهبوا إلى أن معني الحيوان هاهنا الحياة. ومن هذه التفاسير ، يعلم المسلم أن معني الحيوان هنا " الحياة " وليس " الحيوان " الذى يمشى على أربع ، فيسأل المسلم نفسه مرة أخرى لماذا ذكر رب العزة الآية بلفــظ " الحيوان " ولم يذكرها بلفظ "الحياة " ؟ لابد أن هناك فرقا في المعني بين اللفظين......... نعم هناك فرق بين اللفظين فى المعنى ، وسببه النون المسبوقة بالألف المد ، ونعلم جميعا أن كل زيادة فى مبنى الكلمة تعطى زيادة فى المعنى ، مثل : كلمة " مدرس " و " مدرسون " فزيادة الواو والنون هنا زيادة فى المبنى وتعطى زيادة فى المعنى ، لأن كلمة مدرس تدل على المفرد ، والواو والنون تدل على الجمع ، وهو ما يسميه علم اللغة الحديث : المورفيم : وهو أقل وحدة صرفية تحمل معنى فى بنية الكلمة ، والنون المسبوقة بالألف المد فى نهاية الاسم تعطى زيادة فى المعنى وهى : حقيقة الشيء ، والاسم بدون الألف والنون يدل على صورة الشىء ، والفرق بين حقيقة الشىء وصورته ، كالفرق بين حقيقة الشخص وصورته فى المرآة ، فالحياة صورة ، أما الحياة بزيادة الألف والنون ( بحذف تاء التأنيث وقلب الألف واوا ) هى الحيوان أى حقيقة الحياة . وهذا ما توصلنا إليه بفضل الله تعالى فى بحث بعنوان " صيغ النسب فى اللغتين العربية والسريانية ـ دراسة مقارنة " بحث منشور فى مجلة كلية اللغات والترجمة ـ جامعة الأزهر ، عدد 32. ( البحث منشور على الموقع ) يعرض البحــث النسب فى اللغة العربية ، ويوضح أن القاعدة العامة للنسب فى العربية هى : إلحاق الياء المشددة المكسور ما قبلها بآخر الكلمة ، مثل : " مصري " نسبة إلى مصر ، " إبراهيمي " نسبة إلى إبراهيم ، "جوهري " نسبة إلى الجوهر ، " فكري " نسبة إلى الفكر ، ثم يعرض البحث النسب فى اللغة الآرامية السريانية ( التى هى أخت اللغة العربية لأنهما من أسرة لغوية واحدة ، وهى أسرة اللغات السامية ، وهى لغة أهل الشام قبل الإسـلام ، ولغة الإنجيل والمسيح عيسي ابن مريم عليه السلام ) . ويُظهر البحث مدي التشابه الواضح بين اللغتين فى صيغ النسب ، ويخلص إلى أن النسب في اللغتين العربية والسريانية هو: اختصار يدل على شيء منسوب لآخر ، فبدلاً من أن نقول شيء منسوب إلى " مصر " نقول:" مصري " ، فالاسـم قبـل النســب إلـيه يسمى " منسوباً إليه " وبعـد النسـب يسـمى " منسوباً ". ·ثم يقترح البحث تقسيم النسب فى اللغتين إلى الأقسام الأربعة التالية : 1. نسب حقيـقي: وهــو نسب قيـاسي بالياء ، وفيه يكون المنسوب إليه علماً لشخـص أو مكان ، والغرض منه : هو جعل المنسوب من آل المنسوب إليه، ويكون فى السريانية كالعربيـة بالياء المشددة المكسور ما قبلها فى آخر الكلمة ، مثل : إبراهيمي - مكي . 2. نسب تقليدي: وهو نسب قياسي بالياء ، وفيه يكون المنسوب إليه اسم جنس ( واسم الجنس هو كل ما يدرك بالبصر، مثل: رجل – فرس ، أو يدرك بالعقل، مثل: علم – حكمة ) والغـرض منـه: هو اكتساب المنسوب صفة المنسوب إليه ، وسمي تقليديا لأن فيه تقليد للنسب الحقيقي، فحقيقة النسب أن يكون المنسوب من آل المنسوب إليه الذي هو علم لشخص أو مكان، ويكون في السريانية كالعربيـة بالياء المشددة المكســور ما قبلهـا في آخر الكلمة ، مثل: " طبيعي " نسبة إلى " الطبيعة " ـ " قمري " نسـبة إلى "القمـر " 3. نسـب ذاتــي: وهــو نســب سماعي بالنـون ( لا يجوز قياس كل الأسماء عليه ) وفيه يكون المنسوب إليه اسم جنس ، والغـرض منــه : هو إظهــار صفـة ذاتية للمنســوب على سبيل الحقيقة أو المبالغة ، ويكون فى السريانية كالعـربية بالنـون المسـبوقة بالألفالمد في آخـر الكلمـة ، ولم يذكر علماء اللغة العربية هذا النوع من النسب على الرغم من وجود كلمات كثيرة لهذا النوع فى العربية، فكل الكلمات التى تأتى على وزن فعلان من النسب ، سواء أكانت على سبيل الحقيقة أو المبالغة . ·ومن كلمات النسب الذاتي التى تأتي على سبيل المبالغة كلمة " غضبان " كما في قوله تعالي : فرجع موسي إلى قومه غضبان أسفا ( طه 86 ) ويتضح المعني عنـدما يقال : رجل غاضب ، وفى المبالغة يقال : رجل غَضِب وغضوب ، وإذا زادوا فى المبالغة قالوا : غضبان ، والمعني هنا أنه هو الغضب ذاته ، ومن ذلك يقال : رجل جائع ، وفى زيادة المبالغة يقال : جوعان ، وكأنه يقول هو الجوع ذاته الذى نشعر به ، وقس على ذلك " فرحان " ، وكذلك كلمة " حيران " كما في قوله تعالي : كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ( الأنعام 71 ) ، فالكلمات التي تنتهي بالألف والنون هنا ليست صفة بل هي ذات الصفة التى نشعر بها . ·أما النسب الذاتي الذي يأتي على سبيل الحقيقة يتجلي بوضوح فى كلمة " الرحمن " فهي صفة ذاتية لرب العزة تدل على أن المنسوب هو ذات المنسوب إليه حقيقة، لذلك نرى افتتاحية سور القرآن الكريم بقوله : " بسم الله الرحمن الرحيم " فكلمة الرحمن تدل على الرحمة ، وكلمة الرحيم تدل على الرحمة أيضاً ، إلا أن كلمة الرحمن تدل على صفة ذاتية لا يجوز اتصاف غير الله بها ، أما كلمــة الرحــيم فهــي تدل على صفة عامة يجوز اتصاف غير الله بها ، قال تعالى : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عـزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ( التوبة 128 ) ، وذلك لأن لكل شىء صورة وحقيقة ، فصورة الرحمة نجدها فى صفة " الرحيم" التى يتصف الإنسـان بها ، أما حقيقة الرحمة فنجدها فى " الرحمن " ، وهنا يبرز الفرق بين "الرحـمن " و " الرحيم " من الناحية الصرفية ، وهو النون المسبوقة بالألف المد التى تدل على ذات الشىء وحقيقته ، ونجد ذلك أيضا فى " القراءة " و " القرآن " فالقراءة صورة ، لأن أى كلام مكتوب هو صورة للقراءة ، وبزيادة الألف والنون يكون لفظ " القرآن " الذى يدل على حقيقة القراءة ، وقس على ذلك " الفرق " و " الفرقان " ، و" الرمض " و " رمضان " ، و" الرضى " و " الرضوان " . ومما سبق يوضح لنا النسـب الذاتى ( بزيـادة الألف والنون فى آخر الكلمـة ) كلمـة " الحيوان " في قوله تعالى: " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " ـ فعند النسب إلى كلمة حياة تحذف تاء التأنيث كما في قولنا : فاطمي نسبة إلى فاطمة ، وكذلك ترد الألف إلى أصلها ، وعلى ذلك فنقول فى النسب بالياء "حيوي" ونقول فى النسب بالألف النون "حيوان" ـ فالحياة صورة نعيشها ، وبزيادة الألف والنون على الحياة ، تكون " الحيوان " أى حقيقة الحياة ، فرب العزة ذكر كلمة الحياة خمس مرات عند الحديث عن الحياة الدنيا كما فى قوله تعالى: " ولكم فى القصاص حياةٌ يا أولى الألباب لعلكم تتقون " ( البقرة 179 ) ، وذكر كلمة الحياة احدى وسبعين مرة مقترنة بكلمة الدنيا، كما فى قوله تعالى: " وما هذه الحياةُ الدنيا إلا لهوٌ ولعبٌ " ( العنكبوت 64 ) ، وذكر كلمة الحياة مرة واحدة مع الدار الآخرة وأتت بلفظ الحيوان في قوله تعالي: " وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون " ، وهذا يعطينا دلالة عظيمة، وهى أن الحياة الدنيا صورة من صور الحياة، أما الحياة فى الدار الآخرة فهي الحيوان أي حقيقة الحياة ، ولذلك فإن زيادة الألف والنون فى مبنى الكلمة أعطتها زيادة فى المعنى ، وهو حقيقة الحياة ، وعلى ذلك فإن هناك فرقا بين الحياة والحيوان . ولو أن المولى عز وجل استخدم لفظ الحياة لوصف الدار الآخرة لتساوت الحياة الدنيا بالدار الآخرة ، وهو مالا يبغيه المولى عز وجل ، وإنما جاء التعبير بالحيوان للدلالة على أن الحياة فى الدار الآخرة هى حقيقة الحياة ، وما دونها من الحياة الدنيا ـ التى نحياها ونسعى فيها ـ ماهى إلا صورة نجوع ونشقى ونحزن ونمرض ونموت فيها ، أما الحيوان ففيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وهكذا يتأكد لنا الإعجاز اللغوي فى استخدام القرآن الكريم للفظ "الحيوان" دون غيره من ألفاظ اللغة العربية ، وهى المرة الوحيدة التى ذكرت فيها الحياة مع الدار الآخرة فى القرآن الكريم . ولعل سائل يسأل ما علاقة لفظ الحيوان الذى يمشى على أربع ، بلفظ الحيوان الذى يدل على حقيقة الحياة ؟ والإجابة : إن الحيوان الذى يمشى على أربع ليس له حياة أخرى ، ولا يحيى سوى مرة واحدة ، ولذلك فالحياة التى يحياها الحيوان على الأرض بالنسبة له هى حقيقة الحياة (الحيوان) ولذلك سمى بها . 4.نسب شبيه بالذاتي:وهو نسب سماعي بالنون والياء، وفيه يكون المنسوب إليه اسم جنس ، الغرض منه: هو إظهار صفة للمنسوب شبه ذاتية ، ويكون فى السريانية كالعربية بالألف والنون والياء المشددة فى نهاية الكلمة ، مثل : رباني، روحاني ، شهواني ، علماني ، نفساني ، وهذا النوع من النسب هو الذي أوضح لنا النسب الذاتي (بالنون) حيث إنه نُسب مرتين، كقولنا: إنسان ، نسبة إلى الإنس بزيادة الألف والنون للدلالة على النسب الذاتي، وقولنا: إنساني ، بزيادة ياء بعد النون للدلالة على النسب الشبيه بالذاتي،وكأنما أرجعه إلى الصورة مرة أخرى، وقس على ذلك ، رمضان ورمضاني ، قرآن وقرآني ، شيطان وشيطاني . وهنا نشير إلى أن النحاة العرب فقد أهملوا ما سوى النسب بالياء ولم يعتدوا بالنسب بالنون لأنهم ربما اعتبروا النون فى لفظ مثل الرحمن وكأنها من أصل الكلمة مع أنهم لم ينتبهوا إلى أن أكبر فرق بين صفة الرحمن والرحيم هو النون ، كما اعتبر النحاة العرب المختوم بالألف والنون والياء ، مثل : "روحاني" من الشواذ، وهنا يجب أن أشير إلى إشكالية تتعلق بكلمة شاذ فى النحو العربي إذ أن هذا الشاذ أى القليل أو النادر من الأفضل أن ننظر إليه على أنه إما بقايا ظاهرة مندثرة أو بداية ظاهرة جديدة لم تنتشر بعد ، ويمكن معرفة هذا أو ذاك عن طريق مقارنة الظاهرة فى اللغات السامية الأخرى ، مثل العبرية والسريانية.
| |
|